منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 07 - 2015, 06:20 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

رسالة التطويبات
رسالة التطويبات
بقلم الأب سمير بشارة اليسوعيّ
مقدمة
ليس من السهل على الإنسان أن يعيش في عالم مخضوض بالصراعات السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة خاصةً...كم هي عديدة التعزيات التي يقدّمها مجتمعنا، وكم هي عديدة أيضاً الانقباضات! يتبيّن لنا أنّ السعداء اليوم، كما البارحة، هما الأغنياء والأقوياء والجالسين على العروش... فهل من وصفة سحريّة للسعادة؟ وهل يكفي، لنعيش سعداء، أن... ربّما أن نقرا الكتاب المقدس!
يتمّ التعريف عادةً، في الكتاب المقدّس عن الأفراح والأتراح عبر كتالوجات أو لوائح محدّدة.

رسالة التطويبات
كان العهد القديم يتلو بصوت عال وعلى الجبل (جبل جرازيم وعيبال) لائحة رسميّة باللع
نات (راجع تث 12)، بينما الإنجيل لن يتردّد أن يتلو بصوت عال وعلى الجبل أيضاً لائحة رسميّة التطويبات. وينتهي العهد القديم مع سفر ملاخي بلعنة علنيّة فاضحة (الفصل 6)، بينما يُفتتح العهد الجديد مع الإنجيل ببركة علنيّة ملمّحاً أنّ الشريعة، أمس، كانت محامية الموت، أمّا الانجيل، اليوم، فهو محامي الحياة.
أن نكون سعداء: ربّما كان هذا هدف مجيء المسيح على الأرض... فما هي شروط السعادة؟ وإلى أي مدى رسالة التطويبات في إنجيل متى قادرة أن تعطينا جواباً واضحاً؟ سنلقي نظرة شاملة على بنية التطويبات، ومن ثمّ نعرض تحليلاً لبعض المصطلحات.
متى 5: 3 - 12:
3طوبى لِفُقراءِ الرُّوح فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات.
4طوبى لِلوُدَعاء فإِنَّهم يرِثونَ الأَرض.
5طوبى لِلْحزانى، فإِنَّهم يُعَزَّون.
6طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون.
7طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون.
8طوبى لأَطهارِ القُلوب فإِنَّهم يُشاهِدونَ الله.
9طوبى لِلسَّاعينَ إلى السَّلام فإِنَّهم أَبناءَ اللهِ يُدعَون.
10طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات.
11طوبى لكم، إِذا شَتَموكم واضْطَهدوكم وافْتَرَوْا علَيكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي،
12اِفَرحوا وابْتَهِجوا: إِنَّ أَجرَكم في السَّمَواتِ عظيم، فهكذا اضْطَهدوا الأَنبِياءَ مِن قَبْلِكم“.
أ - نظرة شاملة

تتألّف المجموعة المدوّنة في متى 5/3-12 من تسع تطويبات، ويشير إلى ذلك تكرار المصطلح “طوبى” تسع مرّات. تُكوّن التطويبات الثمانية الأولى وحدة أدبيّة: تكرّر التطويبة الثامنة حرفياً السعادة المذكورة في التطويبة الأولى:”فإنّ لهم ملكوت السموات”. فيبيّن هذا الاحتواء مضمون المكافأة التي تدور حول “ملكوت السموات”. فما هو مفهوم هذا الملكوت؟ وما هي في الواقع شروط الدخول إليه؟
تنقسم هذه التطويبات أدبياً إلى قسمين؛ وكل قسم مؤلّف من أربع تطويبات: تذكر التطويبتان الرابعة والثامنة المصطلح ذاته: “البرّ”: سيأتي التركيز في العظة على الجبل على البِرّ الذي يطلبه يسوع من التلاميذ ليدخلوا ملكوت السموات (5/20 و6/1 و30)؛ فيشكّل البرّ إذاً الصلة ما بين العظة على الجبل والتطويبات.
إنّ التطويبة التاسعة من طراز مختلف: التطويبات الأولى مختصرة أما هذه فهي موسّعة. التطويبات الأولى في صيغة الغائب (بُعد الشموليّة) أما هذه فهي في صيغة المخاطب (أنتم) وهي موجهة مباشرةً إلى التلاميذ. التطويبة التاسعة إمتداد واضح للسلسلة السابقة إذ تخصّ، كما التطويبة الثامنة، أناس سيعانون الاضطهادات؛ وبتوجيهها إلى التلاميذ مباشرةً تُكَوّن مدخلاً إلى القسم الثاني من العظة على الجبل.
نحن إذاً أمام مجموعة من ثماني تطويبات تنقسم إلى مقطعين؛ ثمّ هناك تطويبة تاسعة تمهّد للوصايا المقبلة والتي توضّح الدور الذي سيقوم به التلاميذ أمام العالم (مثل دور الملح في الأرض والنور في العالم،...).
ب- تحليل
تتبع التطويبات هيكليّة أدبيّة واضحة: منادى“طوبى”؛ يليه“هويّة” الأشخاص الذين ينالون التطويبة؛ ومن ثمّ ذكر “السعادة” أو المكافأة الموعود بها.
1- طوبى (makarioi)
تعني عبارة “طوبى” تهنئة وبركة في آن واحد وتضمّ الاعتراف بحالة سعادة تتحقّق أوعلى قيد التحقيق. ويرد المصطلح “طوبى” بإنجيل متى في أربع مراجع أساسيّة:
1- ...الموتى يقومون والفقراء يبشَّرون، وطوبى لمن لا أكون له حجر عثرة (11/6). إنّ الإطار هو شهادة يسوع أمام تلاميذ يوحنا المعمدان: والتطويبة مرتبطة بـجذريّة الرسالة التي ترافق افتتاح الملكوت من قبل يسوع (وعدم تعطيل هذه الشهادة).
2- طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع (13/16). إنّ الإطار هو اعتلان يسوع أسرار الملكوت: والتطويبة مرتبطة برجاء الأنبياء والصديقين لمشاهدة المسيح: “إِنَّ كثيراً مِنَ الأَنبِياءِ والصِدِّيقينَ تَمَنَّوا أَن يَرَوا ما تُبصِرونَ فلَم يَرَوا، وأَن يَسمَعوا ما تَسمَعونَ فلَم يَسمَعوا”(13/17).
3- طوبى لك يا سمعان بن يونا... (16/17). إنّ الإطار هو شهادة إيمان بطرس: والتطويبة مرتبطة بالكشف عن هوية يسوع الحميمة: “أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ”(16/16).
4 - طوبى لذلك الخادم الذي إذا جاء سيّده...(24/46). إنّ الإطار هومثل الوكيل الأمين: والتطويبة مرتبطة بعلامات الأزمنة التي سترافق مجيء إبن الإنسان (24/44).
نلاحظ أنّ المصطلح “طوبى”مرتبط في إنجيل متى وبشكل واضح بشخص المسيح، والكشف عن هويّته ورسالته، وفي الإطار ذاته: تدشين ملكوت السموات.
2- هويّة الأشخاص الذين ينالون التطويبة
ترتبط السعادة أو المكافأة الموعود بها١بهويّة الأشخاص الذين ينالون التطويبة. وعدّة مصطلحات تكشف عن هذه الهويّة :فقراء – حزانى – ودعاء - جياع وعطاش – رحماء - أطهار – فاعلوا السلام - مضطهَدون.
فقراء (ptokhoi)
يرد المصطلح “فقراء” ثلاث مرات في إنجيل متى:
- “إذهبوا فأخبروا يوحنا...: الموتى يقومون والفقراء يبشّرون”(11/3؛ الإطار: يسوع يعلن بشارة الملكوت).
إنّ "تبشير الفقراء" هو دليل واضح للكشف عن هويّة يسوع؛ راجع في هذا الإطار سؤال تلاميذ يوحنا المعمدان ليسوع: “أأنتَ الآتي؟...”(11/3)، فيأتي حواب يسوع علناً: “إذهبوا فأخبروا... الفقراء يبشّرون...”؛ كما هوشرط أساسي لإعلان بشارة الملكوت (11/2-6). من جهّة أخرى، يحرّم المسيح من الطوبى من لا يسعى معه إلى تبشير الفقراء: “...الفقراء يبشّرون، وطوبى لمن لا أكون له حجر عثرة” (6/11). يُشار بوضوح من خلال هذا “الحرمان” كم المسيح مُعنى بالفقراء لدرجة أنّ كلّ من يعارضهم أو يتصدّاهم يكون بمثابة عدوّ له ولرسالته.
- “أعطِ أموالك للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال فاتبعني”(19/21؛ الإطار: دعوة الشاب الغني). يوضّح هنا يسوع أنّ إغاثة الفقراء هي سبيل لنيل الكمال: “إذا أردت أن تكون كاملاً، فاذهب وبع...” (19/21)، كما أنّها شرط أساسي للتتلمذ للمسيح؛ ومن لا يسعى إلى هكذا تخلّي يبقى حزيناً (عدم الطوبى): “انصرف حزيناً لأنّه كان ذا مال كثير”(19/22). يبرز هذا الحدث تمثّل المسيح بشخص الفقير، بحيث أنّ الذي لا يتخلّى عن كلّ شيء ويفتقر مثله لا يستطيع أن يكون له تلميذاً.
- “الفقراءعندكم دائماً أبداً، وأما أنا فلست عندكم دائماً أبداً”(11/26؛ الإطار: دهن يسوع بالطيب).
الفقراء - عندكم - دائماً أبداً // أنا - لست عندكم - دائماً أبداً
يُبرز التوازي القائم بين شطرَي هذه الآية أنّ يسوع بمثابة فقير يحقّ له الإكرام. ويرتبط هذا الإكرام بالإشارة إلى موته ودفنه. كما يُعتبَر هذا الإكرام “بشارة” (أي مساهمة في تدشين الملكوت: “الحقّ أقول لكم: حيثما تُعلَن هذه البشارة في العالم كلّه، يُحدَّث بما صنعت إحياءً لذكرها” (13/26). تعبّر هذه المراجع الثلاثة بوضوح عن رغبة يسوع في تماثله بالفقراء، وعن جذريّة ارتباط مصيره بمصيرهم. إنّ كلمة “فقراء” مقترنة في هذه التطويبة بكلمة أخرى: “الروح”...
يرد المصطلح "روح" – بالمعنى “البشري” – مرّة واحدة في إنجيل متى: “إسهروا وصلّوا لئلاّ تدخلوا في التجربة. الروح مندفع وأمّا الجسد فضعيف”(26/41). إنّ الإطار هو صلاة يسوع في بستان الزيتون)؛ ويطلب يسوع من التلاميذ أن يمكثوا معه ثابتين في السهر والصلاة: “أمكثوا هنا واسهروا معي” (26/38). إنّ “اندفاع الروح” عليه أن يُلزِم التلاميذ على مرافقة المسيح في ساعة التخلّي هذه، التخلّي عن مشيئته الشخصيّة: “فلتبتعد عنّي هذه الكأس، ولكن لا كما أنا أشاء، بل كما أنت تشاء”(26/39).
يتّضح لنا من خلال هذه المراجع الثلاثة أنّ الفقر الروحي يكمن في الاستعداد الجذري للتتلمذ للمسيح، في السهر والصلاة، والتخلّي عن المشيئة الشخصيّة لكي، على غرار المعلّم، الفقير الأول، نسعى بتواضع الى تحقيق مشيئة الآب.
حزانى (penthountes)
- “أيستطيع أهل العرس أن يحزَنوا ما دام العريس بينهم؟” (9/15). يرد المصطلح “حزن”مرّة واحدة في إنجيل متى، في إطار جدال يسوع مع تلاميذ يوحنا حول مسألة الصوم. جواب يسوع واضح: ما يسبّب الحزن هوغياب العريس (موته ورفعه). ويتّضح مفهوم الحزن هذا، إذ يأتي الفعل“حزن” في تواز مباشر مع فعل “صام” (أي “إمتنع”): “لكِن سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعْ العَريسُ مِن بَيْنِهم، فَحينَئذٍ يَصومون”(9/15). يكمن الحزن إذاً في حالة الغياب عن أو الامتناع: وهو الغياب "عن الأكل" في الصوم – والغياب عن الحبيب عند ساعة الموت.
تشير التطويبة“طوبى للحزانى” في هكذا إطار الى وضع المؤمن الذي يفتقد إلى الحبيب ويتوق إليه دائماً؛ ولم يزل حزيناً ما دام الحبيب غائباً. نستنتج أنّ الحزن هنا ليس بالضرورة شعوراً سلبيّاً لكن حركة داخليّة تمتاز بالبحث عن الحبيب والسعي المستمرّ الى الالتقاء به.
ودعاء (praés)
رسالة التطويبات
- “احملوا نيري وتتلمذوا لي فإني وديع متواضع القلب” (11/29)؛ - “هوذا ملككِ آتياً إليكِ وديعاً راكباً على أتان... (21/5)؛ ترتبط الوداعة في هذين المرجعَين "بدراما الآلام": يشير الإطار الأول إلى ضرورة حمل النير، والإطار الثاني الى دخول المسيح أورشليم؛ ويتّضح هنا مفهوم الوداعة: إنّها تعزية للمتعبين والمرهقين وتفترض تواضعاً وانحناء قلب (11/28 -30)، كما عليها أن تنفي حبّ الظهور والصدارة (راكباً على آتان...) وأن تتقبل إهانة الصليب وذلّه.
جياع وعطاش (peinontes-dipsontes)
يرد فعل جاع أربع مراّت في الإنجيل وفعل عطش مرّة واحدة؛ والملفت أنّ يسوع هو المعنى دائماً في هذه المراجع:
- “فصامَ أَربَعينَ يوماً وأَربَعينَ لَيلةً حتَّى جاع” (3/2؛ تجربة يسوع في البرّية).
- “في ذلك الوَقْتِ مَرَّ يسوعُ في السَّبْتِ مِن بَينِ الزُّروع، فجاعَ...” (12/1؛ أكل السنابل يوم السبت).
- “وبينَما هو راجعٌ إلى المَدينَةِ عِندَ الفَجْر، أَحَسَّ بِالجوع”(21/18؛ يسوع يلعن التينة).
- ”لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريباً فآويتُموني”(25/35؛ مثل الدينونة الكبرى).
يتبيّن لنا، من خلال إطار كلّ حدث، أنّ لجوع المسيح وعطشه مفهوماً واضحاً:
في الإطار الأول (تجربة يسوع في البريّة)، إنّه الجوع لكلمة الله: “مكتوبٌ: ليسَ بِالخُبزِ وَحدَه يَحيْا الإِنْسان بل بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمِ الله”(3/4).
وفي الإطار الثاني (أكل السنابل يوم السبت)، إنّه الجوع لكي تكون الشريعة في خدمة الإنسان: “ولو فَهِمتُم مَعنى هذهِ الآية: إِنَّما أُريدُ الرَّحمَةَ لا الذَّبيحة، لَما حَكَمتُم على مَن لا ذَنْبَ علَيهِم. فَابنُ الإِنسانِ سَيِّدُ السَّبْت” (12/7).
وفي الإطار الثالث (لعن التينة)، إنّه الجوع لنمو الإيمان عند التلاميذ: “فأَجابَهم يسوع: الحَقَّ أَقولُ لكم: إِن كانَ لَكم إِيمانٌ ولم تَشُكُّوا، لا تَفعَلونَ ما فَعَلتُ بِالتِّينَةِ فَحَسْبُ، بل كُنتُم إِذا قُلتُم لهذا الجَبل: قُمْ فاهبِطْ في البَحر، يَكونُ ذلك. فَكُلُّ شَيءٍ تَطلُبونَه وَأَنتُم تُصَلُّونَ بِإِيمانٍ تَنالونَه“ (21/21-22).
وفي الإطار الرابع والأخير (مثل الدينونة الكبرى)، إنّه الجوع والعطش لعمل الخير تجاه كلّ إنسان: “الحَقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه” (25/40).
طوبى للجياع والعطاش إلى... البرّ: يتّخذ البرّ في ضوء ما سبق مفهوماً واضحاً: يرتكز البرّ على تعزيز كلمة الله في حياة الإنسان، وتنشيط إيمانه، والسعي إلى عيش فضيلة المحبّة والخدمة جاعلاً الشريعة للإنسان ولا الإنسان للشريعة...
رحماء (eleémones)
ترد كلمة “رحمة” في ثمان مراجع كلّها خاصة بيسوع (مصدر وفعل)٢. ويتبيّن لنا أنّ رحمة يسوع موجّهة دائماً إلى فئتَين من الناس: المرضَى والخطأة. وليست هذه الرحمة نظريّة لكن فعّالة وعمليّة، وهي مبنيّة على واقع“الشفاء”: الشفاء من المرض الخارجي (عمى وشلل، إلخ...)، ومن المرض الداخلي: الخطيئة.
أطهار (katharoi)
- “فأخذ يوسف الجثمان ولفّه في كتّان طاهر”(27/59). من الملفت أن المصطلح “طاهر” لا يرد إلا هنا في الإنجيل، في إطار دفن يسوع٢. يفيد النصّ أنّ يوسف الرامي طلب من بيلاطس الجثمان ليدفنه، وكان يوسف الرامي قد تتلمذ أيضاً ليسوع (27/57). كما يوضّح أنّه وضع الجثمان في قبر جديد (27/60). تحيط بدفن يسوع بعض المؤشّرات: يُعنى بالكتّان الطاهر أنّه لم يستخدَم سابقاً: وهذا يعني أنّه خال من كلّ دنس ناتج عن اللمس أو الإتصال بجسد آخر. كذلك الإشارة الى القبر الجديد: يقول الإنجيلي إنّ يوسف الرامي حفره هو نفسه، ملمّحاً أنّه صنعه له. لم يكن للمسيح منزلاً خاصاً في حياته، ولن يكن له قبراً خاصاً في موته. يملك الإنسان عادةً في مفهوم العهد القديم شيئَين: خطاياه وقبره؛ فالقبر هو إرث الخاطئ (اي 24/19): لم يكن للمسيح قبراً لأنّ لم يكن له خطايا – كونه طاهراً في قلبه وجسده. قد تشير طهارة القلب في هذا الإطار المحدّد الى الامتناع عن الخطيئة وعدم الاحتكاك بها: هي طهارة تعتمد الزهد والتجرّد (إشارةً إلى ما سبق) والابتعاد الجذري عن كلّ أمر مدنِّس للقلب.
فاعلوا السلام (eirenopoioi)
رسالة التطويبات -
“وقد حقّق السلام بدم صليبه” (قول1/20). إنّ المصطلح “فاعل السلام” لا يرد إلا مرّة واحدة في العهد الجديد: في الرسالة الى أهل قولسي؛ هل قرأ متى هذه الرسالة؟ ... ينبغي علينا أن نوضّح هذا المصطلح في ضوء هذا المرجع الوحيد. إنّ الإطار الذي يرد فيه “فاعل السلام” هو إطار "المصالحة": مصالحة جميع البشر مع الله: “فقَد حَسُنَ لَدى الله أَن يَحِلَّ بِه الكَمالُ كُلُّه. وأَن يُصالِحَ بِه ومِن أَجلِه كُلَّ موجود مِمَّا في الأَرْضِ ومِمَّا في السَّمَوات وقَد حَقَّقَ السَّلامَ بِدَمِ صَليبِه” (قول1/19-20). ولا يمكن أن تتمّ هذه المصالحة إلاّ بذبيحة دم المسيج على الصليب. تأخذ التطويبة هذه بعداً دراماتيكيّاً، إذ يتّضح لنا أنّ القيام بفعل السلام يقتضي بذل ذات وتضحية تامّة: تضحية قد تقود المؤمن الى الاستشهاد، من أجل مصالحة البشرمع الله.
مضطهدون (dediogmenoi)
- “أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم، لِتَصيروا بني أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات”(5/44-45). يرد هذا المصطلح في خطبة يسوع على الجبل٤. ويتّضح فيها أنّ محبّة الأعداء والصلاة من أجل المضطهِدين هما باباً للدخول في الشركة الإلهيّة: ففي الاضطهاد ينال المؤمنون "البنوّة الإلهيّة". تدخلنا هذه التطويبة في سرّ ”أخوّة يسوع”: نصبح في الواقع إخوة يسوع بقدر ما نتضامن معه في تحمّل نير الاضطهاد ومحبّة الأعداء: وهو إضطهاد يقود الى الكمال: "...فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل"(5/48).
خاتمة
لاحظنا من خلال قراءتنا للتطويبات أنّها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برسالة المسيح الشخصيّة. وكأنّها "تتدفّق من جنبه المطعون" ... فهي رسالة تعانق دراما الصليب كما أشارت إلى ذلك معظم المراجع. وهي تجتاز "برّية ملتهبة"، من "صحراء" التجارب إلى "صحراء" القبر الفارغ. وهي رسالة مدوّنة بإنسانيّة المسيح، والتي تشكّل النافذة أو الباب الضيّق لدخول ملكوت السموات.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
يا من دعونا الى متابعة رسالة التطويبات
هدف رسالة التطويبات في إنجيل متى في الكتاب المقدس
افتتح يسوع رسالة التطويبات لكنه عهد الى تلاميذه في متابعة رسالته
رسالة التطويبات في ضوء لوقا الإنجيلي
التطويبات


الساعة الآن 06:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024