بعض من أقواله
تلك كانت سيرة القديس الأنبا موسى الأسود، والآن نعرض لبعض من أقواله، والفرق بين سير الآباء وأقوالهم: هو أن الأقوال هي التعاليم التي يلقنونها لأولادهم في إرشادهم لهم، والآراء التي يدلون بها في أمر ما، والقوانين التي يسنّونها (مثل قوانين القديسين باخوميوس وباسيليوس وغيرهم..) ومناقشاتهم ومناظراتهم (مثل مناظرات يوحنا كاسيان). وأمّا السيرة فهي ذلك المزيج بين ما يقولونه وما يحيونه، ولا شك أن السلوك والبعد الحياتي يكون أشد تأثيرًا من الكلام فقط. ولكن الآباء كانوا يعملون ويقولون، كان يعمل ملتزمًا الصمت دون أن يتكلّم. فبعضهم كان لا يجيد التعبير عمّا في داخله وبعضهم كان لا يريد التعبير، وفي مديح الآباء للبعض يقولون: الأب العامل العالم!!
والآن نورد بعض من أقوال القديس حسبما استطعنا أن نجمع من عدة مصادر.
أقواله (ضمن ردّ على سؤال أرسل به إليه أنبا نومين)
لماذا نحب الفضائل:
لنقتنِ لأنفسنا شوق الله، فإنّ الشوق إليه يحفظنا من الزنى، ولنحب المسكنة لتخلِّصنا من حب الفضة، ولنحب السلام لينقذنا من البغضة، ولنقتنِ الصبر وطول الروح لننجو من صغر النفس، ولنحب الكل محبةً خالصةً لكي نُحفَظ من الغيرة والحسد، ولنحب الاتضاع في كل أمر وكل عمل، لنحتمل المسبّة والتعيير لنتخلّص من الكبرياء، ولنكرم الجميع من كل الوجوه لكي نُحفَظ من الدينونة.
لنرفض شرف العالم وكراماته لنتخلّص من المجد الباطل، ولنستعمل اللسان في ذكر الله والحق لنتخلّص من الكذب، ولنحب طهارة القلب والجسد لننجو من الدنس، لأنّ هذا كله يحيط بالنفس ويضبطها عند خروجها من الجسد، فمَنْ كان حكيمًا ويتصرّف بحكمةٍ لا ينبغي أن يترك نفسه بدون أعمالٍ صالحةٍ حتى يخلص من تلك الشدّة. فلنحرص بقدر طاقتنا وربنا يُعين ضعفنا، لأنه يعلم شقاء الإنسان، لذلك وهب له التوبة ما دام في هذا الجسد.
بغضة العالم:
لا تُصغِ إلى أمور العالم كأنه هو هدفك حتى يمكنك أن تخلص، ولا يكُن لك في هذا العالم رجاء لئلاّ يبطل رجاؤك في الله. اُمقت أقاويل العالم لكي يعاين قلبك الله. داوم الصلاة في كل حين ليستنير قلبك بالله، لا تحب البطالة لئلاّ تحزن، أتعب جسمك حتى لا تخزى في قيامة الصدِّيقين.
احفظ لسانك لتسكن في قلبك مخافة الله. أعطِ المحتاجين بسخاءٍ لئلاّ تخجل بين القديسين وتفوتك خيراتهم. اُمقت شهوة الأطعمة لئلاّ يحيط بك عماليق. كُنْ متيقّظًا في صلاتك لئلاّ تأكلك السباع الخفية. لا تحب الخمر لئلاّ يحرمك من مسرة الله. حِبّ المساكين لكي تنجو في أوان الشدّة. كُنْ مشتاقًا إلى القديسين لكي تأكلك غيرة أعمالهم. اذكر ملكوت السماء لتتحرك فيك شهوتها. تفكّر في نار جهنم لكي تمقت أعمالها.
الذي يريد كرامة الرب (أي تكريمه) يتفرّغ لطهارة نفسه من الدنس. إن كنا نملّ فنحن نشهد على أنفسنا أن الهزيمة هي منا نحن. مَنْ يُحقِّر ذاته ولا يعتبر نفسه شيئًا يكون مواظبًا على تحقيق مشيئة الله، ومَنْ يحب أن يطرح كلامه وسط الجماعة فقد دلَّ بذلك على أن مخافة الله ليست فيه، لأن مخافة الله هي حفظ ومعونة للعقل كما أن الملك هو معين لمن يطيعه، أما الذين يريدون أن يقتنوا الصلاح فهم إذا سقطوا لا تصغر نفوسهم بل يقومون بنشاط واهتمام بالأعمال الصالحة.
أسلحة الفضائل:
أسلحة الفضائل هي أتعاب الجسد بمعرفةٍ، أما التواني فيولِّد القتالات. مَنْ له معرفة مع همَّة فقد أهان الشر لأنه مكتوبٌ إنّ الاهتمام يتبع الرجل الحكيم، والضعيف الهمّة لم يعرف أمر خلاصه بعد. الذي يقهر أعداءه يُكلَّل بحضرة الملك، ولو لم يوجد حرب وقتال لما وُجِدَت فضائل، والذي يقاتل بمعرفة هو الذي أبعد عنه الدينونة لأنّ هذا سورٌ حصين، والذي يدين قد حطّم سوره بنقص معرفته. الذي يهتم بضبط لسانه يدل على أنه عمَّالٌ في الفضيلة، ونقص تأديب اللسان يدل على أنه ليس في صاحبه عملٌ صالح.
الصدقة بمعرفةٍ تولِّد النظر إلى ما سيكون (أي بُعد النظر) وترشد إلى المحبة، والقاسي القلب يدل على أنه ليست عنده فضيلة. الحرية تولِّد العفة وحمل الهموم يولِّد الأفكار. قساوة القلب تولِّد الغيظ والوداعة تولِّد الرحمة. بُغض التنزُّه هو نسكٌ للنفس، والعوز هو نسكٌ للجسد. حمل الهموم هو سقوطٌ للنفس، وتهذيبها هو السكوت بمعرفةٍ.
الشبع من النوم يولِّد إثارةً للأفكار، والسهر بمقدارٍ يعين على خلاص النفس. النوم الكثير يولِّد كثرة التخيُّل، والسهر بمعرفةٍ يُزهر العقل ويجعله مثمرًا. النوم الكثير يجعل الذهن كثيفًا، والسهر بقدرٍ يجعله لطيفًا. مَنْ ينام بمعرفةٍ أفضل ممن يسهر في الكلام البطال.
النوح يطرد جميع أنواع الشر عندما تثور. إذا احترس الإنسان من أن يُكدِّر رفيقه بظنٍّ رديء فهذا يولِّد له الاتضاع، أما تكريم الناس له فيولِّد له البذخ وترفُّع الفكر. حُبّ التفاخر يطرد المعرفة، وضبط شهوة البطن يذلِّل من ميول الجسد. شهوة الأطعمة توقظ القتالات والامتناع عنها يقمع هذه القتالات. زينة الجسد هزيمة للنفس، والاهتمام به بمخافة الله محمودٌ. ذكر يوم الدينونة يولِّد في القلب تقوى الله، وقلة مخافة الله تُسبي العقل. السكوت بمعرفةٍ يهذِّب الفكر، وكثرة الكلام تولِّد الضجر والجنون (أو انحراف الفكر). قطع الهوى يدل على إتمام الفضيلة، وإكمال الهوى يدل على نقص المعرفة.