معاملات الله مع الأمة الإسرائيلية
نقرأ في سفر أشعياء النبي (ص 6) أنه عندما رأى النبي مجد الرب في هيكل أورشليم في سنة وفاة عزّيا الملك، أعلن له الرب حكمه القضائي على الشعب "أعمى عيونهم وأغلظ (قسّى) قلوبهم بسبب عدم إيمانهم بالرب يسوع. هذا ما نفهمه من انجيل يوحنا (ص 12: 37 – 41) لكنه أعلن أيضاً للنبي تلك الكلمة التي تدل على أن الرب سيظل أميناً لوعده ومواعيده للآباء (ابراهيم واسحق ويعقوب) "ويرجعوا فأشفيهم" فهو يجرح ويعصب. يجرح عندما تهان قداسته. لكنه في نعمته يعصب ويشفى التائبين الراجعين له. لقد تنبأ الأنبياء عن رجوعهم وشفائهم. ولا بد أن يتم المكتوب. في كل مرة يتكلم الكتاب عن ضربة العمى القضائي وقساوة قلوبهم يتكلم أيضاً عن رجوعهم وشفائهم لئلا يظن الناس أن الله قد رفض اسرائيل نهائياً وحاشا له أن يفعل ذلك بسبب مواعيده للآباء ولأنه أمين صادق في مواعيده.
نقرأ عن قساوتهم ورجوعهم في (أشعياء 6: 10) أن النبي الذي يعرف نعمة الرب لم يقل عبثاً "إلى متى أيها السيد الرب؟" ومضمون إجابة لرب على سؤاله إن البطمة التي قطعت سوف يفرخ في النهاية. ولو قطعت البطمة والبلوطة تبقى الساق. ولو قطعت الأمة تبقى بقية "بقية سترجع" وهذا هو معنى اسم ابن النبي "شآريا شوب" معنى الاسم "بقية سترجع" إن اسمى ابني النبي إشعياء كانا لأجل آيات وعجائب في اسرائيل (إشعياء 8: 18) أي إن أسماءهم كانت نبوية.
ولضيق هذا الحيز أرجو القارىء أن يرجع إلى كتابه المقدس لكي يقرأ ما جاء في العهد القديم والعهد الجديد عن "يرجعوا فأشفيهم". إن هوشع تنبأ عن رجوعهم وشفائهم قائلاً بلغة البقية التائبة الراجعة للرب "هلمّ نرجع إلى الرب لأنه هو افترس فيشفينا. ضرب فيجبرنا. يحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هوشع 6: 1، 2). اقرأ أيضاً (متى 13: 15) وكذلك (يوحنا 12: 40) أيضاً (أعمال 28: 27).
والرجوع معناه التوبة بالإيمان نظير قول الابن الضال "أقوم وأرجع إلى أبي وأقول له أخطأت" (لوقا 15) لأن التوبة والإيمان لا يفترقان ونقرأ عن توبتهم وإيمانهم في مواضع كثيرة في العهد القديم. في (إرميا 31: 8) يتكلم عن توبة الأسباط العشرة والذين يقال عنهم أنهم مفقودون. لكن مبدد اسرائيل لا بد أن يجمعه (إرميا 31: 10) "سمعاً سمعت إفرايم ينتحب (يبكي بمرارة) أدبتني فتأدبت – توبني فأتوب لأنك أنت الرب إلهي. لأني بعد رجوعي ندمت..." وعلى أثر توبتهم وإيمانهم بالرب يسوع سيقطع مع بيت اسرائيل (الأسباط العشرة) ومع بيت يهوذا (يهوذا وبنيامين) عهداً جديداً ليس كالعهد الذي قطعه مع آبائهم (إرميا 31: 31، عبرانيين 8: 7 – 13).
ونقرأ عن توبتهم وبكائهم في (زكريا 12: 10، 11) "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إليّ الذي طعنة وينوحون عليه..."
كما نرى توبتهم في (إشعياء 53) معترفين بخطيتهم أنهم كانوا ينظرون إلى الرب يسوع عندما جاءهم متضعاً في أيام جسده، كمن لا صورة له ولا جمال ولا منظر فيشتهوه. محتقر ومخذول من الناس... وكمستر عنه وجوههم (كأن برقعاً كان موضوعاً على وجوههم وقلوبهم) محتقر فلم يعتدوا به. لكن سيعترفون أنه كان مجروحاً لأجل معاصيهم مسحوقاً لأجل آثامهم.
كما تنبأ هوشع قائلاً بلغة البقية الراجعة التائبة "هلم نرجع إلى الرب" (ص 6: 1) كما تنبأ أيضاً قائلاً "لأن بني اسرائيل سيقعدون أياماً كثيرة بلا ملك ولا رئيس ولا ذبيحة ولا تمثال ... (كما هو حادث في الوقت الحاضر) فالآن لا توجد عبادة حقيقية عند اليهود: لأنه لا يوجد مذبح ولا ذبيحة تقدم على المذبح. كما لا توجد عبادة وثنية. لقد هدم الهيكل سنة 70 ميلادية وأخربت المدينة وقضى الله عليهم بالتشتيت ومنذ ذلك الوقت تعطلت عبادتهم وهذا ما أنبأ به النبي هوشع "يقعدون أياماً كثيرة... أكثر من (2000) سنة بلا ملك ولا رئيس ولا ذبيحة ولا تمثال وثني".
لأن روح العبادة الوثنية قد فارقهم منذ السبي البابلي لكنه سوف يرجع إليهم بأبشع صورة كما أنبأ عن ذلك الرب يسوع نفسه في (متى 12) فمع وجود الرب يسوع وسطهم وهو أعظم من الهيكل (متى 12: 6) وأعظم من يونان وأعظم من سليمان (متى 12: 41، 42) فإنهم جدفوا عليه وجدفوا على الروح القدس وقالوا عن الرب يسوع أنه ببعلزبول رئيس الشياطين يخرج الشياطين لذلك يقول لهم "إذا خرج الروح النجس من الإنسان يجتاز في أماكن ليس فيها ماء يطلب راحة ولا يجد. ثم يقول أرجع إلى بيتي الذي خرجت منه. فيأتي ويجده فارغاً مكنوساً مزيناً (أي مهيأ لساكن). ثم يذهب ويأخذ معه سبعة أرواح أخر أشر منه فتدخل أيضاً لهذا الجيل الشرير" (متى 12: 43 – 45) ويقصد بالجيل الشرير الأمة اليهودية التي رفضت المسيح ولا زالت رافضة له. ومغزى كلام الرب يسوع أن روح عبادة الأوثان فارقهم منذ السبي البابلي سوف يرجع إليهم أردأ.
فكما نرى في الوقت الحاضر بداية تجمعهم في أرض فلسطين لكن سوف يظهر بينهم شخصية رهيبة يدعوه الرسول بولس في رسالة تسالونيكي الثانية (2: 3) "إنسان الخطية" و"ابن الهلاك" ويدعوه يوحنا في رسالته الأولى "ضد المسيح" (1 يو 2: 18، 22) كما يدعى في سفر الرؤيا "النبي الكذاب" و"الوحش الطالع من الأرض" وهو حليف الإمبراطور الروماني الغربي الذي هو "الوحش الطالع من البحر" (رؤيا ص 13).
والنبي الكذاب شخصية يهودية ويصنع آيات عظيمة حتى أنه يجعل ناراً تنزل من السماء على الأرض قدام الناس. ويضل الساكنين على الأرض بالآيات التي أعطي أن يصنعها... (رؤيا 13: 12 – 18) وكلاهما أي الرئيس اليهودي والرئيس الغربي سوف يطرحان حيين في بحيرة النار المتقدة بالكبريت (رؤيا 19: 20).