[ عالمين أن الذي أقام الرب يسوع سيُقيمنا نحن أيضاً بيسوع ويحضرنا معكم ]
( 2 كورنثوس 4: 14 )
أن كنا نبكي لفراق من يعزوننا في برية قفر هذا العالم ويؤازرونا بتشجيعهم لنا وكلام العزاء الذي يسندنا نحن الضعفاء القاطني برية التجربة، ولكننا لا نتضايق من أجل إخوتنا الذين قد اجتذبتهم دعوة الرب من هذا العالم، لأننا نعلم أنهم لن يفنوا، بل فقط سبقونا في الارتحال، وصار لهم عزاء من بعد آلام مشقات هذا العالم الفاني.
إنهم قد تركونا – كمسافرين مرتحلين – وأسرعوا في الإبحار قبلنا ووصلت سفينتهم لبرّ الأمان العظيم ولهم الفرح لأنهم سلموا وديعتهم للرب وأعطوا حساب وكالتهم التي أوكلها عليها سيدهم ورئيس حياتهم الأوحد شخص ربنا يسوع الراعي العظيم الذي لنا جميعاً ونحن تحت رئاسته نقبل كل شيء من يده. فلا ينبغي إذن أن ننوح عليهم ونكتأب، بل أن نغير منهم ونحيا جادين نسعى للوصول لميناء الراحة بسلام، ولا نلبس هنا ملابس الحداد السوداء، بينما هم هناك قد لبسوا ثياب الفرح البيضاء، تهللوا بعريس نفوسهم الغالي، الذي وجودهم في حضرته لا يُقارن بما هنا على الأرض .
فلا يليق بنا أن نعطي فرصة لغير المؤمنين أن يُعيرونا، بسبب أننا نحزن بكآبة على أولئك الذين نُصرَّح بأنهم أحياء عند الله، كما لو أنهم تلاشوا وفنوا. فنحن نخون رجاءنا وإيماننا، فيبدو أن ما نقوله وننادي به وكأنه خيال واختلاق واختراع منا وكلام نظري لا نحيا به. إنه لا يُجدينا شيء أن نتشبث بالشجاعة بالكلام، وننقض الحقيقة بالأعمال الظاهرة !!!
الرسول بولس يوبخ بعنف وبشدة أولئك الذين يحزنون على ارتحال ذويهم قائلاً : ” لا أُريد أن تجهلوا أيها الإخوة، من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين، الذين لا رجاء لهم. لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه ” ( 1تس 4: 13 – 14 ) .
ثم أن المسيح رأس الكنيسة الأوحد هو الذي قال بفمه المبارك: ” أنا هو القيامة والحياة، من يؤمن بي، ولو مات فسيحيا. ومن آمن بي فلن يموت إلى الأبد ” ( يو 11: 25 – 26 ). فإن كنا نؤمن بالمسيح بالصدق والحق؛ وإن كنا لنا ثقة في كلامه وفي مواعيده الأكيدة، لأنه لن ولم يكذب قط، لأن لا يوجد في فمه مكر ووعده أكيد، لأنه حينما يقول، فكلامه يحمل القوة والفعل والتأكيد الحتمي والتحقيق كما هي وفي أوانها لأنه هو فقط من يضع المواقيت والمواعيد..
وإن كان لا يمكن أن نموت أبداً، لأن الرب قال ونحن آمنا، فلنتقدم بفرح واثق نحو المسيح الرب، الذي معه سنحيا ونملك إلى الأبد، لنقدم الشكر له لأنه يرعانا ولم يتركنا يتاما، بل أعطانا وعد روحه الساكن فينا، الذي يقودنا في برية هذا العالم القفر، ويقودنا للينبوع الحي لنرتوي ونشبع ونفرح ونتقوى ولا تخور عزائمنا، بل نصير أكثر قوة وصلابه امام اي محنة أو مشقة .
فعندما نموت بالجسد يا إخوتي، فنحن في الواقع نعبر – بالموت – إلى حياة الخلود والمجد، والحياة الأبدية لا يُمكن أن تُعطى لنا، إلا إذا خرجنا من هذا العالم، فالموت بالجسد ليس محطة نهاية، بل هو طريق للعبور، هو بصختنا الفعلية، فنهاية رحلتنا في هذا الزمان، هي نقطة انطلاقنا إلى الأبدية لنرى حبيبنا يسوع عياناً.
فمَن لا يُسرع الخُطى نحو هذا الخير الأعظم بكل شغف؟
ومَن هو هذا الذي لا يشتهي أن يتغير ويتحول إلى صورة المسيح بالتمام؛ ويبلغ بأكثر سرعة إلى مرتبة المجد السمائي ؟
يقول القديس الحلو بولس الرسول : ” إن وطننا هو السماء، التي منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح، الذي سيُغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده ” ( في 3: 20 – 21 ) .
لنتطلع يا إخوتي لذلك اليوم الذي فيه سيتحدد لكل واحد منا مقرة الحقيقي الخاص، وبعد أن نُجْتَذَب من هذا العالم ونتحرر من ما يربطنا به أي الجسد، نُحمل إلى نعيم المجد الأسمى مع أحباءنا القديسين محبي الرب في عدم فساد …
وطننا هو السماء، وهناك جمهرة كبيرة من الأحباء ينتظروننا بشغف، عدد لا يُحصى من الآباء والأمهات، عدد كبير من الإخوة والأخوات والأبناء يتوقون إلينا ويشتاقون لصعودنا، وإذا اطمئنوا هم الآن على خلاصهم وحياتهم في نعيم المجد، يترجون خلاصنا نحن، لذلك يحاوطونا بصلواتهم، طلبين من الرب أن يحفظنا من الشرور ويملأ قلبنا بالرجاء الحي ويهبنا التوبة الدائمة وأعمال الإيمان بالمحبة الذي تُرضيه، لذلك يطلبون لأجلنا ليلاً ونهاراً لنمتلئ من قوة الله، ونشتعل بروحه القدوس السماوي.
فلنسرع يا إخوتي في الوصول إلى القديسين أحباء الرب وشركاء المجد، مشتهين بحرارة أن نكون في أقصر وقت عندهم، بل وعند المسيح الرب في كمال الزينة السماوية. [ لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الإخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين، لأنكم إذا فعلتم ذلك لن تزلوا أبداً ] (2بطرس 1: 10)…
ولنطلب نياحاً لقداسة البابا شنودة الثالث بابا وبطريرك الكرازة المرقسية، نيح الله نفسه بسلام في أحضان آباءنا القديسين، صلوات كل أحباءنا الآباء الرسل وكل القديسين الأطهار في جوهرهم العقلي وجميع الشهداء وعلى رأسهم العذراء كل حين والدة الإله تكون معكم جميعاً يا آبائي وإخوتي وأصدقائي، كونوا معافين راسخين في الإيمان ومحبة شخص ربنا يسوع الذي له المجد الدائم مع ابيه الصالح والروح القدس آمين