الباراكليت هو الاسم الخاص الذي أطلقه الرب يسوع على أقنوم الروح القدس، وكلمة باراكليت تعريب حرفي للكلمة اليونانية ( παράκλητος – باراكليتوس )، وهي اسم المفعول من الاسم παράκλησις باراكليسيس، أي الدعوة للمساعدة، والفعل الأصلي للكلمة هو παρακαλέω
أي يدعو بإلحاح للمعونة، لذلك فكلمة باراكليت تُفيد معنى المُعين.
وهُناك معاني أُخرى للكلمة، فقد وردت الكلمة خمس مرات في العهد الجديد في كتابات القديس يوحنا الرسول، منها أربع مرات في الإنجيل (يو14: 16، 26؛ 15: 26؛ 16: 7) وتُرجمت المُعزي، ومرة واحدة في الرسالة الثانية (2يو1: 2) تُرجمت إلى شفيع، وهو الاسم الذي دُعيَ به أقنوم الابن اللوغوس باعتباره شفيع البشرية كوسيط لدى الآب. وتُرجمت الكلمة اليونانية ( παράκλητος – باراكليتوس ) في النص اللاتيني للكتاب المقدس إلى كلمة advocatus أي (المساعدة القانونية، والشفاعة عن آخر). ومن الكلمة اللاتينية advocatus كانت الكلمة الإنجليزية الشهيرة advocate أي “المحامي”؛ فصارت كلمة الباراكليت تُفيد المعاني التالية: [ المُعين – المُعزي – الشفيع – الوسيط – المُحامي ]
ومعظم آباء الكنيسة ترجموا كلمة [ الباراكليت ] إلى كلمة [ المُعزي ] وهي نفس ذات الترجمة الموجودة في النصوص الليتورجية في بعض الكنائس الشرقية وعلى الأخص الكنيسة القبطية. وكان الاعتماد في ذلك على أساس ما ورد في أعمال الرسل: [ وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام، وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب، وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر ] (أعمال9: 31)
فالمحاماة والتشفع الذي يضطلع به الروح القدس عن الإنسان في ضيقاته، هو نفسه أساس عزاء الإنسان. ويجمع القديس أغسطينوس (354 – 430م) بين المعنيين بقوله: [ إن المعزي والمحامي كلاهما تفسير لمعنى الباراكليت ]
عموماً وما يهمنا أن نعرف أن ( παράκλητος – باراكليتوس ) هي كلمة يونانية قديمة مكونة من مقطعين، المقطع الأول : παρά – بارا ، وتُفيد (( الملازمة – Concomitant ))، والمقطع الثاني : κλητος – كليتوس ويُفيد (( الدعوة للمعونة )) ، والمعنى عامة يشتمل على المعاني الآتية : ينصح ، يشجع ، يُعزي ، يشفع
عموماً المعنى العام للكلمة : الاستدعاء والملازمة ( يظل قريب مني – يظل بجانبي ” لا يفارق ” ) للنصح والمعونة والإرشاد والتوجيه والتعزية والدفاع أو المحاماة ( يحامي أو يُدافع ويشفع )، والاستدعاء هنا ليس بواسطة الناس بل هو مرسل من الله:
[ و أما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم ] (يو 14: 26)
[ ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي، وتشهدون أنتم أيضاً ] (يو 15: 26، 27)
[ لكني أقول لكم الحق انه خير لكم أن انطلق لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ] (يو 16: 7)
عموماً المعنى النهائي للكلمة ينحصر في اتجاهين :
1 – الاتجاه الأول: لغوي ويتخذ قوته من ناحية التطبيق العملي، أي في عمل الروح القدس بالنسبة لحياتنا الحاضرة والشخصية، وهنا يكون معنى الباراكليت: الشفيع أو المحامي .
2 – الاتجاه الثاني: وجداني داخلي، ويتخذ قوته من عمل الروح القدس داخلنا، وهنا يتجه معنى الباراكليت إلى التعزية الروحية .
يقول القديس مقاريوس الكبير: [ فكم بالحري جداً كل الذين يُمسحون في العقل والإنسان الباطن بدهن البهجة ( عب 1 : 9 ) الذي يُقدس ويبهج، الدهن السماوي الروحاني، ينالون علامة ذلك الملكوت الذي لا يفنى، والقوة الأبدية، عربون الروح ( 2كو 5: 5 )، أي الروح القدس المعزي. وهو يُسمى المعزي لأنه يُعزي أولئك الذين في الشدائد ] ( عظات القديس مقاريوس الكبير عظة 17 : 1 )
يقول القديس ديديموس الضرير : [ لقد دُعيَّ الروح القدس الذي سيُرسله بالمعزي، ملقباً إياه هكذا بسبب عمله، لأنه ليس فقط يعطي راحة لمن يجدهم مستحقين، ويُخلصهم من كل غم واضطراب في النفس، بل في نفس الحق يمنحهم فرحاً أكيداً لا ينحل... يسكن في قلوبهم فرح أبدي حيث يقطن الروح القدس ] ( أنظر الروح القدس للقمص تادرس يعقوب ص 129 )
يقول القديس مار اسحق السرياني [ حينما تمتلئ النفس من ثمر الروح تتعرى تماماً من الكآبة والضيق والضجر، وتلبس الاتساع والسلام والفرح بالله، وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس ] ( أنر الروح القدس للقمص تادرس يعقوب ص 130 )