"المُر والميعة والسليخة تُعطر ثيابك، من قصور العاج: قد أبهجتك بنات الملوك في تكريمك" (مز 45)
إن عبارات النبي (في المزمور) تنحدر بشكل تدريجي وبثبات، تذكر أولاً كل تلك الأمور الخاصة بتدبير التجسد الإلهي، بواسطة نسمة قوية من الروح القدس الذي يكشف له الأمور المخفية، ثم يأتي بعد ذلك إلى آلام السيد. يقول: "المُر والميعة والسليخة تُعطر ثيابك". حقيقة أن نبات المُر هو رمز للدفن أمر معروف، بل وحتى الإنجيلي يوحنا يُعلمنا إياه عندما قال أنه تم إعداد الجسد للدفن من قبل يوسف الرامي بإستخدام المر والميعة. ("ثم أن يوسف الذي من الرامة ... سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع. فأذن بيلاطس. فجاء وأخذ جسد يسوع وجاء أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولا إلى يسوع ليلاً، وهو حامل مزيج مُر وعُود نحو مئة منا" (يو 19))
والميعة أيضاً هو نوع نقي ومصفى جداً من نبات المُر. عندما يتم عصر النبات العطري، يتم فصل السائل كميعة، أما الجزء الكثيف الذي يترسب يدعى مُر. بالتأكيد، أن الرائحة الحلوة التي للسيد المسيح تبثق عطر المُر بسبب آلامه وأيضاً رائحة الميعة لأنه لم يبقى ساكناً وخاملاً لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالي بل نزل إلى العالم السفلي لنشر وتوزيع نِعَم وبركات القيامة، لكي ما يُحقق كل الأشياء التي تشير إليه.
وأيضاً رائحة المسيح تبثق عطر السليخة، لأن السليخة لحاء رقيق جداً ومُعطر يمتد بشكل محكم حول قصبة خشبية. أشار الكتاب المقدس بشكل عميق وحكيم إلينا من خلال السليخة إلى آلام خشبة الصليب التي قبلها الرب من جراء محبته وشفقته على كل مخلوق.
هكذا نرى أمامنا المُر الذي يرمز للدفن، والميعة التي ترمز لنزول الرب للعالم السفلي (بما أن كل قطرة تتجه إلى أسفل)، والسليخة التي ترمز إلى تدبير الجسد المصلوب على الخشبة.
لهذا السبب يقول المزمور: "قد أبهجتك بنات الملوك في تكريمك". لكن من تكون بنات الملوك سوى النفوس الملوكية العظيمة والكريمة؟ أولئك الذين بعد أن تعلموا معرفة المسيح من خلال نزوله وإتحاده بالطبيعة البشرية، أبهجوه في تكريمه وتمجيده، من خلال الإيمان الصحيح والمحبة الكاملة، مُقدمين الكرامة والمجد للاهوته. وهذه الأعشاب العطرية - يقول المزمور - ليست موجودة بشكل ضئيل في ثياب السيد المسيح بل يتم جلبها من كل البنايات. فيقول أن أعظم المساكن هي قصور، وهذه القصور مبنية من العاج، وذلك لأن النبي هنا يُعلّم مقدار غنى وثراء محبة المسيح للعالم.