|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المعرفة والحكمة والفهم. الحكمة هي عكس الغباء، والمعرفة عكس الجهل. والحكمة هي المقدرة والكفاءة في استخدام المعرفة بشكل صحيح في شتى مواقف الحياة، او انها المقدرة على ترجمة المعرفة الى خبرة.. والحكمة ايضا هي تجميع الخبرات، والمقدرة على تمييز الاوضاع المتنوعةـ ومعرفة كيف التصرف في كل حالة.. ويمكن القول ايضاـ ان الحكمة هي المقدرة على رؤية الامور حتى قبل حدوثهاـ والاستعداد لما يمكن ان يحدثـ ومعرفة مسبقة لكيفية التصرف في مواقف قبل وقوعها... والحكمة تنبع من مخافة الله، ومن الانتباه ان العمر قصير، وان السنين تطير كالبخار، لذلك يجب الاهتمام بالاستفادة الصحيحة و القصوى من الحياة، والتحضير لما سيكون عليه الانسان بعد عبور جسر الحياة في هذا العالم.... ومن دون مخافة الرب، نضيع العمر في امور تافهة وباطلة... و"الحكيم يبصر الشر فيتوارى"(سفر الامثال)، اي يعمل كل ما بوسعه لتجنب الوقوع في الاخطاء والسقوط في الحفرة او الشرك. لان العمر مليء بالالغام القابلة للانفجار، وفي لحظة واحدة، بسبب زلة لسان او زلة قدم يمكن للانسان ان يخسر الكل.. فالحكيم يتجنب الشرور، بينما الاحمق يثق في نفسه، ويتابع ولا يتحذر، فيسقط في الهلاك المؤقت والابدي.... وطير النعامة في سفر ايوب (39: 13 – 17)، رمز للغباء والحماقة، فهي تبيض وتدوس البيض باقدامها. فهي مثال طبيعي للبشر الذين يتّسمون بالغباء، اذ يعملون ويجتهدون ويبنون ويغرسون، ثم بسبب غبائهم وحماقتهم يهدمون ما بنوه، ويقلعون ما زرعوه، ويخسرون كل ما تعبوا لاجله في لحظة، اذ يحطمون اولادهم مثلا، بعد ان كانوا قد استثمروا كل جهد وتكلفة لاجل اولادهم... فلا يعرفون كيف يتعاملون معهم، رغم المعرفة التي جمعوها... فكم من شباب وفتيان ضاعوا في براثن المخدرات والزنا، وكم من بيوت تهدمت، وعائلات تحطمت، وكم من كنائس تدهورت وتلاشت بسبب الغباء والحماقة.... لذلك ينصح يعقوب في رسالته كل مَن "تعوزه حكمة، فليطلب من الله"، فيمنحه. لكن عليه ان يطلب بايمان واقتناع انه في حاجة ماسة للحكمة. اما الحكماء في اعين انفسهم فهم سبب كل بلاء وكل ضياع، فينصحنا الرسول بولس "ان كان احد يظن انه يعرف شيئا، فانه لم يعرف شيئا بعد كما يجب ان يعرف (1 كور 8: 2). ويضيف بولس محذرا قائلا "لا يخدعن احد نفسه، ان كان احد يظن انه حكيم بينكم في هذا الدهر، فليصر جاهلا لكي يصير حكيما" (1 كو 3: 19).. فالخطوة الاولى نحو الحكمة الصحيحة هي الاقتناع والاكتشاف انني لست حكيما، واني بحاجة ماسة الى حكمة، فأطلب من الرب ليمنحني حكمة. اما الحكيم في عيني نفسه، فلا يعطيه الرب اية حكمة حتى ولو جمع كل انواع المعرفة، لكنه يبقى جاهلا، فيتصرف بحماقة ويسبب الدمار لنفسه ولعائلته وللجماعة التي هو عضو فيها. والانكى من ذلك، انه رغم الدمار والخراب اللذين يسببهما الحكيم في عيني نفسه، الا انه يبقى مقتنع انه حكيم، ولا يتقبل انه هو سبب الدمار، بل يتصلف ويبقى مصرّا على ان جميع مَن حوله هم المذنبون، وانه حكيم، وهو غير مستعد ليتحمل مسؤولية اعماله. انسان حكيم في عيني نفسه هو خطر على كل مَن يحتك به، والله القدير لا يقدر على مساعدته، فهو لا يتقبل من احد، ويجمع الشواهد الكتابية التي تؤيد موقفه، ويتجنب الآيات التي تدينه. وعندما يتعامل الرب معه بيد شديدة عله يستفيق من فخ ابليس اي الكبرياء، يتّهم الآخرين ويبرر نفسه ويعدد افضاله، ويبكي طالبا ممَن حوله التعاطف معه، ويتهم الله وجميع مَن حوله بظلمهم له.... والحكمة تأتي من تقبّل كل معاملات الله معنا، اذ نؤمن ان كل ما يحدث معنا هو مقصود من الرب لنا. فأحداث الحياة وقساوة الناس من حولنا معنا، كل ذلك هو مقصود من الرب، فالالام هدايا الاله الحكيم والمحب للبشر، كما قال الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته المشهورة والمؤثرة عن ايوب "لك الحمد".. اي ان الحكمة هي مجموعة الخبرات التي جمعناها من احداث الحياة والاستعداد للتعديل والمرونة. فمن اهم الصفات التي يحتاجها الانسان ويطلبها الرب من الانسان هي المرونة، اي الاستعداد للتكيّف والليونة والتشكّل، وليس العناد والاصرار ورفض تغيير المواقف والافكار. فكل ما يحدث في حياتنا، حتى ما هو غير مرغوب منا، اي انه قاسي علينا، هو بلا شك صوت واضح من الرب لنا شخصيا، لكي نتغير. يريدنا الرب ان نغيّر التصرفات والسلوك، الذان هما ناتجان للافكار التي خزناها في عقولنا، التي احيانا يريدنا الرب ان نتنازل عنها، حتى ولو كانت حصونا شديدة قد بنيناها لمدة سنين طويلة.... وكل مَن يرفض المرونة والليونة وتغيير الافكار، لا بد يتحطم نفسيا وصحيا وروحيا وابديا... وكثيرا ما يثير استغرابي كيف يأتي احدهم الى الرب ويبقى مصرّا على أفكار خاطئة، ومهما تعرّف على كلمة الرب، يبقى متمسكا بمواقفه وافكاره. فهو يدّعي التجديد، وفي نفس الوقت، هو غير مستعد للتغيير، بل يبقى بعقل قديم بحسب طبيعته الفاسدة والقديمة.. ويقول يعقوب (ص 3) ان الحكمة العالمية هي حكمة شيطانية مرفوضة من الرب مهما بدت جميلة وجذابة. وتتميز بانها نفسية اي شعورية وعاطفية مهزوزة متغيرة غير مؤسسة على مبادئ الهية، وغير كتابية، بل نفسية اي حسية. فكثيرون يتصرّفون بتذبذب، ولا نجد تفسير لتصرفاهم وسلوكهم، لانها نفسية، ويقف وراءها الشيطان. لكن الحكمة الالهية المرفوضة من الناس، هي مؤسسة على الكتاب المقدس كلمة الله، وهي مترفقة، اي غير قاسية في الحكم والتصرف، ومذعنة اي مستعدة للتنازل والتغيير ومرنة اي غير مصرة او معاندة، وهي مملوءة رحمة، وهي خالية من الشكوك والريب والرياء والوجهنة، وهي لا تسبب التحزبات، بل تتعامل بنزاهة مع الجميع. فهي تتبنى المبادئ الانجيلية، ولا يهمّها كلام الناس ووجهة نظرهم، ولا يهمّها المشاعر بل هي مبنية على الحقائق الكتابية، وكل همّها ليس المسايرة بل خير الآخرين.. والانسان الحكيم كالرسول بولس مقتنع بمحدوديته، ورغم العطش الدائم نحو المعرفة الكتابية والفهم الروحي، الا انه دائم مقتنع بفقره وحاجته الى اكثر واكثر. ورغم فيضان المعرفة في قلبه، الا انه يعتبر نفسه جاهلا ومحدودا، وانه لا يعرف شيئا، وهو يأتي دائما الى الرب كمحتاج، وليس كمعلّم. ورغم فرط الاعلانات الالهية في حياته(2 كو12)، بقي في اقتناع دائم ان الفضل هو لله. ولم يكتف يوما، بل ركض وراء النبع ليرتشف منه دون حدود... والرسول بولس كان مستعدا لتغيير كل افكاره، كل مرة اعلن له الله. بخلاف بطرس، الذي رغم التغيير الكبير في حياته، الا انه وجد صعوبه مثلا في تقبّل الامم كاليهود، بل بقي معتمدا على العهد القديم رافضا قبول الامم الوثنيين بنفس الدرجة كاليهود، بل اصرّ على ان اليهود لهم امتياز خاص امام الله، فوضعه الله جانبا بعد الاصحاح 12 من سفر الاعمال. اما بولس فوجده الله اناءا غير مكتف، بل دائما عطِشا وجائعا للبر الالهي، وكان مستعدا للمرونة الكاملة والتغيير الكامل لافكاره، ومهما اعلن له الله، حتى ولو كان الامر وعكسه، قبِلَ ان يغيّر.. فالافكار المسبَقة المجمّدة تحد الحكمة الالهية... وكثيرون حتى من المؤمنين وبعد سنين طويلة من ايمانهم، يصرّون على افكار تسلّموها من الآخرين، وهم غير مستعدين للتغيير، مهما عانوا هم وعائلاتهم وكنائسهم من التيهان والتشويش والتعب.... والمشكلة انهم يتصرفون وكأنهم احكم من غيرهم... لكن لا يمكن ان يكونوا حكماء، الاشخاص الذين يصرّون على مواقفهم وافكارهم وغير مستعدين لمراجعة كل ما بداخلهم، كما صلى داود النبي "يا رب امتحني، وان كان فيّ طريق باطلا اهدني طريقا ابدياً".... اما كيف نكتسب قلبا حكيما، فأولا علينا ان نقتنع اننا نولد وقلوبنا مغموسة بالجهل والغباء والحماقة، ونحن نحتاج الى الرب وكلامه، لكي نكون حكماء. وايضا نحتاج ان نكتشف ان الحكمة اهم واغلى من كل كنوز العالم، وعلينا ان نجتهد ونركض بحثا عن الحكمة. وعلينا الا نكتفي بالمعرفة، مع انه بدون معرفة، حتى الله لا يقدر على مساعدتنا، لكن المعرفة لا تكفي بل كموسى كان ملما بالمعرفة العالمية والمعرفة الالهية، ثم ترك للرب الحرية ليصوغه كما يشاء، وكان مستعدا للتنازل حتى عن القصر الفرعوني والراحة الشخصية، وذلك لاجل الحكمة الالهية.... ورغم ان كل ما سمح به الله في حياته، لم يكن متوقَعا، بل كان غريبا وصعبا، الا ان موسى تقبّل الكل من دون تذمّر او اشتكاء.. كثيرا ما نريد التأييد الالهي لنا، ونطلب الحكمة الالهية والارادة السماوية، وفي نفس الوقت، لا نعطي الله الحرية للتصرف كما يشاء، واثقين بحكمته ومحبته، بل نحن رغم جهالتنا وحماقتنا، نرسم للخالق القدير الطريق التي عليه ان يسير فيها حين يتعامل معنا... انسان غير واثق بالله، وغير مستعد للتسليم الكامل من دون شروط او قيود، لا يمكن للقدير ان يفعل شيئا، الا ان يتعامل معه ليريه مدى حماقة اختياره، ويستمر الله في كسر ارادته، كما تعامل مع يعقوب ويونان مثلا، اما يوسف فقبِلَ الكل من الله، حتى ولو كان بعكس كل توقعاته، فوصل الى المجد والحكمة لقيادة كل ارض مصر.. بقلم القس ميلاد ديب يعقوب |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
والحكمة والأدب والفهم (سفر الأمثال 23: 23) |
الإله المُذخَّرة فيك المعرفة والفهم |
يرى أن من بين سمات الله ثلاث: القوة والحكمة والفهم |
لان الرب يعطي حكمة.من فمه المعرفة والفهم |
من فم الرب المعرفة والفهم |