قال الرب ( ماذا ينتفع الأنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟ ) " مت 26:16"
الكتاب المقدس بعهديه يحتوى على آيات كثيرة تحذرنا من محبة المال لأن أتجاه المال مدبر لمكان وجود الله ، فمن يبحث عن المال سيبتعد عن الله ، أي ليس من السهل الجمع بين الله والمال لأنهما ألهين متناقضين ، والمال هو أٌقوى أله ينافس الله الحقيقي في هذا العالم . لهذا أنذرنا الرب يسوع بقوله ( لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ... لا تقدرون أن تخدموا الله والمال ) " مت 24:6" . من هنا يجب أن نفهم بأن محبتنا للمال هي على حساب محبتنا لله . فالغني الذي كان يلبس الأرجوان والثياب الفاخرة ويقيم الولائم كل يوم لم يكترث لآلام الرجل الفقير لعازر ، علماً بأن لعازر كان يمثل وجود الله بقربه فكان عليه أن يشعر به ويقترب منه ويطعمه ويقدم له الكساء والشفاء ، لكن أمواله الكثيرة أعمت بصيرته لكي لا يشعر بالواجب الأنساني والروحي تجاه من كان بقربه .
في الكتاب المقدس شخصيات غنية بارزة لكنهم رغم غناهم كانوا يفضلون الله على ممتلكاتهم فأعتبروا المال مجرد وسيلة لا تتأثر في أيمانهم كأبينا أيوب البار وأبراهيم الذي كان غنياً جداً لكنه كان ينظر الى الميراث الأبدي والى المدينة السماوية ذات الأسس التي مهندسها وبانيها هو الله " عبر 10:11" وكان يحسب نفسه تراب ورماد ، بل غريباً ونزيلاً في هذا العالم . أما أبن أخيه لوط فترك الصحراء التي كان يعيش فيها مع عمه أبراهيم ولجأ الى مدن هذا العالم باحثاً عن المزيد من الغنى فأصطدم في التجربة وخرج من هناك بدون مال وبدون أمرأة . كذلك أبينا داود الملك كان يفضل أن يسكن في بيت الرب كل أيام حياته ويتفرس في هيكل قدسه ، وعندما نجح في جمع أموالاً كثيرة لبناء الهيكل ، قال ( من يدك أعطيناك ) . قصص كثيرة قدم لنا العهد القديم عن محبي المال وبسبب تلك المحبة أبتعدوا عن الله وأنتقم الله منهم كبلعام بن بعور . وهزيمة شعب أسرائيل كله بقيادة أيشوع بن نون أمام قرية عاي الصغيرة بعد أنتصارهم الكبير على مدينة أريحا المحصنة بسبب أنسان واحد أحب المال والممتلكات أكثر من محبته لله وهو عخان بن كرمي الذي كسر وصية الله وأخذ من الحرام رداءً شنغارياً ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً وطمرها في خيمته ، فقال الله ليشوع ( في وسطك حرام يا أسرائيل ) " يش 7 " . كذلك غضب الله وأنتقم من الملك شاول بسبب الغنائم . كما غضب على حجزي خادم أليشع النبي الذي طمع في هدايا نعمان السرياني الذي شفاه اليشع من برصه . " 2مل 6"
أما العهد الجديد فعلمنا الرب الذي ولد فقيراً في المغارة وعاش فقيراً ومات مجرداً من الثياب ، قال لنا ( لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض ، حيث يفسدها السوس والصدأ ، وينقب عنها اللصوص ويسرقون . بل أكنزوا لكم كنوزاً في السماء ، حيث لا يفسدها سوس ولا ينقب عنها لصوص ولا يسرقون . فحيث يكون كنزك ، هناك يكون قلبك . ) " مت 6: 19-21 " . وأوضح لنا الرسول بولس موضوع خطورة المال على حياة المؤمن فقال " الساعين عن المال يضلون من الأيمان ، ويطعنون أنفسهم بأوجاع كثيرة " 1 تيمو 10:6" فقدم بولس وصية مهمة الى أهل العبرانيين والتي هي وصية الله للبشر ، فقالفي الآية 13:5 ( لتكن سيرتكم خالية من محبة المال ) " .
علينا أذاً أن تحترس من عبادة السيد الآخر ونتذكر قصة الغني الغبي الذي أخصبت كورته ، فقال ( أعمل هذا ، أهدم مخازني وأبني أعظم منها وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي لك ِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة ... ) فقال له الله ( يا غبي هذه الليلة تطلب نفسك منك . فهذه التي أعدتَها لمن تكون ) " لو 12" . أذاً على المؤمن أن يقتدي بالقديس بولس الذي قال ( أحسب كل شىء نفاية لكي أربح المسيح ) " في 8:3" كان بولس لا يملك شيئاً ولكن أيضاً كان يملك كل شىء من كنوز المسيح وبها أغنى العالم بكرازته وتعليمه الطريق الصحيح المؤدي الى الغنى الأبدي . علينا أن نعلم نحن المؤمنين أن التقوى مع القناعة يحفظ الأنسان من الأنجراف صوب محبة العالم ، فما دام للأنسان قوت ولباس ، فعليه أن يقتنع متذكراً صلاته اليومية ( أعطنا خبزنا كفاف يومنا ) أما الذين يرغبون الوصل الى الغنى ، فسيسقطون في تجارب كثيرة تبعدهم عن محبة الله . قديسين كثيرين باعوا ممتلكاتهم لكي يعيشوا فقر المسيح ، أي باعوا الرخيص وأشتروا الغالي كالقديس أنطونيوس . كما نجد في عصرنا الكثيرين من الأغنياء ينفقون بسخاء على أعمال الخير ويهتموا بالفقير والمحتاج .
أن الذي يعطي الفقير يقرض الرب ، والرب عن معروفه يجازيه .
ولألهنا المجد والتسبيح
وردا أسحاق عيسى