|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ختم موهبة الروح القدس إن فهمنا لسر الميرون يتعمق أكثر متى فهمنا عبارة "ختم موهبة الروح القدس "التي يقولها الكاهن أثناء مسح المعمود بالميرون المقدس. الحديث هنا ليس عن "موهبة" معينة خاصة (موهبة الصوت مثلاً) أو مواهب متعددة كالتي يتحدث عنها الرسول بولس: "أن المواهب على أنواع اما الروح فواحد" (1كو4:12). هنا كلمة موهبة لا ترد في صيغة الجمع "مواهب" بل "ختم موهبة الروح القدس" لأن المعتمد لا يمنح بهذا السر موهبة خاصة بل يُمنح الروح القدس بوصفه موهبة. قال المسيح حين وعدنا به: "يأخذ مما لي ويطلعكم عليه. جميع ما هو للآب هو لي لذلك قلت أنه يأخذ مما لي ويطلعكم عليه" (يو16: 14-15). بالمعمودية يعود الإنسان إلى طبيعته الحقيقية في المسيح ويتحرر من شوكة الخطيئة، وبذلك صار من الممكن أن ينال دعوةً أكمل، دعوة المسيح العلوية التي تفتح باب التأله، والتي يحققها سر الميرون بمسح المعمد بالروح القدس.تبقى الاشارة إلى أن موضوع الموهبة بالنسبة للإنسان المسيحي المؤمن ليس موضوع سحر أو ما شابه. فنحن نؤمن أن كل ما لدينا من مواهب ونِعم هي عطية من الله. فقد يتحلى شخص غير مؤمن بالمواهب نفسها التي يمتلكها المؤمن، وقد يبرع في عمله كالمؤمن، لكن الفرق أننا نؤمن إيماناً يقيناً أن كل ما نملكه هو عطية من الله ائتمنا عليها لكي نخدم بها اخوتنا البشر فتكون الموهبة هب فعلاً موهبة الروح القدس. البعد الملوكي في العهد القديم عندما كانوا يريدون تنصيب الملوك كان الكاهن يأتي ويسكب الزيت- الطيب على رأس الملك. هذه المسحة كانت مصدر الملوكية الإلهية أي أن الله اختاره، وكانت تظهر أن الملك حامل السلطة الإلهية ومنفذ قراراتها. لكن الأمور كانت مختلفة في البدء قبل الخطيئة والسقوط، أي عند الخلق. الله خلق الإنسان ملكاً على الخليقة وأعطاه السلطان لكي "يُخضع الأرض ويتسلط على سمك البحر وطير السماء.." (تك1: 27-28). إذاً من طبيعة الإنسان أن يكون ملكاً وهذه هي صورة الله ملك الملوك في الإنسان. لاحقاً صارت "الملوكية" سلطة خاصة لأشخاص معينين بعد أن كانت تخص كل إنسان بوصفها دعوته الإنسانية العلوية ورتبته. الملوكية إذاً هي حقيقية الإنسان الأولى الأساسية. ولكن الحقيقية أيضاً أن هذا الإنسان الملك هو الملك الساقط. فقد خسر ملوكيته عندما ارتضى أن يصير عبداً للخليقة بدل أن يكون سيدها وتخلى عن مسحته ودعوته. توقف عن أن يكون سيد الأرض والخليقة وصارت تقوده نحو الموت والهلاك بدل أن يقودها إلى الكمال. تبقى الحقيقة الثالثة والأساسية وهي أن يسوع المسيح ربنا أنقذ ملوكية الإنسان واستعادنا ملوكاً من جديد عبر سر الفداء الذي أكمله بالصليب. بموته وقيامته تحطم الموت وقضى على الشرير، وصار إكليل الشوك إكليل الملك المتوج، وصار باستطاعتنا استعادة دعوتنا العلوية من جديد. المسيح على الصليب كشف فساد العالم وشره، وهذا الكشف سيبقى دينونة له إلى الأبد. لأننا ارتضينا أن نموت ونقوم مع المسيح بالمعمودية، المسحة تجعلنا ملوكاً من جديد كما كان الملوك يمسحون في العهد القديم، ولكن الجديد هذا أن الروح القدس يمنحنا ملوكية الملك المصلوب. فالصليب الذي يتوج المسيح ملكاً يكشف لنا أنه هو الطريق الوحيد لتتويجنا مع المسيح وإعادتنا ملوكاً. هكذا فهم بولس الرسول الموضوع: " وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم" (غلاطية 14:6). إذا عندما أرتضي أن أُصلب مع يسوع وأتخلى عن كل ما يعيقني عن محبته ويصبح الصليب هو معيار كل حياتي وأعمالي، عندها أدخل مع يسوع من جديد إلى ملكوته وأستعيد دعوتي الملوكية وأستعيد الحرية التي فقدتها من قبل. البعد الكهنوتي يقول أحد الآباء المعاصرين: "إن سر الميرون الذي هو سر الكهنوت الكوني يضع الجميع في رتبة كهنوتية متساوية من القداسة الشخصية بفعل النعمة المقدسة الوحيدة نفسها. ومن هذه الرتبة الكهنوتية الملوكية الواحدة يُختار البعض ويقامون من الله أساقفة وكهنة. وهنا تكمن ميزة الكنيسة الأرثوذكسية إذ أن للجميع الصفة الروحية نفسها". هناك إذاً أمران: كهنوت ملوكي يناله كل مسيحي معمَّد أثناء مسحه بالميرون المقدس، وكهنوت مكرَّس، أي سر الكهنوت. ولكننا نود التشديد على أن الاثنين يكملان بعضهما البعض. لقد قلنا في السابق أننا بالمسحة نصير مسحاء على صورة المسيح الملك والكاهن والنبي. كهنوت المسيح مثل ملوكيته متأصل في طبيعته البشرية وهو جزء منها وتعبير متمم لها. يسمى المسيح آدم الجديد لأنه هكذا كان ينبغي أن يكون آدم الأول قبل السقوط. فالله عندما خلق الإنسان أقامه ملكاً وأعطاه السلطان، فكان من واجب هذا الإنسان أن يقدِّم الخليقة والطبيعة وكل شيء جُعل ملكاً عليه، لله ذبيحةً روحية. كانت مهمته أن يقدس الحياة والكون عبر ادخالهما في المشيئة الإلهية والنظام الإلهي. هكذا يتحقق الكهنوت الملوكي. كان الإنسان هو الوسيط بين الله والخليقة ولكنه فقد هذه الصفة الكهنوتية الملوكية عندما قرر الابتعاد عن الله، وصار مستهلكاً للكون يستعمله ويسود عليه من أجل نفسه ولا يقربه لله. هذا ما فهمته الكنيسة وتشدد عليه في كل افخارستيا، سر الشكر، أي في كل قداس إلهي عندما يرفع الكاهن الخبز والخمر ويقدّمها لله قائلاً: "التي لك مما لك نقدمها لك على كل شيء ومن جهة كل شيء". المسيح عبر تجسده، عبر ذبيحة الصليب التي قدّم بها نفسه إلى الله من أجل خلاص العالم، وقدّم طبيعتنا البشرية لله ورفعها إليه (الصعود الإلهي) ورفع معها كل خليقة وقدمّها لله، عبر هذا كله أظهر طبيعة الإنسان الحقيقية، أي الطبيعة الكهنوتية. ونحن عندما نعتمد ونموت ونقوم معه وننال مسحته،أي مسحة الروح القدس، نكرِّس كهنة ملوكيين. مهمتنا من لحظة المعمودية أن نقدِّم أنفسنا لله ونكرسها له عبر الالتزام بوصاياه والعمل بحسب مشيئته الموجودة في الكتاب المقدس. ذكرنا كلمة تكريس لكي لا يظن البعض أن الاكليروس هم فقط المكرسون. كل إنسان مسيحي معتمد هو مكرَّس وعليه تطبيق الوصايا وهذه لم توضع فقط لفئة معينة من البشر أي الاكليروس. كما أن الكتاب المقدس الذي نقرأه هو نفسه الذي يقرأه الاكليروس. هم أشخاص مثلنا ولكنهم وعوا دعوتهم بوضوح وقرروا السير في دعوتهم ومسحتهم حتى النهاية وطلبوا التكريس النهائي للرب وهم يرفعوننا ويقربوننا إلى الله ويستدعون نعمة الرب علينا وعليهم. البعد النبوي يقول الرب: "ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشرٍ فيتنبأ بنوكم وبناتكم.." (أعمال17:2). لقد قلنا سابقاً أننا بالميرون المقدس نصبح ملوكاً وكهنةً وأنبياء. النبوة أيضاً هي من الطبيعة البشرية للإنسان عند الخلق. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|