|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الضمير المسيحي أمام الفساد أمام ظاهرة الفساد المستشري يحتار المؤمن في تكوين موقف متوازن ومنسجم أخلاقياً: فهل تكفي الإدانة السريعة للفساد باعتباره نوعاً من أنواع السرقة، أو شكلاً من أشكال الاحتيال والنهب؟ أم هل يمكن بسهولة إيجاد الأعذار الكافية أو الأسباب المخفِّفة نظراً لسعة انتشار هذه الممارسة، أو بناءً على مبدأ اختيار "أهون الشرِّين" عندما يتعلَّق الأمر بحياة الأشخاص أو الأسر الكريمة أو مستقبل الأفراد المهني أو الاجتماعي؟ ببساطة شديدة، ماذا يفعل المسيحي عندما يجد الفساد محيطاً به من كل جانب؟ هل يمكنه أن يقبل الأمر الواقع ويعتبره طبيعياً..؟ أم هل ينخرط في اللعبة قائلاً لنفسه: "هل أنا الذي سأصلح العالم؟ لماذا لا أستفيد من الفرص المتاحة كما يفعل الآخرون؟ أم ينسحب من الحياة العامَّة ويختار طريق الهجرة؟ لا يصعب في الغالب تبرير الفساد الأصغر في الممارسة اليوميَّة أخلاقياً. فهل يمكن لأحد أن يدين موظفاً صغيراً يحاول أن يحسِّن راتبه البائس لكي يقوم بأود عائلته؟ أم هل يمكن الحكم على موظف جمارك يقبل "مغلفاً" ليسرِّع تخليص شحنة أدوية قبل أن تفسد أو تنتهي مدتها؟ إلاَّ أنَّ هذه الأنواع من الفساد الأصغر وإن كان من السهل تفهُّمها وتجنُّب الحكم على ممارسيها، فإنما ينبغي رفض تبريرها أخلاقياً بحزم ودون مواربة. فهي مثل الفساد الأكبر، وإن بمقدار أقل، تساهم في تخريب الثقة واضطراب الجماعة وتهديم الديموقراطيَّة. ومع أنه في بعض الحالات يصير من غير الممكن على المستوى الفردي تجنُّب هذا النوع من الممارسات في إطار المحافظة على الحد الأدنى من إمكانيات العيش الكريم، إلا أن ذلك لا يعني التوصُّل إلى اعتبارها شرعيَّة من وجهة النظر الأخلاقيَّة. وهنا نواجه تداخلاً معروفاً بين البنى الاجتماعيَّة غير العادلة والمسؤولية الفرديَّة عن الأفعال الشخصيَّة. وها نحن في قلب المعنى المسيحي للخطيئة والغفران، الذي يسمح لنا بتسمية الظلم وتحديده ولو لم يكن باستطاعتنا تجنبه، بدلاً من أن نسعى لتبريره أخلاقياً. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|