|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة الله الخالق إنّ الخوف اللامنظور لا يزول إلاّ بطمأنينةٍ غير منظورة. وشعور العجز أمام إيقاف الخسارة المتوقّعة لا يزول إلاّ بقوّةٍ تتوقّع ما يحدث، ولها سلطةٌ عليه. انطلاقاً من هذا، أوكلت الأديان إلى الله مهمّة إثارة الخوف لدى الإنسان أو إزالته. الأمر يتعلّق بصورة الله في أذهاننا. في غالب الأحيان، نتصوّر الله كما تصوّره شعب الخزّافين. إنّه يجبل الإنسان من التراب ويصنعه. وقلّما نتصوّره كما يتصوّره المتصوّفون، أي أنّ الله خلق الإنسان بالانسحاب كما يخلق البحر اليابسة. في البداية، تكون هذه اليابسة مقفرة "خالية خاوية"، لا تمايز فيها ولا نظام. فيدعو الله ويستجيب الخواء. وتبدأ الأرض أوّلاً بالتنوّع. صخور ومعادن من مختلف الأشكال والألوان. ومن هذه البنى البسيطة تظهر البنى المعقّدة للنباتات، ثمّ الكائنات المتحرّرة من الارتباط المكانيّ وهي الحيوانات. وفي ذروة مسيرة استجابة الخليقة لنداء خالقها، يظهر الإنسان؛ ذروة الخلق وغايتها. وتتكرّر في حياة الإنسان دعوة الله الأولى. إنّه مدعوّ إلى الارتقاء، إلى الخروج من عبثيّة الأقدار، من خواء الوليد إلى تحرّر البالغ. في المستقبل المجهول الّذي يخيفني، هناك مَن يدعوني. صوته يطمئنني كما يطمئن صوت الأمّ ابنها حين لا تراها عيناه. ما من أحدٍ يستطيع أن يتغلّب على غمّه إذا لم يكن هناك مَن يدعوه وينتظره. حين ندرك دعوة الله لنا، حين نسمعها، نخرج من ظلمة قبر الخوف، ونتحرّر من أربطة الغمّ الّتي تقيّدنا. وسيستغرق هذا وقتاً لا أحد يعرف مدّته. إنّ استجابة الإنسان لدعوة الله الخلاّقة هي "الشجاعة في أن نكون". فنحن أمام خيارين: الخوف أو الإيمان. وقد عبّر يسوع عن هذا مرّاتٍ عديدة. "آمن ولا تخف." قال هذه العبارة ليائيروس رئيس المجمع حين علم بموت ابنته (مر 5/36). وللتلاميذ المذعورين في أثناء العاصفة (مر 6/50). وحين رأوه يمشي على المياه، خافوا، فقال لهم: "لا تخافوا، أنا هو" (مر 6/50). "أنا هو". هكذا عرّف الله عن نفسه لموسى. ففي الليل وعواصف الحياة ومحنها، إنّه هو، حاضر يدعو ويقول: "لا تخافوا". من الناحية النظريّة، الإيمان يحصّن المؤمن من الخوف. ولكن، مَن يستطيع أن يقول: "أنا أومن إيماناً راسخاً لا يتزعزع إلى الأبد؟" الله وحده يستطيع أن يقول هذا. أمّا الإنسان، فإيمانه مسيرة. في كلّ محنة، يختبر أنّ إيمانه قد اهتزّ، تراجع، سقط. وأنّ عليه أن ينتقل بإيمانه على الدوام من مرحلةٍ إلى أخرى، أن يتعمّق به دوماً، ليواجه أزمات الحياة الّتي تزداد شدّةً. في هذا المجال، أكثر من المجالات الأخرى، لا يكون الإنسان وحيداً. وفكرة أنّ يد الله الّتي تسنده قد تنسحب، وأنّ الصوت الّذي يدعوه قد يصمت، هي تجربة من الشرّير. إذا سقط في هذه التجربة، يستولي عليه الذعر في الوقوع في الفراغ. إنّ المجرّب يحاول تشويه كلمة الله الّتي تدعونا إلى أن نكون. إنّه يحاول تغطيتها بالغموض، ويزرع الشكّ في نفوسنا. فيتحوّل الإله الّذي لا يريد إلاّ الحياة، بل يريد أن يشاركنا بحياته، إلى إله تهديد. إله يتخطّى تهديده حدود الموت ليصل إلى العقاب الأبديّ. إله مستبدّ لا يمكننا توقّع أفعاله المزاجيّة. إله يتسلّى بخليقته ويستمتع بتدميرها. حين يعاني الإنسان هذا النوع من الخوف، يفضّل ألاّ يقيم علاقة مع هذا الإله المزاجيّ، ويلجأ إلى مختلف أنواع التسلية والترفيه ليهدّئ روعه وينسى مخاوفه. لكنّ الغمّ حاضر في داخله، وما من شيءٍ يحميه منه. غمٌّ يحطّم جميع الحواجز الّتي يقيمها الإنسان أمامه، ويدكّ الحصن الّذي يحتمي فيه. حين يغيب وجه الإله الخالق المحب، يحلّ محلّه وجه سيّد الغمّ المهدِّد. إذا كان إيماننا لا يقوى على إزالة الغمّ من نفس المؤمن بشكلٍ نهائيّ، لأنّه إيمان بشريّ يشوبه كثير من الضعف، فهو على الأقلّ ينير بصيرته ليرى بوضوحٍ غزو الشرّ لنفسه. إنّه يجعله يميّز بين التفاؤل، الّذي لا يرى الشر، والرجاء. كما يجعله ينتقل من التشاؤم إلى المواجهة. فروح الشرّ لا يرينا إلاّ الشر. إنّه يجعلنا نرى ماضينا وكأنّه سلسلة من المِحَن والفشل، وحاضرنا كتلةً من الضعف والعجز، ومستقبلنا مسدود وكارثيّ. حينها، تتولّد فينا الاضطرابات الداخليّة والقلق، فنفقد الثقة بأنفسنا، ونصبح ملعباً للشر. وينتصر الشرّير حين يجعلنا نعتقد أنّ حيويّتنا خطأ، وأنّ علينا الانسحاب، وأنّ في السلبيّة تحرّر كامل ونهاية للوهم. إنّه ينتصر حين يُفقِدُنا شجاعة تلبية دعوة الله. |
10 - 09 - 2014, 12:39 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| مشرفة |::..
|
رد: دعوة الله الخالق
شكرا مارى
ربنا يبارك خدمتك |
||||
11 - 09 - 2014, 09:42 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: دعوة الله الخالق
شكرا على المرور |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الله هو خالقنا بالكلمة لكن بعد ذلك الله الخالق صار أبانا أيضًا |
دعوة وليمة العرس هي دعوة مجانية لدخول ملكوت الله |
دعوة شاملة؛ بما ان اليهود رفضوا عمداً دعوة الله |
الله الخالق |
دعوة الخالق |