|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أمومة روحيّة رسالة مريم الأُموميّة، تجاه التلميذ، رسالةٌ روحيّة تندرج في الخلاص الممنوح للبشر. فدورها أن تساعد نموّ الحياة الروحيّة، أي النشر، في النفوس، لنعمة المُصالَحة التي استحقّها المسيح لمّا قدّم ذاته، على الصليب، أُضحيّةً اتحدت بها مريم واشتركت فيها بتألُّمها. يقول يوحنا بولس الثاني: "وجودُ أُمّ في حياة النعمة هو مصدر انتعاش وفرح. فإنّ المسيحيّين يرون في وجه مريم الأمّ تعبيراً خاصّاً عن محبة ذلك الإله الرحوم، الذي جعل الحضور الأموميّ طريقةً فضلى لإدراك عطف الآب وَجودِه. وإذا بمريم هي التي تجتذب الخطأة وتكشف لهم، بتعاطُفها ورأفتها، عن مشروع المصالحة." هذا وإنّ المسيح قد أشار، قبل القبض عليه بساعات، إلى ثمرة ذبيحته، لمّا قال: " أيّها الآب، إنّ الذين أعطيتَني، أريد أن يكونوا هم أيضاً، حيث أكون أنا، لكي يشاهدوا المجد الذي أعطيتني" (يو 17\34). إن كانت مريم أُمّاً لجميع الذين يحبّون المسيح وهم له، فإنّ رغبتها الوحيدة أن لا ينفصل أبداً أبناؤها لا عن يسوع ولا عنها، ولا بعضُهم عن بعض. أمّا رغبة يسوع، لا بل إرادته الواضحة، فهي أن يَعتبر تلاميذهُ تلك المرأة الواقفة عند الصليب أمّاً لهم، إن هم أرادوا حقّاً أن "يكون فيهم... لكي يكونوا مكمّلين في الوحدة" (يو 13\23). ذلك أنّه كما أنّ وحدة أعضاء جسده الطبيعيّ تمّتْ في مريم أمّه، كذلك أيضاً تتمّ وحدة أعضاء جسده السرّيّ في مريم نفسها. فيا له من بُعْدٍ مسكونيّ موقفُ المسيحيّين من العذراء مريم!... في وصيّة المسيح على الصليب لاهوتٌ لأمومة مريم الروحيّة. فاللاهوت هو، جوهريّاً، البَسْطُ المنسجم لعملٍ تأسيسيّ قد عاشه المسيح، كما كان صَلْبُه الطوعيّ، افتداءً للبشر. وعليه، فإنّ وصيّته هذه تُظهِر بقوّةٍ دورَ مريم الشخصيّ، بصفتها أُمّاً للبشر، وتُقِيمها في علاقة مع المؤمنين تجعلها قريبة منهم، بقدر ما هي متّحدة بمصير ابنها. إن كان يسوع، في عمله الفدائيّ الأسمى، قد كرّس أُمومة أُمّه الروحيّة، أفلا يكون تَجاهُلُ الأمر أو سوءُ تقديره عملاً أَخرق، وله مُهيناً؟ "هي ذي أمّكَ" هذا القول لا يعني: "هي ذي لك مِثال" (فالأم، قبل أن تكون مثالاً، هي التي تلد للحياة). "هي ذي أمّكَ" تعني: "هي ذي الأمّ التي تَلِدك لحياة العهد معي." يتوسّع الأُسقف الشرقيّ جيورجيوس النِيكُوميدي (القرن التاسع) في كلام يسوع لأمّه، فيقول: "ها هو قريب منكِ التلميذ الذي استندَ إلى صدري... خُذي مكاني، وابقَي معه ومع مَن هم حوله. أُسلّمكِ أيضاً، من خلاله، سائر التلاميذ... كُوني لهم ما هي كلُّ أمّ لأبنائها، أو بالأحرى ما أنا هو بحضوري. وهم فلْيكونوا لك ما هم الأبناء والرعيّة. ولْيكرّموك كما يليق بأُم ربّهم. وكما أنّ حضوري بينهم كان بواسطتكِ، كذلك كُوني لهم وساطةً سهلة بيني وبينهم"... ثم يتوسّع في كلام المسيح ليوحنا، فيقول: "إنّها، منذئذ، مُرشِدةُ التلاميذ، بِصفتها أُمّاً ليس فقط لكَ بل لجميع الآخرين. وإنّي أُريد أن تُكرَّم، حتماً وبملءِ الحق، كما يليق بمقام الأمّ. لقد منعتُكم من أن تَدْعوا أحداً على الأرض أباً "متى 23\9" غيرَ أَنّي أريد أن تَدعوا هذه أُمّاً، وأن تكرّموها بهذه الصفة." وفي الغرب، ذهب ألأباتي رُوبِّير دي دُوْتز (القرن الثاني عشر) إلى التكلّم على ولادة المؤمنين للخلاص، بفضل اتّحاد مريم بآلام المسيح: "لمّا كانت، على الجلجلة، قد تحمّلت حقّاً عذاب الولادة في آلام ابنها الوحيد، فإنّ العذراء الطوباويّة قد وَلدتْ خلاصنا الشامل. ولذا فهي أمّنا جميعاً." إن كانت مريم أمّنا، فنحن إذاً إخوة ابنها يسوع، وقد وُلدنا وإياه من رَحمِها، لأنّ الأخوة يلدون من رَحِم واحدة. الفرق بيننا وبينه أنه، هو، وُلِدَ منها "جسديّاً"، أما نحن ف "روحيّاً" ولمّا كان أنه نصبح أخوة المسيح بالمعموديّة، ألا نستطيع القول إن جُرن المعموديّة هو، نوعاً ما، رَحِم العذراء الروحيّة؟ إن قال أحد: "في كلامك هذا مغالاة!"، ألا فليقل لي كيف إذاً نحن أخوة يسوع! أيكون لأننا مثله أبناء الله الآب؟ لكنّ الله الآب لا ابن له، مولوداً منه. إلا واحد أوحد هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. هذا الأقنوم الأزليّ لم يولد من مريم، ونحن لسنا إخوته من هذا القبيل. الذي وُلِدَ من مريم هو الأقنوم المتجسّد يسوع المسيح الذي كرّس أمّه أمّاً لنا روحيّة، ونحن إخوته من هذا القبيل. أيُقال إنّ الأخوّة القائمة بيننا وبين المسيح هي أخوّة رمزيّة لأن أمومة مريم لنا هي أمومة رمزيّة؟ أبداً، كما سنرى غداً. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
يا وحدة روحيّة، تعال إلى قلوبنا |
أقوال روحيّة |
نحو حركة مسكونيّة روحيّة!. |
جراءة روحيّة |
أعمال روحيّة في العبادة |