|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الوجه الآخر من الخطيئة
إلى الهرب، إلى النسيان. ولكنْ كيف يهرب مما هو مغروز في لحمه، في نفسه؟ كيف ينسى ما هو مستبدّ بكيانه؟ بالمتعة، بالخيال، بالكذب، بالعنف وبما شاكل ذلك. هذا ليس هروباً بمعنى الكلمة ولا هو نسيان. أنت لا تقدر أن تغادر حال القلق الذي يعتورك. فقط أن تلقي بنفسك في ما يخدّر إحساسك بالألم فيبدو لك الألم كأنّك تخطّيته، لا سيما إذا رافق حال الخدر فيك شعور بالنشوة. الخطيئة مخدّر. كلّما ركنت إليها كلّما استبدّت بك. ما يسبقها لا تكون لك طاقة على ضبطه ولا على تلافيه بما أُوتيت من طاقة بشريّة، وما يتبعها يكون عودة إلى حال القلق فيك مصحوبة بفراغ وشعور بالعجز. من طبيعة الخطيئة أنّك متى ازددت اتكاء عليها وهنت إرادتك واشتدّت، تالياً، وطأة القلق عليك. لذا تسلبك الخطيئة إرادتك، ومن كثرة ما تخدِّر فيك الإحساس تفتك به. إذ ذاك تمسي غير مُسائل. لا تعود مبالياً حتى بالحياة نفسها بل بالمخدِّر. التخدير نفسه يمسي، لك، طريقة حياة، بديلاً عن الحياة. لا تعود تحسب حساباً لما قد ينجم عن الخطيئة من عواقب ومضاعفات. تهرب من الخطيئة بخطيئة جديدة إلى خطيئةٍ غيرها. وأكثر ما تدفع نتائجَ الخطيئة عنك بالكذب والرياء. تستحيل حياتك، والحال هذه، نظاماً معقّداً من الخطايا المترابطة إحداها بالأخرى. يرتبط فيك، مثلاً، الزنى بالكذب، بحبّ الظهور، بحبّ البطن، بالغضب... على هذا المنوال تنمو خيوط العنكبوت ويشتدّ التفافها حول قلب الإنسان حتى تخنقه. لذا الخاطئ . أنا وأنت. مسكين لأنّ الخطيئة تضلّله. تَعِدُه ولا تفي. تمتصّ منه ساغ الحياة ولا تغادره إلاّ يباساً. شيمتها "داوني بالتي كانت هي الداء". لذا أكثر ما يحتاج الخاطئ إلى رحمة. لأنّه كلّما دخل في لولبية الخطيئة كلّما تعذّر عليه الخروج منها. كل ما يعتبر صالحاً، بشرياً، يَفسد بالخطيئة. الحرية تصير عبودية لها. تتحوّل الحرية، عملياً، إلى حرية في الخطيئة. متى ألقى المرء بنفسه في أحضان الخطيئة اعتبر نفسه، إذ ذاك، حرّاً. هذا ما توحي لك به الخطيئة. الحرّية، في الأساس، حرّية في الخير، في الحبّ، في الصلاح. هذه متى اخترتها كنت حرّاً حقّاً من كل ما يعيقك عنها. كنتَ حرّاً من كل خطيئة. حرّيتك، متى تعاطيت الصلاح، تنمو وتزدهر. أما الخطيئة فتحرمك إيّاها. لا تعود قادراً على صنع الصلاح. تجدك مرغماً على صنع الفساد. لذا كان اعتبار الحرّية مبرِّراً للخطيئة انحرافاً في النفس. وكيف لا يكون الأمر انحرافاً وباسم الحرّية يصير المرء عبداً للخطيئة، باسم الحياة يصير عبداً للموت، باسم النور يصير عبداً للظلمة!؟ لو أردنا، في ضوء ما تقدّم، أن نحدّد الخطيئة لقلنا إنّها الشرود عما لله، وتالياً عما للإنسان باسم الحرّية، واستبدال الحقيقة بالضلال والمعرفة بالوهم. هذه يظنّ المرء أنّها تقيه القلق وتبلّغه السلام وما تفعل. فقط تخدّره وتضخّ فيه متعة كذوباً. وحده الإيمان بيسوع يحلُّ، في الإنسان، مشكلة القلق. يعطيه سلاماً لا كما يعطي العالم. من دونه، يبقى الإنسان محكوماً بالقلق. مهما صنع لا يجد لنفسه مخرجاً. كل تدابير الناس لا تنفع في دفع القلق خارجاً. يبقى القلق سيِّد الموقف. كل نفس مركّبة على نحو لا يجعلها ترتاح إلاّ في يسوع. هو الألف والياء. "وأنا أُريحكم". لذا إما يسوع وإما القلق حتى الموت. من دون يسوع الخطيئة حتمية. لا يمكن الإنسان أن يعيش في فراغ. إما الحقيقة وإما الوهم. إما التعزية الحقّ بروح يسوع وإما التعزية الفاسدة من دونه. في بحث الإنسان عن المعنى لوجوده يحتاج إلى يسوع أو تأتيه الخطيئة بديلاً. لذا كان الخاطئ بحاجة إلى الرحمة لأنّه لا يعرف ما يعمله. يؤذي نفسه ولا يدري. قلّة من الخطأة أشرار بالشرّ راسخاً فيهم. أكثرهم تدفعه الظروف إلى حيث هو. في غياب يسوع من أفقه لا بديل عن الخطيئة. يحاول، بالخطيئة، أن يجد معنى لنفسه وما يجد. لنرأفن، إذاً، بالخطأة، ببعضنا البعض. "أطلّ الربّ من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب لله. ضلّوا كلّهم جميعاً وتدنّسوا. ليس مَن يعمل صلاحاً. كلا ولا واحد" (مز 13: 2 ? 3). "أُريد رحمة لا ذبيحة". "لا تدينوا". كلّنا هذا الإنسان النازل من أورشليم إلى أريحا الذي وقع بين لصوص فعرّوه وجرّحوه مضوا وتركوه بين حيّ وميت (لو 10: 30). كلّنا عرّته خطاياه من نعمة الله وجرّحته أوهامه. كلّنا بحاجة إلى السامري الصالح، إلى الغريب الصالح، إلى يسوع الصالح، الذي يأتينا كغريب ونعامله كغريب. لكنّه القريب الذي قرّب نفسه ذبيحة لخلاصنا لأنّه شاء أن يرحمنا. إلى مثاله دعينا. بهذا يطالبنا أن ترحم أنت العبد رفيقك كما رحمتك أنا (مت 18: 33). كلّنا عبد لخطاياه وكلّنا برسم الرفق بعضنا بالبعض الآخر إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. هنا يكمن بدء خلاصنا أن ندرك أنّنا كلّنا ضحايا، ضحايا خطايانا، كلّنا ضللنا. فإن رَحَمْنَا رُحِمْنَا. هكذا جعل الربّ الإله خلاصنا ثمرةَ لا عملنا، لأنّنا لم نعمل شيئاً صالحاً على الأرض، بل رحمتِنا لأنّ الذي شاء أن يرحمنا شاء أن نصير على شبهه وجعل الرحمة إن تبادلناها رأساً لخلاصنا. بلى بالرحمة تُزَال الخطيئة مهما عظمت. في نهاية المطاف ليس شرّير إلاّ الذي لا يشاء أن يرحم. أما الباقون ففي الضعف مقيمون. لا يقدرون على مقاومة الخطيئة، لذلك يخطئون. لكنْ برحمة الله يقوى الذين يسترحمون. "معونتي من عند الربّ الذي صنع السماء والأرض. لا جَعَل رِجْلَك تزلّ ولا نام حارسك". يوم تنسكب الأكباد حناناً على مَن أساؤوا إلينا ينسكب لطف الله علينا. يومذاك يكون لنا خلاص مهما خطئنا. يومذاك يصير لنا المعزّي روح الحقّ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الوجه الآخر للكبرياء |
الوجه الآخر لـ أم كلثوم |
الوجه الآخر ل آينشتاين |
بي بي سي الوجه الآخر لـ الجزيرة |
الوجه الآخر....الرياء |