ان ميلاد الرب يسوع، يجلب الينا السلام ويوقظ الفرح في قلوبنا. كما ان صلواتنا الطقسية في الفترة التي تسبق الميلاد، تدعونا الى الفرح الروحي، فرح حلول الله المتأنس، المسيح الكلمة بيننا. وكما قال الاب الاقدس البابا بندكتوس في احدى رسائله بمناسبة عيد الميلاد: ان الدعوة الى هذا الفرح الروحي هي نبوءة الخلاص، انها دعوة فداء تنطلق من التجديد الداخلي. ان سر الميلاد الحقيقي يكمن في هذه الكلمات، ويكرّرها الله الى كل واحد منـّا: إثبتوا في الفرح، الرب هو قريب، وبشفاعة مريم العذراء، لنقدّم أنفسنا بتواضع وشجاعة لنستقبل المسيح المخلـّص والمتواضع، الذي هو ينبوع الفرح الحقيقي.
انّ الانجيلي متى يسرد حدث الميلاد دون ذكر التفاصيل الدقيقة المتعلـّقة به، مشدّداً على قدوم المجوس وسجودهم ليسوع، فيقول: ولمّا وُلد يسوع في بيت لحم اليهودية، في أيام الملك هيرودس، إذا مجوس قدموا الى أورشليم من المشرق" متى 2/1-12. انّ هدف الانجيلي متى هو، أن نركـِّز انتباهنا على التعليم الروحي واللاهوتي الذي يحويه نصّه. فمن خلاله، أراد أن يعلـّمنا أنّ الله دعا جميع شعوب الارض لنيل الخلاص بواسطة يسوع الطفل. فهو مخلص شامل لجميع البشر، وليس لليهود فقط. فالمجوس يمثـّلون الشعوب الوثنية، أتوا من المشرق ليسجدوا للمسيح. وهكذا، فان الانجيل المقدّس هو البشرى السارة لجميع البشر. وفي الوقت الذي نرى العهد القديم عهداً بين الله واليهود، نجد العهد الجديد عهداً أَبرمه يسوع المخلص مع شعوب المعمورة كلـّها. ويؤكـّد ذلك يسوع عند تأسيسه لسر الافخارستيا حينما قال: هذا هو دمي، دم العهد الجديد الذي يراق من أجل جميع الناس. كما يرسل تلاميذه في ختام رسالته على الارض، ليتوجّهوا الى جميع الامم حينما قال: إذهبوا وتلمذوا جميع الامم، وعمّذوهم باسم الاب والابن والروح القدس.
بينما نرى الانجيلي لوقا يعطي معلومات دقيقة عن حدث الميلاد، مؤكـّداً أن زمن ولادة يسوع كان عند اجراء الاحصاء السكاني الذي أمر به اوغسطس قيصر ملك الرومان، ملاك الرب يبشّر الرعاة، ثمّ قدوم الرعاة وسجودهم للطفل يسوع" لوقا 2/1-20. الانجيلي لوقا يركـّز في روايته الميلادية على الملائكة والجند السماويين والرعاة. وهو بذلك يريد أن يجلب انتباهنا الى نقطة هامة، تعتبر محور تعليمه فيما يخصّ الميلاد، الا وهي ان ميلاد يسوع المسيح المخلـّص هو بشرى سارة، فرح روحي، درس في التواضع ورسالة سلام. فقال الملاك للرعاة: لا تخافوا، ها اني أبشّركم بفرح عظيم يكون للشعب كلـّه، وُلد لكم اليوم مخلـّص في مدينة داود، وهو المسيح الرب. وإليكم هذه العلامة: ستجدون طفلاً مُقمّطاً مُضجعاً في مذود. وانضم الى الملاك بغتة جمهور الجند السماويين يسبّحون الله ويقولون: المجد لله في العلى وعلى الارض السلام، وللناس المسرّة.
ونحن اليوم، أين نقف من حدث الميلاد؟ ما هي الدروس والعبر التي نستخلصها لنسترشد بها في مسيرة حياتنا اليومية؟ انّ المجوس إستسلموا لقيادة النجم وكذلك الكتاب المقدّس من خلال سؤالهم: أين ولد ملك اليهود؟ لقد رأينا نجمه في المشرق. وساروا على هدى توجيهاتهما، فبلغوا مغارة الطفل وجثوا له ساجدين. لنشبِّه مسيرتنا الايمانية نحو الله بمسيرة المجوس الايمانية نحو يسوع المخلـّص. إن الله يرسل الينا أيضاً نجومه لِتـُلهمنا وتقود خطواتنا اليه. فهو يكلـِّمنا من خلال روائع الطبيعة والناس الطيبين، يكلـّمنا عبر ضميرنا الحي الذي هو صوته فينا، يكلـّمنا من خلال أحداث الحياة، المفرحة منها والمحزنة، يكلـّمنا من خلال الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله الحيّة والمُحييّة، عبر المواعظ التي تقدّمها لنا الكنيسة المقدّسة. هذه جميعها نجوم ساطعة في سماء نفوسنا لتقودنا الى الله.
لنفتحْ قلوبنا ليسوع الطفل ونُسلـِّم ذواتنا له بكل ثقة وتواضع. حينذاك ستنتظرنا المكافأة العظيمة، على مثال مجوس المشرق وهم أجدادنا، فرحة لقائنا مع يسوع... أملنا أن يجلب لنا الميلاد، كل النعم والبركات السماوية .