التنجيم والأبراج _ باسيليوس
لكن بعض الذين يتجاوزون الحدود يفسرون الكلمات الإلهية كأنها تدافع عن التنجيم، ويقولون أن حياتنا تتوقف على حركة الأجسام السماوية، ولهذا يأخذ المنجمون الكلدان إشارات لما يحدث لنا من النجوم. ويفهمون الكلمات البسيطة التي في الكتاب المقدس: "وتكون لآيات" (تك 14:1)، ليس بمعنى أحوال الجو أو التغيير في الفصول، وإنما يفهمونها وكأنها تتعلق بحظنا ونصيبنا في الحياة.
في الواقع، ماذا يقول المنجمين؟ يقولون أن التداخل والتمازج بين هذه النجوم المتحركة، عندما يعبروا جنباً إلى جنب مع النجوم التي في دائرة البروج، بشكل معيّن، تظهر تنبؤات بمصائر معيّنة، بينما أوضاع أخرى لنفس النجوم تنتج نصيباً وحظاً معاكساً في الحياة. ربما لأجل التوضيح، أتكلم بعض الشيء عن هذه الأمور. لن أستخدم كلماتي الخاصة بل سوف أستخدم كلامهم في دحض أفكارهم، مقدماً الدواء للمصاب بهذا الداء، ومقدماً للبقية الوقاية ضد الوقوع في الأخطاء نفسها.
إن مخترعي علم التنجيم إذ يروا أن هناك علامات كثيرة تهرب منهم في المدى الواسع من الزمن، حددوا القياسات الزمنية بأضيق الحدود، بمدد صغيرة وقصيرة جداً، قائلين أنه يوجد فرق كبير جداً بين ميلاد وميلاد، "في لحظة في طرفة عين" - كما يقول الرسول. الشخص الذي يولد في هذه اللحظة الزمنية القصيرة يكون ملكاً على عدة مدن وحاكم للناس في ملء القوة والغنى. أما الشخص الذي يولد في اللحظة التالية يكون شحاذاً ومُشردّاً، يتنقل من باب إلى باب، متوسلاً معيشته اليومية.
لهذا السبب، بعد تقسيم دائرة البروج إلى اثنى عشر قسماً، قسموا كل قسم من الأثني عشر إلى ثلاثين قسماً، نظراً لأن الشمس تعبر كل قسم من هذه الأقسام في ثلاثين يوم. ثم قاموا بتقسيم كل قسم إلى ستين قسماً. وقسموا كل واحد من الستين إلى ستين قسماً. والآن في تحديد ميلاد الطفل، دعونا نرى إذا كان في مقدرتهم الحفاظ على هذا التحديد الدقيق للوقت. يولد الطفل، فتتبين القابلة مباشرة إذا كان ذكراً أو أنثى، ثم تنتظر بكاءه كعلامة للحياة عند الرضيع. كم من الدقائق تكون قد عبرت حتى الآن في إعتقادك؟ ثم تخبر الممرضة المُنجم بميلاد الطفل، كم من الدقائق تكون قد عبرت قبل أن تعلن القابلة ميلاده، ولا سيما إذا كان الذي ينتظر ليسجل الوقت في مكان آخر خارج حجرة السيدات؟ بالتأكيد ذلك الشخص الذي يراقب الأبراج، يجب عليه أن يُسجّل الوقت بدقة شديدة، سواء إن كان بالليل أو النهار. مرة أخرى، كم من الثواني الغير معدودة تكون قد عبرت في هذا الوقت! لأنه يجب العثور على النجم الذي في تصاعد، وليس فقط الموضع بالنسبة للأثني عشر برجاً، بل أيضاً في أي قسم من الأثني عشر، وفي أي قسم من الستين قسماً كما قلنا، ولضمان الدقة المطلقة في أي قسم من الستين قسماً لكل من الستين الأخيرة.
علاوة على ذلك، يقولون أن هذه التحديد الدقيق للوقت - الذي يصعب تحقيقه - يجب أن يتم بالنسبة لكل كوكب من الكواكب، بحيث يتم تحديد العلاقة بينها وبين النجوم الثابتة، وأي شكل قد تم تشكيله بين بعضهم البعض في لحظة ولادة الطفل. وبالتالي، من المستحيل تحديد الساعة بدقة، وأي تغيير طفيف في الزمن ينتج فشلاً كاملاً. ومن ثم كل أولئك الذين يكرسون أنفسهم لهذا الفن الوهمي، وأولئك اللذين يسمعون لهم بإندهاش - كأنهم قادرين على معرفة مستقبلهم وأقدارهم - هم في وضع مثير للسخرية والضحك.
ولكن ما هي النتائج التي يتم الحصول عليها؟
يقولون أن هذا الطفل سوف يكون له شعر مجعد وعيون لامعة، لأنه له علامة برج الحمل، لأن هذا الحيوان له بطريقة ما مثل هذا المظهر، إلا أنه أيضاً سوف يكون له مشاعر نبيلة لأن الحمل يمتلك الريادة، وسوف يكون كريم في العطاء وقادر على الاكتساب، لأن هذا الحيوان يعطي صوفه بدون ألم، وأيضاً بسهولة يكتسي ثانية بالطبيعة. أما الذي يولد تحت برج الثور، يكون شخص مسكين ومتذلل، نظراً لأن الثور يعمل تحت النير. والذي يولد تحت العقرب يكون شخصاً مهاجماً بسبب تشابهه مع ذلك المخلوق السام. أما الذي يولد تحت تأثير الميزان يكون عادلاً بسبب توازن الموازين.
ماذا يمكن أن يكون أكثر سخافة من هذا؟
الحمل الذي بواسطته يتم تخمين ولادة الإنسان، يمثل الجزء الثاني عشر من السماء، والشمس عندما تكون فيه تلامس علامات الربيع. الميزان والثور أيضاً كل منهما جزء من الاثنى عشر قسماً في دائرة البروج. كيف يمكنك إذاً أن تقول أن الأحداث الرئيسية في حياة البشر تبدأ من هنا، وكيف يمكنك تشكيل سمات الشخصية عند الولادة، من حيوانات الأبراج الخاصة بكل شخص؟ فمن يولد تحت الحمل يكون كريماً، لا لأن هذا القسم من السماوات ينتج مثل هذه النوعية من البشر، بل لأن هذه هي طبيعة الحمل. لماذا تريدنا أن نعتقد بصحة النجوم وتحاول إقناعنا بهذه المأمأة؟ لو كانت السماء تستمد وتمتلك بالفعل مثل هذه الخواص للشخصية من الحيوانات، إذا هي نفسها أيضاً خاضعة لقوة خارجية، بما أن مقاصدها تعتمد على حيوانات الحقل. هذا هو بالتأكيد يدعو للسخرية، بل أنه لأمر أكثر سخرية أن نحاول تقديم حجج مقنعة في خطابنا من تلك الأشياء التي لا تربطها أي علاقة البتة.
إن كلامهم العاقل هذا يشبه نسيج خيوط العنكبوت، متى اشتبكت فيه بعوضة أو ذبابة أو أي حشرة ضعيفة تصطاد بسهولة وتقيد، لكن لو اقتربت أي حشرة أقوى، تخترق بسهولة وتمزق النسيج الرقيق وتحمله معها.
ولا يقف بهم الحال عند هذا الحد، فهم يعتقدون أنه حتى أعمالنا التي تحكمها إرادتنا سواء للخير أو الشر، ينسبوها أيضاً لتلك الأجسام السماوية. من السخف أن نفند مثل هذا الكلام في حالة أخرى، لكن بما أنهم منغمسون للغاية في خطأهم، يجب أن لا نعبر عنه في صمت. ولنسألهم إولاً إذا كان ما تعطيه النجوم من أشكال لا يتغير مرات عديدة كل اليوم. إن الكواكب بكونها في حركة الدائمة، بعضها يجتاز البعض الآخر بسرعة أكبر، بينما أخرى تتحرك ببطء أكثر، نجدها تظهر وتختفي من بعضها البعض مرات عديدة في الساعة الواحدة. وكما يقولون، هناك أهمية كبيرة في ساعة الميلاد، إن كانت النجمة الظاهرة نجمة خيّرة أو شريرة، وهي إذن تحدد مصيره! وفي أغلب الأحيان، لا يلحق المنجمون الدقيقة التي تظهر فيها النجمة الخيّرة، فيسجلون المولود على أنه واقع تحت تأثير روح شرير - أنا مجبر على استخدام مفرداتهم.
هناك بالتأكيد في مثل هذه الكلمات حماقة شديدة، إلا أن هناك أيضاً معصية أكثر ضخامة. إذ أن النجوم الخبيثة تحوّل مسئولية شرها على خالقها. إذا كان الشر ناتج عن طبيعتها، إذاً فالخالق يكون هو المسبب للشر. أما إذا كانوا أشراراً بإختيارهم الخاص، تكون مخلوقات قد وهبت إرادة وتمتلك رغبات حرة ذات سيادة، الشيء الذي يعتبر منتهى الحماقة أن نزعم هذا الخطأ بشأن مخلوقات لا روح لها. وأي نقص في العقل هذا الذي يخصص الشر والخير لكل نجم لا بحسب استحقاقه، بل يعتبرون كشيء مسلم به أنه نجم خيّر لو كان في مكان معين، أما إذا قابله نجم محدد آخر يصير نفس النجم نجماً خبيثاً، ومرة أخرى إذا تحرك قليلاً من هذا الوضع يفقد التأثير الشرير. هذا يكفي في هذا الشأن.
لو في كل فترة قصيرة من الوقت، تغيرت النجوم من شكل إلى آخر. وفي هذه التغييرات العديدة يتم إنتاج أنماط الميلاد الملكي مرات كثيرة أثناء اليوم. لماذا إذن لا نرى في كل يوم مولد ملك؟ ولماذا يخلف الابن أباه على العرش بالوراثة؟ بالتأكيد لا يستطيع كل ملك أن يضبط بدقة وقت ميلاد ابنه بحسب الشكل الملكي للنجوم، أليس كذلك؟ أي إنسان تكون له مثل هذه القدرة؟ وكيف "عزيا ولد يوثام ويوثام ولد آحاز وآحاز ولد حزقيا" (مت 1) ولم يصادف أن ولد أي واحد منهم في ساعة ولادة عبد؟
إذاً وبالتالي، لو أن أصل فضائلنا وشرورنا لا يكمن في داخلنا، وإنما هو قدرنا - الذي لا نستطيع تجنبه - الناتج عن وقت ميلادنا، إذن فالمشرعون الذين يحددون ما يجب أن نفعله وما يجب أن نتجنبه ليست لهم أي فائدة. والقضاة أيضاً، اللذين يكرمون الفضيلة ويعاقبون الجريمة ليست لهم أي فائدة.
في الواقع، لا يجب آنذاك أن ينسب الذنب للسارق، أو للقاتل فهو كتب عليه، ومن المستحيل أن يتراجع ويكبح يده حتى إن أراد ذلك، فقد دُفع للشر بضرورة حتمية لا يمكن تجنبها.
إن الأشخاص الذين يشجعون مثل هذه الخرافات هم أكثر الناس جنوناً. فالمزارع سوف يجني محصولاً وفيراً بالرغم من أنه لم يبذر بذوره أو يستخدم منجله. والتاجر سوف يغتني بثراء وافر، سواء أراد أو لم يرد، فقدره سوف يجمع له الثروة.
أما الآمال العظيمة التي تخصنا كمسيحيين، سوف تختفي بالكامل، لأن لا العدالة سوف تُكرَّم ولا الخطية سوف تدان، لأن ليس هناك شيء يفعله الإنسان بواسطة إرادته الحرَّة. وحيثما يسود القدر والضرورة الحتمية، لا يكون للجدارة والاستحقاق - الشرط الخاص للحكم العادل - أي مكان.
+++++++++++++++++
الجدير بالذكر أن القديس باسيليوس يُدرج في قوانينه أن "من يستسلم إلى أنبياء البخت والمنجمين، لأي غرض من الأغراض، تُفرض عليه عقوبة القاتل!" (قانون 72)
++++++++++++++++