|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الذّبيحة والفداء إنّ دراسة الذبائح في الكتاب المقدس موضوع شاسع ومتشعّب، لكون تقليد الذبيحة لم يكن مرتبطا فقط بالشعوب العبرانية أو بإطار أضيق يتمثّل في يهوه (الله) وشعبه الذي إختاره؛ بل هو أسلوب معيشة عكس معتقدات وتقاليد الشعوب، كما كانت تعكس علاقتها بآلهتها التي منها تستمدّ قوّتها وحمايتها من الكوارث الطبيعية التي لم تكن مفهومة لديهم، بالإضافة إلى طلب مساعدة الآلهة لحمايتها من هجمات الأعداء. فالشعوب القديمة إختلف مفهومها للذبيحة والمعنى المراد منها؛ فالذبيحة كانت تعبيرا عن الفرح والإحتفال، بالإضافة إلى كونها رمزا إلى التضرّع والطلب، إذ كانت هذه الشعوب تركّز أيضًا على طلب الخصب وكثرة الإنتاج لنسائهم ولحقولهم. لذلك فقد كانت تقدّم ذبائح من الحيوانات أساسا، كما كانت تقدّم أيضا ذبائح بشرية وخاصّة الأطفال تقرّبًا من الإله وكسب رضاه عنهم كما ورد في (إر 19: 4). ولقد تنوّعت الذبائح بتنوّع مكانة والدور الذي يلعبه الإله في حياة هذه الشعوب. ولكنّ الذبيحة عرفت معنى مختلفا مع الآباء؛ فقد قدّم إبراهيم إسحاق ذبيحة طاعة لإلهه الذي دعاه، وهنا تدخّل هذا الإله وقدّم ذبيحة حيوانية بدلا عن الذبيحة البشرية التي قدّمها إبراهيم تعبيرا عن طاعته، السبب الذي جعل من شعب اسرائيل يبتعد عن الذبائح البشرية في عبادتهم ليهوه، إذ كان يريد منهم أن يكونوا مختلفين عن الشعوب الوثنيّة المحيطة بهم. لكن ماهي العلاقة بين الذبيحة وحياة القداسة في تاريخ اسرائيل ومدى تأثيرها في العلاقة مع الله ؟ إعتبرت الذبيحة لدى العبرانيين ذات قوّة عجيبة، فقد كانت تمنع عنهم الأذى وخاصّة غضب يهوه عن خطاياهم. كانت أيضا تكسبهم قوّة في مواجهة المصاعب التي تحيط بهم. لذلك ليس من المستغرب أن يهتمّ الشعب بإعطاء أولويّة لتقليد الذبيحة؛ وقد ظهر هذا الإهتمام أو تبلور في إقامتهم للمذابح في كلّ مكان كانوا يتوقّفون فيه في طريقهم إلى أرض الموعد. بالإضافة إلى ذلك فقد بنوا وشيّدوا المذابح في أرض كنعان؛ حيث انتشرت وكانت تستخدم لعدّة أغراض: فقد مثّلت في بعض الأوقات تعبيرا عن الشكر على إثر انتصار عسكري، كما جاء في (خر 17: 15، 16). كما مثّلت أيضا جزءا من تقليد التطهير الذي يقوم به الشعب، لكي يمثل أمام إلههم يَهوَه. لقد كانت المذابح في وقت من الأوقات تُبنى كتذكار أو "كـشاهد" على أمانة الشعب للعهد الذي قطعه مع يهوه (يش 22: 10-34). ولكن في أغلب الأحيان كانت المذابح تقام لتقديم الذبائح ليهوه تكفيرًا عن خطايا الشخص أو خطايا الشعب كلّه. خلال ترحالهم كانت تقام في أماكن مختلفة يحدّدها الربّ، كما ورد في (خر 20: 24). ولكن، من بعد دخولهم للأرض الموعود ، أمرهم الله أن يذبحوا في هيكله المقدّس في أورشليم فقط (تثنية 12: 10-11). إذاً اقترنت الذبيحة لدى الآباء والأمّة من بعدهم بمفهوم لم تكن تعرفه حضارات الشرق الأدنى القديم، فقد استخدمت الذبيحة بذلك كتعبير عن هذه العلاقة الخاصّة التي تربطهم بيهوه مخلّصهم الذي حرّرهم من نير العبوديّة في مصر. وهنا سؤال يطرح نفسه وهو: كيف نظر العبرانيون إلى خلاص الربّ الذي تمّمه حمل الله : يسوع المسيح؟ إنّ مفهوم الفداء بحسب مفهوم العهد الجديد هو مفهوم متطوّر وحديث مقارنة بمفهوم الخلاص من حيث وجهة نظر العهد القديم، فالنبوءات المسيحيانية التي يشير إليها اللاهوتيين في قرائتهم للتوراة والكتاب المقدّس العبراني لم يكن ينظر إليها من قبل اليهود على ذلك الأساس. لذلك فإنّ في الرسالة للعبرانيين هناك إشارة ودراسة واضحة للأمر من خلال سرد الكاتب لأحداث التاريخ العبراني، ليوضّح لهم لاهوت الفداء والذي ربطه بالفداء الذي أتمّه الرّب يسوع المسيح من خلال عمله الكفاري على الصليب " إِنَّ اللهَ ، فِي الأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ، كَلَّمَ آبَاءَنَا بِلِسَانِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ نَقَلُوا إِعْلاَنَاتٍ جُزْئِيَّةً بِطُرُقٍ عَدِيدَةٍ وَمُتَنَوِّعَةٍ. أَمَّا الآنَ، فِي هَذَا الزَّمَنِ الأَخِيرِ، فَقَدْ كَلَّمَنَا بِالابْنِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، وَبِهِ قَدْ خَلَقَ الْكَوْنَ كُلَّه" (عب 1: 1، 2). لقد حاول كاتب الرسالة أن يوضّح أنّ غاية الله هو خلاص البشرية كلها، لذلك فإنّ التكفير عن الخطيّة كان يتمّ بواسطة طقس معيّن، وأن الدم وحده هو الكفيل الوحيد للتكفير عن الخطيّة كما هو مبيّن في (عب 9: 25) " وَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ لِيُقَدِّمَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةً مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا كَانَ الْكَاهِنُ الأَعْلَى عَلَى الأَرْضِ يَدْخُلُ مَرَّةً كُلَّ سَنَةٍ إِلَى «قُدْسِ الأَقْدَاسِ» بِدَمٍ غَيْرِ دَمِهِ ...وَلَكِنَّهُ الآنَ... ظَهَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِيُبْطِلَ قُوَّةَ الْخَطِيئَةِ بِتَقْدِيمِ نَفْسِهِ ذَبِيحَةً لِلهِ"، إذ كانت لله خطّة تمّمها بواسطة الحمل الذي سبق وأعدّه وهو الوحيد الذي به الخلاص (عب 10: 12). فالخلاص أو الفداء كان ينظر إليه على أساس تدخّل إلهي معجزي كما حدث في السابق في الخروج. ولكنّ الفداء الإلهي تمّ بطريقة مغايرة شكليا ومتشابهة ضمنيا، إذ أصرّ الكاتب على أنّ المسيح هو الحمل الذي بدمه يتحرّر الإنسان من عبودية الخطيّة؛ ولكي يقرّب الصورة لهم، شبّه عمل المسيح على الصليب بطقس تطهير الخيمة بواسطة رشّ الدم من قبل الكاهن (عب 9: 23-42)، وأنّ الذبيحة التي أشار إليها الله في كلامه لهم بواسطة الأنبياء قد تمّت كلّها وتحقّقت في شخص يسوع المسيح. وبذلك إختتم حديثه إليهم بتحذيرهم من مغبّة إضاعة فرصة تجديد العهد مع الله بواسطة حمله الذي إختاره " فَإِنْ أَخْطَأْنَا عَمْداً بِرَفْضِنَا لِلْمَسِيحِ بَعْدَ حُصُولِنَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى هُنَاكَ ذَبِيحَةٌ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا." (عب 10: 26). يعتبر المسيحيين إذا، أنّه لا يمكن فهم العهد القديم بمعزل عن العهد الجديد، لأنّ الكتاب يقول: " وَطَبِيعِيٌّ أَنَّ كُلَّ مَا عَتَقَ وَشَاخَ، يَكُونُ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الزَّوَالِ!" (عب 8: 13). فدرس الذبيحة يعلّمنا عن علاقة الله بالإنسان الذي أتمّه بواسطة الفداء بموت المسيح على الصليب وقيامته من بين الأموات. بقلم /رياض جاءبالله |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
البدَلية والفداء |
الصليب والفداء |
قصة الصليب والفداء |
التجسد والفداء |
الصلب والفداء |