|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أنا مسيحي _ الشهيد يوحنا الزيتوني الشهيد يوحنا الزيتوني (استشهد عام 1210م) شهادة القدِّيس يوحنا، الشهيد الجديد، من (قرية) الزيتون في مقاطعة بوشين (بوش حالياً)، الذي تنيَّح في الساعة السادسة من يوم الخميس، الرابع من شهر بشنس، أمام الملك الكامل ابن الملك العادل (قرن 13)، العربي الفارسي .. على شواطئنا التي لنهر مصر، بسلام الرب. آمين. اسمعوا اليوم، يا أحبَّائي، صوتَ المرتِّل داود، مرنِّمًا معنا قائلاً: ”يمين الربِّ صنعت قوةً، يمين الربِّ رفعتني. يمين الربِّ صنعت قوةً، فلن أموت بعد، بل أحيا وأُحَدِّث بأعمال الربِّ. تأديبًا أدَّبني الربُّ وإلى الموت لم يسلِّمني“ (مز 118) تعالوا اليوم كلكم، أيُّها المؤمنون ويا بني المعمودية، لكي نحمل النير َ الحلو الذي لمخلصنا الصالح، الإله الحقيقيّ، الذي دعانا في الإنجيل المقدَّس، معلِّمًا الرجال الحكماء، قائلاً: ”تعالوا إليَّ، يا جميع المُتْعَبِين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم“ (مت 11). فلنحمل، باعتناءٍ وقلبٍ مستقيمٍ، النيرَ الحسن الذي لإيمان هذا الشريف، الغرس الجديد الذي نبت في حظائر يسوع المحبوب. كنت أفكِّر في يوحنا، الغرس الجديد الذي نبت هذه الأيام مثل شجرة السوسن. حقًّا، هذا هو الأجير الأخير في الساعة الحادية عشرة، الذي أتى مهرولاً، وركض قُدُمًا، وانتزع أجرته بمقدرة، وفرح به ربُّ القطيع، والمدبِّرُ والوصيُّ في ذات الوقت. كذلك اندهش منه الأجراءُ الآخرون في اشتياقٍ ومحبةٍ روحانيَّيْن. حقًّا، هذا هو ابن العصيان، الذي أخذ ثروةَ أبيه وبدَّدها مع الزواني والخطاة، واعتاز، وجاع، وافتقر، وقَارَبَ الموتَ، ثم عاد إلى أبيه، فقبله إليه بفرحٍ(لو 15). هذا هو الخروف الذي ضلَّ مرعاه، فركض وراءه باهتمامٍ حتَّى وجده، وقبله إليه في سعادةٍ وفرحٍ. هذا هو المصباح الذي أضاء في مكانٍ مظلمٍ حتَّى عمَّ نورُه أرجاءَ البلاد. هذه هي الحبة التي بقيت من العنقود، فأثمرت كباقي كلِّ الكرمة. هذا هو الإسرائيليُّ الحقيقيُّ الذي لا غشَّ فيه، ولا ظُلْمَة، ولا ظُلْم، كقول الربِّ. هذا هو العبد الصالح الذي أعاد فضةَ سيِّده وضاعفها سبع مرات أمام كلِّ ذويه. هذا هو التاجر الباحث عن اللؤلؤة حتَّى يجد اللؤلؤةَ الحقيقيَّة، التي هي عمانوئيل، الصخرة الحيَّة. هذا هو المدعو الطاهر الذي يرتدي الحُلَّةَ النورانيَّة غير الدنسة والتي بلا عيبٍ أمام كلِّ المدعوين. هذا هو الذي جلس أولاً في وليمة العُرس؛ لأنه أرضى العريسَ الحقيقيَّ السمائي، المسيح مخلِّصنا. تعالوا كلكم اليوم، أيُّها المؤمنون المسيحيُّون، أبناء الكنيسة، لنرفع إلى الربِّ كلَّ شكرٍ، وكلَّ مجدٍ، وكلَّ بركةٍ، ونزيد اسمَه القُدُّوس المبارك عُلوًّا، أب كلِّ أحدٍ، وابنه الوحيد الجنس يسوع المسيح ربنا، والروح القدس، إلى أبد الآبدين. آمين. لأنَّه صنع معنا كعظيم رحمته، وصار لنا مُعينًا ومعزِّيًا ورجاءً في كلِّ حينٍ وفي كلِّ مكانٍ، وأظهر قوَّتَه ومجدَه وعجائبَه معًا؛ لأنَّه صنع معنا كعظيم رحمته، وخلَّصنا من الضيق. لأنه في زمنٍ مقبولٍ أعدَّ لنا حُرَّاسًا ومُعَزِّين، وفي وسط الظلمة جلب النورَ، وفي وسط العفونة والنتانة جلب رائحةَ الطِيب، وفي وسط الشوك والحسك جلب الزهرةَ اللامعة، وفي وسط الزناة والقتلة والخطاة أحضر أبرارًا وصِدِّيقين وقدِّيسين، وصاروا خُدَّامًا له، ولا سيما سافكو الدماء والقتلة صاروا ورثةً وأهل ملكوت السموات، وفي وسط الكراهية جلب معجزاتٍ، وفي وسط اللعنة أحضر بركاتٍ، وفي وسط الزوان غير المثمرة أحضر ثمارَ مواسمَ هادئةٍ، وفي وسط النجاسة والظلم أحضر أبناءً بررة، أهلَ ملكوت السموات، ورفعهم عاليًا إلى الملائكة حسب ناموس الحرية الجديد الذي لمخلصنا يسوع المسيح. فلنُعَيِّد، يا أحبائي، عيدًا كنسيًّا جديدًا، ولنرنِّم مزمورَ النبي داود، ملك إسرائيل، ولنقل: ”رنِّموا للرب ترنيمةً جديدةً. تسبحته في كنيسة القدِّيسين“. هذا هو عيد استشهاد المجاهد الحقيقي الذي للمسيح، القديس يوحنا الزيتوني، هذا الذي أينع في هذه الأيام أكثر من أَرْز لبنان، هذا الذي حمل النير َالحلو، أي الصليب، بلا خجلٍ، ولم يكن عليه ثقيلاً، ولم يتعب بالكُلِّيَّة. هذا الذي نَفَّذَ أمْرَ المسيح، معلِّمه الحقيقي. ونحن أيضًا الذين نقرأ لأنفسنا في الإنجيل المقدس، هذا (القديس) سمعه جيِّدًا ونفَّذه جيِّدًا: ”مَن استحى أنْ يعترف بي وبكلامي قدَّام الزناة الخطاة، فسيستحي به ابنُ الإنسان أيضًا عندما يأتي في مجد أبيه وملائكته القديسين“. حقًّا، إنَّ يوحنا، القديس الجديد، لم يستحِ، ولم يخف، ولم يشعر بالعار، كما هو مكتوب: ”أما خوفهم فلا تخافوه ولا تضطربوا، بل قَدِّسُوا الربَّ المسيح في قلوبكم“. (1 بط 3). وهكذا قدَّس (طَهَّر) القديسُ يوحنا قلبَه في الربِّ، واعترف به بلا خجلٍ أمام الملوك والرؤساء والحُكَّام والمُقَدِّمين والقوَّات، واعترف بالمسيح أمامهم في جَرْأةٍ، قائلاً: ”أنا مسيحي“. اسمع، أيُّها الشعب المؤمن المحبوب الذي للكنيسة الجامعة: هذا ما صنعه الثالوث القدُّوس، وسوف أخبركم عن كرامة جنس هذا الشهيد القديس الذي نعيّد له اليوم عيدًا روحيًّا، أي القديس يوحنا، العبد الصالح الذي لربنا يسوع المسيح، الخروف الذي عاد إلى المربض الروحاني، كما هو مكتوبٌ في الإنجيل المقدَّس:”يكون فرحٌ في السماء أمام ملائكة الله بخاطئٍ واحدٍ يتوب أكثر من تسعةٍ وتسعين بارًّا لا يحتاجون إلى توبةٍ“(لو 15). فإن كانت الملائكةُ التي في السماء وصفوفها تفرح بهذا الخاطئ الواحد الذي عاد؛ لأنَّهم أبصروا توبتَه واعترافَه بلا خجلٍ ولا خوفٍ، يليق بنا نحن الأرضيين الجسديين أنْ نعيِّد مع شريكنا في الجسد، الذي أسلم جسدَه إلى الجلادين والأتعاب والسياط على رجاء خلاص الحياة، ونرنِّم مع المرتل داود قائلين: ”ارجعي، يا نفسي، إلى موضع راحتك؛ لأنَّ الربَّ قد أحسن إليَّ“(مز 116). وهذا (القديس) عاد إلى الرب، فصنع معه رحمةً عظيمةً. حدث (هذا) في مملكة عثمان بن يوسف (الأيوبي) ملك منطقة بابيلون مصر، والساحل، وسوريا، ومنطقة دمشق، وتِرْبي. وكان هذا الملك كُرْدِيًّا وسلطانًا فارسيًّا لعقيدة الهَجَرة (المسلمين)، ويعود من جهة إيمانه للعرب والإسماعيليين. كان هناك رجلٌ من الصعيد، من قريةٍ تُسَمَّى الزيتون في مقاطعة بوشين، اسمه يوحنا بن مرقس. وهذا كان شَمَّاسًا مسيحيًّا، ولكنه اختلط بالأمم الإسماعيليين المسلمين، في الواقع بالفاسقين والزناة، ولا سيما مواضع شباك الحبائل، طريق العثرة الخاصة بالنساء الزانيات، اللاتي ينصبن الفخاخ للرجال منذ البدء، كما هو مكتوب: ”اختلطوا بالأمم وتعلَّموا أعمالهم“(مز 106). وهكذا اختلط يوحنا هذا أيضًا بمثل هؤلاء، وتعلَّم أعمالَهم؛ لأنَّه كان بائعًا للأقمشة الكتَّانيَّة الحريمي في شارع سِورجيس في قصر الرومي (بمصر القديمة)، فاستعبده الشيطانُ لشهوة امرأةٍ مسلمةٍ، فوقع معها في الزنى. وتسلَّط عليه الإثمُ حتَّى الموت، كما هو مكتوب: ”هو ذا يَحْبَل الإثمُ ويتمخَّض فولد الموتَ“(مز 7). وهذا ما حدث مع البار يوحنَّا، ولكن الذي تكلَّم مع كرَّامه بشأن شجرة التين عن استئصالها أو تَرْكِها في الأرض قد حفظه، إذ قال له كرَّامُه: ”اتركها هذه السنة (وانظر) إنْ كانت تعطي ثمرًا في تلك السنة القادمة، وإلا فاقلعها“(لو 13). كان اللهُ طويلَ الأناةِ معه في عثرته وتجديفه ودنسه مع الفاسقين والزناة، بينما كان يعيش هو في قساوةِ قلبٍ واهتمامٍ بأمور الحياة الجسدانية مع شعب أُمة العرب، كارهي المسيح الإله، لأوقاتٍ طويلةٍ وأزمنةٍ عديدةٍ، حتَّى صار له أبناءٌ وشاخ، فعاد إلى قريته بيبلو. وكان كثيرون من أهل قريته قد جحدوا (الإيمانَ) وصاروا مسلمين، ثم تابوا عن جحودهم. هؤلاء مضوا إلى قريةٍ إلى الجنوب منهم اسمها بيبلو؛ لأنَّ حاكمها كان محبًّا للمسيحيين، وكان يحمي كلَّ واحدٍ (منهم) في قريته من الظلم، ولا سيما المسيحيين الذين كانوا قد جحدوا (الإيمانَ) كان يعيدهم إلى إيمانهم، ولم يكن يدع أحدًا يصنع بهم شرًّا. وسمع البارُّ يوحنا هذا الكلام عن بيبلو ـ وكانوا قد أخذوا أولادَه وما يملك ـ فمضى وسكن بها. وكان فِكْرُه مستقيمًا في المسيح، مشتاقًا ليلاً ونهارًا أنْ ينفِّذ المسيحُ له مُرادَه، لكي يموت ميتةً علنيةً على اسم ربنا يسوع المسيح. وداوم القدِّيسُ يوحنا، الاسم الحلو الشهي، على الصلوات، والطلبات، والدموع، والتضرعات، والسهر، والأصوام، في نقاوةٍ وسرٍّ خفي؛ لأنَّ كلَّ العالم قد صار أمامه كلا شيء، كما هو مكتوب: ”باطل الأباطيل كلُّ إنسانٍ حي“(مز 39). ولمَّا طالت عليه السنون وهو يحيا في وجعِ قلبٍ، عاد إليه رشدُه، واستيقظ من نعاسِ غفلته وتهاونه، وقال هكذا: ”ما هي منفعتي إذا متُّ على هذه الحال ولم أُظْهِر نفسي جيِّدًا، وعشتُ بطريقة مستترة؟ لكنِّي سأنهضُ وأمضي إلى بابيلون مصر، وأَمْثُل أمام الملك الكامل، وأطلبُ منه من أجل إيماني. فإنْ عفى عني، سأحيا بقلبٍ راضٍ، وإلا فسوف يقتلني بالسيف، وأموت (ميتةً) حسنةً على اسم ربنا يسوع المسيح“. وفي الحال قام بغير تكاسلٍ، واصطحب ولدَه معه، ومضى إلى (مدينة) مصر ومعه القليل من قماش الكتَّان ـ وكان ساكنًا مع أهل الصعيد من المؤمنين المسيحيين ـ فباع الكتَّانَ، وأعطى ثمنَه لابنه. وبعد ذلك استعدَّ للموت على اسم ربنا يسوع المسيح. وكان هناك رجلٌ بارٌّ، قسيسٌ اسمه يوحنا، وكان عنده أخٌ راهبٌ، فأتى البارُّ ليبحث عنه في كنيسته، فلم يجده. فاستشار الأبَ يوحنا بخصوص حالته، فقال له الأبُ: ”اذهب أوَّلاً إلى البطريرك وخذ مشورته في هذا الأمر حتى تستمع لكلامه“. فقال له الطوباوي: ”أخشى من البطريرك أن يخوِّفني من الموت، ولكن بطريركي ومشيري في الموت وفي الحياة هو المسيح. ولكني سأمضي إلى أبي شاكر، الشيخ الحكيم محب المسيح، طبيب الملك الكامل، وآخذ مشورته، حتى أسمع رأيه في هذا الأمر“. وهكذا قام ومضى في ثباتٍ إلى الشيخ الحكيم طبيب الملك، وأعلمه عن حاله من أوله إلى آخره. فقال له الحكيم: ”اعلم أنَّ ما قلتَه ليس تجديفًا، بل كأنه كذبٌ. ونحن ننطق بالكذب طوال الوقت، ولكنَّ الكتاب المقدس يقول في الصلاة (الربانية): ʼلا تدخلنا في التجربة، لكن نجنا من الشرير". ألم تعلم أن هذه الأمم شريرة جدًّا؟ وأنت ستعلن كلمة كهذه أمامهم؟ وربما لا تتماسك في التجارب (العذابات) فنصير نحن أنفسنا في خزي. ولكن امضِ من هذا البلد ومن وسط هذه الأمم الكثيرة وعِظَم كراهيتهم لنا، واذهب من بلدٍ إلى بلدٍ، ومن قريةٍ إلى قريةٍ، كما قال المسيح في الإنجيل: ʼومتى طردوكم من هذه المدينة، فاهربوا إلى الأُخرى، فإني الحق أقول لكم: لا تُكَمِّلُون مدن إسرائيل حتى يأتي ابنُ الإنسان“. فأمَّا يوحنا، الطوباوي بالحقيقة، سكت ومضى من عنده. ثم أمضى سبعةَ أيَّامٍ، وكتب رِقاعًا إلى الملك، حيث كان متواجدًا هناك، هذا فحواها: ”العبد، رجل مسيحي. منذ عدَّة سنواتٍ تغلَّب عليَّ أهلُ مصر القديمة بواسطة شهادة زور. والآن، يا سيدي الملك، قد شمل إحسانُك كلَّ واحدٍ، فاجعلني واحدًا من أولئك الذين شملتهم نعمتك. فإمَّا أنْ تهبني إيماني، وإمَّا أنْ تُطَهِّر دنسي بسيفك، وأموتُ على اسم ربنا يسوع المسيح، إله آبائي“. وكانت هناك رقاعٌ كثيرةٌ من هذا النوع، ولم يأتِ عليها رَدٌّ. ولما حلَّ يومُ الأحد، عاد إلى (مدينة) مصر في حزنٍ عظيمٍ. وكعادة أهل الصعيد المؤمنين المسيحيين في عِظَم محبتهم للشهيد القديم، عظيم الأبطال، الشهيد القديس جيؤرجيوس الميليتوني (الروماني)، يعيِّدون له سبعةَ آحادِ الخماسين، ويقرأون قصةَ استشهاده كلَّ يومِ أحدٍ بألحانٍ وإبصالياتٍ تليق بكرامته. وكانت هناك قريةٌ صغيرةٌ غرب نهر مصر اسمها بونمونروس (ابو النمرس حالياً) وكانت بها كنيسةٌ على اسم القديس جيئورجيوس، وبها كاهن اسمه عاروس، وكان إنسانًا بارًّا خائف الله. فلما رأى الطوباويُّ يوحنا الجمعَ منطلقًا إلى هناك، نهض ومضى معهم إلى هناك، لكي يحتفل بعيد القديس جيئورجيوس مع جموع المسيحيين. وأتمَّ الكهنةُ صلاةَ العشيَّةِ وتسبحةَ نصفِ الليلِ وكذلك صلاةَ باكر، وكانوا يرتِّلون للقديس جيؤرجيوس بألحانٍ وطلباتٍ. أمَّا المؤمنُ بالربِّ، القدِّيسُ يوحنا، فعاد إلى عقله، وكان يفكِّر بالكرامات العظيمة التي صنعها اللهُ بواسطة القديس جيؤرجيوس والمواهب التي صارت منه لأجل كلِّ واحدٍ. وفي الحال تحدَّث مع الكاهن عاروس قائلاً: ”أَخْبِرْني، يا سيدي الأب. جيؤرجيوس هذا، صاحب هذه الكرامة العظيمة، هل هو ملاكٌ أم إنسانٌ حتَّى ينال هذه الكرامة المضاعفة؟“ فأجاب القسُّ وقال: ”هو إنسانٌ، فقد أسلم جسدَه للآلام والعذابات الموجِعة، فصارت له كلُّ هذه (الكرامة)“. فأجاب القدِّيسُ يوحنا قائلاً: ”حقًّا، يا سيدي. وبقوة ربي يسوع المسيح سأموت أنا أيضًا بالسيف، وأسفك دمي على اسمه القدوس. وسوف يحدث هذا بواسطة الآب الصالح، والوحيد الجنس الذي له، ربنا يسوع المسيح، والروح القدس المحيي إلى الأبد. آمين“. فقال له القسُّ: ”طوباك، يا أخي، عند الربِّ إنْ فعلت هذا، فسوف يشتهر اسمُك في كلِّ مصر وتخومها معًا“. ثم قبَّله القسُّ وباركه. فخرج إلى (مدينة) مصر في آخر شهر برموده، عيد القديس مرقس الرسول، كاروز مصر. وفي أول أيَّام شهر بشنس، الموافق عيد ميلاد العذراء مريم والدة الإله، قام في الساعة الأولى، وصلَّى إلى الله، ورسم على وجهه علامة الصليب، وتمنطق بقوة مخلصنا يسوع المسيح، وخرج من (مدينة) مصر، التي هي قصر الرومي، إلى إيوان الملك، أي إلى القلعة الواقعة خارج (منطقة) قصر الرومي (أي قلعة صلاح الدين). وكان الملكُ صاعدًا (إلى القلعة) مع الجند، وقاضي قضاة مِلَّتِه، وشيخ الشيوخ، ومرتزقة البربر. فوثب (يوحنا) في وسط الجموع الغفيرة، وصرخ نحو الملك قائلاً: ”اقبض عليَّ، يا سيدي الملك الكامل، لكي ينعم عليك اللهُ بثبات مُلْكك“. فوقف الملكُ، وأحضروا له البارَّ الطوباوي يوحنا في وسط أصحاب الرتب الذين في معيته. فقال له الملك: ”ما هو سبب صراخك؟“ فقال له: ”كُنْ صبورًا معي حتى أردَّ عليك جوابي“. فقال له الملك: ”اهدأ وتكلَّم برزانة“. فقال: ”أنا مسيحي، واستعبدني الإثمُ حتَّى جحدتُ إيماني وأنكرتُ ربي يسوع المسيح. والآن قد سمعت عن فضلك وعدلك اللذين عَمَّا مملكتك. وقد أتيتُ إليك، فهب لي إيماني، وإلا فأنا، أيها الملك، إنسانٌ نجسٌ، فطهِّرني بسيفك؛ لأنَّ هذه هي رغبتي في الربِّ“. فخاطب الملكُ أعيانَ قومِه من الشيوخ وقال لهم: ”ما حُكْمُكم على هذا الجُرْم؟“ فقال واحدٌ: ”إنَّه شخصٌ مجنونٌ“. وقال آخرُ: ”فَلْيُرْهِبُوه ثلاثةَ أيَّامٍ، فربَّما يرجع عن جنونه. فإنْ عاد، فَلْيُكْرَم. وإذا لم يرجع، فَلْيُحْرَق حيًّا“. فقال الملكُ لرئيس الجند: ”اجعل ثلاثةً من الجِنْدَارِيَّة يحرسونه لمدة ثلاثةِ أيَّامٍ، ثم نرى قرارَه بعدها“. فقبض الجنداريَّةُ على البار، وصعدوا به إلى القلعة، مقر إقامة الملك. وانتشر الخبرُ في مدينتي مصر والفسطاط في هيئة إعلانٍ أعلن أنَّ شخصًا ذهب إلى الملك الكامل ليستشهد. ووصل الخبرُ إلى المشايخ (الأكابر) المؤمنين المسيحيين بشأن البار. فاجتمعوا بالحكيم، طبيب الملك؛ لأنه كانت له مكانةٌ عند الملك، وربما ينال حظوةً عند الملك فيما يتعلَّق بالبار، ويطلق سراحَه. فأخذ الحكيمُ أبو شاكر شيوخَ كُتَّاب الملك، وقام ومشى إلى مقر الجنداريَّة الذين يحرسون الطوباوي يوحنا، وقال لهم: ”ابتعدوا حتَّى أتحدث مع هذا الإنسان الأحمق، النجس القلب، حتى أرى ما يدور في عقله“. فابتعد الجنداريَّةُ عنهم قليلاً. حينئذ قال له الحكيم: ”أوَّلاً: سلامٌ لك، يا صديقي. لقد أخبرتك بالفعل بشأن هذا الأمر، يا أخي، أنَّه مثل الكذبة، وما أكثر كذبنا طوال اليوم. اسمع، وسوف أخبرك. أنت تعلم أنَّه إنْ كانت لك قدرةٌ على (احتمال) الآلام والتعذيب، فطوباك عند الله. أما إنْ لم تكن لك القدرة، فسوف ألتمسُ من الملك بنفسي أنْ يطلق سراحك، فتهرب إلى سوريا. وعند الشاطِئ تَغَرَّبْ من أجل المسيح، والمسيح سوف يخلِّصك بالأصوام والطلبات والصلوات، ورحمة الله سوف تقبلك، وسوف يخلِّصك“. وبمثل هذا كان يتكلم معه الشيوخُ الكُتَّاب المؤمنون. أما البطل، عبد المسيح، المبارك، يوحنا، فأجاب وقال لهم: ”يا سادتي، أنا لا أفهم من هذا الكلام الكثير سوى أنني سأموت على اسم إلهي، ربنا يسوع المسيح“. فلما سمع الشيوخُ المؤمنون والحكيمُ هذا، وقوةَ إيمانه بالربِّ، قالوا له: ”تشدَّدْ في المسيح، والله معك“. ثم ألقوا عليه السلام ومضوا. حينئذ دعا الحكيمُ الجنداريَّةَ وقال لهم: ”أطلبُ إليكم أنْ تحرسوا هذا المعتوه“. وأيضًا دعاهم سرًّا، وأعطاهم فضةً، وأوصاهم به، ثم مضى وتركه معهم. أما الطوباوي يوحنا فبقي مع الجنداريَّةِ وهم يحرسونه. ولم يزعجوا أنفسَهم بشأنه، فيما عدا غلمان الملك. فالصغار كانوا يخيفونه بكلام مغرٍ، ثم (بعدهم) المستبيحون وعُمَّال الإسطبل كانوا يُرْهِبُونه بكلماتٍ قاسيةٍ وإهاناتٍ كثيرةٍ. وفي كلِّ هذا لم يفتح فاه، كما هو مكتوبٌ بالنبي داود حيث يقول: ”أحاطت بي زمرةٌ من الكلاب. جماعةٌ من الأشرار اكتنفتني“(مز 22). ولما حلَّ الليلُ، ظلَّ البارُّ مع حُرَّاسه، حتى أمسكه واحدٌ، وأحضروه إلى الملك في حصنه، وأوقفوه أمامه. فقال الملكُ ليوحنا البارِّ: ”أخبرني بمكنون قلبك وفكرك. هل يلاحقك صاحبُ دينٍ؟ ورأس أبي الملك العادل لأُسدِّدهم له ـ أيًّا من كان ـ عنك. (هل عليك) دمٌ؟ سأنجيك منه. هل تريد دِينَك السابق؟ تعال باكرًا أمام قاضي القضاة والمرتزقة (المماليك؟) وشيخ الشيوخ لتُسْلِم أمامهم، ثم أي طريق ترغبه امض إليه وصِر مسيحيًّا كما تريد“. أما الطوباوي يوحنا فكان صامتًا. فقال له واحدٌ من الواقفين: ”مِن الأفضل أنْ تطيع الملكَ وأنْ تفعل ما يرضيه“. فقال القديس يوحنا: ”لست أدري شيئًا عن صاحبِ دينٍ عليَّ، ولم أسفك دمًا أبدًا، وليست لي عداوةٌ مع أحدٍ، سوى أنَّ إثمي عظيمٌ. والآن، أيها الملك، قد بلغ فضلُك كلَّ تُخُمِك، وأنا بنفسي قد سمعت عنه، وقد أتيتُ إلى سلطانك. أيها الملك، إنْ صنعتَ معروفًا ووهبتني إيماني، فقد صنعت معي رحمةً، وإلاَّ فقد سبقتُ وأخبرتك، أيها الملك، أنني إنسانٌ نجسٌ، فطهرني بسيفك“. وكان الملكُ يسمعه في طولِ أناةٍ، بينما كان كلُّ مجلسه حاضرًا معه تلك الليلة. فقال له الملك: ”إذًا، فأنت تريد أنْ تموت؟“ فقال له القديس: ”نعم، يا سيدي. أريد أن أموت على اسم ربنا يسوع المسيح بسيفك، أيها الملك“. فقال الملك للواقفين: ”اتركوه مع الجنداريَّةِ حتى تمام ثلاثةِ الأيَّام ككلام القاضي، وفي اليوم الثالث نتمِّم له مرادَه“. حينئذ حملوه وسلَّموه للجنداريَّة لكي يحرسوه. أما هو، البار، فكان يواصل الصلاة والسهر في الليل بقلبٍ مستقيمٍ في الربِّ. فلما تمَّ اليومُ الثاني ثم الثالث كان البارُّ مع حُرَّاسه، وكان ملازمًا الطلبات. وكان الحُرَّاسُ يترفَّقون به بسبب كلام الحكيم. ولما حلَّ اليومُ الرابع، وكان يوافق الخميس، كان الملكُ مشغولاً بسفن الأساطيل عند الشاطئ، لكي يرسلهم لشن الحرب، فطلب أن يُحْضِروا له الطوباويَّ يوحنا إلى (مدينة) مصر. حينئذ أحضره الجنداريَّةُ غيرَ مُقَيَّدٍ وغيرَ مُكَبَّلٍ، وسار مع الجنداريَّة، الواحد على الجانب والآخر على الجانب (الآخر). ورغم أنَّه كان في وسطهما، إلا إنه ظلَّ مع سادته وعَرَضَه الجنداريَّةُ في شوارع (مدينة) مصر، وعند الأسوار، وفي الأحياء وسط التُجَّار والأسواق. وأولئك الذين أبصروه كانوا يستهزِئُون به. والذي كان يبصر ذلك كان يقول: ”هذا ذاهبٌ للاستشهاد“. وكانوا يسخرون منه، كما هو مكتوب: ”يسخر مني الجالسون في الساحات، وشاربو الخمر يغنون عليَّ“(مز 69). أما الطوباوي يوحنا فكان ثابتًا في اسم الخلاص الذي لربنا يسوع يسوع المسيح. ولما أتوا إلى المكان الذي هو ”موضع اجتماع التجار“، أجلسوه هناك. حينئذ أخذ القديسُ يوحنا بعضَ الفضة وأعطاها للجنداريَّةِ وقال لهم: ”اشتروا لأنفسكم طعامًا لتأكلوا؛ لأنكم تعبتم معي في المسير. الربَّ يبارككم“. فمضى واحدٌ واشترى خبزًا، ولحمًا مشويًّا، وخيارًا، وأحضرها حيث كان رفاقه، ثم جلسوا وأكلوا. حينئذ طلب إليه الجنداريَّةُ قائلين: ”نضرع إليك من أجل الله أن تذق قليلاً من الخبز“. فأخذ كسرةَ خبزٍ ووضعها في فمه، ثم قسم واحدٌ من الجنداريَّة الخيارَ وأعطى نصفها له، فذاقها بسبب توسلهم. ولما كانوا جالسين معه، صارت أصواتٌ كثيرةٌ تصرخ قائلة: ”أَحْضِرُوا الشهيد يوحنا إلى الملك“. حينئذ أحضروه وسط هذه الجموع التي لا تُحْصَى: قواد الجند، والجند، والفرسان، وصغار الجند، والجنداريَّة، والقضاة، والمرتزقة، والمنادين، والمقرئين ، ومؤذني الصلاة، ومشاهير المشايخ، والتجار، والبائعين، والعرب، والفرتيين، والنوبيين، والإثيوبيين، والروم، والبربر، والساكنين مع الغرباء، الأزواج والزوجات، الصغار والكبار، العبيد والأحرار؛ وباختصار: من كل شعوب الأرض؛ كانوا واقفين في ذلك اليوم لمشاهدة السفن والملك، (ولكن) بالأخص لأنهم سمعوا عن يوحنا الشهيد، جندي المسيح. فأوقفوه أمام الملك الكامل، وجيشه، وقاضي القضاة، وشيخ الشيوخ، والمرتزقة البربر (المماليك؟). حينئذ قال الملكُ للطوباويِّ يوحنا: ”ماذا تقول، يا يوحنا؟ هل يتفق قلبُك معنا ومع أُمَّتنا أم لا؟“ فأجاب الطوباويُّ يوحنا وقال للملك: ”أنا إنسانٌ مملوءٌ أدناسًا، فطهِّرني بسيفك، أو ربما تهبني ديني“. فقال له الملك: ”يا يوحنا، أقسمُ لك برأس أبي الملك العادل أنَّك إنْ عدت إلينا، لأعطيك هذه الجبةَ التي أرتديها وأُلْبِسك إيَّاها، وهذا الحصان الذي أنا راكبه، والحُلِّي، سأعطيها لك هديةً، وسأمنحك فرسًا، وألفَ قطعةِ نقودٍ كلَّ عامٍ، وسأجعلك واليًا على أيِّ إقليمٍ تريدُ في الجنوب أو الشمال“. أما الطوباوي فظلَّ متعلقًا بالسمائيات بينما هو صامت. حينئذ خاطبه واحدٌ من الواقفين وقال له: ”أطعْ الملكَ، أيُّها الشقي، لكي تنال هذه الكرامات العظيمة“. ففتح القدِّيسُ يوحنا فاه وقال له: ”لستُ في حاجةٍ إلى ذهبٍ أو ملابسَ أو حصانٍ أو نقودٍ، ولكني رجلٌ نجسٌ، فياليت سيدي الملك يطهِّرني بسيفه أو يهبني ديني“. فقال الملكُ لقاضي القضاة: ”ماذا تقول في هذا؟“ فقال: ”يُحْرَق حيًّا، إلا أنْ يعود“. وقال أيضًا لشيخ الشيوخ: ”يا أبي، ما رأيك في هذا؟“ فقال له: ”اعلم، يا ابني، أنَّ الحرق بالنار من شأن الله وحده. فلتُقْطَع رأسه بالسيف؛ لأنه بالفعل عصاك وعصى سلطانك“. حينئذ استلَّ الملكُ سيفَه وأعطاه لواحدٍ من فرسانه اسمه فيليم ـ وفيليم هذا كان روميًّا قد خالف تقاليد آبائه، واختلط بالمسلمين، وصار على دينهم ـ فناداه الملكُ وقال له سرًّا: ”أَخِفْه لعلَّه يرجع من جرَّاء خوفه من السيف“. ثم قال الملكُ للخَدَم: ”اعْصِبُوا عينيه“. فرفع الطوباويُّ منديلَه الذي كان على رأسه، وقطع جُزْءًا منه، وعصب به عينيه بنفسه، ثم وقف في سكوتٍ وصمتٍ، ولم يفتحْ فاه بكلمةٍ، كما هو مكتوبٌ بإشعياء النبي: ”كشاةٍ تُسَاق إلى الذبح، وكحملٍ صامتٍ أمام جازيه، لم يفتحْ فاه لينطق“(إش 53). هكذا كان الطوباويُّ يوحنا واقفًا أمام هذه الجموع الغفيرة، وكانوا يُكْثِرون الكلام، فالبعض كان يشتمه، وآخرون كانوا يلعنونه ويهينونه. أما هو فكان واقفًا معصوب العينين، وعقله ومداركه مشغولة بمخلصنا يسوع المسيح. فوخزه الجنديُّ فيليم بالسيف، فسال من جسده دمٌ غزيرٌ حتَّى تعجَّب الجميعُ قائلين: ”كلُّ الناس إذا أُحْضِرُوا للسيف، نشف دمُهم فيهم، إلا هذا“. أما هو فلم يخشَ السيفَ بسبب لحظة الموت. ثم قال له فيليم: ”علام استقرَّ رأيُك قبل أن تموت؟“ أمَّا هو فقال: ”اضربْ باسم إلهي، ربي يسوع المسيح“. فقال قاضي القضاة للجندي فيليم: ”أَدِرْه نحو الجنوب (القِبْلَة)“. أما القدِّيس يوحنا فاستدار ناحية الشرق، وكان يردِّد اسمَ ربنا يسوع المسيح. فقال فيليم للملك: ”بأمرك يا سيدي؟“ فقال له الملك: ”بأمر القاضي“. فقال له القاضي: ”برأيي“. فقال له الملك: ”أَجْهِز (عليه)“. حدث هذا ثلاثة دفعاتٍ. بعد كلِّ هذا أسرع فيليم وقطع رأسَه بضربةٍ واحدةٍ، وأَبْقَت الضربةُ على جزءٍ من الجلد من عنقه، وهكذا تعلَّق رأسُه بجسده، وبهذا سال دمٌ غزيرٌ من جسده حتَّى تعجَّبوا كلُّهم. وهكذا أزهر مجاهدُ المسيح، القدِّيسُ الشهيد، الطوباويُّ يوحنا بن مرقس، من أهل الزيتون، وأعطى ثمرًا شهيًّا للنفوس التي للربِّ، المؤمنين الأرثوذكسيين المسيحيين، لما أكمل جهادَه في اليوم الرابع من بشنس، الموافق يوم الخميس، في وقت الساعة السادسة، سنة 926 للشهداء القديسين (1210م)، في أيام بطريركية أبينا المكرم رئيس الأساقفة الأنبا يؤنس بطريرك مدينة الإسكندرية ـ إله السماء يعطيه نعمة، ويثبته على كرسيه ‹سنينًا› سالمة مديدة ـ وفي العام الحادي عشر من مُلْك محمد بن أبي بكر بن أيوب، أخي يوسف. يوسف هذا هو أبو الملك عثمان (الأيوبي)، الذي في عهده اعتنق (يوحنا) الإسلامَ على ضفافنا التي لنهر مصر، على عرش بيبان، وشاهدت جموعُ الأمم ما حدث. ومضى إلى الربِّ الذي أحبَّه في مواضع النياح في أورشليم السمائية. بركته المقدسة تكن معنا. عندما رأى مبغضو الله، أهلُ السوق والبائعين وكبار الكاميوس، صرخوا بصوتٍ عال مع مؤذن صلاتهم قائلين: ”الله أكبر“ حتى انزعجت مدينة مصر من علو صوتهم، وامتلأ الجوُّ من غبار أرجلهم، وأصاب المؤمنين المسيحيين بينهم ضيقٌ عظيمٌ في ذلك اليوم. وفي أثناء كلِّ هذا اختبأوا وسط الجموع، وانطلقوا مع زملائهم لكي يبصروا ما حدث، فأخذ واحدٌ منديلَه، والآخرُ عمامتَه، وآخرُ قطعةً من قميصه، لينالوا منها بركة. بعد هذا أمر الملكُ أن يعلِّقوه، وهكذا علَّقوه على شجرةٍ إلى الشمال من الموضع الذي مات فيه، وهكذا صنعوا به. ولما نظر بعضُ الأسرى الروم ما حدث للقديس، تقدَّموا للملك، وطلبوا من الملك جسدَه. فشتمهم الجندُ وضربوهم حتَّى قطعوا رأسَ أحدهم. وقد أخبرنا أخٌ مؤمنٌ للكاهن قائلاً: ”لقد أبصرتُ واحدًا من المسيحيين ورأسه مقطوعة، فمضيت وأخذت ضمادة بها مُرٌّ، ووضعتها على جرحه“. من سيقدر أنْ يحصي بقيةَ الناس الذين كانوا يضربون جسد القديس بالحجارة والطوب الأحمر حتى صارت كومة أسفل الشجرة؟ وكثيرون أخذوا عصي وصنعوا منها ما يشبه الحربة، وكانوا يطعنون بها جسده ورأسه. كل هذا فعلوه بجسد القديس حتَّى المساء. ثم أمر قاضي القضاة أن يُحْرَس الجسد، لئلا يأتي المسيحيون ويأخذون شيئًا منه. وشهد لنا واحدٌ مسيحيٌّ مؤمنٌ، وهو الكاهن، قائلاً: ”حدث في الليل أنني ذهبتُ بنفسي مع كاهنين آخرين ـ كانوا ثلاثة، والكهنة الثلاثة معروفون لي ـ وأخذنا معنا طعامًا لنأكله؛ لأننا كنا قد أمضينا ذلك النهار كله بدون أكلٍ. ولمَّا حدث هذا، لم نجد مكانًا لنختبئ فيه، فصعدنا إلى سفينة الملك واختبأنا، وسهرنا حتى الساعة السادسة من الليل، وذهب كلُّ واحدٍ إلى مكانه. حَيٌّ هو ملك إسرائيل أنَّنا أبصرنا نورًا آتيًا عليه حتى غطَّى كلَّ ذلك الجسد، ونحن شهودٌ لذلك أمام الربِّ“. وكان هناك بعضُ المسلمين مقيمين في الجزيرة. فلما أبصروا النور، صرخوا قائلين: ”انظروا! انظروا! لقد أحضر المسيحيون شموعًا ومصابيحَ عند الشهيد حتى يقولوا إنَّ النور قد حلَّ عليه“. وفي الحال أتوا إلى مكان الشجرة، فلم يجدوا شيئًا هناك سوى الجثمان على الشجرة. وشهد شخصٌ آخر، مسلمٌ بالجنس، إلى جماعةٍ قائلاً: ”في الوقت الذي قطعوا فيه رقبة هذا، رأيتُ بنفسي مصباحًا من ذهبٍ نزل من السماء، ووُضِعَتْ فيه نفسُ القديس، وأصعدوها عاليًا نحو السماء“. وقد غادر هذا الرجلُ مصرَ، ولم يعد يُرَى بعد. وشاهد ثلاثةُ رجالٍ من البربر النورَ: أحدهم هرب عند الفجر، والاثنان الآخران أخذهما قاضي القضاة و أخفى أمرهما حتى يومنا هذا. وشهد أرخنٌ مؤمنٌ ـ وهذا صار راهبًا بسبب حديث الأرخن، الذي هو ابن أشيس الصعيدي ـ قائلاً: ”كنا، أنا وأبي وهذا الشهيد، في المركب المتجه إلى (مدينة) مصر، وكنا موجودين في المركب، وكنا نتذكَّر أسماءَ الشهداء. ‹فقال› لنا الطوباويُّ: تعالوا، من هذا الخميس حتى (الخميس) القادم، وسوف تنظرون شهيدًا معلقًا عند عرش بيبان على ضفافنا التي لنهر مصر“. وشهدت جموعٌ منهم لا تُحْصَى عن معجزاتٍ عديدةٍ، تلك التي لم نعرف صحَّتَها وصِدْقَها إلى أن نكتبها. وحدث في ليلة السبت أنَّ الملك كان نائمًا في قصره، فظهر له القديس يوحنا في هيئة قائدِ جندٍ عظيمٍ جدًّا وقال: ”كفاك؛ لأنك مارست كلَّ سلطانك عليَّ، فأمُرْ أنْ يرفعوا جسدي من على الشجرة“. فخاف الملكُ جدًّا، ثم غاب عنه (القدِّيسُ). ولما استيقظ في الساعة الأولى، نادى شيخَ الشيوخ وأعلمه بما حدث. فقال له الشيخُ: ”لا تدع هذه المعاناة الباطلة التي للأحلام تسيطر عليك، إنما هذا بسبب أنَّك لم ترَ أبدًا إنسانًا قُطِعَت رأسُه سوى هذا. والآن لا تشغل بالك به“. وفي الليلة التالية، والتي كانت توافق يوم الأحد، كان الملكُ نائمًا في فراشه، إلى أنْ ظهر له القدِّيسُ يوحنا في كرامةٍ ومجدٍ عظيمين أكثر من الأول، حتَّى إنَّ الملكَ خاف منه، ثم قال له: ”لقد سبق أنْ تحدثتُ معك بشأن جسدي ولم تُنَفِّذ. فليرفعوا جثماني من على الشجرة وإلا قلعتُ عينيك“. وملأه خوفًا ثم اختفى عنه. ولما حلَّت الليلةُ الثانيةُ، وكانت توافق ليلة عيد القدِّيس يوحنا السنهوتي في الثامن من بشنس، أمر الملكُ الجنديَّ ثانيةً: ”اذهب، وخُذْ جسدَ يوحنا، وألقه في البحر“. فذهب، وأخذ سَلَّةً من القشِّ، ورفعوا الحجارة والطوب التي رُجِم بها في المكان المقدس الذي للقديس يوحنا، ثم صعدوا إلى سفينةٍ حتى عرض البحر، وألقوه في البحر. وعند هذا الحدِّ (تنتهي) معرفتُنا بما حدث لجسد القدِّيس يوحنا، شهيد المسيح. ومنذ اليوم الذي نال فيه هذا الشهيدُ إكليلَ (الشهادة) حتَّى يوم الاهتمام (الإعداد) بعيد آلامه المقدسة أحدَ عشرَ شهرًا، حتى تثبَّتنا من القصة ومن حُسْن صِدْقها بواسطة بعض المؤمنين؛ لأنني أنا نفسي كنتُ في (مدينة) مصر في ذلك الوقت. والآن، أيُّها الشهيد المقدس، القديس يوحنا، الطوباوي في الرب بواسطة الرحمة، يا لمسكنتي ويا لشقائي، أنا العبد المأسور في الخطية، مرقس، غير المستحق في جنس البشر، ولا سيما في الكهنوت، تلميذ الأنبا ميخائيل أسقف بواستي وفلابيس ، فأنا أطعتُ صوتَ الإنجيلي القائل: ”من يقبل نبيًّا باسم نبيٍّ فأجر نبيٍّ يأخذ، ومن يقبل بارًّا باسم بارٍّ فأجر بارٍّ يأخذ، ومن سقى أحدَ هؤلاء الصغار المؤمنين بي كأسَ ماءٍ باردٍ لأنكم للمسيح، فالحقَّ أقولُ لكم إنه لا يضيع أجرُه“ (مت 10). والآن، أجرتي عندك أن تطلب من شهيدنا الأول، هذا الذي بذل دمَ نفسه من أجل جُبْلتنا الأولى، آدم، ومن أجلنا نحن أيضًا، وصيَّرنا أحرارًا من لعنة الناموس، دمًا بلا خطية، وطهَّر الخطاة، أعني دم الابن الوحيد الجنس الذي للآب ضابط الكل، الذي هو مخلص العالم كله، ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، لكي يصنع معي رحمةً عند كرسي حكمه المخوف في يوم الديان الحقيقي، من أجل طلبتك المقدسة، أيها القديس يوحنا؛ لأنني لا زلت متعلِّقًا بهدب ثيابك المقدسة، لكي أجد رِبْحًا أمامه، وليس أنا وحدي، أيُّها المحبوب يوحنا، بل وبقية المسيحيين، ولا سيما الأقباط الذين يعيشون في الضيق الذي أنت تعلمه. نعم، مع المهتمين والسامعين لها، والمهتمين بالبكور والتقدمات والصلوات، باسم الآب والابن والروح القدس. فليستحق الصغار والكبار موضع مغفرة الخطايا في ملكوت السموات. بالنعمة والرأفات ومحبة البشر اللواتي لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، هذا الذي به يليق كلُّ مجدٍ وكلُّ كرامةٍ وكلُّ سجودٍ للآب معه ومع الروح القدس المحيي المساوي لك، الآن، وكل أوان، وإلى دهر الدهور كلها. آمين. كملت شهادةُ القدِّيس يوحنا، شهيد المسيح، في اليوم الرابع من شهر بشنس، بسلام الله. آمين. ارحم، يا الله، الكاتب المسكين البائس عديم المنفعة، بطرس ابن الأب أبي الفرج الدمنهوري. 927 للشهداء (1210م). |
06 - 07 - 2014, 09:43 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: أنا مسيحي _ الشهيد يوحنا الزيتوني
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|