الكحولات | الخمور

[Mary Naeem]

الكحولات | الخمور



أسباب تعاطي الخمور
تأثير الكحوليات
تناول الخمر مع المواد المثبطة الأخرى
أضرار الكحوليات
الكحول والأسرة
مدة إدمان الكحول
أعراض الانسحاب

قال بنيامين فرانكلين "الخمر تمحو صورة الله من نفس الإنسان، وتطبع بدلًا منها صورة الشيطان. الخمر تضرب الجسم بالأمراض من الرأس للقدم"(78)
تعرض أحد مدمني الخمر للفصل من عمله، وتعرض لفاقة شديدة، وحزنت زوجته حزنًا عظيمًا وماتت، وتركت له طفلة لا يزيد عمرها عن السنتين، فلم يتعظ من هذه الضربة، وجاءت عليه الضربة الثانية إذ ماتت الطفلة، فتحرك الأقرباء وأحضروا لها الكفن، وتركوها مع أبيها فترة لعله يستيقظ من غفلته، وعندما جاء ميعاد دفنها لم يجدوا الأب كما أن حذاء الطفلة الميتة الأبيض قد اختفى، وبعد دفنها بحثوا عنه فوجوده في الحانة وقد سقط على الأرض من شدة السكر، فسألوا صاحب الحانة من أين أتى بالمال؟ فأشار للحذاء الأبيض الصغير.. هذه هي الخمر التي تحول الإنسان إلى لا إنسان(80).
موضوع الخمر موضوع كبير كُتب فيه مجلدات، ونكتفي هنا بإلقاء قليل من الضوء على الخمور، ولا سيما أنها من أكثر أنواع الإدمان انتشارًا فقد أثبتت الدراسات أن ثلثي طلاب المرحلة الثانوية قد تعاطوا الخمور ولو بشكل عرضي، وخطورة الخمر تكمن في خطورة الكحول الذي بها، ويوجد نوعان من الكحول:

i- الكحول الميثانول: وهو شديد السمية، وتعاطيه قد يؤدي إلى العمى أو الموت.
ii- الكحول الايثانول: وهو الكحول الايثيلي وهو الموجود في المشروبات الكحولية، وتختلف نسبته من نوع إلى أخر، فتبلغ نسبته في البيرة من 4-8%، وفي النبيذ من 10-18%، وفي الويسكي من 45-55%، وينتج هذا الكحول من تخمير المواد التي تحتوي نسبة من السكريات مع الخميرة أو البكتريا، فمن تخمير حبوب الشعير نحصل على البيرة، ومن تخمير العنب أو التوت نحصل على النبيذ، ومن حبوب الذرة نحصل على الويسكي، ومن العسل الأسود نحصل على الروم، وعندما ينقع البلح في الماء لمدة أربعة أو خمسة أيام ويقطر نحصل على عراقي البلح.

ويتم تحضير الخمور بطريقتين أحدهما الطريقة البسيطة وهي طريقة التخمير العادية، والثانية مكملة للأولى وهي طريقة التقطير حيث يتم غليان النوع ثم تكثيف البخار الناتج، وبهذه الطريقة ترتفع نسبة الكحول في المشروب، ويمكن التحكم فيها.

أسباب تعاطي الخمور:

من هذه الأسباب ما يلي:
1- الهروب من الواقع بسبب العجز عن حل المشاكل التي تواجه الإنسان، فيرى الإنسان الحل في كأس الخمر، لأن الكحول يزيل تأثير مراكز المخ العليا المسئولة عن تشذيب السلوك والسيطرة على الانفعالات، فيشعر الإنسان بالراحة للواقع الذي يعيشه، وتظهر الانفعالات بلا ضابط في صورة سلوك لا يليق أو ألفاظ بذيئة.
2- نسيان الواقع، فالخمر ينسي الإنسان الأحداث القريبة التي تضغط عليه ثم الأحداث البعيدة، وبذلك يعيش المدمن في سعادة موهومة وانتعاش كاذب.

3- الخجل الشديد والشعور بالنقص وفقد الذات والشعور باليأس.
4- الاكتئاب.

تأثير الكحوليات(81):

في البداية يشعر المتعاطي بالاسترخاء والسرور والسعادة والرغبة في الضحك والمرح وزوال القلق. ثم بعد ذلك يزداد تركيز الكحول في الدم فتظهر الأعراض الآتية:
1- احمرار العينين والوجه.
2- ارتفاع درجة الحرارة.
3- السلوك غير اللائق حتى أن الإنسان الساقط تحت السكر قد يغازل زوجة صديقه، بالإضافة إلى الألفاظ البذيئة والسخيفة من الآخرين.
4- الحساسية المفرطة وسهولة الاستثارة، فلا يقبل المتعاطي أي توجيه أو اعتراض على سلوكه.
5- تشويش الوعي والتلعثم في الكلام وفقدان الاتزان والتأرجح واهتزاز اليدين وحركة مقلة العين، وذلك بسبب تأثير الكحول على المخيخ.
6- الدخول في نوم عميق يشبه الغيبوبة.. بل أن مراكز القلب والتنفس قد تتعطل مما يدفع بالمدمن للموت.
والإنسان لا يمكنه تصور صورته وكلماته وهو واقع تحت تأثير الخمر التي تحول الرجل العاقل الوقور إلى إنسان مخبول.. حكى لي أحد الأحباء قصة رجلًا وقورًا كان عمره نحو 48 عامًا، ومعه ثلاثة أبناء في الجامعة والتعليم الثانوي، وكان يعمل في مجال السباكة ودخله اليومي لا يقل عن خمسين جنيهًا.. عندما كان يشرب كان يشتم ويتلفظ بألفاظ بذيئة، وأحيانًا كان يسقط على الأرض فكان ابنه وابنتيه يخجلون جدًا من تصرفاته، وحاول معه الآباء الكهنة كثيرًا دون جدوى، وفي يوم عاد إلى البيت في الواحدة صباحًا وهو سكران يشتم وهو في هيجان شديد وأخذ يطرق الباب بهستريا، فأرشد الله ابنته فالتقطت له بعض الصور في هذا المنظر المذري، وعندما فاق من سكره عرضت عليه الابنة الصور التي التقطتها له، وحكت له ما كان يصدر منه من ألفاظ لا تقدر أن تنطق بها، وكانت دموعها تسابق كلماتها، فانذهل الرجل وتأثر جدًا حتى أنه بدأ يبكي.. بكى الرجل الذي ربما لم يبكي من قبل بهذه الصورة.. بكى كثيرًا وكانت نقطة اتخاذ القرار والتوبة الصادقة القوية والإقلاع عن الخمر نهائيًا.

تناول الخمر مع المواد المثبطة الأخرى:

الكحول مثبط للجهاز العصبي، فإذا تم تعاطي مثبط آخر مثل المهدئات والمنومات قد يؤدي الأمر إلى الوفاة، ولكن غالبًا قبل الوصول إلى نقطة الخطر يتقيأ الإنسان فيكف عن الشراب. أما في حالة الحشيش فإن الخطورة تصل إلى ذروتها، لأن الحشيش يثبط مركز التقيؤ، وبذلك يصل الإنسان للموت بسهولة وبدون سابق إنذار.. أيضًا تناول الخمور مع التدخين يمثل خطورة لأن الخمور تجعل الجسم يمتص المواد الكيميائية التي يحتويها التبغ أو البانجو أو الحشيش بصورة أسرع مما يتسبب في الأمراض السرطانية

أضرار الكحوليات:

1-الكحول وأمراض المخ: يمتص الجسم الكحول بسهولة بواسطة جدار المعدة فيصل مباشرة على الدم ومنه إلى المخ، فتظهر أثاره بعد دقائق قليلة من تعاطيه، ولاسيما عندما تكون المعدة خاوية، ويؤدي الكحول إلى تدهور وظائف المخ، ولاسيما الفصوص الأمامية المسئولة عن المحافظة على القيم، ويؤدي الكحول إلى ضعف الذاكرة وأحيانًا تزيَّيفها فيتصور الإنسان وقائع لم تحدث، ويختل إدراكه بالزمن، كما إنه يؤدي إلى إصابات في العصب البصري، والتهاب الأعصاب الطرفية، وتبلد الشعور وفقدان المبادرة والإهمال، والتعرض إلى نوبات اندفاعية من الغضب أو السرور، ويقول د. فيكتور سامي ميخائيل " وُجِد أن الكحوليات أشد تأثيرًا في المخ من حيث الضمير والتأثير الباثولوجي"(79)
2-الكحول وأمراض القلب: تناول الكحول يزيد عبء العمل على القلب، ويقلل من سريان الدم في الشرايين التاجية التي تورد الدم إلى عضلة القلب، والإدمان الكحولي يؤدي إلى الذبحة الصدرية والسكتة القلبية، وأمراض الدم ونقص السكر في الدم.
3-الكحول وأمراض الكبد: يحتوى الكحول على سعرات حرارية والكبد هو المسئول عن إحراقه، فالكبد يقوم بتأيّض كميات الخمر التي في الجسم، ويؤدي هذا إلى تراكم كميات ضخمة من الدهون في الكبد، وهذه الدهون تؤدي إلى تقرَّح وتحطم خلايا الكبد حتى يضمر الكبد ويصغر حجمه ويتحجر، وهو ما يطلق عليه التليف الكبدي، وفي مرحلة متأخرة تظهر حالة الاستسقاء والتقيؤ الدموي وترتفع نسبة الوفاة هنا إلى 50% من هذه الحالات.


4-الكحول وأمراض الجهاز الهضمي: يؤدي الكحول إلى فقدان الشهية، ونقص الفيتامينات ولاسيما فيتامين (ب)، والتهاب المعدة نتيجة احتقان الغشاء المخاطي لها، وحدوث قرح بالمعدة والاثني عشر، تؤدي إلى نزيف ولاسيما في حالة تناول الأسبرين.
5-الكحول والجهاز التنفسي: قد يؤدي إدمان الكحول إلى السل الرئوي.
6-الكحول واضطرابات الغدد الصماء: يخفض الكحول من هرمونات الجنس عند الذكور، ويزيد من هرمونات الغدة الكظرية.
7-الكحول وأمراض السرطان: الكحول عامل مثير لسرطانات الرئة والبنكرياس والبروستاتا، ولاسيما عندما يضاف إليه التدخين.
8-الكحول والهلاوس: قد يدخل مدمن الكحول في الهلاوس البصرية فيرى ثعابين تمر أمامه، والهلاوس السمعية فيسمع أصواتًا تسخر من تصرفاته وتسبه، وتخيلات غير حقيقية فيتخيل أن كل المحيطين به يكرهونه ويمقتونه ويريدون قتله.
9-الكحول والضعف الجنسي: ويؤدي الضعف الجنسي إلى ضلالات الغيرة Morbid jealausy التي تقود إلى اتهام الزوجة البريئة بالخيانة، وإيقاع الأذى بها، وقد يصل الأمر إلى حد القتل.
10-الكحول والحمل: الكحول يصل بواسطة الدم إلى الجنين،كما أن الدم يصل إلى لبن الأم الذي ترضعه لطفلها، وهذا له تأثيره على الجنين وعلى الطفل.
11-العته الكحولي Alcoholic Dementia: وهو الانحطاط المستمر في الشخصية، وفقدان الكثير من ملكات الإدراك والذكاء والمثل العليا، وضعف الذاكرة، والهيجان السريع، وسوء الظن.
12-الكحول وحوادث المرور: في فرنسا يبلغ ضحايا الكحول 5000 شخص سنويًا يمثلون نسبة 40%من أجمالي ضحايا حوادث المرور (نحو غد بلا إدمان ص4) وفي أمريكا يبلغ عدد ضحايا الكحول نحو 20 ألف شخص سنويًا علمًا أنه في أمريكا يوجد نحو عشرة ملايين شخص يدمنون الخمور.

الكحول والأسرة:

يهمل مدمن الخمور أسرته، ولا يهتم بتوفير احتياجات الأسرة، وكثيرًا ما يتعدى على زوجته وأولاده بالضرب، وحتى لو تعهد بعدم العودة إلى السكر فإنه يعود إليه سريعًا طالما لم يتلقى العلاج المناسب.

مدة إدمان الكحول:

بينما تقل فترة الإدمان في الهيروين فتصل إلى أسبوع، فإن إدمان الكحوليات قد يستغرق نحو 5 سنوات، فليس كل من يتعاطى الخمور على فترات متباعدة يدخل في تعداد المدمنين، مع أنه من الأفضل جدًا أن يبتعد الإنسان تمامًا عن هذا الأمر لأسباب عديدة.

أعراض الانسحاب(82):

عندما يتوقف مدمن الكحول عن التعاطي وبعد مرور فترة تتراوح بين 12-72 ساعة تظهر عليه الأعراض التالية:

1- سرعة نبضات القلب وارتفاع ضغط الدم.
2- القلق والعصبية والكآبة.
3- جفاف الحلق.
4- الصداع.
5- آلام في المعدة.
6- الغثيان والقيء والإسهال.
7- اضطراب النوم مع أحلام مزعجة وكوابيس.
8- ارتعاش الأطراف حتى أن الإنسان لا يقدر على رفع كوب ماء فارغ وارتعاش الجفون.
9- الهذيان وتصور أشياء غير موجودة عند إغلاق العينين.
10- كثرة الحركة حتى أن الإنسان قد يسقط على الأرض فيصاب بنزيف أو كسور.
11- الاضطراب الوجداني.
12- الشعور بالعدوانية.
13- الهلاوس البصرية فيرى الإنسان حيوانات مخيفة تهاجمه، وأن جدران الحجرة ستسقط على رأسه، ويتصوَّر المريض أن الممرضة تريد قتله.

وتستمر هذه الأعراض من 5-7 أيام وتكون تحت أشراف طبي، وقد يحتاج المدمن إلى بعض المهدئات وبعض الفيتامينات ولاسيما فيتامين (ب) {لتجنب زملة كورساكوف} مع الإكثار من شرب المياه وعصائر الفاكهة، وعلاج الأعراض التي تظهر نتيجة الانقطاع عن الخمور مثل الأرق والقيء والإسهال، وقد يحتاج المدمن إلى محلول جلوكوز.
وبعد هذا لابد من إعادة تأهيل المدمن حتى ينسى عوائد الإدمان ويقلع عنه تمامًا، هذه المرحلة الثانية تُدعى "مرحلة الكحولية " يتابع فيها الطبيب الإنسان الذي انقطع عن الخمور وعبر مرحلة الانسحاب، فقد يحتاج هذا الإنسان إلى علاج نفسي من بعض الأمراض النفسية مثل الكآبة، أو علاج بدني مثل نقص السكر في الدم، أو علاج الاضطراب الوجداني، والشعور بالعدوانية (الشخصية ) وإذا مرّ على الإنسان ستة أشهر بدون انتكاسة يكون غالبًا قد تعافى تمامًا.