ما هي نتائج السقوط المروع للبشرية؟
ج : أهم نتائج السقوط تتمثل في الآتي:
أ - الموت الروحي الأبدي: أي انفصال الإنسان عن الله مصدر الحياة، فبالمعصية انفصلت الصورة عن الأصل، وانفضت الشركة بينهما، وصار الإنسان الخاطئ يهرب من الله لأنه يستحيل عليه التواجد في حضرة الله القدوس، وهل تثبت الظلمة أمام النور؟
ويقول القديس أثناسيوس "وما يعني (الله) بقوله (موتًا تموت)؟ ليس المقصود مجرد الموت فقط بل أيضًا البقاء إلى الأبد في فساد الموت" (تجسد الكلمة 3:5).. لقد سقط آدم وصار مصيره إلى الجحيم الأبدي مع الملاك الساقط لولا رحمة الله التي أدركته بالتجسد، وقد عاش آدم فترة حيًا بالجسد ولكن للوقت سرى عليه الموت الروحي كقول معلمنا بولس لأهل أفسس "وأنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا" (أف 2: 1) ويقول القديس أوغسطينوس "إن موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد، وموت الروح هو انفصال الروح عن الله" (1).
ب - الموت الجسدي: منذ اللحظة التي أكل فيها الإنسان من ثمرة الشجرة المُحرَّمة وقد حطم الوصية بدأت تدب فيه عوامل الانحلال، وإن كان آدم لم يمت عقب الأكل مباشرة فذلك بسبب إرادة الله الصالحة في إنقاذ الإنسان من الهلاك الأبدي، فتركه لكيما يُنجِب، ومن نسله يأتي مخلص العالم. وأيضًا بالمعصية خَضع الإنسان لسلطان الأمراض التي تفضي به إلى الموت، ويقول القديس أثناسيوس " فالله إذ خلق الإنسان، قصد أن يبقَى في عدم فساد، أما البشر فإذا احتقروا ورفضوا التأمل في الله، واخترعوا ودبروا الشر لأنفسهم.. فقد استحقوا حكم الموت الذي سبق تهديدهم به، ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد في الصورة التي خُلقوا عليها، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم (جا 7: 29، رو 1: 21، 22) وساد عليهم الموت كملك (رو 5: 14).. كذلك يجب أن لا يتوقعوا إلاَّ الفساد.. وبتعبير آخر يجب أن تكون النتيجة الانحلال وبالتالي البقاء في حالة الموت والفساد" (تجسد الكلمة 4: 4، 5).
ج- الموت الأدبي: بالسقوط فقد الإنسان مجد الصورة الإلهية داخله، ففقد وقاره وهيبته وكرامته، وصار مطرودًا من الفردوس هائمًا على وجهه يعاني من عار الخطية التي تركت وصمتها القوية داخل النفس، وبعد أن كان آدم وحواء عريانين ولا يخجلا لأن النعمة كانت تسترهما انتابهما عَقِبْ المعصية الإحساس بالعري والخجل والخزي "فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر" (تك 3: 7) واجتاح الخوف حياة آدم حتى من صوت جابله الذي كان يسعد ويتلذذ به فقال "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت" (تك 3: 10) وظل الإنسان يعيش الموت الأدبي الذي ينتهي به إلى الموت الجسدي. أما الموت الروحي فيعبر معه من هذا العالم إلى العالم الآخر.
د - العقوبات التي حلت بالإنسان والحية: عَقِبْ السقوط حكم الله على آدم وحواء والحية، ولم يحكم على ابليس لأنه سبق الحكم عليه، وجاءت العقوبات كالتالي:
للحية : "فقال الرب الإله للحيَّة لأنك فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تَسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسك وأنتِ تَسحقين عَقبه" (تك 3:14، 15) ففي طيات العقاب جاء الوعد بالخلاص إذ يسحق نسل المرأة رأس الحية.
للمرأة : "وقال للمرأة تكثيرًا أُكثّر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادًا. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك" (تك 3: 16)
لآدم : "وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلًا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكًا وحسكًا تنبت لك وتأكل عُشب الحقل. بعرَق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 17، 18) وطُرِد آدم وحواء من الفردوس وأقام الله كاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة لئلا يأكل آدم منها فيحيا إلى الأبد بخطيئته، وظل آدم يحرث الأرض ويزرعها لتخرج له شوكًا وحسكًا، فيأكل خبزه بعَرق وجهه، وهكذا أولاده، ولم يَفلح أحد منهم قط في العودة إلى الفردوس المفقود Paradise lost إلاَّ بالتجسد الإلهي والفداء.
ه - تسلُط الشيطان: نُعيد ما قلناه سابقًا سنة 1996 في كتابنا "التجسد الإلهي.. هل له بديل؟" ص 10 "صار للشيطان سلطانًا على آدم كقول الإنجيل " أنتم عبيد لمن تطيعونه" (رو 6: 16) فأصبح آدم عبدًا للشيطان، وكما إن العبد مِلكًا لسيده ليس هو فقط، ولكنه هو وأولاده أيضًا. هكذا صار آدم وجميع بنيه مِلكًا للشيطان، وقام الشيطان بهذه المهمة خير قيام فوكَّل على كل واحد من نسل آدم روحًا من الأرواح الشيطانية يحثه على ارتكاب المعاصي والآثام، ومتى انتهت حياته يكشف عن منظره البشع فيرتعب الإنسان وتفيض روحه في يد الروح الشرير الذي يهبط به إلى الجحيم (حتى أرواح الأطفال الأبرياء والأنبياء القديسين) لقد ملك الشيطان على جنس آدم لكن ليس قهرًا ولا جبرًا ولا ظلمًا إنما اقتناه لنفسه بالحيلة والمكر والدهاء" (1)
و - فساد الطبيعة البشرية: ونُعيد القول " سَكَنَتْ الخطية في الإنسان وأثرت على جميع جوانب حياته، وفسدت طبيعته بالكامل فعاش في خوف وقلق وتوتر واضطراب وألم ومرض بل قُل أنه عاش في الموت. وامتد أثر الخطية إلى الطبيعة فالأرض لم تعد تعطي ثمرها بل شوكًا وحسكًا تنبت لك وها الحيوانات تغيرت طبيعتها فأصبحت متوحشة، والرياح والأعاصير والفيضانات والبراكين تطارد البشر" (2).
بالسقوط فقد الإنسان حياة القداسة والبر والبراءة والطهارة والسمو والبساطة والسلطة، فأصبحت نظرته مادية جسدية ترابية، وثارت فيه غرائزه الطبيعية فأخذ يعاني من ضغطات الخطية من الداخل والمؤثرات الخارجية من الخارج، وصار عبدًا للخطية يتردى فيها من سيئ إلى أسوأ فأسوًا.. صار عبدًا لأهوائه وشهواته ولذاته الجسدية، وبالسقوط فقد الصورة الإلهية داخله فتمردت عليه الحيوانات والطبيعة، وفقد سلامه الداخلي مع الله ومع نفسه ومع الآخرين، حتى شعر بالعداوة تجاه السماء، واجتاحت حياته العزلة والأنانية والقلق، واجتاحته القلاقل والخصومات، وبعد أن كان يقول عن حواء "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي" (تك 2: 23) أصبح يقول "المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت" (تك 3: 12)، وبالسقوط دخلت المعرفة الشريرة إلى الإنسان، فبعد أن كان لا يعرف إلاَّ الخير والصلاح أصبح يعرف الشر، وتحَّول الإنسان من صورة الصلاح إلى صورة الفساد.. ومن يقدر أن يجدد هذه الطبيعة الفاسدة؟
لقد وقف الإنسان عاجزًا أمام خطيته الغير محدودة.. ومن يخلصه منها؟
ووقع تحت سلطان الموت الروحي والجسدي والأدبي.. فمن يخلصه من قبضة الموت؟ ومن يحطم شوكته؟
وصار الإنسان عبدًا لإبليس السيد القاسي المتسلط.. فمن يخلصه من قبضة إبليس؟
ووقف الإنسان منكسرًا أمام العدل الإلهي.. فمن يستطيع أن يوفي العدل الإلهي حقه؟.. لا أحد.. لا أحد يقدر أن يصنع خلاصًا هذا مقداره. فقط القادر على كل شيء هو الذي يقدر، وكم نشكره لأنه ارتضى أن تكون قضيتنا قضيته.
أما الذي يحتج بأن العدل الإلهي لا يمكن أن يقاصص ابن القاتل عن خطية أبيه القاتل، وان معنى توارث الخطية أن الإنسان يرث خطية أباه وجده وأمه وجدته.. فلمثل هذا نقول إن المشكلة إننا جميعًا كنا في صلب آدم يوم أن أخطًا، وورثنا منه الخطية الجدية، وأيضًا الطبيعة الفاسدة التي تدفعنا للخطأ ، ولذلك لم نرَ إنسانًا قط بدون خطية، وسواء هلك الإنسان بخطيته الشخصية أو بخطيته الشخصية والخطية المتوارثة، فالنتيجة واحدة وهي الهلاك الأبدي، والذي يُحكَم عليه بالموت مرة لا يضار لو حُكِم عليه بالموت عشرات أو مئات المرات.
بدائل التجسد: قد يتساءل البعض: ألم يكن هناك أي بديل آخر لرحلة التجسد والفداء التي دفع تكلفتها بالكامل الله العظيم الممجد في سماه؟!..