|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الطمع الأرشمندريت توما (بيطار) رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما أنا لست طمّاعاً. أُعطي ولا أظنّني متمسّكاً بمال. لي استقامتي في التعامل مع الناس. لا آكل حراماً. وأَعرف أنّ هناك موتاً في نهاية الدرب. هذه، أقلّه، صورتي عن نفسي. ومع ذلك أمرّ بخبرات خاصة جداً(!)، في قرارة نفسي، تجعلني أشعر بعدم الاستقامة، بأنّي كوّنت لذاتي قناعات لا تنسجم مع الواقع تماماً. لأقول الصدق ما أظنّ نفسي عليه ليس تماماً ما أنا عليه. لم يخطئ كلّياً مَن قال إنّ الإنسان حيوان ممثّل. في لحظات الحقّ أنا، أيضاً، أرى نفسي أنّي أُمثِّل قليلاً أو كثيراً. ولكن، طبعاً، أُبرِّر ذاتي بتواتر وأقول: "يا فلان كن واقعياً، لا تنظّر أكثر من اللزوم". بين هذا الشعور الذي ينتابني وذاك أخلص إلى أنّي لا أعرف نفسي تماماً. في كلّ حال نفسي غير مرتاحة لذا قرّرت أن أُلقي بأحمالي على ورق. دونكم دوّامتي... ودوّامتك أيضاً، بكلّ تأكيدّ! قال أحدهم مرّة: "بإمكانك أن تعرف كلّ شيء عن كلّ الناس إلاّ رصيدهم في المصرف". ضحكت لمّا سمعت هذا الكلام. كم هو صحيح ومخيف في آن معاً! تسعة وتسعون بالمائة من الناس هم كذلك. السرّيّة المصرفيّة ليست بالدرجة الأولى، في الحقيقة، لحماية مصالح الناس بل لحماية أطماع الناس. كيف أعرف أنّ الناس هم على هذه الشاكلة فعلاً؟ لأنّي بدأت أعرف الطبيعة البشريّة على حقيقتها. بدأت أعرف نفسي في العمق. هل لاحظتَ نفسك وأنت تعطي؟ ينتابك شيء من السرور؟ ولكن، ليس هذا السرور فقط، في الحقيقة، من أجل الذين تعطيهم. سرورك خليط. ما فيك له علاقة بالمجد الباطل، بسرورك بنفسك، بتطويبك لنفسك، بصورتك بين الناس، بأنّك بكلّ غرور وتواضع تطبّق الوصيّة الإلهيّة(!) يعجبك قول سِفر الأمثال: "مَن يرحم الفقير يقرض الربّ" (19: 17). تلفتك بخاصة لفظة "قرض". القصّة لا تخلو من التجارة. الله مدين لك إذاً! هذا يجعلك تشعر بأنّك وظّفت مالك في السوق المناسب. تعطي الله ليعطيك. تكسب الآخرة ولكن لا الآخرة فقط بل الدنيا أيضاً. ألم يقل السيّد إنّه يعطينا في هذا الدهر مائة ضعف وفي الدهر الآتي حياة أبديّة؟! هذا يبعث في نفسك الشعور بالأمان والطمأنينة أنّك تؤمّن على خيراتك دنيا وآخرة معاً. على أنّ ما يبقى في نفسك لجهة الكسب في هذا الدهر أكثر بكثير مما يبقى في نفسك لجهة الحياة الأبديّة. يهمّك العصفور باليد أوّلاً! لكن يزعجك قول كتابي آخر: "متى صنعت صدقة فلا تعرِّف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء..." (مت 6: 3 – 4). السبح الباطل، فيك، يحبّ دائماً أن يكون له نصيب في ما تعطي، خصوصاً متى وُجدتَ بين الناس. وأنت تحبّ أن تعطي بين الناس. تتحرّك فيك الغيرة خاصة بينهم. هذا يجعلك تشعر بأنّك مبرَّر إن ظهرت. ولا بدّ لعطيّتك، والحال هذه، أن تظهر. السبح الباطل فيك يسكّن، في هذه الحال، انزعاجك أنّك ربما تخالف وصيّة اليد اليمنى واليد اليسرى. كيف؟ يستعين بآية كتابيّة أخرى. "فليضىء نوركم قدّام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السموات" (مت 5: 16). أنت تفعل ما تفعله إذاً لمجد الله؟ هل هذا صحيح؟ في العمق العمق أنت تستفيد من الآية الكتابيّة لتَظهر أنت لا ليتمجّد ربّك. قلبك يقول ذلك وربّك يعرفه! كن صادقاً مع نفسك. أيّهما أَحَبُّ إلى قلبك؟ أن تعطي أم أن تأخذ؟ ما دام أنّ قلبك يرقص فرحاً عندما تربح، عندما تجمع، إذا ما أعطوك فحتّى لو قلت إنّك تفرح بالعطاء، عطائك أنت للناس، فأنت تبالغ، أنت تمثّل. لا زال العطاء إليك، بعدُ، في مستوى الكلام. مستحيل على الإنسان أن يحبّ الكسب وأن يحبّ العطاء سواء بسواء. إما أن يبتلع حبّك للكسب حبّك للعطاء أو يحدث العكس. يقعد قلبك إما في هذه الجهة وإما في تلك. إذا كان قلبك في الكسب فأنت تعطي لتكسب. أما إذا كان قلبك في العطاء فأنت تأخذ لتعطي. بين هذين الحدّين بون شاسع. الموضوع هو موضوع اتجاه قلب، حركة قلب. "حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً" (مت 6: 21). ما تشعر به، ما يحرّك أحشاءك، حقيقة، هو ما تكون أنت عليه. اعرف نفسك على حقيقتها وإلاّ عشت على التمويه. كذبت ويكذبون عليك. لا تكن كثير الكلام في موضوع العطاء. هذا لا ينفعك. يزيدك رسوخاً في أوهامك وخيالاتك. فقط إذا مِلتَ إلى العطاء من حاجتك كنت معطاء. فضلاتك لا يُفترض بها أن تعني لك عطاء. فقط إذا هربتَ من العطاء قدّام الناس كنت معطاء حقّاً. في الخفاء حتّى عن نفسك بمعنى. لا تسمح لأفكارك أن تشرد في ما أعطيت. انسَ أنّك أعطيت. كلّما مالت نفسك إلى الفقر كلّما كان ما تعطيه مما لديك أصيلاً. هنا صراع النفس. إذا لم يسعَ المرء إلى كسر حلقة الخوف على النفس فإنّ الطمع بحجة الخوف على النفس يأكل فيك الأخضر واليابس. حدّك، لكي تتخلّص من الطمع، أن تكون مكشوفاً بالكامل لعين الله ولعين نفسك. بشريّاً هذا أعظم الصراع وأعظم الجهاد. إذا قَوِيَ الإنسان، بنعمة الله، على شيطان الطمع قَوِيَ، بيسر، بنعمة الله، على كلّ شيطان آخر. مصدر القوّة بالنسبة لكلّ الأهواء هو الطمع. وحده الطمّاع قيل عنه إنّه عابد أوثان (أف 5: 5). ووحده المال اعتُبر إلهاً. محبّة المال اصل لكلّ الشرور. والعكس أيضاً صحيح: محبّة الفقر لأجل الله أصل لكلّ الخيرات والبركات. إذا لم يصل المرء إلى حدّ عشق العطاء كما يعشق الناس الأخذ في العالم فلا زال عطاؤه بعد مشبوهاً ومغروضاً وغير آمن. طالما هناك ذرّة طمع فينا فمهما كانت عجينة العطاء كبيرة فإنّ خميرة الطمع، في عين الله، تفسدها. لا مجال للمساومة. إما حبّ المال وإما حبّ الله. إما أن يطيح هذا ذاك وإما يُفسد الأوّل الثاني. العالَم قائم في الجيب الملآن والملكوت قائم في الجيب الفارغ. خطأٌ التصوّر أنّك لتُعمر الكنيسة أنت بحاجة إلى مال. الكنيسة التي تنشأ على المال كنيسة دهريّة: مؤسسات وبنايات وعقارات وأمجاد ناس باسم الله... وخواء روحيّ! لتُعمر الكنيسة أنت بحاجة إلى إيمان وفقر. ربّك، إذ ذاك، يعمل من خلالك والكنيسةُ التي تزدهر، تكون كنيسة المسيح، كنيسة الحياة الجديدة، كنيسة الفضيلة، كنيسة التوبة، كنيسة المحبّة، كنيسة الخلاص. وكلّ ما عدا ذلك يعطيك ربّك إيّاه ويزيد، مالاً أو غير مال، طالما كان للمنفعة ولمجد اسمه القدّوس. ألسنا فقراء ونُغني كثيرين(2 كو 6: 10)؟! أما يُفترَض أن نكون كذلك؟! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما هو الطمع؟ |
الطمع ضرّ ما نفع |
الطمع |
الطمع |
الطمع |