|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السمات الأساسية في الرسالة 1- تعتبر هذه الرسالة درة ثمينة (7) في وثائق الفكر المسيحي الأول، وهي أيضًا رسالة متميزة في مجموعة المحاماة عن الإيمان المسيحي والدفاعيات.. لذلك صاغها الكاتب في شكل أسئلة طرحها عليها صديقة الشريف ديوجنيتس، مقدمًا إجابة صريحة ودقيقة عن هذه التساؤلات. 2- اتسمت الرسالة بالدقة في التفكير مع وضوح في التعبير والعرض المزين باللطف والوداعة المسيحية ورقة العاطفة (8). ففندت الاتهامات الموجه ضد المسيحية، متخطية الدفاع إلى التبشير الكرازي بطريقة مباشرة ولكن بطريقة التماسية وديعة، فجاءت الرسالة عظمة أكثر منها دفاعًا، إذ لم تكن الكنيسة مهتمة بمواجهة العالم الذي كان يبغضها، ولا كانت مهتمة بتفنيد الاتهامات الموجهة ضدها، بل بالأكثر دقيقة وواضحة في الكرازة بالكلمة بكل حب مخلص ولطف مسيحي. 3- يصف الكاتب بكلمات رائعة سمر المسيحية عن الوثنية وأفضلية الحياة المسيحية على صنمية الحمقاء وعلى العبادة اليهودية ذات الفريسية الشكلية، وفي نقده هذا للوثنية واليهودية، يستخدم الكثير من المحاججات التي نجدها في كتابات المدافعين اليونان، ويرى عالم الآباء الشهير جونز كواستنى (9) Quasten . J أن أفضل جزء من الرسالة هو ذلك بصف فيه الكاتب سماوية الحياة المسيحية. لذلك ابرز الكاتب جانبين: أ- كيف يمكن للإنسان أن يتعبد لصنم صنعته أيادي البشر من مادة قابلي للتلف والفناء والسرقة. ب- الذبائح الدموية وعبادة الأصنام والسفسطة اليهودية. وذلك لان ديوجنيتس الذي كتبت إليه الرسالة، كان شديد الرغبة في معرفة طريقة عبادة المسيحيين، يستقصى بدفة عن اله المسيحيين، وعن سبب احتقارهم للعالم واستهانتهم بالموت وعدم احترامهم لآلهة الوثنيين وخرافات اليهود.. مستفسرًا عن الممارسة المسيحية الجديدة التي دخلت إلى العالم. لذا يطلب كاتب الرسالة من ديوجنيتس أن يطهر نفسه من الخرافات والعادات الخاوية لكي يسمع للتعليم المسيحي الجديد،فهل يعقل أن يكون الإله حجرًا ونحاسًا أو خشبًا أو آنية أو فضة يحرسها الحرس من السرقة، أو حديدًا يفنى من الصدأ أو فخارًا يكسر هل تعتبر هذه آلهة!! تلك الخالية من الحياة المجردة من الشعور العاجزة عن الحركة، المعرضة للتغيير والعفن، ثم بعد كل هذا يخدمها عباد الأوثان ويسجدون لها ويدعونها آلهة. (وإذا كانت هذه آلهة فلماذا تعينون أشخاصًا لحراستها وتغلقون عليها ونهارًا لئلا تسرق، بينما تعبدونها انتم بالدم والذبائح). ثم ينتقل الكاتب ليبرز سمو المسيحية وكمالها الإلهي وعبادة الإله الواحد رب الكل وبالمقارنة بخرافات وحماقات اليهودية من دم ودخان وذبائح ومحرقات معتقدين ان هذه الذبائح مقبولة لله تلك هي وسوسة اليهود وخرافات السبوت والافتخار بالختان والتباهي بمظاهر الحماقة اليهودية. وبهذا تكون الرسالة إلى ديوجنيتس قد أوضحت سمو المسيحية وروحانيتها وكمالها عن اليهودية بارتفاعها فرق الناموسية والفريسية والحرفية القاتلة من تطهيرات وختان للجسد، كما لا يحمل المسيحيون كبرياء اليهود واعتدادهم، فبينما عبادات الوثنية واليهودية تحض أتباعها على شكليات لا روح فيها يدعو الكمال المسيحي إلى الروحانية المحيية. 4- كشف الرسالة عن سمو الحياة المسيحية وسلوك المسيحيين في أيامه، فيما يتعلق بالآتي: أ- السلوك العملي المسيحي اليومي كترجمة فعلية صادقة للسمو الإيماني. ب- الإيمان المسيحي كهبة سامية فرق الإدراك البشرى المحدود، لكنه إيمان لا يناقض العقل، إذ قدمه الله اللوغوس نفسه. (العقيدة التي يدين بها المسيحيون، ويحيطونها بجليل العناية، ما كانت قط يومًا من استنباط إنسان، فإن إيمانهم لا يمت بصلة إلى أسرار البشر، انه بالحقيقة هبة القدير بالذات، خالق الكل، غير المنظور، عطية السماء فهو الذي جعل الحق بين الناس، أعني كلمته القديس غير المدرك، الذي وطد الله في قلوب المؤمنين به). (إن رب الكون.. قد ظهر للبشر في ملء محبته.. كشف لنا عن قصده في شخص ابنه الحبيب، وأعلن ما أعده لنا منذ البدء). (الله لم يبغضنا، ولم ينبذنا، ولم يغضب علينا، بل اتسم بطول الأناة زمنًا، وحمل أثقالنا وتحنن علينا وحمل خطايانا، وسلم وحيده فداء عنا!! نعم لقد سلم القدوس للمجرمين، والبار اللاثمة، والصديق للمنافقين، والأزلي للمائتين. بماذا يمكن أن تستر آثامنا أن لم يكن ببره هو؟ بمن نتبرر نحن الأثمة أن لم يكن ببر ابنه الوحيد؟) (لقد ظهر الكلمة وأعلن نفسه للبشر، وإذ لم يفهمه من لم يؤمنوا به، كشف عن سره لتلاميذه الذين عرفهم، فآمن به تلاميذه، ونالوا من معرفة أسرار الآب لهذا جاء كي يعلن ذاته. ولما استهانت به خاصته، حمل الرسل بشارته إلى الأمم فأمنت به. في البدء كان وظهر كأنه جديد، وهو القديم، ميلاده يتجدد ابدأ في قلوب قديسيه، أنه الأبدي ونحن اليوم نعرفه كأنه جديد!) وحرصت الرسالة في سمتها الرئيسية على إبراز الطبيعة الكنسية السماوية، التي تتعامل بالواقع العملي بكونها تعيش على الأرض. (يقيم كل منهم في وطنه، إنما كغريب مضاف.. أنهم في الجسد، ولكنهم لا يعيشون حسب الجسد. يصرفون العمر على الأرض إلا أنهم من مواطن السماء). كما وركز كاتب الرسالة أيضًا على الأخلاق السلوكية المسيحية كعيشة سماوية وطاعة للقوانين المفروضة ومحبة لكل الناس، مهما كانوا مجهولين أو مدانين. 5- أكدت الرسالة على الانتماء الوطني المسيحي، وعلى أن المسيحية سر وأنها حياة لا يمكن التعرف عليها خارجيًا، ولذلك يؤكد الكاتب مقررًا أن اللغة المسكن الملابس، والعادات هي الأمور لا تخص إلى الشعب الجديد الذي لا ينتمي إلى الوثنية ولا إلى اليهودية. وسر سمو المسيحية هو في الحياة الداخلية، وهي التي تجعل المسيحي ارفع وأعظم من كل الشرائع الموضعية وأرقى من الفرائض، فهي لا تعرف الإجبار والفرض، والمسيحية في العالم ولكنها ليس من العالم، والمسيحيون على الأرض لكن المواطنة الصادقة الحقيقية هي في السماء، لكن هذه الحياة السمائية لا تعنى العزلة عن العالم لا المسيحيين هم مثل النفس في الجسد ولا يمكن في هذا التشبيه أن نرى كيف يمكن أن تكون النفس في عزلة عن الجسد، هم خميرة تخمر هم ملح يملح (مت 5: 13 -16). فالمسيحي بينما هو يتطلع إلى السماويات، عليه ان يكون ايجابيًا كما النفس للجسد، إذ أن علاقة الكنيسة بالعالم كعلاقة الروح بالجسد، مصدر حياته، أنها وجدت لتقدس العالم كخميرة للمجتمع البشرى، وكالنور الذي يهدى إلى السبيل. وتؤكد الرسالة على المواطنة الصالحة للمسيحيين، فهم ليسوا كما يتخيل ديوجنيتس، شعبًا متوقعًا حول ذاته، يقيم من ذاته دولة لها لغتها الخاصة وعاداتها المستقلة، إنما الإيمان المسيحي هو المحبة الديناميكية بالانفتاح على البشرية، على خلاف اليهود: (لا وطن، ولا لغة، ولا عادات، تميز المسيحيين عن سائر البشر، فهم لا يقطنون مدنًا خاصة بهم، ولا ينفردون بلهجة معينة). وينطلق فكر كاتب الرسالة من أن علاقة المسيحيين بالعالم كالروح في الجسد، وكما أن الروح منتشرة في كل أعضاء الجسم كذلك المسيحيون منتشرون في كل مدن العالم يسكنون العالم، لكنهم ليسوا من العالم. لذا يقول كاتب الرسالة: (يقيم المسيحيون في العالم كما يقيم الروح في الجسد، الروح منتشرة في أعضاء الجسد انتشار المسيحيين في مدن العالم. الروح تقيم في الجسد، إلا أنها ليست من الجسد المنظور.. الجسد يكره الروح ويقاومها، وان ينله منها أذى، سوى أنها تحول دون انغماسه في حمأة اللذات، والعالم يكره المسيحيين، لا لأنهم أساءوا إليه، بل لكونهم يتصدون لما فيه من شهوات منحرفة فاسدة، تحب الروح الجسد الذي يبغضها، كما يحب المسيحيون مبغضيهم. الروح سجينة الجسد، ولولاها لم كان للجسد حياة، والمسيحيون موثوقون في سجن العالم ولولاهم لا قيام ولا حياة للعالم). ويخضع المسيحيون للقوانين، باعتبارهم مواطنين صالحين، يعملون بنشاط واجتهاد وجدية في خدمة بلادهم، يمتثلون للشرائع والقوانين القائمة، إلا أن نمط حياتهم يسمو كمالًا على الشرائع وعلى القوانين.. ولا يعلمون إلا الصلاح. فأساس المنهج المسيحي في العلاقة مع الدولة يعتبر أن من يقاوم السلطة يقاوم ترتيب الله، لذلك تنادى المسيحية كل نفس بالخضوع للسلاطين، لأنه ليس سلطان إلا من الله وبترتيب منه. وتعتبر أيضًا أن الخضوع لسلطان الحاكم ليس بسبب القانون أو العقوبة لكن بسبب الضمير، لعلى المسيحي أن يدفع الضرائب ويعطى الخوف لمن له الخوف والإكرام لمن له الإكرام، على اعتبار أن دفع الضرائب وإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله وإعطاء الجميع حقوقهم سلوكية مسيحية ملزمة، في إطار الخضوع للحاكم والأمانة للمجتمع كما لله!! ويتمسك كاتب الرسالة بالأسلوب المسيحي الوديع في مجال الولاء للدولة والاستعداد للأعمال الصالحة وعدم الطعن في احد مع إظهار كل وداعة لجميع الناس. لذا جاءت الرسالة كمنهج تعليمي فائق الوطنية والأصالة والانتماء والإخلاص للمجتمع وللدولة، تستنهض وطنية المسيحي وأمانته المطلقة للدولة باعتبارها مشيئة إلهية، مع الاحترام والتقدير الشديد للأحكام والحكام والقوانين التشريعية. 6- ركزت الرسالة إلى ديوجنيتس على علاقة المعرفة بالحياة كأساس للانتماء والسمو المسيحي، فهو أساس مبنى على العلاقة بين المعرفة والحياة، وشجرة المعرفة ليست للموت وإنما هي المعصية، تلك المعصية هي التي ركز عليها الكاتب في الفقرة (12: 2). لقد أكل أدم من شجرة المعرفة قبل أن يأكل من شجرة الحياة وهنا المشكلة، فالحياة النابعة من الله هي حياة حقيقية وبالتالي هذه الحياة بذاتها تؤدى إلى المعرفة الحقيقية، فالحياة هي المعرفة وذلك ما يميز الإنسان عن المخلوقات غير العاقلة. ولكن الإنسان الأول لم يطلب المعرفة الطاهرة النابعة من الحياة مع الله، وذلك تعدى بغواية الحية وطلب المعرفة المغشوشة، وهنا يصل كاتب الرسالة إلى غايته، لا حياة بدون معرفة وما من معرفة حقيقية بدون حياة حق. وأخيرًا يطلب الكاتب في نص يشبه الصلاة (ليكن قلبك وعاء المعرفة) (12:7). وتقول الرسالة إلى ديوجنيتس (فلتكن لك معرفة الآب كأول درس) واصفًا هذه المعرفة الإلهية الغير غاشة بأنها معرفة شركة ومعرفة حياة تتدفق في القلب بالغلطة والفرح. وتتحدث الرسالة عن اتحاد القلب بالمعرفة وقبول الكلمة داخل الحياة، حتى تنمو شجرة المعرفة وتتجمع ثمارها، فليست المسيحية مجرد فكرة أو ايديولوجية من صنع البشر لكنها ظهور الكلمة والحق والقدوس غير المدرك الإله والمخلص. 7- يدعو الكاتب صديقه ديوجنيتس للإيمان: (لآن، إن رغبت أيضًا أن يكون لك مثل هذا الإيمان، فلتكن معرفة الآب كأول درس لك تصور أية غبطة سيتدفق بها قلبك لمعرفته، ولكم تندفع في حب من أحبك أولًا بحبك له تتمثل بجوده.. وستشجب خداع العالم وضلاله. يوم تعي حقيقة الحياة المسيحية، تزدرى بما يسمونه موت الجسد، لترهب الموت الحقيقي المعد لمن سيطرحون نهائيًا إلى النار الأبدية جزاء أعمالهم السيئة، وستنحني إجلالًا وتعظيمًا أمام من قاسوا عذاب النار هنا لأجل البر وتغطهم إذا ما كنت على علم بحقيقة النار الآخر). (لتتحد المعرفة بقلبك، ولتتقبل حياتك في داخلها الكلمة. وإذا ما نمت هذه الشجرة (شجرة المعرفة) فيك، وجمعت ثمارها، فانك لا تنفك تحبني نواله من الله، وما لا تقوى الحية على الوصول إليه، ولا الخداع أن يتسلل إليه، أما حواء فإنها لم تبق بعد ضحية الإغواء، بل ستظل عذراء، ويعلن الخلاص). وفى دعوة كاتب الرسالة لديوجنيتس لقبول الإيمان، يؤكد على عدم مظهرية المسيحية وان المسيحية لا يمكن أن يكون لها مظاهر خاصة للأسباب التالية: أ- إنها ديانة الله المتجسد، وهل بعد التجسد يمكن أن يضاف شيئًا للمسيحية؟ فاللوغوس الكلمة ظهر وأعلن عن نفسه (11:2)، ولذلك بعد أن جاء لكي يقدم لنا معرفة صادقة لا يمكن أن توضع ديانة قائمة على معرفة حقيقية بالله في إطار مظاهر خارجية. ب- لقد كشف الابن بتجسده عن ترتيب الأزمنة (11:5) وما هو ترتيب الأزمنة إلا أننا نعيش في زمان الحياة والحرية لان الناموس الموسوي الذي أدب الإنسان بالخوف صار الآن أنشودة. ج- لقد وضع الابن الكنيسة في العالم ولذلك هي امتداد لتجسده، وهذا الامتداد هو انتشار حياة وليس انتشار مظاهر. وبالجملة قد كاتب الرسالة توصيفًا دقيقًا لإيمان المسيحي والحقائق الخلاصية المسيحية كهبة إلهية تسمو فوق العقل البشرى لكنها لا تناقضه. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|