الموسيقي القبطية
تعتبر الموسيقي وأيضا الرسم من أقدم الوسائل كلغة للعبادة، يقودان الإنسان إلى جو سماوي ويسنداه في تبعيته لله. وقد ورث الأقباط عن أسلافهم الفراعنة أقدم تقليد للموسيقي.
يقول الدكتور راغب مفتاح، وهو قبطي ثري كرس حياته وممتلكاته لتسجيل الموسيقي القبطية: [يؤكد البحث العلمي أن موسيقى الكنيسة القبطية هي أقدم موسيقي كنسية موجودة، وهي تشكل أقدم مدرسة موسيقي في العالم حاليا، لقد حفظت الكنيسة القبطية ميراثا أثريا لا يقدر بثمن من جهة الموسيقي الكنسية، وذلك بحكم طبيعتها المحافظة التي ورثتها عن العصور القديمة] (1).
كتب الدكتور، عالم المصريات: [يوجد مفتاح سر الموسيقي الفرعونية في طابع حسن في الموسيقي القبطية الكنسية المستخدمة في أيامنا هذه].
عالم الموسيقي الإنجليزي، ايرنست نيولاند سمث، بجامعات أكسفورد ولندن، الذي قضي فترات الشتاء في مصر (ما بين سنتي 1927، 1936) بناء علي دعوة من الدكتور مفتاح، لكي يضع الموسيقي في "نوته"، يقول:
[الموسيقي القبطية موسيقي عظيمة، يمكن القول إنها إحدى عجائب العالم السبع، وبالحق لو أن "خورسا" مملوء بروح الله يترنم ببعض النغم القبطي في ملحمة دينية عظيمة لكان ذلك كافيا أن يلهب العالم المسيحي (روحانية)].
[هذه الموسيقي التي سلمت من قرون غير معروفة في الكنيسة القبطية، هي جسر بين الشرق والغرب، إذ تطع أسلوبا جديدا في أيدي الموسيقيين الغربيين. إنها فن رفيع، لطيف، وعظيم، خاصة من جهة عنصر اللانهائية الذي نفتقر إليه اليوم].
[الموسيقي الغربية تجد أصلها في مصر القديمة] (2).
سماتها
1- في عام 1971، في يوم الجمعة العظيمة، دهش أحد الرعاة الغربيين بكوينز (نيويورك) كيف يمارس الأقباط عبادتهم في ذلك اليوم من السابعة صباحا حتى الغروب ويعودوا مرة أخري في الساعة الحادية عشر مساء ليستمروا في العبادة حتى الصباح، لكنه إذ حضر الخدمة أدرك ما لعبادتنا -بألحانها" الحزايني"- من قدرة علي تقديم راحة للنفس. في مصر غالبية الأطفال يشتركون في هذه الخدمة طوال اليوم بفرح. حقا إن ألحاننا "الحزايني" الخاصة بأسبوع الآلام، الجمعة العظيمة، والجنازات تعتبر أقدم وأسمي الموسيقي لدينا. يقول الدكتور مفتاح [لا توجد أي موسيقي كلاسيكية يمكن أن تقارن بالموسيقي "الحزايني" للكنيسة القبطية، ولا بفاعليتها الهائلة علي النفس البشرية والمشاعر التي تثيرها فيها].
2- أقدم موسيقي قبطية كانت صوتية تماما، حتى أدخل فيما بعد "الدف" و"المثلث" في العصور الوسطي (3).
هذا المنهج الموسيقي أخذه الأقباط عن أسلافهم الفراعنة، إذ يقول ديمتريوس المسئول عن مكتبة الإسكندرية سنة 297 ق.م. (ديميتريوس الفاليري) بأن كهنة مصر اعتادوا أن يترنموا بالتسابيح في الاحتفالات الخاصة بتكريم آلهتهم مستخدمين السبعة حروف الحركية اليونانية، مقدمين صوتا جميلا رائعا دون استخدام مزمار أو قيثارة (4).
يقول فيلون الفيلسوف الإسكندري الذي عاش في القرن الأول الميلادي، أن مسيحي زمانه تبنوا بعض تسابيح مصر القديمة في عبادتهم.
3- في اللتورجيا القبطية لا يقف الشعب مستمعا بل يشارك فيها، لأن الليتورجيا هي خدمة إلهية تقدمها الكنيسة كلها. هذا الاتجاه يمثل فرصة للشعر أن يستخدم الموسيقي أو يسبح. فالكاهن هو قائد التسبيح مع "خورس" الشمامسة، بينما يقوم الشعب بدور حيوي متجاوبا معهم، وذلك علي خلاف التقليدين اليوناني والروماني.
4- بعض النغمات القبطية تحمل أسماء مدن قديمة؛ مثل "سنغاري" وهي مدينة في شمال الدلتا عرفت في أيام رمسيس الثاني؛ "أدريبي"، وهي مدينة وجدت قبلا في صعيد مصر.
5- قدم الدكتور مفتاح تجربة قام بها مع خورسه بمعهد الدراسات القبطية في مصر، حيث سبحوا ألحانا "حزايني" في الهيكل الداخلي لمعبد حورس العظيم بإدفوا في الموضع المخصص لرئيس الكهنة. سمع اللحن بطريقة واضحة حتى في الفناء الخارجي للمعبد والذي كان مخصصا للشعب، وكان الصوت موزعًا بالتساوي من جهة كثافة النغم أو درجاته، وذلك خلال المعبد كله. يقول الدكتور مفتاح [حقا كانت معجزة من جهة توزيع الصوت، تستحق دراستها بطريقة جادة].
أخيرا، فأن الكنيسة القبطية تحمل تناغمًا وتوافقًا بين الموسيقي والمباني والطقوس إلخ.. فهي تقدس بالروح القدس الثقافة الإنسانية لأجل نجاحنا الروحي.