|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 106 - تفسير سفر المزامير الفرح بغفران خطايانايُعْتَبَر هذا المزمور اعتراف عن خطايا الجماعة، بروح الرجاء، فإن الله ليس فقط غافرًا للخطايا، وإنما يعمل دومًا على اتحادنا معه. إنه يوجه أنظارنا نحو كنيسة العهد الجديد القائمة عمل السيد المسيح الخلاصي. يرى البعض أن واضع هذا المزمور هو نفسه واضع المزموريْن 104 و105، لذلك ينسبونه إلى داود النبي، خاصة وأن بعض العبارات مشتركة مع 1 أي 16. ويرى آخرون أنه كُتِبَ في بابل في فترة السبي، مُعتَمِدين على الآية 47 حيث يصرخ المرتل باسم الجماعة كلها "اجمعنا من بين الأمم". يعتبر هذا المزمور رفيقًا للمزمور السابق، وهما يغطيان تقريبًا نفس الفترة. غير أن المزمور السابق هو دعوة لتذكر معاملات الله مع شعبه، أما هذا المزمور فيؤكد أمانة الله مع شعبه الذي سرعان ما ينسى مراحم الله الغزيرة عبر الأجيال. المزمور 105 يرفعنا إلى فوق، وهذا المزمور يوبخنا. إنه أول مزمور يبدأ بالليلويا ويُختم أيضًا بنفس التعبير، وهو أول مزامير الليلويات، التي هي مز 111، 113، 117، 135، 146-150. مزمور 106 و1 أخبار الأيام 16 بعض عبارات هذا المزمور مشتركة مع 1 أي 16، حيث صار داود النبي يحمد الرب بيد آساف وإخوته: [راجع 1 أي 16؛ 34 مقابل مز 106: 1؛ 1 أي 16: 35-36 مقابل مز 106: 47-48.] 1. دعوة للتسبيح لله 1. 2. صلاة عن الجماعة 2-5. 3. اعتراف وطلب خلاص الرب 6-12. 4. تمرد في أيام موسى 13-33. 5. عصيان في أرض الموعد 34-39. 6. تأديبات الرب ورحمته 40-46. 7. توسل وتسبيح 47-48. من وحي المزمور 106 1. دعوة للتسبيح لله جاءت هذه الدعوة مطابقة لما ورد في مز 107 و136. هَلِّلُويَا. احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ [1]. الشعور بالضعف والاعتراف بالخطايا يبعث في المؤمن كما في الجماعة الشعور بالتواضع أمام الله، لكنه لا يُفقِدنا روح الفرح بالله الرحوم غافر الخطايا. لذا يبدأ هذا المزمور بالكلمة "الليلويا"، مع أن المزمور يمثل صرخة إلى الله حيث يطلب الإنسان: "افتقدنا بخلاصك". تُترجَم الكلمة التي في العربية "احمدوا" تارة "اعترفوا" وأخرى "اشكروا"، فإن ضعف الإنسان مع إدراكه لمراحم الرب يبعث في الإنسان الاعتراف بروح الرجاء مع الشكر للرب غافر الخطايا. وقد تكررت هذه العبارة 26 مرة في المزمور 136. فإنه ليس من موضوع ولا من عمل يناسب المؤمن أكثر من التسبيح بروح الرجاء والفرح للرب مخلصه. يرى القديس أغسطينوس أن كلمة "احمدوا" هنا تُترجَم "اعترفوا"، سواء يعترف الإنسان بخطيته أو يعترف بمراحم الله. * يليق بكل من يعترف بخطاياه أن يفعل هذا مع تسبيح الله، فإن الاعتراف بالخطايا ليس بالأمر التقوى ما لم يكن بدون يأس، وأن يرافقه التماس رحمة الله[1]. القديس أغسطينوس ويرى القديس أغسطينوس أن تعبير "إلى الأبد رحمته" يعني إلى منتهى الدهور أو إلى نهاية العالم. كما يقول بأنه ربما يتجاسر أحد فيقول بأنه حتى في يوم الدينونة وإن كان الأشرار يعاقبون مع الشياطين وملائكته، لكن الله يُظهِر نوعًا من الرحمة بهم، فتظهر رحمته أبدية. * يا من ارتكبتم خطايا خطيرة وتيأسون من الخلاص، وتفكرون أنه بسبب ضخامة خطاياكم لا تقدرون أن تنالوا الصفح، أنصحكم - بل بالحري ينصحكم النبي أن تشكروا الرب، لأنه صالح. عظيمة هي خطاياكم، ولكن عظيم هو الرب الذي يشفق عليكم. اعترفوا بخطاياكم للرب، واندموا، ولا يتأسوا من خلاصكم، لأن الرب عطوف. اشكروا الرب يا من لكم خطايا عظيمة. لا تتكلوا على قوتكم، بل ثقوا في رحمة الرب[2]. * "لأن إلى الأبد رحمته". يقول المرتل: "في الهاوية من يحمدك؟" (مز 6: 5) فإنه يستحيل بالنسبة لأي أحدٍ في الهاوية أن يندم على خطاياه. مادمت في هذا عالم؛ أتوسل إليك أن تتوب. اعترفْ، واحمد الرب، فإن فقط في هذا العالم الرب رحوم. هنا يقدر أن يتعطف على التائب، أما هناك فهو ديان وليس رحوم. هنا هو رءوف ولطيف، هناك هو ديان. هنا يبسط يديه للساقطين، هناك يرأس كقاضٍ. أقول الآن هذا كله لنفع أولئك الذين يظنون أنه توجد ندامة على الخطية في الجحيم[3]. القديس جيروم * إذا أقر المذنب بذنبه أمام حكام الأرض يعذبونه، أما الله فإنه يغفر لمن يقر بذنبه، وذلك لأنه صالح وإلى الأبد رحمته. وأما الذي لا يقر بذنبه يؤدبه. الأب أنسيمُس الأورشليمي 2. صلاة عن الجماعة يربط المرتل نفسه بالشعب، فإن كان يطلب من الرب أن يتعهده بخلاصه، فإنه لا يفرح ما لم يفرح الشعب، لأنهم موضوع اعتزازه وفخره. مَنْ يَتَكَلَّمُ بِجَبَرُوتِ الرَّبِّ؟ مَنْ يُخْبِرُ بِكُلِّ تَسَابِيحِهِ؟ [2] عجز الإنسان عن الحديث عن عجائب الرب والتَرَنُّم بكل تسابيحه، إما بسبب شعوره بخطاياه، كما جاء في المزامير: "وللشرير قال الله: ما لك تُحَدِّث بفرائضي، وتحمل عهدي على فمك" (مز 50: 16)، أو شعوره بعجزه عن التعبير عن أعمال الله خاصة معه شخصيًا، فمهما تكلم أو سبَّح يعجز عن التعبير عن معاملات الله العجيبة معه كما مع الشعب. (راجع سيراخ 43: 28-31). * "من يقدر أن يُخبِر بأعمال الرب القديرة؟!" لا يستحق أحد أن يخبر بأعمال الآب العظيمة سوى الابن، ولا يقدر أحد أن يُعَبِّر عن قدرة الآب ذاك الذي هو نفسه القدير. ذاك الذي هو كلي القدرة، الذي في حضن الآب، قادر أن يُخبر ويُعْلِن عن الأعمال القدير للكلي القدرة. "أو من يخبر بكل تسابيحه؟" قبل أن ينشر ربنا تسابيح الآب في الإنجيل كانت تسابيح الآب غير مسموعة في العالم. بالمفهوم الروحي، كل ما هو كُتِبَ في الشريعة القديمة يُمكِن أن يُفهَم عن الآب[4]. القديس جيروم * من يخبر عن أعمال الرب القديرة؟ (مز 2:106) من الموت صرنا خالدين، هل فهمتم النصرة، والطريق التي بلغتها؟ تعلَّموا كيف اُقتنيت هذه الغلبة بدون تعب وعرق. لم تتلطخ أسلحتنا بالدماء، ولا وقفنا في خط المعركة، ولا جُرحنا، ولا رأينا المعركة لكننا اقتنينا المعركة. الجهاد هو مسيحنا، وإكليل النصرة هو لنا. ما دامت النصرة هي لنا، إذن يليق بنا كجنودٍ أن نرتل اليوم بأصوات مفرحة بتسابيح الغلبة. لنُسَبِّح سيدنا قائلين: "قد أُبتلع الموت إلى غلبة. أين غلبتك يا موت؟ أين شوكتك يا هاوية؟" (1 كو 54:15-55)[5]. * "من يعلن عن أعمال الرب القديرة؟ ويخبر بكل تسابيحه؟" أي راعٍ يقوت قطيعه بأعضائه؟ ولماذا أقول راعيًا؟ فإنه توجد أمهات كثيرات بعد الآم مخاض الولادة يرسلن أطفالهن إلى نسوة أخريات يقمن بإرضاعهم أما هو فلم يفعل ذلك، بل يقوتنا بدمه، ويُخَلِّصنا بكل وسيلة بنفسه[6]. القديس يوحنا الذهبي الفم * الابن المساوي للآب في الجوهر صار مثلي!كان يسير على الأرض، ويختلط بالبشر، ويصنع عجائبه بينهم، واهبًا خيرات هذا الدهر والدهر الآتي. وما قدَّمه على الأرض، إنما كان لتأكيد ما سيهبه في الدهر الآتي. وهكذا حقق الابن ما سبق * إعلانه: "من يتكلم بجبروت الرب؟! من يخبر بكل تسابيحه؟!" (مز 106: 2)[7] القديس يوحنا الذهبي الفم طُوبَى لِلْحَافِظِينَ الْحَقَّ، وَلِلصَّانِعِ الْبِرَّ فِي كُلِّ حِينٍ [3]. من الذي يستطيع أن يتكلم بأعمال الرب الجبارة ويخبر بكل تسابيحه إلا ذاك الذي يَقْبل رب يسوع برًّا له، فتعلن أعمال الله وعجائبه في حياته، ويصير هو نفسه شهادة حق لأعمال الله وعجائبه. حِفْظ الحق الإلهي وصُنْع البرّ أمرٌ واحد متكامل، أما التحوُّل من صيغة الجمع إلى المفرد، فكثيرا ما يتكرر خاصة في سفر المزامير، إذ لا يفصل المؤمن نفسه عن الجماعة، تارة يتحدث عن خبرته الشخصية، وأخرى عن خبرته الجماعية، فالشركة مع الله تقوم على المستوييْن معًا دون انفصال بينهما. أما القول "في كل حين" أو "دائمًا"، فهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بالاختفاء في المسيح الذي وحده بلا خطية، يسترنا بنفسه ويصير لنا برًّا وفداءً. يرى العلامة أوريجينوس أن الفضيلة هي المسيح، فمن يقتني المسيح فيه، إنما يقتني الفضيلة، ويحمل فيه سمات السيد المسيح. ويرى القديس جيروم أن البرّ هو السيد المسيح، فيليق بنا لكي نكون أبرارًا على الدوام، أو في كل حين أن نقتني المسيح الذي صار لنا برّا، كما يقول الرسول، وأن يتشكل المسيح فينا، فنصير كمن يحمل المسيح في أعماقنا، أي تصير النفس أُمًا وأبًا للبر الذي يتشكل فيها. * إنه يُسَبِّح ذلك الذي يعمل فينا أن نريد وأن نعمل مسرته (في 2: 13)[8]. * يُدعون مطوبين أولئك الذين يحفظون الحكم (الحق) في الإيمان، ويمارسون البرّ بالعمل[9]. القديس أغسطينوس * "طوبى للحافظين الحق، وللصانع البرّ في كل حين". يحق لداود أن ينطق بهذه الصلاة. فهو نفسه أطاع وصايا الرب، وصنع ما هو حق. لكن لأنه لم يطع ولا صنع برّ في كل حين سقط. لهذا ماذا يقول؟ "طوبى للحافظين الحق، ولصانع البرّ في كل حين"، لكن كن عالمًا أنه لكي تكون مُطَوَّبًا تصنع الحق في كل حين. فإنه ماذا ينفع الإنسان إن عاش لمدة عشرين عامًا في عفةٍ، وبعد ذلك سقط؟ هذه هي رسالة كلمات الأنبياء التالية: "الفضيلة التي يمارسها إنسان لا تنقذه في اليوم الذي فيه يخطئ، والشر الذي يفعله إنسان لا يعثر في يوم رجوعه عن شره" (راجع حز 33: 12). فلا يكون البار واثقًا (في ذاته) ولا الخاطئ يائسًا من خلاصه، فكل منهما يجب أن يخاف ويرجو. "الصانع البرّ في كل حين". ربنا هو البرّ... طوبى لذاك الذي يصنع البرّ، أي الذي يلد المسيح. كيف نلد المسيح أو البرّ؟ إن كنا نعيش بالبرّ، نحبل به فينا، ويُولد منا، فنكون أمًا للبرّ. طوبى لذاك الذي هو أب وأم للبرّ[10]. القديس جيروم * الذين يحفظون الوصايا التي أمر بها الله مع أحكامه، ويداومون على عمل البرّ، هؤلاء يقدرون أن يتكلموا ويخبروا بأعمال قدرته وتماجيده، فطوباهم. الأب أنسيمُس الأورشليمي * ليكن لكل إنسان تابوت عهد يحتفظ فيه بلوحي الشريعة حتى "يلهج في ناموس الله نهارًا وليلًا" (مز 2:1)، وليصبح فكره كتابوت العهد ومكتبة تضم كتب الله، لأن الأنبياء طوَّبوا الذين يحفظون وصاياه" في ذاكرتهم (مز 106: 3). ليحفظ الإنسان أيضًا في داخل قلبه قسط المن إشارة إلى جمال وعذوبة فَهْم كلمة الله، وليحفظ أيضًا عصا هرون إشارة إلى التعليم الكهنوتي وقد أزهرت بتأديب مستقيم (العصا للتأديب والتهذيب)[11]. العلامة أوريجينوس اذْكُرْنِي يَا رَبُّ بِرِضَا شَعْبِكَ. تَعَهَّدْنِي بِخَلاَصِك [4]. يكشف هذا القول والعبارة التالية عن شهوة قلب رجال الله في العهد القديم، حيث يطلب كل مؤمنٍ أن يتمتع شخصيًا، لكن ليس في عزلةٍ عن شعب الله أو كنيسته. إنه يشتهي رؤية يوم الخلاص على الصليب، فيدعو هذا العمل مسرة الله بشعبه، وتعهده بخلاصه، وفرح للكل كما لكل مؤمنٍ، وخير للمختارين. إنه فيض عجيب من حب الله العملي نحو البشرية. إن كان المرتل يشتهي أن يكون مطوّبًا بحفظه للحق الإنجيلي وصنعه للبرَّ، فهذا لن يتحقق إلا بانضمامه إلى شعب الله، موضوع سروره، وذلك بافتقاد أو تعهد المخلص له. هذه الصرخة "اذكرني" قدَّمها اللص اليمين التائب، فتمتع بأبواب الفردوس المفتوحة. وهي لا تقوم على استحقاق شخصي، ولا على افتخار الإنسان بعمل ما، وإنما بالارتماء في أحضان المخلص والالتجاء إلى مراحمه العجيبة. إنه يطلب من المخلص أن يذكرهن بكونه مشتاقًا أن يكون عضوًا في شعب الله المحبوب وموضع مسرة المخلص. يرى القديس جيروم أن المرتل وقد وُلِدَ في ظل الناموس بين الشعب القديم اشتهى أن يتمتع بما يناله الشعب الجديد، حين يأتي الرب المخلص ويقيم شعبًا من العالم كله، يكون موضع رضا الرب ومسرته. "تعهدني بخلاصك"، أي افتقدني بابنك الوحيد مُخَلِّص العالم. * "تعهدني بخلاصك". هذا هو المُخَلِّص نفسه، الذي منه تُغفَر الخطايا، وتُشفَى النفوس، فتستطيع أن تحفظ الحكم (الحق) وتُمارِس البرّ... "تعهدنا بخلاصك"، أي بمسيحك[12]. القديس أغسطينوس * كأن هذا القول من قبل الأنبياء والصديقين الذين قبل المسيح، فإنهم يتضرعون إلى الله (الآب) لكي يؤهلهم لمشاهدة تدبير تجسد ابنه الذي يُدعَى مسرة (رضا)، كما قالت الملائكة عند ميلاده: المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة. وأيضًا صوت الآب الذي قال عنه: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت. هذه المسرة (الرضا) يُقال عنها "تعهد" (أو افتقدني)، فقد قيل: "افتقدنا المشرق من العلا". ويقال عنها "خلاصًا"، إذ قيل "يبصر كل أحدٍ خلاص الله". الأب أنسيمُس الأورشليمي لأَرَى خَيْرَ مُخْتَارِيكَ. لأَفْرَحَ بِفَرَحِ أُمَّتِكَ. لأَفْتَخِرَ مَعَ مِيرَاثِكَ [5]. إذا يطلب المرتل من الله أن يفتقده بخلاصه، يسأله أن يضمه إلى كنيسته المحبوبة جدًا لديه، فيصير مختارًا، يحق له رؤية الخير أو الصلاح، أي التَمَتُّع به، وفرح الجماعة المقدسة، ونوال هبة الميراث الأبدي. بمعنى آخر يسأله أن يحسبه أحد مختاريه، فينعم عليه بالصلاح، ويتمتع بالعضوية الكنيسة المتهللة، والاعتزاز بالميراث المُعَد له في السماء! يرى القديس جيروم أن المختارين هنا يعني بهما المرتل الرسل، والذين وإن كانوا يأتون بعده، لكنهم يسبقوه في الروح. وكما أن إبراهيم رأى يومه ففرح (يو 8: 56)، فليسمح الله له أن يفرح معه بميراث الرب. * "لأرى سعادة مختاريك، وأفرح ببهجة شعبك"، أي افتقدنا بهذا السبب بخلاصك...! جاءت كلمة "سعادة" هنا في بعض النسخ "عذوبة" أو "حلاوة"... فإن الرب يعطي النظر للعميان، لا عن استحقاقهم، وإنما من أجل السعادة التي يهبها لمختاريه[13]. القديس أغسطينوس 3. اعتراف وطلب خلاص الرب أَخْطَأْنَا مَعَ آبَائِنَا. أَسَأْنَا وَأَذْنَبْنَا [6]. يشكو المرتل نفسه، فإن كان آباؤه قد اخطأوا وأسأوا وأذنبوا في عصيانٍ لله، فإنه قد اقتضى أثرهم، وسلك على منوالهم، لأن السقوط في الشر سهل. يصرخ دانيال في أرض السبي: "أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك" (دا 9: 5)، وأيضًا نحميا: "إني أنا وبيت أبي أخطأنا. لقد أفسدنا أمامك..." (نح 1: 6-7). يرى الأب أنسيمُس الأورشليمي أن صرخة الاعتراف بالخطايا هنا هي باسم اليهود الذين رفضوا السيد المسيح، فاشتركوا مع آبائهم في أيام موسى النبي وبقية الأنبياء. فمع ما صنعه الله معهم من معجزات، وما قدَّمته لهم من عطايا كانوا دائمي التذمر، وجاحدين للخير. * "لأنه أعطى صوته فتزلزلت الأرض" (مز 46: 6) ومن يقدر أن يتحمَّل النظر إلى وجهه. لا يستطيع أحد أن ينطق في حضرته. إنساننا الداخلي لا يقوى على النظر إليه (دا 10 :8)، من الخوف أفواهنا تصمت ولا تتكلم. وإذا استعدنا القليل من القوة لنتحدث أمامه توبخنا ضمائرنا، عارفين أننا "أخطأنا مع آبائنا وأسأنا وأذنبنا" (مز 106: 6) في حضرته. وإذا تصورنا أننا صرنا على حالةٍ صالحةٍ، فكل صلاحنا "كنجسٍ وكثوب عدة " (إش 64 : 6). لأن الانتصار هو له، أما نحن فلنا اللوم وخزي الوجوه[14]. مارتيريوس - Sahdona آبَاؤُنَا فِي مِصْرَ لَمْ يَفْهَمُوا عَجَائِبَكَ. لَمْ يَذْكُرُوا كَثْرَةَ مَرَاحِمِكَ، فَتَمَرَّدُوا عِنْدَ الْبَحْرِ عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ [7]. مع كل ما صنعه الله مع شعبه القديم من عجائب، إلا أن طبيعة الإنسان من جحود قد غلبت عليهم. كثيرًا ما تمردوا عليه كما على نبيه موسى (أع 7: 27، 35) وهرون كاهنه. "بحر سوف" أي "بحر الأعشاب"، ويُدعَى البحر الأحمر في اليونانية. يظن البعض أنه أخذ هذا الاسم من بعض الحشرات الصغيرة التي كانت على سطحه، أو من انعكاس لون أحمر خفيف في بعض المناطق ومن الجبال التي على شاطئه، وآخرون يرون أنه يُدعَى هكذا لأن أرض أدوم (تعني الدم) كانت ما بين البحر وأرض فلسطين. * "آباؤنا لم يفهموا عجائبك". لقد رأوا ومع ذلك لم يروا. رأوا بأعين الجسد، وليس بأعين الروح. لم يقل النبي أنهم لم يروا، وإنما لم يفهموا. فكما أن آباءنا رأوا العجائب، ولم يدركوا أعماق المعنى السري لها، هكذا أيضًا في قراءة الإنجيل، فإن من ينظر ويسمع بطريقة جسدانية في يقين وبدون بصيرة روحية يُحسَب أعمى روحيًا. لذلك طوبى لنا نحن الذين لم نرَ وآمنا أكثر من الذين رأوا ولم يؤمنوا. لقد رأوا البحر الأحمر، ونظروا فرعون يغرق، وكل ما فهموه هو ما رأوه. أما نحن الذين لم نرَ فقد أدركنا ما هو أفضل منهم. أدركنا إبليس في فرعون، والشياطين في جيشه، والمعمودية في البحر. هم يعرفون بالخبرة مياه مارة المُرَّة، ورحلوا خلال مارة. أما نحن فنعرف معمودية الهراطقة في المياه المُرَّة. هم رفعوا حيَّة نحاسية على عمود في البرية... ونحن أيضًا نعلق الحية القديمة في البرية[15]. القديس جيروم فَخَلَّصَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ، لِيُعَرِّفَ بِجَبَرُوتِهِ [8]. خلَّصهم الله خلال البحر الأحمر، إشارة إلى المعمودية، لا عن استحقاقهم، وإنما من أجل اسمه القدوس الذي دُعِي عليهم. وَانْتَهَرَ بَحْرَ سُوفٍ فَيَبِسَ، وَسَيَّرَهُمْ فِي اللُّجَجِ كَالْبَرِّيَّةِ [9]. بقى هذا العمل، أي عبور البحر الأحمر، رمزًا لعمل الله الخلاصي خلال مياه المعمودية، موضوع اهتمام المؤمنين وإيمانهم بعمل الله (خر 15: 8؛ مز 33: 7؛ 78: 13)، كما قيل: "الذي شقَّ المياه قدامهم، ليصنع لنفسه اسمًا أبديًا" (إش 63: 12). * لم نقرأ أن صوتًا ما قد صدر من السماء ينتهر البحر، لكنه دعا القوة الإلهية التي كانت لها فاعليتها انتهارًا، وكأن البحر قد أُنتهر سريًا، فسمعتْ المياه ما لم يستطع البشر أن يسمعوه. السلطان الذي يستخدمه الله عميق وسريّ، السلطان الذي استخدمه جعل ما ليس فيه حس يطيع إرادته. "وسيَّرهم في اللجج كالبرية". لقد دعا كثرة المياه لججًا (أعماقًا)... صارت (اللجج) برية بسبب جفافها، هذه التي كانت قبلًا لجج مياه عميقة[16]. القديس أغسطينوس وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ الْمُبْغِضِ، وَفَدَاهُمْ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ [10]. يتحدث هنا عن المُبغِض والعدو بصيغة المفرد، لأنه ليس لنا عدو إلا إبليس، والذي رُمِز له بواسطة فرعون. * أي ثمنٍ دُفِعَ لهذا الخلاص؟ إنه نبوة حيث كان هذا العمل رمزًا للعماد، به خلصنا من يد الشيطان بثمنٍ عظيمٍ، هذا الثمن هو دم المسيح. إنه مثال متناغم، لم يتحقق بأي بحر، بل بالبحر الأحمر حيث جعله الدم بلون أحمر[17]. القديس أغسطينوس وَغَطَّتِ الْمِيَاهُ مُضَايِقِيهِمْ. وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَبْقَ [11]. مع أن العدو واحد، وهو إبليس، لكن المُضايقين كثيرون، إذ هم الجيش الذي أراد إبادتهم بناء على خطة فرعون. هكذا يثير عدو الخير ملائكته الأشرار ضد المؤمنين. فَآمَنُوا بِكَلاَمِهِ. غَنُّوا بِتَسْبِيحِهِ [12]. هنا يشير إلى تسبحة التي رنَّم بها الشعب عندما تمتع بالخلاص، بعبوره البحر الأحمر، وهلاك العدو. حينما أنقذهم الرب، وشق لهم طريقًا وسط بحر سوف سبَّحوا الرب (خر 15)، لكنهم عادوا ينكرون أعماله معهم، ويتذمرون عليه. عبَّروا عن إيمانهم ببطءٍ شديدٍ، ولفترةٍ مؤقتة. 4. تمرد في أيام موسى التمرد ضد موسى النبي وهرون الكاهن موجه ضد الله نفسه الذي اختار موسى قائدًا للشعب وهرون "قدوسه". الأول رمز للسيد المسيح كلمة الله، إذ استلم موسى الشريعة؛ والثاني رمز له بكونه رئيس الكهنة السماوي الشفيع بدمه عنا. أَسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ. لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ [13]. بقدر ما أبطأوا في التعبير عن إيمانهم بعد أتمام خلاصهم خلال عبور بحر سوف، أسرعوا في نسيان عجائبه معهم. يليق بنا أن نشكر الله ونحن في وسط الضيق، ولا ننتظر حتى نَعْبُرَه كما فعل بنو إسرائيل. ونذكر على الدوام معاملاته معنا في الماضي ولا ننساها، حتى لا نكون جاحدين له. * كان يليق بهم أن يفكروا أن مثل هذه الأعمال العظيمة نحوهم لم تكن بلا هدف، فإنها تدعوهم إلى سعادة لا تنتهي، لكنهم أسرعوا إلى التَمَتُّع بالسعادة في الأمور الزمنية التي لا تعطي الإنسان سعادة حقيقية، لأنها لا تروي الظمأ الشديد. يقول ربنا: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا" (يو 4: 13)[18]. القديس أغسطينوس بَلِ اشْتَهُوا شَهْوَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ [14]. تبدأ الخطية بشهوة في داخل القلب أو الفكر، فتدفع الإنسان إلى عدم الإيمان والجحود، وتدخل به إلى حالة تذمُّر فتمرُّد على الله. حوَّل لهم الرب اللجج إلى برية أو إلى أرضٍ جافة ليسيروا فيها متهللين، وعندما عبروا إلى البرية عوض الشبع بحُب الله ورعايته لهم جرَّبوا الرب واشتهوا ما لا يليق. استخفوا بالمن النازل من السماء، وطلبوا أن يشتموا رائحة قدور اللحوم كما كانوا عليه وهم في أرض العبودية. فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالًا فِي أَنْفُسِهِمْ [15]. إذ يُصر الإنسان على شهوته، تحت الإلحاح يعطيه الله سؤل قلبه. حينما أصر الشعب على إقامة ملك عليهم، سمع الله لهم. "وقال جميع الشعب لصموئيل: صلِّ عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت. لأننا قد أضفنا إلى جميع خطايانا شرًا بطلبنا لأنفسنا ملكًا" (1 صم 12: 19). اشتهوا اللحم وطلبوه، فأعطاهم إياه، لكن لم ينالوا معه بركة الرب، فصاروا في هزال روحيًا وفكريًا وجسديًا. لقد عانوا الكثير من كل جوانب حياتهم. وَحَسَدُوا مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ، وَهَارُونَ قُدُّوسَ الرَّبِّ [16]. * كما يشهد سفر العدد (16: 1-3)، واضح أن هذا حلَّ بالرجال الذين تطلعوا بأسنان الحسد المسمومة إلى العطية السماوية المُقَدَّمة لهرون وموسى. هكذا داثان وأبيرام (ومن معهم) في استهتار طلبوا لأنفسهم الامتياز الذي قدَّمه حنو الرب لهرون وموسى... لقد ابتلعتهم الأرض لأنهم انشغلوا بالأرضيات، فجاءت طبيعة العقوبة التي حلَّتْ بهم هي نفسها تشهد عن أعمالهم الإجرامية[19]. كاسيدروس فَتَحَتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ دَاثَانَ، وَطَبَقَتْ عَلَى جَمَاعَةِ أَبِيرَام [17]. وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي جَمَاعَتِهِمْ. اللهِيبُ أَحْرَقَ الأَشْرَارَ [18]. ورد في سفر العدد عن قورح وداثان وأبيرام وجماعتهما المتمردين: "فتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الأموال، فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية، وانطبقت عليهم الأرض، فبادوا من بين الجماعة... وخرجت نارٌ من عند الرب وأكلت المئتيْن والخمسين رجلًا الذين قرَّبوا البخور" (عد 16: 32-35). صَنَعُوا عِجْلًا فِي حُورِيبَ، وَسَجَدُوا لِتِمْثَالٍ مَسْبُوك [19]. لم يقف الأمر عند جحدهم عطايا الله، وإنكارهم أعماله العجيبة معهم، إنما صنعوا عجلًا وعبدوه. عبدوا حيوانًا مسبوكًا هو من صُنْعِ أياديهم البشرية، وجحدوا الخالق نفسه. وَأَبْدَلُوا مَجْدَهُمْ بِمِثَالِ ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ [20]. لقد حمل اليهود الرغبة في العبادة الوثنية في قلوبهم، لهذا وجدوا في غياب موسى فرصة لتحقيق ما في داخلهم (خر 32). يدَّعي بعض اليهود المُحْدِثين أن اللفيف من المصريين الذي خرجوا مع اليهود خدعوهم وجذبوهم لعبادة العجل. لكن التاريخ يشهد عن انحرافهم في أرض الموعد، ومشاركتهم الوثنيين العبادة الوثنية والرجاسات. نَسُوا اللهَ مُخَلِّصَهُمُ الصَّانِعَ عَظَائِمَ فِي مِصْرَ [21]. لم ينتفع إسرائيل مما قدَّمه الله لهم من أمورٍ عجيبةٍ لحسابهم عند خروجهم من أرض العبودية وعبورهم البحر الأحمر. كان يليق بهم أن يتمتعوا بمهابة الله في وقارٍ مع ثقة فيه بروح التقوى، مع مشاعر متهللة برعايته الفائقة. وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ، وَمَخَاوِفَ عَلَى بَحْرِ سُوف [22]. فَقَالَ بِإِهْلاَكِهِمْ. لَوْلاَ مُوسَى مُخْتَارُهُ وَقَفَ فِي الثَّغْرِ قُدَّامَهُ، لِيَصْرِفَ غَضَبَهُ عَنْ إِتْلاَفِهِمْ [23]. لن ينسى المرتل موسى النبي الذي بروح الانسحاق صرف غضب الله عن الشعب، مُستعطِفًا الله عليهم. هكذا يعمل القائد التقي، فكم بالأكثر يعمل ابن الله مُحِب البشرية من أجل خلاص الشعب من الموت الأبدي. * لم يخشَ موسى عدل الله، الذي لا يمكن أن يمحو (اسمه)، طالبًا الرحمة لكي ينزع أسماء أولئك الذين بعدل تُمحَ أسماؤهم. هكذا وقف في الثغر قدامه ليصرف غضبه عن إتلافهم[20]. القديس أغسطينوس وَرَذَلُوا الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ. لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلِمَتِهِ [24]. * كيف أمكنهم أن يرذلوا ما لم يروه إلا حسبما أوضحت الكلمات التالي: "لم يؤمنوا بكلمته"... إنه يوبخ عدم إيمانهم، إذ لم يصدقوا كلمات الله، الذي كان يقودهم إلى أمور عظيمة (أورشليم) خلال أمورٍ صغرى (أرض الموعد)، ويسرع بهم ليباركهم بأمورٍ وقتية يتذوقونها جسديًا، ولم ينتظروا مشورته [13]، كما قيل قبلًا[21]. القديس أغسطينوس بَلْ تَمَرْمَرُوا فِي خِيَامِهِمْ. لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ [25]. إذ قدَّم الجواسيس تقريرًا عن الشعب الساكن في كنعان (عد 13) "رفعت كل الجماعة صوتها وصرخت، وبكى الشعب تلك الليلة، وتذمر على موسى وعلى هرون جميع بني إسرائيل... فقال بعضهم لبعض: نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر" (عد 14: 1-4). فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ، لِيُسْقِطَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ [26]. رفع اليد هنا للقسم (عد 14: 21-23، 28). وَلِيُسْقِطَ نَسْلَهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلِيُبَدِّدَهُمْ فِي الأَرَاضِي [27]. يقول المرتل: "ترجعنا إلى الوراء عن العدو، ومبغضونا نهبوا لأنفسهم. جعلتنا كالضأن أكلًا. ذريتنا بين الأمم. بعت شعبك بغير مالٍ، وما ربحت بثمنهم. تجعلنا عارًا عند جيراننا. هزأة وسخرية للذين حولنا" (مز 44: 10-13). وَتَعَلَّقُوا بِبَعْلِ فَغُورَ، وَأَكَلُوا ذَبَائِحَ الْمَوْتَى [28]. "بعل" اسم شائع لأغلب الآلهة الذكور عند الأمم في الشرق، كما أن "عشاروت" الاسم الشائع للآلهة الرئيسية عندهم للأنثى. يرتبط الاسم بالمكان، فبعل فغور يعني الإله بعل الذي على تل فعور. قدَّم بلعام ذبائح على مذابح هناك (عد 23: 28-30). :ذَبَائِحَ الْمَوْتَى": يُدْعَى يهوه الإله الحي، أما الأصنام فتُدعَى الآلهة الميتة. وَأَغَاظُوهُ بِأَعْمَالِهِمْ، فَاقْتَحَمَهُمُ الْوَبَأُ [29]. وُرد ذلك في عد 25: 1-3، حيث بدأ الشعب يزنون مع بنات موآب، وقامت بنات موآب يجذبهن لعبادة آلهتهن، وتعلَّق إسرائيل ببعل فغور. فَوَقَفَ فِينَحَاسُ وَدَانَ، فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ [30]. وردت قصة فينحاس في عد 25: 6-13. تبقى غيرة فينحاس الكاهن على قُدْسية الله في شعبه كما في مُقَدَّساته خالدة، تذكرها الأجيال، وتسجلها الأبدية. ففي وسط الظلمة الحالكة لن يُنسَى العمل المقدس والغيرة المقدسة. فَحُسِبَ لَهُ ذَلِكَ بِرًّا، إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ إِلَى الأَبَدِ [31]. ربما يتعجب أحد كيف يُحسَب ما فعله فينحاس برًّا، وقد قتل الكاهن والمرأة المديانية الزانية. كان هذا تحت قيادة روح الله، لأن قبول الكاهن الزواج بالوثنية والانحراف نحو العبادة الوثنية يفسد الجماعة كلها، ويدفعها لرفض الإيمان بالله أو العبادة للأصنام حتى في داخل هيكل الله. لم يُعْنِ هذا أن روح الله أمره بهذا، إنما قَبِلَ ما في قلبه من رغبة في السلوك بروح القداسة. * حسب الله هذا بالنسبة لكاهنه برًّا، ليس فقط مادام يوجد نسل، وإنما "إلى الأبد"، لأن ذاك الذي يعرف القلب، يعرف كيف يزنه بالحب نحو الشعب الذي فعل هذا[22]. القديس أغسطينوس * إن كان فينحاس بغيرته قتل صانع الشر، فهدَّأ غضب الله، أليس يسوع الذي لم يذبح آخر بل سلَّم نفسه فدية عن الجميع (1 تي 2: 6) قد رفع غضب الله ضد البشرية؟[23] القديس كيرلس الأورشليمي * إن كنا نتشكل بموته، فالخطية التي فينا بالتأكيد تصير جثة (هامدة)، مطعونة برمح المعمودية كما أن الزاني قد طُعِنَ بواسطة غيرة فينحاس[24]. العلامة أوريجينوس * الآن يقول بالنبي: "هذه هي راحتي، أعطوا راحة المتعبين" (إش 28: 12 LXX). هذه راحة الرب. آه أيها الإنسان سوف لا تحتاج إلى القول: "اِغفر لي"؛ أعطِ راحة للمتعبين، آزر المرضى، وأعطِ الفقراء، فإن هذه الأعمال هي حقيقة صلاة. كما سأشرح لك يا عزيزي، أنه في كل مرَّة تُمارِس راحة الرب هي صلاة. لأنه مكتوب أنه عندما زنا زمري مع المرأة المديانيَّة فلما رأى ذلك فينحاس بن ألعازار دخل وراء الرجل الإسرائيلي إلى القبَّة وطعن كليهما، الرجل الإسرائيلي والمرأة (عد 25: 6-8). هذا القتل اُعتبر كصلاة، لأن داود قال في المزمور: "فوقف فينحاس وصلَّى، فامتنع الوباء، فحُسب له برًا إلى دورٍ فدورٍ إلى الآن" (مز 106: 30-31)، لأن قتْلَهما كان لأجل الرب اعتُبر ذلك كصلاة له[25]. القديس أفراهاط الحكيم الفارسي وَأَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ، حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِمْ [32]. إن كان الله لا ينسى عمل فينحاس المملوء غيرة، فإنه أيضًا مع محبته العظيمة لموسى وهرون وتكريمه لهما، إذ فقدا حلمهما من شدة مقاومة الشعب لهما، حرمهما من دخول أرض الموعد بالجسد كدرسٍ عن عدم محاباة الله لأحدٍ ما (عد 20: 2-13). * عندما قاوموا موسى من أجل الماء في البرية، ومن كثرة إلحاحهم فرط بشفتيه، أي نطق بشفتيه بسخطٍ، وقال: "ألعلي من هذه الصخرة الصلبة أخرج لكم ماءً؟!" ولم يخدم ما أمر به الله بسكوتٍ كعادته السابقة، لأنهم أمرُّوا روحه. لأجل ذلك أدَّب الله موسى ووبخه، ومنعه من دخول أرض الموعد، وذلك للأسباب التالية: أولًا: ليُعَلِّمنا الحلم وعدم الغضب. ثانيًا: ألا نستصعب شيئًا على قدرة الله. ثالثًا: ليُعَرِّف ذلك الشعب الأحمق أن الله يقاصص بعدله، حتى يخافه أخص أحبائه. وأيضًا كان ذلك رمزًا أن الأرض التي هي ملكوت السماوات، لا يدخل إليها الشعب بشريعة موسى، بل بشريعة يسوع المسيح بالمعمودية. لأجل ذلك دبَّر الله أن يأتي بالإسرائيليين إلى أرض فلسطين يشوع بن نون، جائزًا بالأردن. ولذلك قال موسى لهم: أنا لا أدخل أرض الموعد من جراكم، وتوسلت إلى الله، فأجابني كفاك. الأب أنسيمُس الأورشليمي لأَنَّهُمْ أَمَرُّوا رُوحَهُ، حَتَّى فَرَطَ بِشَفَتَيْهِ [33]. * "لأنهم أمروا روحه حتى تكلم بشفتيه بشكٍ" ماذا قال بشكٍ؟ كما لو كان الله الذي صنع عجائب عظيمة من قبل لا يقدر أن يجعل المياه تفيض من صخرة. فقد لمس الصخرة بشكٍ، وبهذا اختلفت هذه المعجزة عن بقية المعجزات التي لم يشك فيها. بهذا عصى، واستحق أن يسمع أنه يموت بدون الدخول إلى أرض الموعد (تث 32: 49-52). لقد اضطرب بسبب تمرمر الشعب غير المؤمن، ولم يتمسك بالثقة التي اعتاد أن يكون عليها. ومع هذا فإن الله أعطاه كمختاره شهادة حسنة حتى بعد موته، حتى نرى أن هذا التردد في الإيمان قد عوقب عليه بهذا العقاب فقط ألا يُسمَح له بالدخول إلى الأرض مع كونه قائدًا للشعب[26]. القديس أغسطينوس * ليس من حاجة أن نخبر كيف أغضب موسى وهرون الله عند ماء مريبة، ولم يدخل أرض الميعاد (عد 20: 13). فيروي لنا أيوب الطوباوي أنه حتى الملائكة وكل خليقة يُمكن أن تخطئ[27]. القديس جيروم * تذمر الشعب لأنه لم يوجد ماء. مجرد قال موسى لشعبه: "أمن هذه الصخرة تخرج لكم ماء" (عد 20: 10) هكذا تردد على خفيف، ولكن من أجل هذا وحده، للحال استلم التهديد أنه لا يدخل أرض الموعد، التي كانت في ذلك الوقت رأس كل الوعود المُعطاة لليهود. عندما أرى هذا الإنسان يسأل ولا ينال صفحًا، عندما أراه لا يتأهل لنوال المغفرة من أجل هذه الكلمات القليلة بجانب أعمال برِّ كثيرة هكذا، بالحق أُدرك في كلمات الرسول صرامة الله (رو 11: 22). أُدرك تمامًا هذه الكلمات حقيقية: "إن كان البار بالجَهد يخلُص، فالفاجر والخاطئ أين يظهران" (1 بط 4: 18)[28]. القديس باسيليوس الكبير 5. عصيان في أرض الموعد حقق الله وعده مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، فأدخلَ الشعب أرض الموعد ليرثوها، فإذا بهم عِوَض الطاعة له عصوه، إذ فتحوا الباب للاختلاط بالوثنيين، واشتراكهم معهم في عبادة الأصنام، وتقديم بنيهم وبناتهم ذبائح للشيطان، كما سلكوا في الزنا والنجاسة. لَمْ يَسْتَأْصِلُوا الأُمَمَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الرَّبُّ عَنْهُمْ [34]. كان لدى إسرائيل استعداد عجيب للانحراف نحو العبادة الوثنية، فعبدوا العجل الذهبي بعد خروجهم من مصر، وكلما ارتبطوا بشعب ما يشاركونهم عبادة أصنامهم، لهذا كان الأمر صريحًا أن يستأصلوا الأمم في كنعان (تث 7: 1-5، 16، قض 2: 2). ومع هذا فقد أقاموا عهودًا مع الأمم الوثنية (يش 9: 3-15). * لم يكن هذا عن عدم شفقة منه، بل لئلا يدربوهم على عبادة الأصنام، ولئلا يتزوجوا ببناتهم، فيستميلوهم إلى كفرهن، ولا يذعنوا لأمر الله. الأب أنسيمُس الأورشليمي بَلِ اخْتَلَطُوا بِالأُمَمِ، وَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَهُمْ [35]. وَعَبَدُوا أَصْنَامَهُمْ، فَصَارَتْ لَهُمْ شَرَكًا [36]. إن كانت الخميرة تُخَمِّر العجين كله (1 كو 5: 6) والمعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة (1 كو 15: 33)، فكم بالأكثر إن دخل الشعب في علاقات زيجية وشركة في الرجاسات الدنسة وفي عبادة الأصنام مع شعب أو شعوب وثنية؟! وَذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ [37]. يرى البعض أن كلمة الأوثان هنا وهي في الجمع يُقصَد به الأرواح الشريرة، التي هي الملائكة الخاضعون للشيطان. كان بعض الأمم يُقَدِّمون الأطفال ذبائح للآلهة، فيُقَدِّم الأب أو الأم الطفل لكاهن الوثن، وهو بدوره يلقيه على تمثال معدني مُلْتَهِب نارًا كذبيحة، ويُسمى ذلك "الإجازة في النار". وقد جاءت الوصية الإلهية: "لا تُعْطِ من زرعك للإجازة لمولك لئلا تُدَنِّس اسم إلهك" (لا 18: 21). "لا تعمل هكذا للرب إلهك، لأنهم عملوا لآلهتهم كل رجسٍ لدى الرب مما يكرهه، إذ أحرقوا حتى بنيهم وبناتهم بالنار لآلتهم" (تث 12: 31). * تَحوَّل جنس البشر وصاروا يعبدون الشياطين، ويا للأسف فإن ثمار الأرض التي خلقها الله حسنة صارت تُقدَّم للشياطين. فإنهم يضعون على مذابحهم خبزًا وخمرًا وزيتًا، بل ويُقَدِّمون ذبائح الحيوانات أيضًا، وليس ذلك فقط بل صاروا يُقَدِّمون بنيهم وبناتهم ذبائح للشياطين (مز 106: 37)[29]. القديس مقاريوس الكبير وَأَهْرَقُوا دَمًا زَكِيًّا، دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمِ الَّذِينَ ذَبَحُوهُمْ لأَصْنَامِ كَنْعَانَ، وَتَدَنَّسَتِ الأَرْضُ بِالدِّمَاء [38]. وَتَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ، وَزَنُوا بِأَفْعَالِهِمْ [39]. لما كان الزنا يُعْتَبَر أبشع أنواع الدنس متى ارتَكَبَته ابنة أو زوجة، لهذا يحسب الكتاب المقدس الانحراف عن عبادة الله الحي إلى عبادة الأوثان زنا ونجاسة (مز 73: 27؛ خر 34: 15، 16) 6. تأديبات الرب ورحمته هذه العبارات تَخُص حال الشعب في فترة القضاة، إذ تعرَّضوا من وقت إلى آخر إلى الاستعباد لأمم محيطة بهم. كانوا يصرخون إلى الله، فيُرسِل لهم قضاة يُخَلِّصونهم. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَكَرِهَ مِيرَاثَهُ [40]. * اعتاد الكتاب المقدس أن ينسب إلى الله تعبيرات تبدو كأنها تُشْبِه التعبيرات الخاصة بنا. مثال ذلك: "فحمى غضب الرب..." (مز 106: 40) وأيضًا: "والرب ندم لأنه ملَّك شاول" (1 صم 15: 35)... بجانب هذا يشير إلى جلوسه وقيامه، وتَحَرُّكه وما أشبه ذلك[30]. القديس غريغوريوس النيسي وَأَسْلَمَهُمْ لِيَدِ الأُمَمِ وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُبْغِضُوهُمْ [41]. * كما أن الله لمَّا غضب على اليهود مرة سلَّم أورشليم إلى أعدائها، "وتسلط عليهم مبغضيهم" (مز 106: 41)، ولم يعد فيها بعد ذلك عيد ولا تقدمة. وهكذا أيضًا النفس البشرية التي غضب الله عليها بسبب عصيانها لوصيته، فسلمها لأعدائها، أي للشياطين والشهوات. وهكذا فحينما أغواها هؤلاء الأعداء أفسدوها تمامًا وأهلكوها، ولم يعد فيها أي عيد أو فرح، ولا يرتفع فيها بخور أو تقدمة لله. وعلاماتها وآثارها ضاعت، ونسيت في الشوارع، بينما تسكن فيها الوحوش المرعبة وأرواح الشر الخبيثة[31]. القديس مقاريوس الكبير * عندما ضُرب جليات بحجر، ضُرب بقوة المسيح. وفي أي جزء من الجسم ضُرب؟ على الجبهة، فإنه عندما ضُرب إنسان مُدَّنس للمقدسات هناك يكون المسيح غائبًا، وعندما تأتي عليه نهايته لا توجد علامة الخلاص. فمع كون جليات محميًا بالأسلحة من كل جانبٍ، لا تزال جبهته مُعَرَّضة للموت، لأنها لا تحمل عليها ختم المخلص، ولذلك ذُبح في الموضع الذي وُجِدَ خاليًا من نعمة الله[32]. مكسيموس أسقف تورين وَضَغَطَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ، فَذَلُّوا تَحْتَ يَدِهِمْ [42]. كانت الأمم الوثنية تحت سلطانهم، وكان يمكن عدم الشركة معهم، لكنهم إذ دخلوا في عهود من أجل لذة الشهوات أو المكاسب المادية، صارت هذه الأمم مُستعبِدة لهم وأذلتهم. بهذا ذاقوا مرارة الخطية والتهاون مع الشر. * كان ذلك بسماح من الله وتدبيره، ليبغضوهم ويكرهوا أوثانهم وأعمالهم، ويرجعوا إلى الله مُخَلِّصهم. الأب أنسيمُس الأورشليمي مَرَّاتٍ كَثِيرَةً أَنْقَذَهُمْ. أَمَّا هُمْ فَعَصُوهُ بِمَشُورَتِهِمْ، وَانْحَطُّوا بِإِثْمِهِمْ [43]. إذ يتهاون الإنسان مع الشر ويشترك مع الأشرار في شرهم يسمح الله للأشرار أنفسهم أن يقوموا بتأديبه، فإن تأديبهم مرعب وعنيف. هذا ما حدث حين سمح الله لأشور وبابل أن يسبيا إسرائيل ويهوذا. وهذا ما يسمح به حين نتهاون مع الخطية. * "أما هم فعصوه بمشورتهم". هذا ما قاله قبلًا "لم ينتظروا مشورته" [13]. الآن فإن مشورة الإنسان مُهْلِكة له، عندما يطلب ما هو لنفسه فقط، لا ما هو لله (في 2: 21)[33]. القديس أغسطينوس فَنَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ، إِذْ سَمِعَ صُرَاخَهُمْ [44]. يسمح الله أحيانًا للأشرار بتأديب أولاده، لكن الله كأب يتدخل في الوقت المناسب لينقذ أولاده الذين تحت التأديب. وَذَكَرَ لَهُمْ عَهْدَهُ، وَنَدِمَ حَسَبَ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ [45]. * "ندم" هنا تعني أنه كفّ عن ضربهم. الأب أنسيمُس الأورشليمي وَأَعْطَاهُمْ نِعْمَةً قُدَّامَ كُلِّ الَّذِينَ سَبُوهُمْ [46]. الله أب حتى حين يُؤَدِّب، يغضب لكي يُصلح، وإذ نستجيب للإصلاح يفتح أبواب مراحمه على مصارعيها. 7. توسل وتسبيح جاء التوسل هنا صلاة يُسَر الله بها، فمع الاعتراف بالخطايا تحمل الصلاة روح الرجاء في الخلاص والتسبيح لله كمخلصٍ. ينتهي المزمور بالتسبيح الجماعي لله، يُعتَبَر مجدلة يختم بها المرتل الكتاب الرابع من سفر المزامير. خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهُنَا، وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ، لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحِكَ [47]. سِر قبول اليهود ضد المسيح هو تفكيرهم المادي وتفسيرهم الحرفي للنبوات. وكما يقول القديس أغسطينوس: [يبدو لي أن الشعب الإسرائيلي الجسداني سيظن أن النبوة تتحقق (في ضد المسيح)، القائلة: "خلِّصنا أيها الرب إلهنا، واجمعنا من بين الأمم" (مز 106: 47). تتحقق تحت قيادته وأمام أعين أعدائهم المنظورين هؤلاء الذين سيأسرهم بطريقة منظورة ويقدم المجد المنظور[34].] * من يمكنهم أن يُجمَعوا من بين الأمم إن لم يخلصوا؟![35] القديس أغسطينوس مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: آمِينَ. هَلِّلُويَا [48]. ليتنا ننتهز كل فرصة لنشكر ونُسَبِّح الله، ونحث الآخرين للشركة معنا في التسبيح. من وحي المزمور 106 أُسَبِّحك يا غافر الخطايا * أعترف لك يا مخلصي بخطاياي، أكشف لك أعماقي، يا من تعرفها أكثر مني. أعترف لك إني خاطئ، محتاج إليك يا غافر الخطايا! لتكشف لي ذاتك، فأتلامس مع مراحمك الغزيرة. أنعم بها هنا، وأعيشها في السماء إلى الأبد. * أعمالك قديرة وعجيبة! تُحَوِّل قلبي من مزبلة إلى ملكوتك المُفْرِح. تُقيم من أعماقي عجبًا، فتشهد حياتي لخلاصك الفائق. وأصير تسبحة، تُنشد ألحان مراحمك. * حقًا من يقدر أن يشهد لك، إلا الذي يحفظ الحق الإنجيلي، ويمارس البرّ في كل حين. أنت هو الحق والبرّ، لأقتنيك في أعماقي، فأصير بالحق شاهدًا لأعمال حبك الإلهي! * ضمني إلى شعبك، فأصير عضوًا في جسدك. تعهدني بخلاصك، فأنت هو المخلص. أنت غافر الخطايا، وواهب الشفاء للنفوس. فتحفظ حقك، وتمارس برّك. * في غِنَى نعمتك تسكب السعادة والعذوبة على شعبك. تملأهم بالبهجة، فيتهللون. لستُ أطلب شيئًا عن استحقاق لي، لكنني أطلب من غِنَى مراحم، يا محبًا لشعبك! * أعترف لك إنني أخطأت مع بيت آبائي. هب لي أن ألمس حبك، وأتمتع بمراحمك. انتهرت البحر الأحمر، فأوجدت يابسًا وسط المياه، يَعْبُر به شعبك متهللًا، ويغرق فيه العدو، فلا يقوم! قل كلمة، فأعبر إليك وسط مياه العالم. ويسقط عدو الخير بكل جنوده وخططه. تتحول الضيقة إلى خلاص عجيب. عوض الآلام أتمتع بفرح التسبيح لك. * أمرتَ البحر بلغة لم يسمعها البشر، ولم يدركها أحد منهم. سمعتْ المياه صوتك فأطاعت، أما البشر فلم يسمعوا شيئًا! المياه التي بلا عقل ولا حِس سمعت وأطاعت. تحوَّلتْ اللجج العميقة إلى طريقٍ جافٍ. صارت الأعماق أشبه ببرية يعبر عليها الشعب! أنت إله المستحيلات، صانع العجائب لمختاريك! * قدَّمتَ لهم أكثر مما سألوا وفوق ما طلبوا. لكن في جحودهم تمردوا عليك، وقاوموا العظيم في الأنبياء موسى، ورئيس الكهنة هارون. * هب لي فهمًا، فأدرك أسرار حبك. وأدرك ما وراء معاملاتك مع شعبك. مبارك أنت يا رب إلى الأبد. آمين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|