|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 78 - تفسير سفر المزامير قصة تاريخيةهذا هو المزمور السابع الذي يحمل اسم آساف؛ وهو المزمور الأول من المزامير التاريخية (78، 105؛ 106؛ 135). يُعتبر أطول مزمور بعد المزمور 119 LXX). المزمور 78 يحول التاريخ إلى عظة عملية. يحث على تعليم شريعة الله والكرازة بها، لكي نتمتع بالقدوس ساكنًا فينا، كما يقدم درسًا في تمتع المؤمنين بالبركات، وسقوط العصاة تحت التأديب. والمزمور 105 يحول التاريخ إلى تسبحة ودعوة للفرح. وفي المزمور 106 يشير التاريخ إلى جحود الإنسان. ويحث المزمور 107 على رفض العبادة الوثنية وتمجيد الله. غايته 1. إن كان المزمور 119 قد أسهب في الحديث عن عمل كلمة الله في حياة المؤمنين، فإن هذا المزمور قد أسهب في الكشف عن الالتزام بتقديس النفس مسكنًا لكلمة الله حتى لا تُنتزع منها الحضرة الإلهية، كما حُرمت شيلوه من تابوت العهد، ونُقل منها إلى مدينة صهيون. 2. حث الشعب على أن يكون أمينًا لله، مقدمًا له من أحداث التاريخ دروسًا نافعة. فقد سرد المرتل تاريخ الشعب منذ كان في مصر حتى مجيء داود ملكًا. تكشف هذه الأحداث عن سلسلة من إحسانات الله التي تكشف عن شخصه، يقابلها الشعب بالجحود والعصيان، الأمر الذي يستوجب سقوطه تحت التأديب ليغفر الله له، ويقدم له إحسانات جديدة. 3. يكشف المزمور عن طبيعة الإنسان الجاحدة عبر كل العصور وتحت كل الظروف، فقد ملكت الخطية بالموت. لكن الله مخلصه لا يتركه، فاختار داود ملكًا ورمزًا لابن داود المخلص، هذا الذي يملك بالبرّ؛ لذا يختم المزمور بالقول: "فرعاهم حسب كمال قلْبه، وبمهارة يديْه هداهُمْ". واضع المزمور 1. يرى البعض أن الكاتب كان معاصرًا لداود النبي أو بعد نياحته مباشرة، لأنه توقف في سرد الأحداث التاريخية عند عصر داود النبي، كما أشار إلى نقل تابوت العهد من شيلوه [60]، إلى مدينة صهيون حيث "بنى مثل مرتفعات مقدسة" [69]. 2. ظن بعض الدارسين، مثل [1] Clarke، أن هذا المزمور قد وُضع بعد انقسام المملكة، بعد رحبعام الذي من سبط أفرايم وقبل السبي البابلي، معتمدين في ذلك على توجيه اللوم إلى أفرايم [9-11] الذي تزعم حركة التمرد والانقسام. لكن يعلل البعض ذكر أفرايم هنا كرمز لكل الأسباط بكونه أكثر الأسباط عددًا وأعظمه قوة، ولأن تابوت العهد كان محفوظًا في شيلوه، في حدود ذلك السبط في أيام القضاة. المناسبة يربط البعض بين هذا المزمور ونقل الخيمة من شيلوه التي في أرض أفرايم إلى صهيون في أرض يهوذا. فيحثنا على الحياة الإيمانية العملية حتى لا نُحرم من الحضرة الإلهية كما حدث مع شيلوه، بل نتقبل حضرته فينا، كأننا صهيون الروحية. لا نقف عند الشكليات، فنقول بغير توبة مع شيوخ إسرائيل: "لماذا كسرنا الرب أمام الفلسطينيين اليوم؟! لنأخذ لأنفسنا من شيلوه تابوت عهد الرب، فيدخل التابوت في وسطنا، ويخلصنا من أيدي أعدائنا (1 صم 3:4). لذلك يقول رب الجنود: "أصلحوا طريقكم وأعمالكم، فأسكنكم في هذا الموضع؛ لا تتكلوا على كلام الكذب، قائلين: هيكل الرب، هيكل الرب، هيكل الرب هو" (إر 3:7-4). "لكن اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلوه، الذي أسكنت فيه اسمي أولًا، وانظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي إسرائيل" (إر 12:7). المزمور 78 والعهد الجديد * اقتبس السيد المسيح عدد 2 من المزمور (مت 35:13)، مقدمًا معنى جديدًا له خلال أسرار الكلمة. * في 1 يو 1:1-4 يقدم لنا القديس يوحنا ما ورد في عدد 3، مذكرًا إيانا بضرورة التلاقي مع الكلمة الإلهي الذي نتلامس معه، فيصنع في حياتنا عجائب. * في 1 كو8:10 يشير إلى عدد 18، حيث يؤكد أنه لا يليق بنا أن نجرب الرب. * اقتبس القديس بطرس عدد 37 عندما وبخ سيمون الساحر الذي أراد أن يقتني مواهب الروح بالمال (أع 21:8). * يظهر عدد 44 في رؤيا 4:16 كملاكٍ رابع يسكب جام الغضب الثالث على الأرض. بروح المزمور نلاحظ أن لحظات الغضب يتبعها إعلان السماء الجديدة والأرض الجديدة (رؤ 1:21)[2]. أقسام المزمور يقدم لنا هذا المزمور قصيدة تعليمية عن تهيئة القلب لسكنى كلمة الله، ليصير مقدسًا له، مركزًا على معاملات الله عبر التاريخ. 1. الاستماع إلى الكلمة عبر الأجيال 1 - 8. 2. اختبارات البرية 9 -32. 3. تذمر الإنسان وتأديبه 33-37. 4. الرحمة وسط السخط 38-41. 5. خلاص من فرعون 42-51. 6. الدخول إلى أرض الموعد 52-55. 7. تدهور في عصر القضاة 56-58. 8. رفضه شيلوه 59-64. 9. قيام مملكة داود 65-72. من وحي مز 78 العنوان "قصيدة لآساف": سبق لنا الحديث عن آساف رئيس المسبحين أو المغنين. ربما وضع داود النبي كلمات المزمور، وقام آساف كرئيس المغنيين بتلحينه، فنُسب إليه. 1. الاستماع إلى الكلمة عبر الأجيال يبدأ المرتل حديثه بدعوة إلى الاستماع لصوت الرب على فمه، قائلًا: اِصْغَ يَا شَعْبِي إِلَى شَرِيعَتِي. أَمِيلُوا آذَانَكُمْ إِلَى كَلاَمِ فَمِي [1]. يرى القديس أغسطينوس أن المتحدث هنا هو الله، الذي يدعو الشعب شعبه، الشريعة شريعته. غير أن الكثير من الآباء والدارسين يرون أن المتحدث هنا هو المرتل نفسه. فبروح الحب يشعر ليس فقط الملوك (أو الرؤساء) والأنبياء والرسل أن شعب الله هو شعبهم، إنما كل مؤمنٍ يدعو المؤمنين "شعبي"، ناسبًا إياهم إليه، ونفسه إليهم. فمن حق الرأس أن تنسب كل عضو إليها، كما من حق كل عضو - مهما كان موضعه - أن يدعو بقية الأعضاء أعضاءه. لهذا حُسبت راعوث "مؤمنة" بقولها لحماتها نُعمى: "شعبك شعبي"، وفي حديث يفتاحمع رجال أفرايم، قال: "صاحب خصام شديد كنت أنا وشعبي مع بني عمون، وناديتكم فلم تخلصوني من يدهم" (قض 2:12). وحينما تحدث داود النبي عن اشتياقه نحو بناء بيت الرب قال: "اسمعوني يا إخوتي وشعبي" (1 أي 2:28). حسب المرتل شريعة الله شريعته، ينسبها إلى نفسه، بكونها رسالة شخصية مقدمة من الله للمؤمن، لهذا يقول الرسول: "إنجيلي" (رو 16:2؛ 25:16؛ 2 تي 8:2). إن كان الكاتب هو داود النبي، فإنه إذ يدعو شريعة الله "شريعتي" يعلن عن حبه الشديد للوصية الإلهية، يعتز بها وينسبها إلى نفسه. إنها ليست أمرًا مفروضًا عليه، بل هبة مقدمة من الله لتصير من خصوصياته التي يقتنيها لنفسه، ويعيشها بكامل إرادته. ولعله بقوله: "شريعتي" يؤكد أنه كنبي وملك يخضع للشريعة مثله مثل كل عضو في الجماعة المقدسة، أي أنه ليس فوق القانون الإلهي، بل خاضع له. يطلب من شعبه أن يميلوا بآذانهم، لا إلى بعض كلمات فمه، بل "إلى كلام فمي"، حاسبًا كل ما يصدر من فمه، إنما يطابق ناموس الرب. هكذا يتحول المؤمن بأفكاره وكلماته وأعماله إلى رسالة المسيح المكتوبة لا بحبرٍ بل بروح الله (2 كو 3:3). يمكن القول إن المتحدث هنا هو السيد المسيح ابن داود، فيوجه حديثه إلى شعبه الذي دعاه من الأمم، كما قيل في هوشع النبي: "سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة" (رو 25:9). يقدم لشعبه شريعته وكلام فمه، يتحدث معهم فمًا لفمٍ. كان مسيحنا يتحدث مع الجماهير بأمثالٍ وألغازٍ (مت 3:13؛ مر 23:3)، مفسرًا إياها لتلاميذه على انفراد، قائلًا لهم: "لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار ملكوت الله، وأما للباقين فبأمثال..." (لو 10:8). "أميلوا آذانكم إلى كلام فمي" [1]. جاء نفس هذا الفكر في عبارة إنجيلية: "من له أذنان للسمع فليسمع" (لو 8:8). * المخاطب هنا هو ربنا يسوع المسيح، لأنه أعطى الناموس. والمخاطبون هم الأمميون، ويدعوهم شعبه كما جاء في الأصحاح الثاني من نبوة زكريا النبي: "ترنمي وافرحي يا بنت صهيون، لأني هأنذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب. فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم، ويكونون لي شعبًا" (زك 2: 10- 11). وفي نبوة هوشع قال الله أدعو من ليس شعبي شعبي. الأب أنثيموس الأورشليمي هم علمونا رسالته - نحن أبناءهم - ونحن نعلمها لأبنائنا[3]. القديس جيروم * يحوي هذا المزمور أشياء قيل إنها تمت مع الشعب القديم، وتحمل نصيحة للشعب الجديد المتأخر كي يحذر من الجحود لبركات الله، ويحذر من غضبه، حتى يتقبلوا نعمته[4]. القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم أُذِيعُ أَلْغَازًا مُنْذُ الْقِدَمِ [2]. كلمة "مثل" في الأصل تعني "التحكم" أو "التسلط"، لأن الحديث بالأمثال له تأثيره وسلطانه على الفكر والنفس. أما الألغاز فتعني أن الحديث عميق للغاية وغامض، لا يدركه إلا من يحبه ويبحث فيه ويتلذذ به، كما قيل: "يسمعها الحكيم فيزداد علمًا، والفهيم يكتسب تدبيرًا، لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم" (أم 5:1-6). أما كلمة "أذيع" فتعني هنا "أفيض"، وكأن المرتل يمثل نهرًا يفيض بالأسرار الإلهية على النفوس التي تشتاق إلى المعرفة. يتحدث السيد المسيح بأمثال كما بألغاز أي بأسرارٍ إلهية فائقة وخفية، حتى من يطلبها يبحث فيها فيجد سؤل قلبه. يقولالقديس جيرومربما يسأل أحد: لماذا طبقَّ ما ورد عنها على شخص السيد المسيح؟ فيجيب بأنه يجب علينا كمسيحيين أن نصدق الإنجيليين، لأنهم طبقوه عليه. * "سأنطق بأسرارٍ منذ القدم"، لأن كلمة "أسرار" في النص العبري هي "الغاز". كل شيء قيل في لغزٍ، فلم يكذب في الكلمات نفسها بل (لم يفهموا) معانيها[6]. * ها أنتم ترون أن متى الإنجيلي قبل هذا العدد باسم المسيح (مت 34:13-35). عندما قدم الرب أنه يتكلم بأمثال تفوق إدراك الشعب، يقول إن هذا حدث ليتم الكتاب: "سأفتح بمثالٍ فمي، انطق بمكتوماتٍ منذ تأسيس العالم"[7]. القديس جيروم القديس إكليمنضس السكندري القديس أغسطينوس وَآبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا [3]. لا يقدم المرتل أوهامًا ولا اختراعات بشرية، إنما خبرة حياة عاشها هو وآباؤه من قبله كحياةٍ معاشةٍ مُسلمة خلال التاريخ والتقليد الحيّ. أعمال الله العجيبة التي اخبرنا بها آباؤنا هي الخليقة التي أبدعها الله لأجلنا. هذا عن الأمور الملموسة، لكن ما يهتم به هنا المرتل -في رأي القديس أغسطينوس- أن ما حدثنا عنه آباؤنا في العهد القديم قد تحقق في العهد الجديد. تحققت الوعود الإلهية. بمجيء السيد المسيح المخلص. * البداية (منذ القدم) هو العهد القديم، والنهاية هي العهد الجديد. يسود الخوف في الناموس (مز 111: 10). وغاية (نهاية) الناموس هي المسيح للبرّ لكل من يؤمن (مز 10: 4). هذا الذي يهب المحبة المنسكبة في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا (رو 5: 5). القديس أغسطينوس مُخْبِرِينَ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ وَقُوَّتِهِ وَعَجَائِبِهِ الَّتِي صَنَعَ [4]. ماذا قدم المرتل لشعبه؟ إنهم يخبرون بتسابيح الرب وقوته وعجائبه. غالبًا ما ينشغل الإنسان بالعجائب التي يُبهر بها، ثم بقوة الرب، وأخيرًا بتسابيحه، لكن المرتل يضع التسابيح أولًا ثم قوة الرب، فعجائبه. فإن أهم ما يقدمه المؤمنون لأبنائهم هو روح التسبيح والفرح، لتنعم الأجيال الجديدة بخبرة الحياة السماوية المتهللة، عندئذ تدرك قوة الله، وتؤمن بعجائبه الفائقة. يرى المرتل أن أول ما يقدمه الشعب للأجيال المقبلة هو التسبيح والفرح بالرب. هذا هو التسليم الكنسي الحيّ، إذ ينقل الجيل الحاضر أيقونة السماء لجيل المقبل. لا يقف الأمر عند الحديث عن أعمال الرب خاصة التي تمس خلاص البشرية، وإنما أن يتمتع الجيل الجديد بعربون السماء والشركة مع السمائيين في تسابيحهم. ما قدمه آباؤنا لنا كتقليدٍ حيَّ، أي كإيمانٍ مترجم في أفكارنا ومشاعرنا وكلماتنا وأعمالنا يلزم تسليمه لأولادنا بذات الروح الحيَّ. هذه هي شهادتنا للأجيال، لا بوجود خيمة الشهادة في وسطنا، حيث نقلها داود إلى مدينته، بل بإعلان سكنى الله في قلوبنا وحلوله وسط شعبه. هذا هو التقليد الذي نسلمه. * إن آباءنا - حسب ما أمرهم الرب الإله - لم يخفوا شيئًا عن أولادهم الذين أتوا بعدهم بجيلٍ آخر، لكنهم أخبروهم بجميع ما صنع الرب مما يوجب له السبح والحمد دائمًا. أنثيموس أسقف أورشليم القديس يوحنا الذهبي الفم وَوَضَعَ شَرِيعَته فِي إِسْرَائِيلَ، الَّتِي أَوْصَى آبَاءَنَا أَنْ يُعَرِّفُوا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ [5]. هذا هو عمل كنيسة الله (يعقوب الجديد أو إسرائيل)، ألا وهو الشهادة للحق الإلهي، شهادة أمام العالم لخلاصه، شهادة عبر الأجيال. يقول أنثيموس أسقف أورشليم إن الله قدم شريعته والخيمة وتابوت العهد كشهادة ليحفظوا ميثاقه، لكن إذ كسروا العهد، قدم جسد ابنه الوحيد ودمه شهادة حية في كنيسته. المؤمن الحقيقي يشبه شمعة تشهد للنور الإلهي بالنور المتقد فيها حتى النهاية، لكنها لكي تحتفظ به، يليق بها أن تشعل شموعًا حولها، وهكذا يبقى النور الإلهي عاملًا في شموعٍ كثيرة، فلا ينطفئ قط. من يحتفظ بالنور دون تسليمه لشمعة أخرى ينتهي حتمًا ويفقد النور. خلال الإيمان الحي والميلاد الروحي والإفخارستيا صار لنا شهادة حيَّة عن عمل الله المملوء حبًا نحو البشرية كلها، أما غاية هذه الشهادة فهي بعث روح الرجاء فيهم، فيعتمدون على الله مخلصهم، لا على الأذرع البشرية. يقول القديس أغسطينوس إن المرتل كعادته يكرر. هنا يعلن أن الله أقام شريعته في يعقوب، ثم يكرر بأنها "في إسرائيل. استخدم "يعقوب" أولًا الذي تعقب أخاه عيسو واحتل مكانه (كبكرٍ)، واستخدم "إسرائيل"، لأنه تمتع برؤية الله. وكأنه يليق بنا كإسرائيل الجديد أن نجاهد مع يعقوب لننعم بالعضوية في كنيسة الأبكار، وإن نصير بالحق إسرائيل الجديد نتمتع برؤية الله. هذا هو هدف شريعة الله: العضوية الكنسية السماوية ورؤية الله. يقول أيضًا إن الله أقام شهادة العهد القديم (النبوات والرموز) مغطاة، ولم يقدمها مكشوفة بدون حجاب، لكن إذ نعبر إلى المسيح يُرفع الحجاب كقول الرسول (2 كو 3: 16). فإن مواعيد الله فيها الآمين (2 كو 1: 20). * من يلتصق بالمسيح له كل الخيرات حتى التي لا يدركها خلال حرف الناموس، أما من يتغرب عن المسيح فلا يدرك كما لا ينعم بالشريعة التي في إسرائيل؟ القديس أغسطينوس بَنُونَ يُولَدُونَ فَيَقُومُونَ، وَيُخْبِرُونَ أَبْنَاءَهُمْ [6]. هذه هي رسالة المؤمنين أن يسلم كل جيل الجيل الجديد كلمات الحب الإلهي ووعوده وأعماله. وكما قال الرب لأبينا إبراهيم: "لأني عرفته لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب" (تك 18: 19). كما قيل "روحي الذي عليك، وكلامي الذي وضعته في فمك، لا يزول من فمك، ولا من فم نسلك، ولا من فم نسل نسلك، قال الرب من الآن وإلى الأبد" (إش 59: 21). هذا هو التسليم أو التقليد الحي الذي تلتزم به كنيسة المسيح، وكل أسرة، كما كل مؤمن حقيقيٍ. يتطلع رئيس الأساقفة القديس يوحنا الذهبي الفم إلى دور الآباء في تربية أطفالهم أنه عمل مقدس، يمارسه الآباء ليقدموا لله ذبائح شكر موضع سروره وبهجته. يؤكد أنه لا يطلب أن يمارس كل طفلٍ الحياة الرهبانية أو أن يُعد لها، إنما يعلم الآباء أبناءهم أن "يكونوا وقورين من شبابهم المبكر. * هذا الالتزام يخص الآباء كما الأمهات أيضًا. يوجد آباء يضحون بكل شيء لكي يؤَّمنون لأطفالهم معلمين للتمتع بالملذات ويجعلون منهم ورثة أغنياء. أما أن يصير الأولاد مسيحيين ويمارسون التقوى، فلا يبالون كثيرًا بهذا. يا للعمى الذي يُحسب جريمة! إنه إهمال سخيف مسئول عن الارتباك الذي يجعل المجتمع في مرارةٍ. لنفترض أنك تُعد لهم ممتلكات عظيمة. فإنهم إن كانوا يجهلون كيف يسلكون في حياتهم، فحتمًا لن تدوم هذه الممتلكات معهم. إنها ستتبدد، وتهلك مع أصحابها، ويصير ميراثًا غاية في الخطورة![10] القديس يوحنا الذهبي الفم فَيَجْعَلُونَ عَلَى اللّهِ اعْتِمَادَهُم، وَلاَ يَنْسُونَ أَعْمَالَ اللهِ، بَلْ يَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ [7]. إنه ليس تسليمًا شكليًا، ولا يصدر عن تعصبٍ، وإنما غايته أن يمتلئ الجيل الجديد بروح الرجاء في الرب، ويثقون فيه، ولا ينسون معاملاته مع آبائهم، ويحفظون وصاياه. بهذا يصير الإيمان خبرة عملية مع الله تعيشها الأجيال لحساب مجد الله، وانتشار ملكوته. وَلاَ يَكُونُونَ مِثْلَ آبَائِهِمْ جِيلًا زَائِغًا وَمَارِدًا، جِيلًا لَمْ يُثَبِّتْ قَلْبَهُ، وَلَمْ تَكُنْ رُوحُهُ أَمِينَةً لله [8]. يشتاق المرتل أن يرى في العهد الجديد أولئك الذين يدركون ما وراء النبوات والأمثال والألغاز، فيتمتعون بما لم يتمتع به جيل العهد القديم، وذلك بعمل السيد المسيح الخلاصي، وعمل الروح القدس وقيادته لهم. غاية الشهادة هي الرجاء في الرب بكل القلب في أمانةٍ وطاعةٍ دون عصيان أو تذمر، متذكرين أعمال الله، وحافظين وصاياه. بهذا لا يفعلون ما فعله الشعب في البرية حيث ارتكبوا أربع خطايا رئيسية: * كان جيلًا زائغًا، أي مرتدًا عن الإيمان (حيث عبدوا العجل الذهبي)، انحرفوا عن إيمان أبيهم إبراهيم الذي دخل مع الله في عهدٍ. * كان جيلًا مَارِدًا، أي متذمرًا. * لم يثبت قلبه، إذ يحمل روح الخيانة، ففكروا في قتل موسى وهرون، لذا عجز عن أن يطلب الله. * لم تكن روحه أمينة لله، إذ كانوا يسلكون برياءٍ، فكانوا كمن هم في مهب الريح أو من تقصفه العواصف، وتحركه الأمواج بلا هدف. يرى القديس جيروم أن الجيل الذي خرج من مصر حمل أربع سمات وهي: ضياع الهدف، والتجديف على الخالق، والمقاومة أو التمرد، ثم رفض عمل الله، إذ لم يتقبل عمل روح الله فيه. * لماذا يقول النبي "زائغًا"؟ لأن ذاك الجيل صار قوسًا يصوب هدفًا باطلًا، لأن القوس لا يُصوب قط ضد من يضرب السهم، بل ضد الأعداء. فمع أن هذا الجيل قد خلقه الله صالحًا، وأمسك به في يده كقوسٍ يضرب أسهمه، لكنه أُسيء توجيهه مثل قوسٍ غادرٍ (مز 57:78)، إذ يجدف على خالقه. "جيل لم يثبت قلبه"، فإلى هذا اليوم إسرائيل مقاوم. "لم تكن روحه أمينة لله"، لأن إسرائيل لم يقبل هذا الابن؛ إسرائيل لم يقبل الروح القدس[11]. القديس جيروم * الرب غير مقتنع بالإيمان الداخلي وحده، إنما يسألنا الاعتراف الظاهر، حاثًا إيَّانا علي الثقة والحب العظيم. ولما كان هذا نافعًا للجميع قال: "كل من اعترف بي..."[13] * من يؤمن يحتمل الكثير، فإن إيمان الإنسان يظهر خلال أعماله. لهذا بحق يُقال أن الإيمان ليس أمرًا مجردًا، وإنما يعلن خلال أعمالكم وثباتكم وغيرتكم[14]. * مادامت عطيّة الله تفوق الإدراك تمامًا فمن المنطق أننا نحتاج إلى الإيمان... عدم الإيمان هوّة سحيقة، أمّا الإيمان فحصن حصين... إننا نستضيف برقةٍ أم كل البركات، وهو الإيمان، لكي نكون كمن هم يسيرون في ميناء هادئ مستقر تمامًا، محافظين على إيماننا الأرثوذكسي، فنقود سفينتنا باستقامة، ونحظى بالبركات بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا يسوع المسيح[15]. * الإيمان سراج، وكما ينير السراج البيت هكذا ينير الإيمان النفس.. الإيمان هو نور النفس، طريق الحياة، أساس الخلاص الأبدي[16]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس 2. اختبارات البرية بَنُو أَفْرَايِمَ النَّازِعُونَ فِي الْقَوْسِ، الرَّامُونَ انْقَلَبُوا فِي يَوْمِ الْحَرْبِ [9]. إذ دعاهم المرتل للاستماع، قدم لهم خبرات آبائهم عبر التاريخ، فبدأ بمعاملات الله معهم خلال البرية، في طريق جهادهم بعد الخروج من مصر، منطلقين نحو أرض الموعد. تحدث عن موقف أفرايم المتسم بكثرة العدد مع القوة، كيف انهزم في الحرب لعدم حفظه عهد الله، وعدم سلوكه في الوصية الإلهية مع نسيانه عمل الله وعجائبه. يرى القديس أثناسيوسأن النبي يقصد بأفرايم كل الإسرائيليين، وهكذا يرى أغلب الشرَّاح. ربما يشير هنا إلى الهزيمة التي لحقت بهم في أيام عالي الكاهن (1 صم 10:4-11). * كان بنو أفرايم أشد قوة من غيرهم وكانت حذاقتهم وشهامتهم في الحروب زائدة. لكنهم لعدم شكرهم لله الذي قواهم ودبرَّهم ارتخوا وانهزموا في يوم الحرب. هؤلاء قبل غيرهم سباهم أهل بابل (أشور) من بلاد السامرة. لأنه قد كثر فيهم من يعبد الأصنام، وصاروا سبب هلاك وكفر للإسرائيليين. الأب أنثيموس الأورشليمي * إذ كانوا يسعون في أثر ناموس البرّ لم يدركوا ناموس البرّ (رو 9: 31). لماذا؟ لأنهم لم يكونوا في الإيمان. لأنهم كانوا جيلًا روحه لا يثق في الله. إنما يمكن القول إنهم كانوا جيل أعمال (الناموس). فإنهم إذ انحنوا وصوَّبوا القسي التي هي الأعمال الخارجية، كأعمال الناموس، لم يقودوا قلوبهم أيضًا، الأمر الذي يحياه البار بالإيمان العامل بالمحبة. الذي به يلتصق البشر بالله لكي يريدوا ويعملوا حسب المسرة (رو 1: 17؛ غل 5: 6؛ في 2: 13). القديس أغسطينوس نظم بنو أفرايم درجات من رجال القوس... لكنهم انهزموا في يوم المعركة. إنهم لا يعرفون ذاك القائل: "سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم” (يو 27:14)، بل لا يعرفون كيف يتكلمون ببلاغةٍ. ينطقون بالكلمات بإسهاب، لكن فليحذروا من هذه الكلمات: "شتت الشعوب الذين يسرون بالقتال" (مز31:67)[18]. القديس جيروم وَأَبُوا السُّلُوكَ فِي شَرِيعَتِه [10]. أخرجهم الرب من أرض العبودية ليقيم معهم عهدًا، ويدخل بهم إلى أرض الموعد، كرمزٍ للدخول إلى كنعان السماوية، لكنهم كسروا العهد، وعجزوا عن تقديم شهادة حية عنه. بالرغم من تعهدهم: "كل ما تكلم به الرب نفعل". استسلموا للعبادة الوثنية ورجاساتها، وتمردوا على شريعة الرب، وعصوا وصيته. شهد الأنبياء أنفسهم كيف عاش إسرائيل عبر التاريخ كاسرًا للعهد الإلهي. يرى القديس أغسطينوسأن قول المرتل: "انقلبوا في الحرب" [9] قد فُسر هنا بالقول: "لم يحفظوا عهد الله، وأبوا السلوك في شريعته" [10]. انقلابهم في الحرب الروحية هو عصيانهم للرب وعدم حفظهم للعهد المبرم معه. من يثق في الله يحفظ العهد بأمانة. الله مستقيم ومن يلتصق به يسلك باستقامة، ويكون قلبه مستقيمًا، أما من يعصاه فيسلك بالتواء وانحراف. وَنَسُوا أَفْعَالَهُ وَعَجَائِبَهُ الَّتِي أَرَاهُمْ [11]. أساس النكث بالعهد وعصيان الوصية الإلهية هو نسيان إحسانات الله وعجائبه معهم ومع آبائهم. لذلك كثيرًا ما يحذرنا الكتاب من النسيان. "إنما احترز وأحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت عيناك ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك وعلمها أولادك وأولاد أولادك" (تث 4: 9). "فاحترز لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية" (تث 6: 12). "احترز من إن تنسى الرب إلهك ولا تحفظ وصاياه وأحكامه وفرائضه التي انأ أوصيك بها اليوم" (تث 8: 11). "يرتفع قلبك وتنسى الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية" (تث 8: 14). "فمتى أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك حولك في الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا لكي تمتلكها تمحو ذكر عماليق من تحت السماء، لا تنسى" (تث 25: 19). "هل تنسى عذراء زينتها أو عروس مناطقها؟ أما شعبي فقد نسيني أيامًا بلا عدد" (إر 2: 32). * ينسى الهراطقة أباهم وأعماله العجيبة في أرض مصر، في ظلمة هذا العالم، قد نسوا كيف بخلاصه وُلدوا من جديد في الكنيسة. وبعد ولادتهم الجديدة لم تشبعهم الكنيسة[19].القديس جيروم يرى البعض أن صوعن كانت مدينة رئيسية في مصر، أقام فيها فرعون بلاطه الملكي. تعددت أسماؤها في عصور مختلفة. أشهر أسمائها أطلقه عليها الإغريق "تانيس". تقع على الفرع الشرقي للنيل في الدلتا، تبعد حوالي ثمانية عشر ميلًا جنوب شرقي دمياط. لا تزال أثارها في قرية صا الحجر. دعا المرتل موسى وهرون وشيوخ إسرائيل "آباءهم". لقد صنع الله أعجوبة في تانيس عاصمة مصر، حين أخرج شعبه بيدٍ قويةٍ وذراعٍ رفيعة. هذه الأعجوبة كانت رمزًا لعملٍ أعظم ألا وهو نزول كلمة الله ليهبنا البنوة للآب، فنجد لنا أبًا سماويًا، خلال هذه البنوة نعبر إلى السماء عينها. يقول السيد: "لا تدعوا لكم أبًا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات" (مت 23: 9). خلال هذه الأبوة السماوية، نسمع أيضًا رسوله يقول: "لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل" (ذ كو 4: 14). هذه البنوة الروحية في الرب تحمل سمة سماوية، وتمس خلاص المؤمنين خلال المسيح مخلص العالم! إنها ليست بديلًا عن البنوة للآب، ولا عائقًا عن التمتع بها، لكنها ثمرة روحية لها. شَقَّ الْبَحْرَ فَعَبَّرَهُمْ، وَنَصَبَ الْمِيَاهَ كَنَدٍّ [13]. تراجعت مياه البحر الأحمر ومياه الأردن وانفتح للإسرائيليين طريق يابس وسط البحر والنهر، بينما وقفت المياه أشبه بكومةٍ جامدةٍ مثل جبلٍ. قيل: "بريح أنفك تراكمت المياه؛ انتصبت المجاري كرابية. تجمدت اللجج في قلب البحر" (خر 15: 8). كما قيل: "إن مياه الأردن، المياه المنحدرة من فوق تنفلق وتقف ندًا واحدًا" (يش 3: 13). سار الرب على البحر، وهدَّأ الأمواج وعبَّرنا. إلى هذا اليوم أيها المؤمن الأمين عندما تُقاد من مصر يُشق البحر وتعبر. يرى القديس أغسطينوس أن الله أوقف المياه وأغلق عليها إشارة إلى وقف الشهوات الجسدية وإبطال عملها الفاسد في حياتنا، حتى يعبر المؤمنون في سلام خلال المعمودية. * بذراعه الإلهية الرفيعة شق البحر وصنع أسورًا بلورية من كل جانب حتى لا تنزل قطرة ماء عليهم حتى يعبروا[20]. القديس جيروم وَاللَّيْلَ كُلَّهُ بِنُورِ نَارٍ [14]. يرى البعض أن الله كان يظهر كعمود في وسط السحاب يرتفع نحو السماء علامة حضوره في وسطهم، واهتمامه ورعايته لهم. كما كان كعمود نور بالليل. يبدو أن هذا العمود الذي انتقل بالليل إلى ورائهم ليحجز بينهم وبين عسكر المصريين، كان ينير للإسرائيليين بينما حلت الظلمة بالعسكر (خر 14: 19- 20). يسلك المؤمن في هذا العالم كما قي نهارٍ منيرٍ بعمل شمس البرّ في حياته، هذا الذي يظلله كسحابةٍ، فلا تحرقه التجارب، ويأتي يوم الرب العظيم ليُعلَن بهاؤه ولا يحترق مع الأشرار. يا له من قولٍ رائعٍ "نهارًا"، لأن السحابة لم تكن قط في ظلمة، بل كانت نورًا. هكذا كان الله بالنسبة لشعبه سحابة في النهار تحميهم من ضربات شمس التجارب، لكنها لا تدخل بهم إلى الظلمة، ونور نارٍ بالليل يكشف لهم الطريق ويقودهم إلى نوره الأبدي، ويكون سور نارٍ يحميهم (زك 5:2) من سهام العدو النارية. * الرب راكب على سحابة خفيفة في طريقه إلى مصر (إش 1:19). يلزمنا أن نفكر في هذه السحابة الخفيفة التي تناسب جسد المخلص، لأن جسده كان خفيفًا، لم يتثقل بأية خطية، أو بالتأكيد القديسة مريم التي حملت طفلًا بغير زرع بشرٍ. هوذا الرب يدخل مصر هذا العالم على سحابة خفيفة، أي البتول[21]. * هوذا الرب يدخل مصر هذا العالم على سحابةٍ خفيفةٍ، العذراء. "هداهم بالسحاب نهارًا" (مز 78: 14). في إبداع قال "نهارًا"، لأن السحابة لم تكن قط مظلمة، بل دومًا منيرة. "والليل كله بنور نارٍ" (مز 78: 14). بالنسبة لك الظلمة ذاتها ليست مظلمة، والليل يشرق كالنهار (مز 139: 12). "الليل كله بنور نارٍ". الرب إلهنا نار آكلة... لم يقل المرتل ما إذا كانت النار آكلة، تاركًا ذلك لذكائنا[22]. * الرب إلهكم نار آكلة (تث 24:4؛ عب 29:12)... الذين يبنون خشبًا وقشًا وعشبًا على أساس المسيح (1 كو 12:3) يكون الرب بالنسبة لهم نارًا آكله. للنار طبيعة مزدوجة: تعطى نورًا وتحرق. إن كنا خطاة تحرق، إن كنا أبرارًا تضيء لنا[23]. القديس جيروم وَسَقَاهُمْ كَأَنَّهُ مِنْ لُجَجٍ عَظِيمَةٍ [15]. هنا لم يقل "الصخرة" بكونها رمز السيد المسيح، بل "صخورًا"، لعله يعني بها المؤمنين الذين كانت قلوبهم قبلًا قد تحجرت وجفت، تفجرت فيها ينابيع حياة خلال الصليب، لا لترتوي فقط، وإنما لكي تفيض على الآخرين. أَخْرَجَ مَجَارِيَ مِنْ صَخْرَةٍ، وَأَجْرَى مِيَاهًا كَالأَنْهَارِ [16]. قيل بإشعياء النبي: "أفتح على الهضاب أنهارًا، وفي وسط البقاع ينابيع. أجعل القفر أجمة ماء، والأرض اليابسة مفاجر مياه" (إش 41: 18). "أجعل في البرية طريقًا، في القفر أنهارًا" (إش 43: 19) بالسيد المسيح الصخرة التي ضربت بالصليب، تمتعنا بمجاري روح الله القدوس واهب الحياة. * ضُربت الصخرة في البرية من أجلنا. ضُربت الصخرة وتفجر ماء، تلك الصخرة التي تقول: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب" (يو 37:7-38). وفي داخله تجري أنهار... في البرية حيث لا يوجد ماء فاض لنا ماء بغزارةٍ[24]. القديس جيروم لِعِصْيَانِ الْعَلِيِّ فِي الأَرْضِ النَّاشِفَةِ [17]. يشير هنا إلى ما حدث في رفيديم، حيث لم يكن ماء ليشرب الشعب. "فخاصم الشعب موسى، وقالوا: أعطونا ماء لنشرب. فقال لهم موسى: لماذا تخاصمونني؟ لماذا تجربون الرب؟" (خر 17: 2) كلمة "عادوا" تشير إلى تكرار العصيان. والعجيب أنه قدر ما اهتم الله بهم، وقدم لهم فوق احتياجاتهم، صانعًا عجائب أذهلت الأمم المحيطة بهم إلى أجيال طويلة، كانوا يخطئون إليه ويعصونه. لقد دخل بهم إلى "الأرض الناشفة"، أي إلى البرية، حيث لا توجد أية إمكانيات للحياة في ذلك الحين، فيلجأوا إليه. لم يتركهم معتازين شيئًا، وبقدر ما أفاض عليهم من العطايا، أفاضوا هم من قلوبهم شرورًا ومقاومة للحق. وهبهم الله مجاري مياه كالأنهار لكي ترتوي بطونهم العطشى، أما قلوبهم وأفكارهم فرفضت مياه الروح، وبقيت جافة كأرضٍ ناشفة بلا ثمر. وَجَرَّبُوا اللهَ فِي قُلُوبِهِمْ، بِسُؤَالِهِمْ طَعَامًا لِشَهْوَتِهِمْ [18]. شتان بين أن يطلب الإنسان طعامًا وهو جائع، وبين أن يقف كمن في تحدٍ مع الله، يود أن يقدم الله دليلًا على حضوره وقوته ورعايته. إنه يُسر أن نطلب منه حتى احتياجاتنا المادية، لكن دون أن نجربه في قلوبنا، أي أن نطلب الطعام لا لنتقوت ونتنفس ونعمل، وإنما لأجل إشباع اللذة والشهوة. قيل: "فعاد بنو إسرائيل أيضًا وبكوا وقالوا: من يُطعمنا لحمًا. قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن" (عد 11: 4- 6). ليس من حق الخليقة أن تجرب خالقها، لكن الله في حبه للإنسان قدم له الحرية، فأساء استخدامها. لقد جرَّب خالقه! * السؤال بإيمان شيء، والسؤال ليجرب (الله) شيء آخر... إنهم لم يطلبوا طعامًا لأنفسهم بإيمانٍ. لم يفعل يعقوب الرسول هكذا حين أمر بطلب طعام للعقل، إنما نصح أن يُطلب هذا بواسطة مؤمنين وليس لتجربة الله والافتراء عليه. "إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير، فسيُعطى له، ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة" (يع 1: 5-6). لم يكن لهذا الجيل هذا الإيمان ليوجه قلوبهم وأرواحهم التي لم تثق في الله. القديس أغسطينوس الأب أنثيموس الأورشليمي هَلْ يَقْدِرُ اللهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي الْبَرِّيَّةِ؟ [19] هُوَذَا ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَجَرَتِ الْمِيَاهُ وَفَاضَتِ الأَوْدِيَةُ. هَلْ يَقْدِرُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا، أَوْ يُهَيِّئَ لَحْمًا لِشَعْبِهِ؟ [20] أعطاهم الله مياهًا بفيض، فصاروا يجربونه في قلوبهم إن كان يقدر أن يقدم لهم مائدة من اللحم عوض المن النازل من السماء. عوض أن يشكروه ويسبحوه على المن اليومي والصخرة التي كانت تتبعهم لتفيض عليهم ينبوع مياه جارية متجددة، جربوا الرب، فطلبوا لحمًا كشهوة للذة عوض المن النافع واللذيذ. إنه لم يتركهم جائعين، لكنهم طلبوا ما يشبع شهواتهم، وفي عدم إيمان، ظنوا أن الذي قدم لهم المن والماء لا يقدر أن يقدم لهم مائدة حسب رغباتهم الغبية. لقد أهانوا قدرة الله، وأساءوا إلى عنايته الإلهية. لم ينكروا ما يصنعه معهم من عجائب ترافقهم، لكن عدم الإيمان سيطر على قلوبهم وأفكارهم. لِذَلِكَ سَمِعَ الرَّبُّ فَغَضِبَ، وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي يَعْقُوبَ، وَسَخَطٌ أَيْضًا صَعِدَ عَلَى إِسْرَائِيلَ [21]. "سمع الرب فغضب"، وكأن غضبه لا يقوم بلا سبب، إنما هو فاحص الخفيات وعارف ما يدور في القلوب والأخطار والكلى، له معرفة كاملة عن أخطائهم. كثيرًا ما تشير النار إلى الغضب الإلهي في العهدين: القديم والجديد. إذ قيل: "يمطر على الأشرار فخاخًا نارًا وكبريتًا" (مز 11: 6). وأيضًا: "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقى في النار" (مت 3: 10). يبدو أن البعض قالوا أن أمر إخراج الماء من الصخرة سهل، لأن الماء في باطن الأرض، لكن من أين يأتي بالطعام ليُعد مائدة لشعبه الجائع. إذ طلبوا من الله طعامًا، ليس في إيمان بعمله ومحبته، وإنما في استخفافٍ به ولتجربته، التهبت فيهم نيران الغضب الإلهي، وحلّ عليهم سخطه كثمرة طبيعية لعملهم، وليس كراهية منه. فكما رأينا في كتاب "الحب الأخوي" أن الله ليس فيه انفعالات غضب أو سخط، إنما نطلق هذا على من يعتزل الله ويرفض حب الله، فيلقي نفسه بنفسه في فساد الخطية، ويُحسب كمن حلّ عليه الغضب. لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ، وَلَمْ يَتَّكِلُوا عَلَى خَلاَصِهِ [22]. خطية العالم العظمى في كل العصور هي عدم الإيمان بقدرة الله وصلاحه وعنايته. بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه أو التمتع بالمسرة بالله. من لا يؤمن لا يثق في الله، ولا يمكن أن يسره. إذ كان الله حالًا في وسطهم يرعاهم كأبٍ قديرٍ وحكيمٍ يهتم بأبنائه حسب كلمات قلوبهم هذه إهانة وتجديف موجه ضده، لهذا غضب واشتعلت نيران غضبه وسخطه لا للانتقام، وإنما لفقدانهم الإيمان وعدم تمتعهم بخلاصه المجاني. خطيتهم هي "عدم الإيمان"، مع أنه كان ملموسًا بأعمال حبه وعجائبه معهم، وعدم رجائهم (اتكالهم) في خلاصه. يقول القديس أغسطينوس: عندما سُئل المرتل لماذا حلت بهم نيران الغضب والسخط، كانت الإجابة: لعدم الإيمان والرجاء في الله! فَأَمَرَ السَّحَابَ مِنْ فَوْقُ، وَفَتَحَ مَصَارِيعَ السَّمَاوَاتِ [23]. إن كانوا قد أغلقوا على أنفسهم بعدم إيمانهم وفقدانهم الرجاء في الله، فإن الله من جانبه في طول أناته ومحبته أمر السحاب للعمل لحسابهم، وفتح مصاريع السماوات ليقدم لهم احتياجاتهم. يبقى الله أمينًا بالرغم من عدم أمانتنا. وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ مَنًّا لِلأَكْلِ، وَبُرَّ[25] السَّمَاءِ أَعْطَاهُمْ [24]. أَكَلَ الإِنْسَانُ خُبْزَ الْمَلاَئِكَةِ. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ زَادًا لِلشِّبَعِ [25]. يرى العلامة أوريجينوس أن المؤمن ينطلق في الطريق الملوكي وسط رحلة البرية - كما فعل موسى وشعبه - ساكنًا في خيامٍ مقدسة، لا يعرف الراحة الجسدية ولا التهاون، فينال منًا سماويًا أو خبز الملائكة كهبة للنفوس المؤمنة الحكيمة. * إن كنت قد أدركت أي سلام يجلبه طريق الحكمة، أية نعمة أو وداعة تنالها، فاطرح كل تهاونٍ وكسلٍ، وادخل هذا الطريق، ولا تتراجع أمام عزلة البرية (مز 78: 55)، فإنك إذ تمكث في هذه الخيام تحصل على المن السماوي، وتأكل خبز الملائكة[26]. ليتقدم البار إلى متاهات البرية المرعبة، فيجد طعامًا له من السماء[27]. العلامة أوريجينوس * يُقال عن المن: خبز السماء" "وخبز الملائكة"، لأنه نزل من فوق بواسطة ملائكة بخدمتهم كأمر الله. قال أثناسيوس الجليل: معنى قول النبي وهو أن الله لم يقت أجسادهم فقط بالطعام الحسن، بل وقات نفوسهم بطعامٍ روحي، كما قال الرسول إنهم أكلوا طعامًا روحيًا، وهذا يُدعى خبز الملائكة. الأب أنثيموس الأورشليمي * من هم الذين سقطوا في الصحراء أثناء ترحال شعب الله إلى أرض الموعد؟ (عب 3: 17) أليس هؤلاء الذين طلبوا أكل اللحم؟ (عد 11: 33). هؤلاء البشر لم يكتفوا بالمنِّ ولا بالماء الذي خرج من الصخرة، وكانوا بالأمس قد انتصروا على المصريين وعبروا البحر الأحمر. لكن بسبب أنهم اشتهوا اللحم المطبوخ في الأواني (خر 16: 3)، تقهقروا إلى الخلف، ولم يرَ أحد منهم أرض الموعد. هل لا تخاف من تكرار هذا النموذج؟ هل لا ترتعب من حقيقة أن الانسياق وراء الأكل ربما يحرمك من الخيرات المنتظرة؟ أستطيع أن أقول لك إنه ولا الحكيم دانيال النبي كان سيرى رؤى إن لم يكن قد تطهّر أولًا بالصوم. لا أخفي عليك أن الأكل الدسم ينبعث منه أدخنة تعتّم أنوار العقل التي تأتي من الروح القدس. يوجد غذاء ملائكي كما يقول النبي: "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 78: 25). غذاء الملائكة مختلف عن بقية الأطعمة، فهو ليس لحمًا ولا خمرًا ولا طعامًا يهتم به عبيد البطن[28]. القديس باسيليوس الكبير * إذ يتغذى الملائكة أيضًا على حكمة الله، ويتلقون القوة على إنجاز مهامهم عن طريق تأملهم في الحق والحكمة، نجد مكتوبًا في المزمور أن الملائكة تتناول هي أيضًا غذاءً، تشارك فيه رجال الله -العبرانيين- فيصبحون معهم بذلك (رفقاء مائدة). ففيما يختص بما ذكر في تلك الفقرة: "أكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 25:78)، يجب أن لا يذهب ذهننا في ضحالة إلى درجة الظن أن الملائكة يشتركون ويتغذون إلى الأبد على نوعٍ بعينه من الزاد المادي، مثل ذلك الذي نزل - كما قيل - على أولئك الذين خرجوا من مصر (خر 15:16؛ مز 25:78). إنه الخبز نفسه الذي شارك فيه العبرانيون الملائكة "الأرواح الخادمة لله" (عب 14:1)[29].* كما اعتادت الشياطين الكامنة إلى جوار مذابح الأمم أن تقتات على روائح الذبائح المقدمة، كذلك الملائكة وقد اجتذبتهم دماء الضحايا التي قدمها بنو إسرائيل، كرموز روحية ودخان البخور، يسكنون بجانب المذابح يتغذون على ذلك النوع من الغذاء[30]. * إن كان يوجد البعض يأتون من مصر، ويتبعون عمود النار والسحاب، ويدخلون البرية، عندئذ ينزل إليهم من السماء، ويقدم لهم طعامًا صغيرًا ورقيقًا، يشبه طعام الملائكة، فقد قيل: "يأكل الإنسان خبز الملائكة" (مز 78: 25)[31]. العلامة أوريجينوس وَسَاقَ بِقُوَّتِهِ جَنُوبِيَّةً [26]. وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا مِثْلَ التُّرَابِ وَكَرَمْلِ الْبَحْرِ، طُيُورًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ [27]. وَأَسْقَطَهَا فِي وَسَطِ مَحَلَّتِهِمْ حَوَالَيْ مَسَاكِنِهِمْ [28]. إن كان عدو الخير قد دُعي "رئيس سلطان الهواء"، فإن الله صاحب السلطان على الهواء والعواصف والأنواء. فقد حرك الرياح نحو الشرق والجنوب لتسوق الطيور في الاتجاه المطلوب، نحو المحلة. كثيرًا ما نصف الرياح أنها متقلبة، لكنها في يد ضابط الكل الذي تشغله رياح نفوسنا الداخلية. هو وحده قادر أن يوجهها لبنياننا، ويهدئها في الوقت المناسب. لم يمطر الله عليهم نارًا بسبب عدم إيمانهم، لكنه في طول أناته أمطر عليهم لحمًا، أرسل لهم طيور سلوى بلا عدد مثل التراب ورمل البحار. قدم لهم شهوة قلوبهم لعلهم يتوبون ويندمون على أفكار قلوبهم الجاحدة وغير المؤمنة. فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا جِدًّا، وَأَتَاهُمْ بِشَهْوَتِهِمْ [29]. عوض الندامة أكلوا وشبعوا جدًا؛ أكلوا بشراهة حتى التخمة. رفضوا الأكل الصحي "المن"، وأكلوا بشراهة اللحم الذي كان لضررهم صحيًا. لم يقدم لهم الطيور ليأكلوا لحمًا حسب طلبهم، وإنما أيضًا أسقطها في وسط معسكرهم حول خيامهم حتى لا يتعبوا في جمعها. أطال الله أناته عليهم، وقدم لهم ما ظنوا أن الله عاجز عن تقديمه، ليس استعراضًا لقوته وقدرته، وإنما ليقدم لهم فرصة للتوبة وعدم العثرة فيه. أما هم فعوض التوبة "أكلوا وشبعوا جدًا، وأتاهم بشهوتهم". لم يكن الخطأ في الأكل ذاته، وإنما في الانشغال بالشهوة، وعدم مراجعتهم لأنفسهم، إذ استخفوا بالله، وفقدوا رجاءهم فيه. لَمْ يَزُوغُوا عَنْ شَهْوَتِهِمْ. طَعَامُهُمْ بَعْدُ فِي أَفْوَاهِهِمْ [30]. فَصَعِدَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ، وَقَتَلَ مِنْ أَسْمَنِهِمْ. وَصَرَعَ مُخْتَارِي إِسْرَائِيلَ [31]. بينما تنزل مراحم الله على المتواضعين، يصعد غضب الله على المتكبرين المتشامخين. لقد أمطر عليهم الطيور وأنزلها إليهم ليأكلوا، لكنهم إذ لم يشكروا شبعوا وتشامخوا، فصعد إليهم غضب الرب لجحودهم. * ماذا يُفهم من "أسمنهم"، إلا البشر القديرين في التشامخ، والذين قيل عنهم: "إثمهم يأتي كما من الشحم" (راجع مز 73: 7). القديس أغسطينوس فِي هَذَا كُلِّهِ أَخْطَأُوا بَعْدُ، وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِعَجَائِبِهِ [32]. اشتهوا، والشهوة حبلت وولدت خطية النهم مع الجحود، وجاء الثمر موت جسدي وروحي. تحولت الوليمة إلى جنازة شبه جماعية، فقد مات السمان والمختارون، ربما لأنهم كانوا أكثر شراهة في الأكل، أو لأنهم تزعموا حركة التمرد والتذمر على الله. لم يقتلوا بحد السيف، إنما قتلهم نهمهم واشتعال شهواتهم الرديئة. لقد أخطأوا ولم يتعظوا، رأوا القتلى بالشهوات الرديئة مع هذا لم يرجعوا إلى إلههم صانع العجائب. 3. تذمر الإنسان وتأديبه فَأَفْنَى أَيَّامَهُمْ بِالْبَاطِلِ، وَسِنِيهِمْ بِالرُّعْبِ [33]. لقد قضوا أربعين سنة في رحلتهم من مصر إلى كنعان، هذه الرحلة التي لم تكن تحتاج إلا إلى عدة أيام، فأفنى الله أيامهم بالباطل وسنيهم بالرعب. هذا هو ثمر عدم الإيمان والجحود والتذمر: حياة باطلة مملوءة فراغًا، بلا ثمر. أما إذا رجع الإنسان إلى إلهه بالتوبة، فيتمتع بالوعد الإلهي: "وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد الغوغاء والطيار والقمص، جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم" (يوئيل 25:2). إذ رفضوا الإيمان، ففي عدم إيمانهم ارتبطوا بالباطل، الذي أفنى أيامهم كأنهم عاشوا بلا هدف. وكما أن عدم الإيمان حوَّل رحلتهم في البرية إلى تيه، فلم يستطيعوا البلوغ إلى أرض الموعد، هكذا دفع بهم إلى الرعب والموت [33]. تحولت البرية إلى مكانٍ رهيبٍ، ومقبرةٍ تضم أعدادًا بل حصر، بل تلقفت كل الجيل الخارج من مصر ماعدا يشوع بن نون وكالب بن يفنة. يقول الله "أفنى أيامهم بالباطل". إنه لا يشاء موتهم، لكنهم بكامل حرية اختيارهم سلكوا طريق عدم الإيمان، فصاروا باطلًا وفنيت حياتهم. إذ حلّ بهم التأديب، رأوا الموت يحصد السمان منهم والمختارين، تذكروا أن الله صخرتهم، فيه يحتمون، والعلي وليَّهم المهتم بهم، فجاءوا إليه كأتقياء من الخارج، أما قلوبهم فلم تثبت معه. سقطوا في خطايا الخداع والكذب والرياء. هذا هو قانون الطبيعة البشرية بعد فسادها، حين يقدم لها هبات مجانية بسخاءٍ تتذمر وتجحد، وحين يؤدب كمن يقتل، ترجع وتطلب الله وليَّها خوفًا من التأديب، وليس شوقًا إليه، تطلبه ليس بكل القلب، لذا يعاتبها: "وقد أذلت عظمة إسرائيل في وجهه، وهم لا يرجعون إلى الرب إلههم، ولا يطلبونه مع كل هذا" (هو 10:7). هذا ما يكشفه تاريخ إسرائيل الطويل مع الله. إنهم يدخلون معه في عهدٍ، لكنهم لا يهتمون بالحفاظ عليه، إنما يكسرونه بلا سبب. رجعوا إليه بعد التأديب، يعلنون توبتهم بالكلام لا العمل، فصاروا مخادعين وكذبة. * كل حياة الناس الهالكين مسرعة، وتلك التي تبدو طويلة ليست إلا بخارًا لن يدوم. القديس أغسطينوس وَرَجَعُوا وَبَكَّرُوا إِلَى اللهِ [34]. يعاتبهم الله في سفر إشعياء قائلًا: "حينما تأتون لتظهروا أمامي، من طلب هذا من أيديكم أن تدوسوا دُوري... فحين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم، وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع" (إش 12:1، 15). إنه يطلب الرجوع من كل القلب، حتى يقبل عبادتهم رائحة بخور طيبة. * مع هذا "إذ قتلهم طلبوه"، لا لأجل الحياة الأبدية، وإنما خوفًا من أن ينتهي البخار سريعًا جدًا. لقد طلبه إذن الذين قتل منهم أناسًا، طلبوه ليس بالحق، وإنما خشية أن يُقتلوا مثل الذين قُتلوا (أمامهم). القديس أغسطينوس القديس يوحنا الذهبي الفم الأب أنثيموس الأورشليمي وَاللهَ الْعَلِيَّ وَلِيُّهُمْ [35]. فَخَادَعُوهُ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَكَذَبُوا عَلَيْهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ [36]. مع إدراكهم أن الله هو صخرتهم القادرة على حمايتهم، ووليهم القادر أن يعولهم رجعوا إليه بأفواههم لا بقلوبهم، لأنهم أحبوا العالم لا الله. رجعوا خشية فقدان الخيرات الزمنية أو السقوط تحت ضيقات في العالم، وليس حبًا في الله. * لننظر إلى هذا أن تأديبات الله لا تكون عبثًا ولا جزافًا، بل ينتج عنها الرجوع عن المعصية وتركها، وطلب الله، وتذكر إحساناته، ومعرفة قدرته، والتماس معونته، فعندما ضرب الله الإسرائيليين التزموا بالالتجاء إلى إليه متعبدين له كي ينقذهم. الأب أنثيموس الأورشليمي وَلَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ فِي عَهْدِهِ [37]. * ما على ألسنتهم يختلف عما يوجد في قلوبهم، التي فيها أمور البشر عارية. يرى الله دون أي عائق ما تحبه قلوبهم. يكون القلب مستقيمًا مع الله عندما يُطلب الله من أجل الله. * لنحذر من الصلاة للمسيح بأفواهنا مع بقائنا صامتين بحياتنا. من الذي يصلي للمسيح؟ الشخص الذي يرفض الملذات العالمية. الشخص الذي يقول بسلوكه لا بالكلمات: "قد صُلب العالم بي، وأنا للعالم" (غل 14:6). الشخص الذي يعطي الفقير بسخاء (مز9:112)[33]. * على أي الأحوال لا تسأل ولا تطلب ولا تقرع بصوتك فقط، وإنما بحياتك أيضًا. مارس الأعمال التي بدونها لا تكون لك حياتك[34]. القديس أغسطينوس 4. الرحمة وسط السخط أمَّا هُوَ فَرؤوفٌ، يَغْفِرُ الإِثْمَ وَلاَ يُهْلِكُ، وَكَثِيرًا مَا رَدَّ غَضَبَهُ، وَلَمْ يُشْعِلْ كُلَّ سَخَطِهِ [38]. بالرغم من كذبهم وريائهم، لكنه إله رؤوف طويل الأناة، يشتهي خلاص البشرية لا هلاكها، لذلك كثيرًا ما يرد غضبه، مقدمًا فرصًا للتوبة. حقًا لولا مراحم الله علينا من يقدر أن يخلص؟ يرى الربيّون[35] أن العبارة 38 هي مركز السفر كله، إذ تأتي في المنتصف تمامًا، وهي تعلن عن عمل الله الخلاصي العظيم في التاريخ كمركز للصلاة والعبادة. كانت هذه العبارة التي تتحدث عن حنو الله الغافر للخطايا، والذي يرد غضبه عن الإنسان مع العبارتين التاليتين وتُردد عندما يؤدب إنسان بأربعين جلدة إلا واحدة: "إن لم تحرص لتعمل بجميع كلمات هذا الناموس المكتوبة في هذا سفر لتهاب هذا الاسم الجليل المرهوب الرب إلهك؛ يجعل الرب ضرباتك وضربات نسلك عجيبة ضربات عظيمة راسخة وأمراضًا ردية ثابتة" (تث 58:28-59)[36]. جاءت العبارتان [38-39] تتحدثان عن توبة بلا معنى، تحمل خداعًا، فيُقال لهؤلاء الحاملين مظهر التوبة: "ماذا أصنع بك يا أفرايم؟! ماذا أصنع بك يا يهوذا؟! فإن إحسانكم كسحاب الصبح، وكالندى الماضي باكرًا" (هو 4:6). * يعاملهم الله لا بجحودهم بل برأفته، ولم يهلكهم حسب استحقاقهم. الأب أنثيموس الأورشليمي رِيحٌ تَذْهَبُ وَلاَ تَعُودُ [39]. في محبته الفائقة يذكر الله ضعف الإنسان، إنه كالريح يذهب ولا يعود، أشبه بنفخة، لذا يستحق إظهار الحب الإلهي والحنو عليه حتى يتقوى ويثبت. * ذكر أنهم جسديون، أي يميلون نحو إرادة الجسد. وأن روحهم بعد خروجها من الجسد لا تعود إلى هذا العالم، بمعنى أن روحهم تذهب إلى شهوات الجسد ولا ترجع بالتوبة. الأب أنثيموس الأورشليمي وَأَحْزَنُوهُ فِي الْقَفْرِ! [40] لقد خرج بهم إلى البرية ليعلن لهم عن رعايته الفائقة لهم، ولكي يجدوا أنه الملجأ الوحيد لهم، ومع ذلك تمردوا عليه مرارًا كثيرة، فحزن عليهم بسبب خطاياهم عوض التمتع بمسيرة الله معهم ليحول لهم البرية إلى فردوسٍ. جعلوا من البرية موضع حزن لله عليهم. رَجَعُوا وَجَرَّبُوا اللهَ، وَعَنُّوا قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ [41]. رجعوا بقلوبهم لا إلى الله، بل إلى قدور اللحم التي في مصر، إلى حياة العبودية، ولم يكفوا عن أن يجربوه، "وعنَّوا قدوس إسرائيل"، أي قاوموا قدرته الإلهية أو شكوا فيه. لهذا يعاتبهم قائلًا: "جربوني الآن عشر مرات، ولم يسمعوا لقولي" (عد 22:14). 5. خلاص من فرعون لكي نثبت في الإيمان ونمارس الحب، يلزمنا أن نمتلئ رجاءً في الرب، بتذكرنا معاملاته السابقة معنا، لذا يقول: لَمْ يَذْكُرُوا يَدَهُ يَوْمَ فَدَاهُمْ مِنَ الْعَدُوِّ [42]. مع أنه لم يكن من السهل نسيان أعماله، لكن الخطية أتلفت ذاكرتهم من جهة إحسانات الله وبركاته عليهم. وقد جاءت الوصية: إنما احترز واحفظ نفسك جدًا لئلا تنسى الأمور التي أبصرت عيناك، ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك" (تث 9:4). لهذا يقول الرسول بولس الذي لم يفارق الصليب قلبه ولا ذاكرته: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا" (غل 1:3). حَيْثُ جَعَلَ فِي مِصْرَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَهُ فِي بِلاَدِ صُوعَنَ [43]. يذكرهم بالضربات التي حلت بفرعون وشعبه بسببهم داعيًا إياها آيات وعجائب. إذْ حَوَّلَ خُلْجَانَهُمْ إِلَى دَمٍ، وَمَجَارِيَهُمْ لِكَيْ لاَ يَشْرَبُوا [44]. تحول نهر النيل بقنواته (مجاريه) من عطية إلهية لحياة المصريينإلى دمٍ يعلن عن غضب الله، ويبث بين المصريين روح الرعب والهلاك. كان المصريون يعبدون نهر النيل كإله واهب الحياة، فصار مصدر نجاسة (الدم)، ومصدر موت! أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ بَعُوضًا فَأَكَلَهُمْ، وَضَفَادِعَ فَأَفْسَدَتْهُمْ [45]. هاجمتهم أسراب البعوض لتحول حياتهم إلى عذابٍ، لم تخف هذه الأسراب جيش فرعون ولا أسلحته، ولا ارتبكت أمام سلطانه وجلاله. عوض اصطياد السمك من نهر النيل فاض بالضفادع التي هاجمت كل موضع، تدخل إلى حجرات النوم كما إلى موائد الأكل. حتى الضفادع التي قتلوها إذ جُمعت في أكوامٍ أنتنت، وتفشى المرض بسببها. أَسْلَمَ لِلْجَرْدَمِ غَلَّتَهُمْ، وَتَعَبَهُمْ لِلْجَرَادِ [46]. هاجمت الحشرات نباتاتهم، وما فضل عن حشرة التهمته غيرها. هكذا ذهب تعبهم هباءً، صارت محصولاتهم مأكلًا للجراد وغيره من الحشرات. أَهْلَكَ بِالْبَرَدِ كُرُومَهُمْ، وَجُمَّيْزَهُمْ بِالصَّقِيعِ [47]. كانت الكروم شراب الأغنياء والجميز طعام الفقراء، وكأن هذه الضربة قد أصابت الأغنياء والفقراء معًا في أكلهم وشربهم. نزول البرد والصقيع ليس بظاهرة مألوفة في مصر، لكن الله يغير نواميس الطبيعة لتأديب الأشرار. وَدَفَعَ إِلَى الْبَرَدِ بَهَائِمَهُمْ، وَمَوَاشِيَهُمْ لِلْبُرُوقِ [48]. ماتت المواشي بسبب غضب الطبيعة على الإنسان في شره، التي هاجت لتصيب البهائم بالبرد والبروق. أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حُمُوَّ غَضَبِهِ سَخَطًا وَرِجْزًا وَضِيقًا، جَيْشَ مَلاَئِكَةٍ أَشْرَارٍ [49]. أرسل الله الملاك المهلك لقتل أبكار المصريين، إذ قتل فرعون ورجاله الأطفال الذكور للعبرانيين. * يرى النبي حزقيال (حز 1:10) رؤية: ملك العظمة جالسًا على عرشه العالي العظيم، وموضع العرش فوق النجوم، ويشبه عرش الأعلى مقامًا. لصانع الفخار سلطان على الطين، فيصنع من كتلة واحدة إناءً للاستعمال الرفيع، وآخر للاستعمال الوضيع. فماذا إذًا إن كان الله وقد شاء أن يُظهر غضبه ويعلن قدرته، قد احتمل بكل صبرٍ آنية غضب معدة للهلاك وذلك بقصد أن يعلن غنى مجده في آنية الرحمة التي سبق فأعدها للمجد (رو 21:9-23). وبالإضافة إلى ذلك، يرسل الله ملائكة إلى قديسيه، لتملأهم بالحياة الطيبة والسلام، بينما يرسل إلى العصاة القساة حميم غضبه، وسخطه وغيظه، ويطلق عليهم ملائكة الهلاك (مز 49:78). لا داعي أن نتكلم بإسهاب على كيف يقف الشيطان ضد الخير والسلام[37]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * لن يوقع الله عقابه وجزاءه على بابل من خلال خدامه، بل هو بنفسه يؤدي لها جزاءها. أريد أن أضيف شيئًا على ذلك، وهو أن الله لا يعاقب الجميع بنفسه، لكنه أحيانًا يرسل وسطاء، سواء لتنفيذ العقاب، أو لمنح الشفاء من خلال الألم، كما نرى في المزامير: "أرسل عليهم حمو غضبه سخطًا ورجزًا وضيقًا" (عن طريق) جيش ملائكة أشرار" (مز 78: 49). بالنسبة لهؤلاء، لم يؤدِ لهم الله جزاءهم بنفسه، لكنه استعان بملائكة أشرار ليقوموا بتنفيذ مهمة العقاب. قد يستعين الرب كذلك بملائكة أطهار لمعاقبة بعض الناس. لكن يحدث في بعض الأحيان أن الرب يرفض الاستعانة بهؤلاء الوسطاء، ويوقع العقوبات بنفسه، كما هو الحال بالنسبة لبابل. عندما تكون الجروح طفيفة وقابلة للشفاء السريع، يكتفي الطبيب بإرسال تلميذه أو مساعده، وعن طريقه يعالج المريض. قد يحدث أحيانًا أن يكون المريض محتاجًا لبتر أحد أعضائه ولاستخدام المشرط، مع ذلك أيضًا لا يذهب إليه الطبيب بنفسه، بل يختار واحدًا من مساعديه قادرًا على القيام بهذا العمل، فيرسله ليعالج المريض. لكن حينما تكون الجروح غير قابلة للشفاء، يكون المرض قد انتشر في جميع أجزاء الجسم، بحيث يصل المريض إلى درجة كبيرة من الخطورة، هنا لا يتطلب الأمر يديّ التلميذ أو المساعد، إنما يحتاج إلى يدي المعلم نفسه، فيقوم الطبيب بالتصدي لهذا الجرح المميت بنفسه. بالمثل حينما تكون الخطايا صغيرة، لا يوقع الله على الخطاة عقابهم بنفسه، لكنه يستخدم الوسطاء، أما إذا كانت الخطية خطيرة جدًا كما هو الحال هنا بالنسبة لمدينة بابل، يسرع الرب بتوقيع الجزاء عليها بنفسه[38]. العلامة أوريجينوس لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْمَوْتِ أَنْفُسَهُمْ بَلْ دَفَعَ حَيَاتَهُمْ لِلْوَبَإِ [50]. * إن الملائكة الذين جلبوا موت أبكار المصريين دعاهم أشرارًا، ولكن ليس بمعنى أنهم أشرار طبعًا، بل لأنهم أتوا بغضب الله على الأشرار، كما أن يوم الدينونة دعاه هذا النبي ذاته يومًا شريرًا، لأنه يأتي بعقوبات الله على غير التائبين، لذلك ترجم سيماخوس هذه الكلمة: "ملائكة مؤذين". الأب أنثيموس الأورشليمي وَضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي مِصْرَ. أَوَائِلَ الْقُدْرَةِ فِي خِيَامِ حَامٍ [51]. لقد حلّ الغضب بهم على درجات لعلهم يتوبون. حرمهم تارة من ماء الشرب، وأخرى أزعجهم بالضفادع، وثالثة ضرب مواشيهم ومحاصيلهم، وأخيرًا أخذ أبكارهم دون استثناء، فدخل الحزن إلى كل بيتٍ، من قصر فرعون إلى الأسير في داخل السجن. * يعامل الله الذين يؤدبهم بلطفٍ ورحمةٍ كثيرة، لأنه يبتدئ بالضربات عن ذنوبهم... لذلك أمات بهائم المصريين، ولما رآهم لم ينصلحوا ضرب أبكارهم. لو أنهم تابوا بالضربة الأولى لما ضربهم بالثانية. * بقوله: "في مساكن حام"، يخبر بأن مصر هي من قسم حام بن نوح، ونصيب له. الأب أنثيموس الأورشليمي 6. الدخول إلى أرض الموعد وَسَاقَ مِثْلَ الْغَنَمِ شَعْبَهُ، وَقَادَهُمْ مِثْلَ قَطِيعٍ فِي الْبَرِّيَّةِ [52]. إذ ضرب فرعون قاسي القلب وشعبه العنيف مستخدمًا كل وسيلة، النهر بمياهه التي تحولت إلى دم، الحشرات كالبعوض والجراد لإقلاق راحتهم، السماء بالبرود والبروق، الملائكة لإهلاك الأبكار الخ. الآن وقد أهلك الذئاب العنيفة قاد الذين كانوا تحت المذلة كغنم وقطيع تحت رعاية راعٍ صالحٍ سماويٍ يصطحب قطيعه ويقوده من أرض العبودية إلى أرضٍ تفيض لينًا وعسلًا. منذ البداية دخل بهم إلى قاع البحر، وأخرجهم يسَّبحون ويرتلون، حتى يطمئنوا أنهم محفوظون في وسط البرية، في أمان أكيد. وَهَدَاهُمْ آمِنِينَ فَلَمْ يَجْزَعُوا. أَمَّا أَعْدَاؤُهُمْ فَغَمَرَهُمُ الْبَحْرُ [53]. مفارقة عجيبة، الضعفاء صاروا في أمان متهللين بلا خوفٍ، وأصحاب السلطة والقوة يصارعون مع الموت في قاع البحر. وَأَدْخَلَهُمْ فِي تُخُومِ قُدْسِهِ، هَذَا الْجَبَلِ الَّذِي اقْتَنَتْهُ يَمِينُهُ [54]. قادهم إلى حدود الأرض المقدسة، إلى الموضع الذي يقيم فيه هيكله، ويجعل من جباله جبالًا مقدسة. إنها صورة رائعة لرعاية الله لنا ونحن في برية هذا العالم، حيث يدخل بنا إلى عربون السماويات، ونتمتع بالمقادس الإلهية. وَطَرَدَ الأُمَمَ مِنْ قُدَّامِهِمْ، وَقَسَمَهُمْ بِالْحَبْلِ مِيرَاثًا، وَأَسْكَنَ فِي خِيَامِهِمْ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ [55]. طرح الشعوب ليهبهم الأرض ميراثًا يقيمون فيها بيوتهم ويتمتعون بثمارها؛ هذا ما تحقق على يدي يشوع بن نون. * إن كنتَ قد أدركتَ أي سلام يجلبه طريق الحكمة، أيَّة نعمة أو وداعة تنالها، فاطرح كل تهاونٍ وكسلٍ، وادخل هذا الطريق، ولا تتراجع أمام عزلة البريَّة (مز 78: 55)، فإنك إذ تمكث في هذه الخيام تحصل على المنْ السماوي، وتأكل خبز الملائكة[39]. العلامة أوريجينوس 7. تدهور في عصر القضاة إذ استقر الشعب وورث، عوض أن يشكر ويسبح الله، سقطوا في العبادة الوثنية، وانحرفوا إلى الرجاسات، وذلك في عصر القضاة. فَجَرَّبُوا وَعَصُوا اللهَ الْعَلِيَّ، وَشَهَادَاتِهِ لَمْ يَحْفَظُوا [56]. استقروا في أرض الموعد، لكن قلوبهم وأفكارهم بقيت جائلة بعيدًا عن الله، تطلب الملذات الزمنية وشبع الشهوات خلال العبادة الوثنية. بَلِ ارْتَدُّوا وَغَدَرُوا مِثْلَ آبَائِهِمْ. انْحَرَفُوا كَقَوْسٍ مُخْطِئَةٍ [57]. دخولهم إلى كنعان وتمتعهم بالنصرات المتوالية لم ينزع عنهم روح الارتداد والغدر. كرروا تاريخ آبائهم العصاة، ومارسوا خطاياهم، ولم يحفظوا العهد مع الله. نقلوا فسادهم معهم إلى أرض الميراث. فصاروا كقوسٍ تضرب السهام بلا هدفٍ. أَغَاظُوهُ بِمُرْتَفَعَاتِهِمْ، وَأَغَارُوهُ بِتَمَاثِيلِهِمْ [58]. 8. رفضه شيلوه سَمِعَ اللهُ فَغَضِبَ، وَرَذَلَ إِسْرَائِيلَ جِدًّا [59]. ما ورد هنا هو تذكار ما حدث في أيام عالي الكاهن، حيث فارق مجد الرب الحقيقي شعبه، إذ أسر الفلسطينيون تابوت العهد (1 صم)، وانكسرت رقبة عالي الكاهن، ومات ابناه في الحرب، وأنجبت زوجة فينحاس ابنا دعته ايخابود الذي يعني "زال المجد" (1 صم 21:4-22). إن كان الله قد غضب على شعبه، لأنه تمرد مرارًا وهو في البرية يتمتع برعاية الله الفريدة، فكم بالأكثر يغضب بل ويرذله جدًا لأنه لم يتعلم من الماضي، بل حمل نفس الروح في أرض الموعد. إذ صمم الشعب الذي أخرجه من مصر ودخل به إلى أرض الموعد أن يذبحوا للأصنام على كل تلٍ وأكمةٍ تجاهلهم الله، وهذا أقسى أنواع التأديب. لأن تغافله عنهم يفقدهم كل شيءٍ، ويعرضهم للهلاك. وَرَفَضَ مَسْكَنَ شِيلُوهَ، الْخَيْمَةَ الَّتِي نَصَبَهَا بَيْنَ النَّاسِ [60]. أعلن عن رذله لشعبه برفضه مسكن شيلوه حيث كانت خيمة الاجتماع، لأنه ارتكبت أبشع الخطايا في أبواب الخيمة، كما أُقيمت السواري فوق كل تلٍ عالٍ، لهذا ارتحل المجد، وحلّ بدلًا منه "ايخابود" (زوال المجد). إذ كان تابوت العهد في شيلوه سمح الله للفلسطينيين أن يأخذوه تأديبًا لشعبه الذي رفض الله وذبح للأوثان. وَسَلَّمَ لِلسَّبْيِ عِزَّهُ، وَجَلاَلَهُ لِيَدِ الْعَدُوِّ [61]. أكد الله خطورة الموقف بتسليم تابوت العهد الذي يمثل عزه للسبي الفلسطيني. لقد فضل الله أن يحتمل إهانة الأعداء، الذين ظنوا أن إلههم داجون قد غلب إله إسرائيل واستولوا على تابوت عهده، عن أن يحتمل خيانة شعبه الذين تمتعوا بعجائبه. وَدَفَعَ إِلَى السَّيْفِ شَعْبَهُ، وَغَضِبَ عَلَى مِيرَاثِهِ [62]. سقط ثلاثون ألفًا من الشعب بالسيف (1 صم 10:4) لأنه لم يعد الله عونًا لهم مع أنهم خاصته وميراثه. غيرته عليهم دفعت إلى تأديبهم حتى وإن بدا التأديب قاسيًا. مُخْتَارُوهُ أَكَلَتْهُمُ النَّارُ، وَعَذَارَاهُ لَمْ يُحْمَدْنَ [63]. "مختاروه أكلتهم النار"، أي نار غضب الله على شعبه الجاحد، فسلمهم لنار الحرب. "وعذاراه لم يحمدن"، جاءت في بعض الترجمات إنهن لا يتزوجن أو ليس هن أغاني الزواج. إذ أكل السيف الشبان في الحرب بقيت العذارى بلا زواج، ولم تُُسمع من أفواههن أغاني الفرح، وكما جاء في إشعياء النبي: "تمسك سبع نساء برجلٍ واحدٍ في ذلك اليوم قائلات: نأكل خبزنا، ونلبس ثيابنا، ليُدع فقط اسمك علينا، انزع عارنا" (إش 1:4). كَهَنَتُهُ سَقَطُوا بِالسَّيْفِ، وَأَرَامِلُهُ لَمْ يَبْكِينَ [64]. أما الكهنة الذين سقطوا بالسيف، فيُقصد بهم حفنى وفينحاس ابنا عالي الكاهن. "وأرامله لم يبكين"، إذ لم تحزن الأرامل على فقدان أزواجهن، لأن حزنهن على ما حلّ بالشعب ككل ابتلع كل حزن شخصي. وكأنه لم تجد العذارى فرصة للفرح، لأن الشباب قد ضربه سيف العدو، ولم تجد الأرامل فرصة للنوح، لأن هول الكارثة العظمى للشعب قد حطمهم وشغلهم عن الحزن على أزواجهن. * لم ينح أقرباء القتلى في الحرب عليهم، وذلك بسبب شدة الأذى والضيق الذي كان يحاصرهم جميعًا، ويلهيهم عن النوح والبكاء. الأب أنثيموس الأورشليمي 9. قيام مملكة داود فَاسْتَيْقَظَ الرَّبُّ كَنَائِمٍ، كَجَبَّارٍ مُعَيِّطٍ مِنَ الْخَمْرِ [65]. سرعان ما تمر فترة التأديب لينعم الشعب ببداية جديدة، حيث يهب شعبه قوة القيامة. يبدو الله كنائمٍ يستيقظ ليعمل بقوة في حياة شعبه. الرب لا ينعس ولا ينام (مز 3:121)، لكنه إذ يقوم للقضاء بعد فترة طويلة من الصمت في طول أناة يكون كمن استيقظ من النوم. في الغرب تستخدم هذه العبارة مع العبارة "وبنى مثل مقدسة مثل مركب الكركدن (وحيد القرن rehinoceros) كالأرض التي أسسها إلى الأبد" في ليتورجية عيد القيامة أو الفصح المسيحي في الصباح، حيث تعلن العبارتان عيد قيامة السيد المسيح كأنها استيقاظ من النوم، ليس للموت سلطان عليه. إنه يستيقظ كجبار غالب للموت وللشيطان، محطمًا سلطانه على المؤمنين. بقيامته أسس كنيسته المقامة في العالم كله لكي تشترك معه في المجد الأبدي. إنها تشبه قرن الكركدن، وكما يقول البابا أثناسيوس: [الكركدن حيوان لا يُمكن انهزامه، لأن له في جبهته قرن به يقتل كل حيوان مفترس. هكذا يقول المرتل إنه عندما بُني هيكل الله خضعت الأمم، واستسلمت للقوة التي فيه.] * لقد سمعنا البعض يحاولون تبرير هذا المرض البالغ الضرر الذي يلحق بالنفس، ملتجئين إلى طريقة منفّرة في تفسير الكتاب المقدس لهذا التبرير، كقولهم بأنه ليس من الضرر في شيءٍ أن نغضب على إخوتنا الذين يخطئون، مادام الله ذاته، على حد قولهم، قد ذُكر عنه أنه يسخط ويغضب على أولئك الذين لم يعرفوه أو عرفوه ثم رفضوه، وفقًا للنص: "فحمي غضب الرب على شعبه، وكره ميراثه"، أو وفقًا لكلمات النبي وهو يصلي، قائلًا: "يا رب لا توبخني بغضبك، ولا تؤدبني بغيظك" (مز 6: 1)، غير مدركين أنهم إذ يريدون تلمس الأعذار لارتكاب خطية بالغة الأذية، ينسبون إلى العزة الإلهية ومصدر كل نقاء إحدى وصمات الانفعال البشري، لأن هذه الأشياء تُقال عن الله. فإذا فُسرت حرفيًا بصورة مادية يمكننا القول أيضًا أنه ينام، وفقًا للنص: "استيقظ يا رب لماذا تتغافى؟" (مز 23:44)، مع أنه قيل عنه في مكان آخر: "إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" (مز 121: 4). وأنه يقف ويجلس، إذ يقول: "السماوات كرسيَّ والأرض موطئ قدميّ" (إش 1:66)، مع أنه "كال بكفه المياه، وقاس السماوات بالشبر". وهو "معيط من الخمر" حسب قوله "واستيقظ الرب كنائم، كجبارٍ معيطٍ من الخمر" (مز 65:78)، في حين أنه هو "الذي وحده له عدم الموت، ساكنُا في نور لا يُدنى منه" (1 تي 16:6). ولا داعي لذكر "الجهل" و"النسيان" اللذين كثيرًا ما يرد ذكرهما في الكتاب المقدس. وأخيرًا وصف أعضاء الجسد التي نُسبت إليه كما لو كان إنسانًا، كالشعر والرأس والأنف والعينين والوجه واليدين والذراعين والأصابع والبطن والقدمين. إذا عمدنا إلى أخذها جميعًا وفق معناها الحرفي العادي، يلزمنا أن نفكر في الله بما يتفق مع صورة الأعضاء وشكل الجسم، وهذا أمر بشع حقًا حتى مجرد الكلام عنه، ويتحتم أن نستبعده تمامًا عن أفكارنا... حين نقرأ عن غضب الرب وسخطه، ينبغي ألا نفهم اللفظ وفق معنى العاطفة البشرية غير الكريمة. إنما بمعنى يليق بالله، المنزه عن كل انفعالٍ أو شائبةٍ. ومن ثم ينبغي أن ندرك من هذا أنه الديان والمنتقم عن كل الأمور الظالمة التي ترتكب في هذا العالم. وبمنطق هذه المصطلحات ومعناها ينبغي أن نخشاه بكونه المخوف المجازي عن أعمالنا، وإن نخشى عمل أي شيءٍ ضد إرادته. لأن الطبيعة البشرية قد ألفت أن تخشى أولئك الذين تعرف أنهم ساخطون، وتفزع من الإساءة إليهم، كما هو الحال مع بعض القضاة البالغين ذروة العدالة. فالغضب المنتقم يخشاه عادة أولئك الذين يعذبهم اتهام ضمائرهم لهم، بالطبع ليس لوجود هذه النزعة في عقول هؤلاء الذين سيلتزمون بالإنصاف في أحكامهم. لكن بينما هم في غمرةٍ من هذا الخوف، فإن ميول القاضي نحوهم تتسم بالعدالة وعدم التحيز واحترام القانون الذي ينفذه. وهذا مهما سلك بالرفق واللطف، موصوم بأقسى نعوت السخط والغضب الشديد من أولئك الذين عوقبوا بحقٍ وإنصافٍ[40]. القديس يوحنا كاسيان جَعَلَهُمْ عَارًا أَبَدِيًّا [66]. لم يعش الأعداء طويلًا في نشوة الانتصار، لأن يد الرب قد ثقلت عليهم بالبواسير، وصعد صراخهم إلى السماء. وَرَفَضَ خَيْمَةَ يُوسُفَ، وَلَمْ يَخْتَرْ سِبْطَ أَفْرَايِمَ [67]. لقد أكرم الله افرايم، فخرج منه يشوع القائد العظيم وجدعون القاضي، وفي تخوم أفرايم كان شيلوه الموضع الذي أُقيمت فيه الخيمة لمدة ثلاثة قرون. أما الآن فقد وُزن بالموازين فوجد ناقصًا، لذا رفض الله شيلوه موضعًا لخيمته. إنها نبوة عن انقسام المملكة في زمان رحبعام، وقيام يربعام من سبط أفرايم بضم بقية الأسباط فيما عدا يهوذا وبنيامين لإقامة مملكة إسرائيل المنشقة، وعاصمتها السامرة. بَلِ اخْتَارَ سِبْطَ يَهُوذَا جَبَلَ صِهْيَوْنَ الَّذِي أَحَبَّهُ [68]. ارتفع سبط يهوذا ليحتل مركز الصدارة حسب نبوة يعقوب، ومنه جاء السيد المسيح مخلص كل البشرية، كما انتقلت الخيمة إلى قرية يعاريم في أرض يهوذا، ثم إلى جبل صهيون. يشير هنا إلى سبط يهوذا الذي في حوزته هيكل سليمان بأورشليم، فصار يشبه وحيد القرن، أي يحمل قوة. يشير أيضًا إلى كنيسة العهد الجديد المؤسسة على المعمودية الواحدة. وَبَنَى مِثْلَ مُرْتَفَعَاتٍ مَقْدِسَهُ، كَالأَرْضِ الَّتِي أَسَّسَهَا إِلَى الأَبَدِ [69]. وَاخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ، وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ الْغَنَمِ [70]. كان داود راعيًا للغنم، فأقامه الله راعيًا لشعبه، إذ يقول له: "أنا أخذتك من وراء الغنم لتكون رئيسًا لشعبي" (2 صم 8:7). مِنْ خَلْفِ الْمُرْضِعَاتِ أَتَى بِهِ لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ، وَإِسْرَائِيلَ مِيرَاثَهُ [71]. كان داود النبي بكل صبرٍ وحنانٍ يمضي وراء النعاج المرضعة وهي تجول تبحث عن العشب، كما كان يُطعم الحملان وصغار الغنم، وبذلك تأهل للقيام بوظيفته كملكٍ يرعى شعبه بأمانةٍ. فَرَعَاهُمْ حَسَبَ كَمَالِ قَلْبِهِ، وَبِمَهَارَةِ يَدَيْهِ هَدَاهُمْ [72]. كان داود النبي مستقيمًا أمام الله ولم يحد قلبه قط عن طاعة الله، أمينًا لله ولشعبه. * رعى يعقوب قطيع لابان وتعب وسهر وقادهم حسنًا، عندئذ رعى بنيه وقادهم حسنًا، وعلّمهم أصول العمل الرعوي. اعتاد يوسف أن يرعى القطيع مع إخوته، وفي مصر صار قائدًا لشعبٍ كثيرِ، وقادهم كما يقود الراعي الصالح قطيعه.قاد موسى قطيع يثرون حميه، واُختير من رعاية الغنم إلي رعاية شعبه، وكراعٍ صالحٍ قادهم. حمل موسى عصاه على كتفه، وتقدم شعبه الذي يقوده، ورعاهم أربعين عامًا، وكان ساهرًا يتعب من أجل قطيعه، كان راعيًا صالحًا. عندما أراد ربه أن يهلكهم بسبب خطاياهم، إذ عبدوا العجل، صلى موسى لأجلهم وطلب من ربه قائلًا: "والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فأمحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32). هذا هو الراعي الساهر للغاية، يسلم نفسه لحساب قطيعه. هذا هو القائد الممتاز الذي يبذل ذاته من أجل قطيعه. هذا هو الأب الرحوم الذي يحتضن بنيه ويربيهم. موسى الراعي العظيم والحكيم، الذي عرف كيف يرعى قطيعه علَّم يشوع بن نون، الإنسان المملوء بالروح، والذي قاد الرعية كل حشد إسرائيل... بعد ذلك رعى داود قطيع أبيه، فأُخذ من القطيع ليرعى شعبه. "فرعاهم حسب كمال قلبه، وبمهارة يديه هداهم" (مز 78: 72). وعندما أحصى داود عدد قطيعه، حلّ الغضب عليهم وبدأوا يهلكون. عندئذ سلم داود نفسه لحساب قطيعه عندما صلى، قائلًا: "ها أنا أخطأت، وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا؟ فلتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي" (2 صم 24: 17). هكذا أيضًا اعتاد كل الرعاة الساهرين أن يبذلوا أنفسهم لحساب قطيعهم[41]. القديس أفراهاط الحكيم الفارسي الأب أنثيموس الأورشليمي من وحي مز 78 أعمالك تشهد لحبك! * حبك هو أنشودة لا تنقطع. خلقت كل شيءٍ من أجلي. ولم تدعني معوزًا شيئًا من أعمال كرامتك. في كل الأجيال تشهد أعمالك لحبك الفائق. تود أن تحتضن البشر، وتقيم منهم أبناء لك. أنت هو الصخرة والملجأ والفرح والمسرة. من يقتنيك لا يحتاج، ولا يعوزه شيء. * قصة البشرية معك قصة التمرد والجحود. وقصتك مع البشر، قصة الحب وطول الأناة. تقدم للبشرية ما تطلب منك. ليتها تتلمس حبك، فتطلبك. لكن، في غباوة يفيض قلب الإنسان جحودًا وتمردًا. * حتى تحت التأديبات قد يرجع الإنسان إليك. لكنه كثيرًا ما يطلب عطاياك لا الالتصاق بك. * إلهي هب لنا استقامة القلب وأمانته ونقاوته. يطلب، لأنه بالحق يحبك. يشتهي رؤياك، لأنك أنت شبعه وفرحه ومجده. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|