أنواع العثرات
يركز كثيرون الكلام في العثرة على الأمور الجنسية.
وهى حقا هامة وخطيرة، ولكنها ليست كل شيء.
و العثرات في هذا المجال تأتى بطرق كثيرة من وسائل الإثارة الجنسية، سواء عن طريق الإغراء الذي يقوم به الأفراد، أو عن طريق وسائل اللهو المختلفة ووسائل الترفيه، بالصور المعثرة، والأغاني العابثة، والفكاهات الجنسية، أو عن طريق القصص البطالة التي تسمع وتقرأ، وكذلك الروايات والأفلام. وقد تأتى العثرة عن طريق الخلطة، والمعاشرات الردية. وقد تأتى من داخل النفس..
أما أنت فابعد عن كل العثرات، واضبط حواسك.
واعلم أن "الحواس هي أبواب للفكر" كما قال ماراسحق. وما تراه وما تسمعه قد يجلب لك أفكارًا خاطئة، ويكون معثرًا لك. والفكر قد يلد شهوة والشهوة تقود إلى الخطية فعلية.
ولكن لعلك تسأل: ماذا أفعل؟ هل أغمض عيني، والعثرة في كل مكان؟! ولا بد أنني سأرى وسأسمع.. فأقول لك إنك لست مسئولا عن النظرة الأولى، مادامت قد أتت عرضًا.
ولكنك مسئول عن النظرة الثانية ودوافعها.
إن كان المنظر المعثر رأيته قد أثارك أو أعجبك، فأعدت النظر إليه بإرادتك، سواء في صورة حية، أو صورة مطبوعة، فأنت هنا تكون قد أخطأت لأنك بإرادتك الحرة قد نظرت. فإن كانت النظرة الأولى كذلك، برغبتك وإرادتك، فأنت مسئول عنها أيضًا..
ونفس الوضع نقوله عن السماعات الخاطئة. اهرب منها. فماذا عن لم تستطع؟
إن اضطررت لسماعها، فلا تعطها عمقك، ولا فكرك.
ليكن سماعا عابرا، لا تدخله إلى أعماقك، ولا تفكر فيه، ولا تعيده إلى ذهنك، ولا تعلق عليه. وكما قال الشاعر: إذ بليت بشخص لا خلاق له فكن كأنك لم تسمع ولم يقل
وبقدر إمكانك اهرب من اللقاءات المعثرة.
فإن اضطررت إلى هذا، اجعلها قصيرة المدى على قدر استطاعتك. كذلك لا تنفرد مع شخص يقاتلك به العدو، وتضعف من الداخل في وجودك معه. وحاول في أمثال هذه اللقاءات، أن ترفع قلبك إلى الله وتصلى. ولا تكن في اللقاء بكلف قلبك وعواطفك..
هذه كلمة مختصرة عن العثرات الجنسية، وهي موضوع طويل وضعت فيه كتب، وليس الآن مجاله. إنما نحب أن نقول هنا إن العثرات ليست جميعها جنسية، فهناك عثرات الفكر مثلًا، وهي على أنواع:
منها الفلسفات الخاطئة التي قد تقرأها فتشوش أفكارك، وقد تجلب لك شكوك، إذا كنت تقرأ وأنت غير مستعد لها مسبقا بفكر أصيل سليم. ويلزمك الحرص فيما تقرأ.
وتوجد الكتابات الإلحادية، والتي تهاجم الدين.
والملحدون كثيرون. وكل ما يكتبونه توجد ردود عليه، ولكنهم يشكلون عثرة بالنسبة إلى غير الدارسين وغير العارفين، وتسبب لهم شكوكا هي أخطر عليهم من خطايا الجسد التي يسهل التخلص منها.
والمضلون في الفكر الديني كثيرون ومعثرون.
كان يربعام بن ناباط لإسرائيل إذ جعله يخطئ، وينحرف عن عبادة الله (1مل14: 16). وقد كان من مضللي الشعب قبيل مجئ المسيح: يهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب الذي أزاغ وراءه جمعًا غفيرًا.. وثوداس الذي التصق به حوالي أربعمائة (أع5: 36، 37). كذلك في أيام المسيح كان الكتبة والفريسيون والصدوقيون وأمثالهم مضلين للشعب. وكانوا عثرة كبيرة. أمسكوا مفاتيح المعرفة، فما دخلوا وما جعلوا الداخلين يدخلون. لقد أعثروا الشعب كله بتعاليمهم.
ومن العثرات الفكرية، الأفكار العقيدية المنحرفة.
الأفكار التي تشمل بدعة أو هرطقة، أو فكرًا لاهوتيًا غير المسلم لنا من الآباء القديسين، ولا يتفق مع العقيدة السائدة في الكنيسة والتي يؤمن بها الكل. وهذا الفكر قد يعثر الناس، ويثير فيهم شكوكًا.
فلا تقبل هذه الأفكار كما قال الآباء الرسل (غل1: 7، 8، 3 يو10، 11).
اهرب من هذه العثرات الفكرية، فأنت في زمان التوبة.
أنت إنسان تبحث عن خلاص نفسك. فما شأنك الأفكار التي تشوش على ذهنك، وتدخلك في مجالات من الجدل وربما في خصومات، لا تتفق مع سعيك إلى نقاوة القلب بالتوبة. أتركها إلى المتخصصين يردون عليها. واعكف أنت على الكتب الروحية التي كلما تقرأها، تزداد محبتك لله، وتشعر باقتراب قلبك إليه..
وكما تهرب من العثرات الفكرية العقيدية، اهرب من كل عثرات فكرية أخري مثل:
عثرات الفكر التي تجعلك تعثر في الناس وتدينهم.
فهناك أشخاص إذا أتعبتهم أفكار الإدانة أو أخبار الإدانة، يصبونها جميعها في آذان الآخرين، ولا يبالون إن كانت تعثرهم هذه الأخبار أم لا، ولا يبالون بما تدخله في قلوبهم من جهة الشك في الناس، أو إدانتهم والإقلال من شأنهم، أو عدم المحبة لهم..أما أنت فاهرب من كل هذه، وحاول أن تحتفظ بمحبتك للكل.. والذين يشوهون صور الناس في نظرك، ابعد عنهم، لتحفظ بنقاوة فكرك.
وهناك عثرات من الذين يحكون أسرارهم للناس.
هم لا يستطيعون أن يحفظوا سرًا، حتى أسرارهم الخاصة وخطاياهم يحكونها للناس. وقد يعثر السامع من سماع هذه الأسرار والأخبار. ويعثر من أسماء الناس الذين تتعلق بها تلك الحكايات، وربما يقع في خطايا بسببها.. ومع أن الكنيسة حرصت أن تجعل الاعتراف سرًا، إلا أن الناس مازالوا يحكون لغيرهم.. وتكون حكاياتهم عثرة..
ومن العثرات الفكرية أيضًا، المشورات الخاطئة والمضرة.
وكمثال لذلك "مشورة أخيتوفل". وكان أخيتوفل هو مشير داود، تركه وانضم إلى فتنة أبشالوم، ليقدم له كانت عثرة لأبشالوم، وتشجيعًا له في الثورة على أبية داود.. ولكن الرب سمع لصلاة داود وأبطل مشورة أخيتوفل..
ومن أمثال مشورة أخيتوفل المعثرة، مشورة بلعام لبالاق (عدد 22). وقد أطلق عليها الكتاب اسم "ضلالة بلعام" (يه11). وقال عنه شفر الرؤيا أنه "كان يعلم بالاق أن يلقي معثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للأصنام ويزنوا" (رؤ2: 14). وذلك لكي يحل عليهم غضب الله، فينتصر عليهم عدوه.. ولا شك أنها كانت مشورة معثرة وشريرة.
فَتَخَيَّر أنت مشيريك، وابعد عن كل مشورة معثرة.
سواء صدرت ممن تستشيرهم، أو ممن يتطوعون لنصحك في حياتك. وقد يقدمون لك نصائح لا ترضي الله. وربما تأخذ صورة الإشفاق عليك، بينما لا يكون إشفاقهم روحيًا..
ومن العثرات التي يتعرض لها البعض، القدوات السيئة.
فلا تجعل هذا المر يعثرك، مهما كان الشخص الذي أعثرت بتصرفاته كبيرًا ولا يغير هذا الأمر من مبادئك شيئًا، ولا من حبك لله وكنيسته. وتذكر أنه قيل عن إيليا النبي العظيم "إيليا كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا" (يع5: 17).
ولتكن قدوتك الثابتة في السيد المسيح وسير القديسين. أما أخطاء الناس مهما كبروا فلا تجعلها تعثرك. فالخير هو الخير مهما بعد البعض عنه.. والكتاب المقدس ذكر لنا خطايا الأنبياء، لنعلم أن الإنسان هو الإنسان بضعفاته أيًا كان مركزه.
أما العثرات الخاصة في حياتك، فافحصها واعرف أسبابها وابعد عنها لأن التوبة لا تتفق والعثرات.
ابحث عن الأسباب التي تعثرك وتقودك إلى الخطية، ما هي؟ وهل هي قريبة منك؟ وكيف تبعد عنها؟ وهل هي داخل نفسك أم تأتيك من آخرين.
وابعد عن هذه العثرات على قدر إمكانك حتى لا تؤثر عليك. واهرب من الأصدقاء الذين يجربونك إلى أسفل ويفقدونك روحياتك. وردد ما نقوله باستمرار في الصلاة الربية "لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير"..