|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مزمور 43 (42 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير أحكم لي يا ربقلنا إن المزمورين 42 و43 يمثلان صرخة واحدة سجلها داود النبي وقدمها لبني قورح لتلحينها؛ في المزمور 42 يتحدث عن الماضي والحاضر أما المزمور 43 فيُعبر عن المستقبل. إنه مرثاة لها وجهان: وجه مُرّ وآخر مبهج، إذ يرى المرتل الآلام تنتظره لكن ليس بدون أمجاد، لهذا يُعبر المزمور عن شركة الآلام مع المسيح وخبرة مجد قيامته وبهجتها. يُقدم لنا الآباء ثلاثة تفاسير للمزمور: 1. يمثل المزمور لسان حال الراجعين من السبي البابلي[813]، وهو يتحدث بصيغة المفرد، إما لأن الراجعين يمثلون الشعب الواحد، أو لأن الراجعين كانوا قلة قليلة... وقد تهللت نفس الراجعين بنور الله وحقّه عندما انطلقوا بفرح إلى جبل الله، مشتاقين للتمتع بالمذبح المقدس، والتَّرنم بقيثارة الروح. 2. يرى العلامة أوريجانوس[814]والقديس أثناسيوس أنه مزمور السيد المسيح المتألم، الذي يُعاني من ظلم اليهود، الأمة غير البارة، ومن خيانة يهوذا، الإنسان الظالم الغاش... إذ حمل خطايانا صار كمن هو متروك من الآب، يُعاني في البستان من الحزن الشديد، إذ قبل كأسنا المُرّ! بالصليب دخل بنا إلى المذبح الإلهي الفريد، ووهبنا روح الفرح والتسبيح عوض الأنين والحزن! 3. يرى القديس أغسطينوسأن هذا المزمور هو حديث صادر عن النفس البشرية التي تشتكي من أمرين: الخطية كعدو داخلي، والأشرار كأعداء خارجيين. لكنها وجدت الله مخلصها الذي يرفعها إلى كنيسته، جبل المقدس ومسكنه، لتجد في ذبيحته الكفارية وفي سرّ الأفخارستيا ما يرد لها شبابها، فتفرح وتتهلل، لتقدم بكل حياتها سيمفونية حب عوض الحزن الشديد والمرارة. العنوان: في النسخة العبرية ليس لهذا المزمور عنوان، ربما لكونه تكملة للمزمور السابق. وجاء عنوانه في الترجمة السبعينية: "مزمور لداود"؛ أما في السريانية: "مزمور لداود عندما أبلغه يوناثان أن شاول يود قتله، وصلاة للنبي، وهو أيضًا يستخف باليهود". الإطار العام: 1. أحكم لي يا رب [1-2]. 2. التمتع ببيت الخلاص [3-4]. 3. الله مخلص وجهي [5]. في بيت الخلاص! 1. أحكم لي يا رب: "أحكم لي يا رب وانتقم لمظلمتي من أمة غير بارة؛ ومن إنسان ظالم غاش نجني" [1]. إنها تعزية فائقة لا يمكن التعبير عنها أن نكون قادرين أن نسأل الله كي يقضي لنا، فإن قضاءه حق، بغير محاباة، يتم ليس حسب المظاهر بل حسب القلب. من يقدر أن يُسلم طريقه لله بضمير صالح لا يخشى شيئًا. فإنه إذ لا يستطيع الأبرار أن يستخدموا الغش والظلم، الأسلحة التي يوجهها الأشرار ضدهم، لهذا فإن ملجأهم الوحيد هو الله؛ عندما يكون في صفهم لن يصيبهم ضرر حقيقي. إنني لا أخشى قضاءك، لأنني أعرف رحمتك. إنه يصرخ: "أحكم لي يا الله". الآن، إذ أنا في حالة تغرُّب لم تفصل (يا الله) مكاني (عن مكان الأشرار)، إذ يجب عليّ أن أعيش مع الزوان إلى وقت "الحصاد". إنك لا تفصل بين المطر الذي ينزل عليّ ومطرهم، لكنك تفصل في قضيتي. لتُميز بين من يؤمن بك ومن لا يؤمن. فضعفنا مساوٍ، لكن ضمائرنا ليست واحدة. آلامنا واحدة، لكن اشتياقاتنا ليست هكذا. اشتياق الشرير يُباد، أما اشتياق البار فكان يمكن الشك فيه لو أن الذي وعد غير مضمون، لكن موضوع اشتياقنا هو الله نفسه الذي يَعِد. القديس أغسطينوس يرى الأب أنثيموس أسقف أورشليم أن الحديث هنا يمثل صرخة إنسان بار مثل دانيال وهو في مرارة السبي، فإنه ليس من ينقذه وينقذ شعبه إلا الله وحده. يرى نفسه محوطًا بالأشرار سواء على مستوى الجماعة أو الأفراد، فهو في وسط أمة وثنية لا تعرف برّ الله؛ كل واحد منهم هو "إنسان ظالم غاش". أما أوريجانوس فيقول: [إن هذا القول هو من قبل ربنا يسوع المسيح الذي يلتمس المحاكمة بينه وبين اليهود، فيدعوهم أمة غير بارة، وعن الإنسان الظالم الغاش فهو يتكلم عن يهوذا مسلمه]. على أي الأحوال هذا القول ينطبق على الكنيسة جسد المسيح المتألم، كما هاجمته خاصته التي أحبها، وخانه تلميذه الذي أكل خبزه، هكذا كل عضو في جسده يتعرض للهجوم، فيتحقق فيه القول: "أعداء الإنسان أهل بيته". لنصرخ إلى الله حين يهيج قوم علينا أو أفراد، أحباء أو أعداء، متأكدين أننا أبناء الله موضع اهتمامه، نُنسب إليه وينسب نفسه إلينا بكونه إلهنا. "لأنك أنت هو إلهي وقوتي. لماذا أقصيتني؟ ولماذا أسلك كئيبًا إذ يحزنني عدويّ؟" [2]. يصرخ المرتل إلى الله بكونه إلهه الشخصي وقوته، فإن كان الكل قد فارقه أو صار مقاومًا له لكن يبقى الله وحده الملاصق له بكونه إلهه بل وقوته... فبدالة يصرخ: "لماذا أقصيتني؟" أو "لماذا تركتني؟". من حقي أن ألتجئ إليك وأعاتبك... فلا تتركني في حزني. إني أذهب حزينًا: فالعدو يزعجني بتجارب يومية، إما بحب دنس أو خوف بلا سبب. والنفس التي تقاومهما تتعرض لخطرهما حتى وإن كانت ليست تحت أسرهما، لذا تنقبض من الحزن وتقول لله: "لماذا؟". لماذا تسأل: "لماذا أقصيتني؟ لماذا أسلك حزينًا؟" فقد سمعت: "إنه بسبب الإثم". الإثم هو علة الحزن، فليكن البرِّ علة ابتهاجك! إنك تشتكي من العدو؛ هذا حقيقي فإنه يُضايقك، لكنك أنت الذي أعطيته الفرصة. الآن يوجد سباق مفتوح أمامك: اختر سباق الحكمة، انضم إلى ملكك، وأوصد الباب في وجه الطاغية. القديس أغسطينوس هذا ويلاحظ أن المرتل حتى في شكواه لله ضد العدو يقول: "لماذا أسلك (أسير) كئيبًا؟" لم يقل: "لماذا أنا محاصر في الحزن؟" بل "لماذا أمشي حزينًا؟" فإن أولاد الله لا يعرفون التوقف حتى إن حاصرتهم ضيقات من كل جانب بل هم دائمًا سائرون في الطريق الملوكي، الضيق بالنسبة للمؤمن الحقيقي يدفعه بالأكثر للعمل بل وللركض حتى يبلغ جعالة الله العليا. حين وقف العالم كله ضد القديس أثناسيوس لم يتراخ عن الجهاد بل قال في يقين واتكال على مخلصه: [وأنا ضد العالم]. ولم تتوقف القديسة مونيكا عن حركة العمل بالرغم من مقاومة زوجها وحماتها وأولادها حتى الخدم لها... وقدمت لنا بجهادها الروحي المستمر القديس أغسطينوس ثمرة دموعها. 2. التمتع ببيت الخلاص: إذ صرخ المرتل إلى الله إلهه ومخلصه وقوته معلنًا أنه يبقى سائرًا في الطريق الملوكي بالرغم من محاصرة الأحزان له ومضايقات الأعداء المستمرة له... الآن يطلب الله نورًا له يهديه إلى كنيسته بكونها بيته المقدس، بيت الخلاص. "ارسل نورك وحقك فإنهما أهديانني وأصعداني إلى جبلك المقدس وإلى مسكنك (خيامك)؛ فأدخل إلى مذبح الله تجاه وجه الله، الذي يفرح شبابي" [3-4]. أ. ما هو النور والحق اللذان يهديانني ويرتفعان بي للبلوغ إلى القمة جبل الله إلا السيد المسيح الذي هو "نور العالم" وهو "الحق". كثير من الآباء يرون أن النور هو الحب، والظلمة هي البغضة أو الكراهية؛ وكأن السيد المسيح وهو النور والحق يهبنا روح الحب الحقيقي لينتشلنا من ظلمة هذا العالم، ويحملنا إلى نور سمواته. لن نستطيع أن ندخل إلى العضوية الكنسية، كأعضاء في جسد المسيح ما لم نقبل الاتحاد مع المسيح الرأس، فيكون لنا نورًا وحقًا وحبًا. فإن هذا "النور" وذاك "الحق" هما في الحقيقة اثنان يُعبران عن حقيقة واحدة. لأنه ما هو نور الله إلا حقه؟ أو ما هو حق الله إلا نوره؟ شخص المسيح الواحد هو كلاهما. "أنا قد جئت نورًا إلى العالم حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة" (يو 12: 46)؛ "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6). هو نفسه "النور"، وهو نفسه "الحق". ليأتِ ويُخلصنا ويفصل في قضيتنا مع أمة غير بارة، وينقذنا من إنسان غاش وظالم. ليفصل الحنطة من الزوان، فإنه في وقت الحصاد سيرسل بنفسه ملائكته لكي يجمعوا من ملكوته كل أثيم ويطرحونه في لهيب نار، بينما يجمعون الحنطة معًا في الهري. القديس أغسطينوس يقول الأب أنثيموس أسقف أورشليم: [يقول النبي: "نور" ويعني "الفرح"، لأن الضيق والحزن هما قتام يظلم القلب؛ ومعناه ارسل فرحك الحقيقي وعونك ليبلغا بي إلى جبل صهيون وإلى مساكنك، أي إلى هيكل قدسك. وهذه هي طلبة المسبيين في بابل، الذين يلتمسون الاطلاق من أسرهم]. وأما القديس أثناسيوس الجليل فيقول: [إن هذه هي طلبة الأنبياء إلى الله الآب لكي يرسل ابنه الوحيد ربنا يسوع المسيح القائل: "أنا هو نور العالم، الذي يهدينا إلى أعلى السماء وإلى المساكن السماوية]. ويقل أوريجانوس: [إن جبل قدس الله هو ملكوته. وأما المساكن فهي مساكن القديسين، لأن ربنا له المجد يقول إن في بيت أبي منازل كثيرة]. ب. إن كان قبلًا في أنينه يقول: لماذا أسلك كئيبًا؟ فإنه لا يكتفي بالسلوك أو مداومة السير في الطريق الملوكي، إنما يطلب عونًا إلهيًا وتدخلًا إلهيًا لكي "يصعد"... هذا هو عمل السيد المسيح "المربي"، يهبنا روحه القدوس الذي يصعد بنا إلى جبله المقدس وإلى مسكنه، أي إلى الحضرة الإلهية (الجبل المقدس)، وإلى شركة القديسين بكونها سكنى الله وسط شعبه. يرى البعض أن ذكر "جبل الله" و "مسكن (خيام) الله" يُشير إلى أن الكاتب لا يمكن أن يكون قبل داود النبي ولا بعد سليمان، فقبل داود لم يكن يُعرف جبل مقدس لله، وبعد سليمان لم تُعرف الخيمة حيث بُني الهيكل. أما ذكر "خيام" بالجمع فلأنه في أيام داود النبي وُجدت خيمتان للعبادة الإلهية، واحدة في صهيون كما تكرر في الكتاب المقدس وأخرى في جبعون (1 أي 16: 37-39). على أي الأحوال لم يفصل الآباء حبنا لله عن تقديرنا لبيته، حتى في الغرب يحذر بعض الدارسين من تجاهل الارتباط ببيت الرب. يقول أحدهم إن من ليس فيه حب بيت الله هو بلا تقوى[815]، ويقول آخر[816]. إن الذين يقتادهم الله إنما يقتادهم إلى جبله المقدس وإلى خيامه، أما الذين يتظاهرون أن الروح يقتادهم (تاركين الكنيسة بيت الله) ينتكصون على أعقابهم، مخالفين الوصايا المكتوبة، هؤلاء بكل تأكيد يخدعون أنفسهم. جبله المقدس هو كنيسته المقدسة، ذلك الجبل الذي بحسب رؤيا دانيال كان حجرًا صغيرًا جدًا حطّم ممالك الأرض، نمى حتى غطى وجه الأرض. من كان خارج هذا الجبل لا يترجى الحياة الأبدية، فإن كثيرين يجتهدون في صلواتهم لأسباب كثيرة، لكن يلزمهم ألا يفرحوا بهذا الاجتهاد، لأن الشياطين أيضًا كانت نشيطة في صلواتها حين طلبت إرسالها لتدخل في الخنازير. لنشتهِ الجهاد لأجل بلوغ الحياة الأبدية، وبهذا الاشتياق نقول: "إرسل نورك وحقك". الخيمة هي للرُّحل وأما المسكن فهو للذين هم في شركة واحدة. الخيمة هي لأهل البيت ولمن هم في حالة حرب، لهذا عندما تسمع عن أخبار خيمة وتدرك وجود حرب احترس من العدو! القديس أغسطينوس ج. يُدعى بيت الله بيتًا للخلاص لأنه يقوم على ذبيحة الصليب بكونها سرّ المصالحة مع الله وتمتع بالاتحاد معه. لهذا كانت أنظار المرتل متجهة إلى المذبح، إذ يقول: "فأدخل إلى مذبح الله تجاه وجه الله". عندما نتحدث عن المذبح الذي يظهر في الهيكل فإننا نشير أيضًا إلى مذبح آخر يُقام داخل نفوسنا، ليس هو آخر بل هو واحد معه. (صلسس) لم يدرك أن نفس كل إنسان صالح منا إنما هي مذبح يرتفع منه بخور، بالحق والروح ذو رائحة ذكية، أي الصلوات بضمير نقي... في اختصار نقول إن جميع المسيحيين يُجاهدون في إقامة مذابح وتماثيل (مثل الكاروبين) من هذا النوع، ليست بلا حياة أو بلا مشاعر، بل هي قادرة على تقبل روح الله[817]. العلامة أوريجانوس نحن نفهم روحيًا أن الإيمان هو مذبح هيكل الله الداخلي، وإليه يرمز الهيكل المنظور. فكل عطية نقدمها لله، سواء نبوة أو تعليم أو صلاة أو تسبحة أو ترنم بالمزامير أو أي عطايا أخرى روحية نابعة عن الذهن، لن يقبلها الله إن لم تقدم بإيمان صادق، فتوثق تمامًا وتُثبَّت على هذا المذبح بغير حراك، عندئذ تخرج كلماتنا نقية بلا دنس[818]. القديس أغسطينوس المذبح السماوي الذي يقوم بيننا هنا هو اجتماع الذين كرسوا حياتهم للصلاة، فيكون لهم صوت واحد وفكر واحد[819]. القديس أكليمندس الإسكندري يدعو القديس أغناطيوس الأنطاكي[820] الكنيسة "مكان الذبيحة Thysiasterion" في أكثر من موضع، وذلك حين كتب رسائله وهو في طريقه إلى الاستشهاد. لقد عرف الكنيسة بكونها حياة مع السيد المسيح الذبيح، تتمتع بالأفخارستيا، جسد الرب ودمه، هبة المذبح للمؤمنين، وها هو ينطق ليُقدم حياته ذبيحة حب على مذبح الله خلال الاستشهاد.وكأن الكنيسة في حقيقتها هي الجلجثة التي تعلن الحب المتبادل بين الله والإنسان، فيها تُعلن ذبيحة المسيح الكفارية الفريدة على المذبح المقدس، وفيها أيضًا يشتهي المؤمن أن يموت كل النهار من أجل محبوبه الذبيح. هذا ما عبَّر عنه القديس أغسطينوس قائلًا[821]: [إنها الذبيحة الجامعة، يُقدمها الكاهن الأعظم لله، هذا الذي قدم نفسه بالآلام من أجلنا لكي يجعل منا جسدًا لرأس عظيم كهذا. هذه هي ذبيحة المسيحيين، حيث يصير الكل في المسيح يسوع جسدًا واحدًا فريدًا. هذا ما تُقدسه الكنيسة خلال سرّ المذبح! فإنها وهي ترفع القرابين لله تُقدم نفسها قربانًا له...!]. كما يقول: [لأنه يوجد في السماء مذبح معين غير منظور، لن يدنو منه الإنسان الشرير... ما هو نوع الذبيحة هناك؟ الذي يدخل هناك هو نفسه يُقدم ذبيحة محرقة]. د. إذ يدخل المرتل بيت الخلاص يترنم، قائلًا: "الذي يفرِّح شبابي" [4]. تحوَّل إلى شاب متهلل للروح لا يقدر الزمن أن يدخل به إلى الشيخوخة العاجزة، ولا الأحداث المُرّة أن تفقده فرحة الشباب. يرى القديس أغسطينوس أننا في هذا العالم كمن في حالة شيخوخة محزنة، لكن الله يعمل فينا ليدخل بنا إلى تجديد أبدي مفرح حيث نسمع قول السيد: "ها أنا أصنع كل شيء جديدًا" (رؤ 21: 5). نحن نختبر فرح الشباب خلال تجديد الطبيعة الذي نلناه في مياه المعمودية بالروح القدس الذي يجدد مثل النسر شبابنا، ويبقى الروح عاملًا فينا واهبًا إيانا تجديدًا مستمرًا خلال التوبة الدائمة وشركة الحياة مع الله، حيث نخلع أعمال الإنسان العتيق ونلبس أعمال الإنسان الجديد. يقول الرسول: "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة؛ الأشياء العتيقة قد مضت؛ هوذا الكل قد صار جديدًا" (2 كو 5: 17). 3. الله مخلص وجهي: إذ ينعم المرتل بالخلاص خلال كنيسة المسيح، موضع الذبيحة، وبيت الخلاص، يترنم بفرح قائلًا: "أعترف لك بالقيثار يا الله إلهي. لماذا أنتِ حزينة يا نفسي؟ ولماذا تزعجينني؟ توكّلي على الله فإني أعترف له. خلاص وجهي هو إلهي" [5-6]. أ. إذ يدخل المرتل إلى الكنيسة يجد ما هو عام خاص به، فالله إله الكنيسة كلها هو إلهه الشخصي... لذا يُكرر تعبير "الله إلهي". وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بدافع من حبه الشديد يمسك بالأمور العامة ويعتبرها خاصة به، كما اعتاد الأنبياء أن ينطقوا من وقت إلى آخر[822]]. ب. رفض اليهود المسبيين أن يعزفزا للرب التسابيح بآلات موسيقية علامة حزنهم وانتظارهم العودة إلى أورشليم مدينة الله المفرحة، وقد قيل في المزامير: "على أنهار بابل هناك جلسنا، فبكينا عندما تذكرنا صهيون. على الصفصاف في وسطها علقنا أداة ألحاننا (قيثارتنا)، لأنه هناك سألنا الذي سبونا أقوال التسبيح. والذين استاقونا إلى هناك قالوا: سبحو لنا تسبحة من تسابيح صهيون. كيف نسبح تسبحة الرب في أرض غريبة؟!" (مز 136 "137"). إذن العزف للرب بالقيثارة إنما يعني العودة إلى أورشليم حيث يمارس المؤمنون تسابيحهم ببهجة قلب. القيثارة كما سبق فرأينا تُشير إلى جسد المؤمن متى سلمه في يدي الروح القدس ليعزف على أوتاره تسبحة الحب والقداسة، فتشهد أعضاؤه وأحاسيسه ومشاعره وكل طاقاته لعمل الله وبره! يرى القديس أغسطينوس أنه يليق بنا أن نضرب على القيثارة والعود بطاعتنا للوصايا واحتمالنا الآلام... بهذا نسبح الله! أخيرًا إذ ينعم المرتل بعطايا الله ومخلصه، يطلب من نفسه ألا تبقى بعد منحنية ولا في أنين بل ترتفع وجهها لترى وجه الرب... تلتقي مع عريسها المخلص لتبقى معه في سمواته كما في بيت العريس الأبدي! في بيت الخلاص! حينما يقف الكل ضدي، أراك أيها المخلص تفتح لي جنبك المطعون، وتدخل بي إلى أسرار حبك، وتحسبني أهلًا للسكنى معك في مقدسك! ليعمل عدو الخير كل ما في وسعه، فإنني وإن امتلأت كآبة، لكنني فيك أسير متهللًا، ترفعني إلى بيتك، وتدخل بي إلى مذبحك، فأحسب نفسي لست أهلًا أن أتألم من أجلك! قدمت حياتك ذبيحة حب كفارة عن خطاياي، إقبل حياتي ذبيحة محرقة لأجلك! في بيتك أتمتع بمذبحك الإلهي، أتناول جسدك ودمك المبذولين عني! أقم مذبحك في أعماقي، ولتشتم عبادتي بخورًا طيبًا يصعد إلى سمواتك! لماذا تئن نفسي في داخلي، وها أنت تشتاق أن تراني، تحملني بروحك القدوس إلى سمواتك؟! لك المجد أيها الحبيب والمحبوب، فإنني أترقب يوم لقاك؛ أراك وجهًا لوجه وأنعم بشركة أمجادك! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|