احتقار النفس والاتضاع
ثالثا: احتقار النفس والاتضاع:
ان الإنسان الذي يبعد عن محبة المديح والكرامة، يحتقر ذاته فلا يسمح لاحد أن يمدحه، ولا يسمح لنفسه أيضا أن تمتدحه. والذي تمتدحه نفسه يجب أن يتذكر خطاياه ويقول كما يقول القديسون:
"أنا مازلت سائرا في الطريق ولم أصل بعد للنهاية. ومن يدرى ربما أضل في الطريق "من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1كو12:10). أنا لم أصل بعد".
انظر آلي المستويات التي هى أعلى منك. أما اذا نظرت آلي من هم أقل منك فانك تتكبر وتتعظم- لماذا كان اولاد الله متواضعين؟ لانهم كانوا يعرفون الكمال المطلوب منهم. كانوا يصلون آلي درجات عظيمة في النسك، في الصوم، في الصلاة، في أحتقار النفس، في كل شىء، وكانوا قدام أنفسهم ضعفاء ومساكين، لانهم يعرفون أن هناك درجات أعلى بكثير من حياتهم.
أن مدحتك نفسك قل لنفسك: "ماذا فعلت لكي تمدحنى نفسى؟". هل لصومك وصلواتك وعمل الوصايا تمدحك نفسك؟ اذا كانت صلاتك عادية فكثيرون يصلون بالمزامير. واذا كنت تصلى ببعض المزامير، فهناك من يصلون بالمزامير كلها. واذا كنت تصلى ساعة أو أكثر، فهناك من يسهرون الليل كله. واذا كنت تصلى الليل كله فهناك من يصلون النهار والليل في صلوات دائمة. آلي آي درجة وصلت في الصلاة؟ كان القديس ارسانيوس يقف مصليا عند غروب الشمس وهو ناظر آلي الشرق والشمس وراءه، ويظل قائما في الصلاة آلي ان تطلع الشمس أمامه. هل علمت مثله؟-درب القديس الانبا مكاريوس الاسكندرى نفسه على ان يصلب عقله عدة أيام فلا يمكن أن يمر في عقله أو في فكره شىء غير الله. آلي آي مدى وصلت انت؟ فهناك آباء كانوا يقضون أياما كثيرة في الصوم بالاسابيع وانت ماذا فعلت؟.
آلي أي درجة وصلت في الاحسان؟ هل تدفع العشور؟ وماذا تكون العشور، انها مبدأ يهودى وليست مبدأ مسيحيا. طالب الرب اليهودى بدفع العشور، أما عن المسيحيين فقال لهم "بع كل مالك وأعط للفقراء".. فهل بعت كل مالك؟ يقول الكتاب: "بيعوا أمتعتكم وأعطوا صدقة".. هل علمت هكذا؟ وأن بعت فعلا كل مالك هناك درجة أعظم من هذا: كان أحد القديسين متناهيا في الرحمة فباع كل شىء وأعطاه للفقراء. وعندما لم يجد شيئا آخر ليعطيه، باع نفسه عبدا واعطى تمن نفسه للفقراء.
قارن نفسك بهذه المستويات، فتحتقر نفسك وتتضع من الداخل. أن نظرت لمن هم أقل منك تنتفخ. كالتلميذ الذي ينجح وينال مجموعا 50%، أن قارن نفسه بالراسبين ينتفخ لانه ناجح، وان قارن نفسه بالناجحين بمجموع أكبر يتضاءل في عين نفسه. كذلك أنت، قارن نفسك بالمستوى الاعلى، فتشعر بأنك مازلت ضعيفا ومسكينا ولم تعمل شيئا بعد.
أعرف أيضا طبيعتك انك تراب ورماد وانك قابل للسقوط حاول أن تنكر ذاتك وأن تخفى فضائلك، فلا تقبل مديح الناس ولا مديح نفسك.
قيل عن اثنين من الشبان الرهبان انهما دخلا آلي مائدة الدير وكانت في ذلك الحين مقسمة آلي موائد للشيوخ وأخرى للشبان – فدعا الشيوخ واحدا منهما فجلس معهم، أما الاخر فذهب آلي مائدة الشبان. وبعدما خرجوا قال الذي ذهب آلي مائدة الشبان لزميله "كيف تجرأت وانت شاب تجلس مع الشيوخ؟ "فأجابه قائلا: أنني فضلت هذا لاننى لو كنت قد جلست عل مائدة الشبان لكانوا يمتدحوننى لانى أكبرهم وربما قدمونى في كل شىء ودعونى لقراءة البركة والصلاة،ولكننى عندما كنت جالسا على مائدة الشيوخ، كنت أحس بضعفى، وبأنى لا أستحق الكلام وجلست خجولا مطرقا طول الوقت.
هذا هو الفهم الحقيقى للنفس والمتكأ الاخير: أن يشعر الإنسان في نفسه من الداخل أنه هو فعلا في المتكأ الاخير. فهناك شخص من اجل اسم الاتضاع قد يختار المتكأ الاخير، والمجد الباطل يقتله. فاذا كنت تريد المتكأ الاخير فعلا، اجعل قلبك من الداخل في هذا المتكأ، شاعرا في عمق أعماقك أنك في المتكأ الاخير، حتى ولو أجلسوك في المتكأ الاول، قائلا لنفسك: ان كل هؤلاء الناس أفضل منى.
ان وقفت تدرس الاطفال في مدارس الاحد، أنظر اليهم أنهم ملائكة أفضل منك، وأطلب من الله أن تكون في بساطتهم ونقاوتهم وفي كرامتهم عند الله. كان أحد المدرسين في مدارس الاحد عندما يقع في مشكلة يطلب آلي أطفال فصله ان يصلوا من أجله في ضيقته. وكان يقول انى جربت صلاتهم في مشاكل حياتى، وكنت أشعر انها قوية ولها مفعول كبير أكثر من صلاتى الخاصة.