|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شروط اتّباع يسوع كلّنا نعرف أن الإنسان لا تكتمل إنسانيّته، إن لم يكن حرّاً. نسمع أحاديث كثيرة حول الحرية في المجال السياسي والاجتماعي، وفي المجال الثقافي الخ… ولكنّنا قلّما نتحدث عن الحرية، من حيث علاقة الله بنا. نحن نريد أن نكون أحراراً، والله خلقَنا أحراراً. لا يرغمنا على شيء أبداً. يقول يسوع: "مَن أراد أن يتبعَني…" مَن أراد! لم يرغم يوماً أحداً على اتّباعه. ويتابع يسوع: "مَن أراد أن يُهلكَ نفسَه من أجلي ومن أجل الإنجيل، فذاك يخلّصها". عن أيّة حريّة نتحدّث من حيث علاقتنا بالله؟ الحرية المطلقة إخوتي، عندما نتأمّل فيما صنع الله، وما وهب الإنسان، وما دعا الإنسان إليه، نقف مدهوشين بالمقارنة مع ما يجري في جميع المجتمعات، وعبر كلّ التاريخ، دون استثناء. عبر جميع مراحل التاريخ، وعبر كلّ المجتمعات، البشر كانوا كالقطعان… يُساقون… واليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، البشرية تُساق… لا تُقاد… تُساق كالقطيع. تُساق بالضغط، تُساق بوسائل الإعلام، التي تنخر الإنسان حتى العظم… تنخر الفكر فيه… تنخر التوجّه الذي يريد أن يختارَه… تنخر الحبّ الذي طُبع عليه… تنخر الحرية بالذات، فتُملي عليه وسائل الإعلام وشتى أنواع الضغوطات الموجودة في المجتمع، من ضغوطات المخابرات في الدول الكبرى، والدول الصغرى… كلّ ذلك يضغط على الإنسان، ويُملي عليه أحياناً كثيرة، أموراً لا يريدها وكلاماً لا يريده ولا هو مقتنع به، ومواقف لا يريدها ولا هو مقتنع بها، وتصرّفات أحياناً كثيرة، يُجرّ إليها جرّاً. الله يريدنا أحراراً. ولذلك قال يسوع: "مَن أراد…" المشكلة أنّ يسوع ذكّرنا بأنّنا أحرار، ولكنّنا كلّما قارنّا بالضغوطات القائمة في ذواتنا… في عائلاتنا، وفي المجتمع… على النطاق السياسي والإعلامي… وعلى النطاق الفكري… في كلّ العالم وفي مجتمعنا، نقف حيارى ونقول: "كيف لنا أن نوفِّق بين الحرية التي منحَنا إيّاها الله، والتي بها يدعونا إلى الرقيّ. حرية الله، كما قال يسوع، ترقى بالإنسان. يعود يسوع فيقول: "من أراد…" لم يرغم أحداً على اتّباعه… التلاميذ قال لهم: "اتبعني!" كثيرون قالوا له: "نتبعك!" فقال لهم: "الحيوانات لها أوجرة. وطيور السماء لها أوكار. أما ابن الإنسان، فليس له حَجَر يُسند إليه رأسه". وإذن، كما قال لهم، بعد أن غسل أقدامهم في العشاء الأخير: "ما من تلميذ أفضل من معلّمه… أنا أدعوكم لما أتيتُ من أجله… لتحرير الإنسان… لدعوة الإنسان إلى الارتقاء، من الأنانية الفردية والجماعية،إلى المحبّة الفردية والشاملة… أنا أدعوكم إلى التحرّر من كلّ ما يسوقكم وفق غرائزكم، إلى ما يوجّهكم ويوجّه عقلكم، نحوالحياة الإلهية على الأرض وإلى الأبد". يسوع يقرن دائماً كلامه بالبُعد الأبدي:"مَن يستحي بي، أستحي به أمام الله!" هناك دائماً في كلام يسوع، بُعدٌ إلهيٌّ، كثيراً ما يغيب عن بالنا. نتساءل أحياناً: "كيف لنا أن نعيش، كما يريد لنا يسوع أن نعيش؟" لَكَم من مرّة سمعتها، وخصوصاً من الكثير من الشبان والشابات: "أبونا، يسوع يطلب المستحيل!" وأقول دائماً:"يسوع يطلب ما يجب، في سبيلنا… يطلب المستحيل من وجهة نظر المجتمع". المجتمع يريد أن يكون قطيعاً، والقطيع يسير مغمض العين. الرب يريد لنا أن نكون أحراراً، لا قطعاناً.أن ندعو بعضنا البعض إلى الحرية التي ترقى بفكرنا، وترقى بقلبنا وعقلنا، وترقى خصوصاً بسلوكنا، لأننا كثيراً ما نكتشف أنّ هناك رقيّاً في الفكر والقول، وهناك سفالةً في السلوك. في الإنسان ذاته. هناك ازدواجية مخيفة أحياناً كثيرة. كم من مرّة سمعتها… هناك مَن يقول أقوالاً رائعة، ومَن لا تتطابق حياته وسلوكه مع أقواله… أحبّائي، دون أن أقول: "إنّ هذا الكلام استثنائي!"… لينظرْ كلّ واحد منكم - وأنا - إلى نفسه، ويتساءل: "إلى أيّ مدى أنا حرّ في نظر يسوع ؟" المشكلة أننا لا ننظر إلى ذاتنا وحرّيتنا من وجهة نظر يسوع! نحن تعوّدنا أن ننظر إلى ذواتنا من وجهة نظر المجتمع… ما يريد الناس، نفعل… ما يلبس الناس، نفعل… ما يلبسون في الغرب، نلبس مثله… ما يأتينا من الغرب مع العلامة المميّزة، نتهافت عليه… السلوكات الغربية نعتبرها هي، مثال الرقي الإنساني. أحبّائي، أدعوكم لأن تنظروا إلى ذواتكم من وجهة نظر يسوع. لا تقولوا: "هذا مستحيل!" قولوا: "هذا واجب علينا، لكي نكون بشراً أولاً، ثمّ مسيحيين". لا يمكن للإنسان أن يكون مسيحيّاً، إن لم يكن إنساناً. يسوع يدعونا لحمل الصليب. ما هو الصليب؟ الصليب لخّصه الإنجيل بهذه الكلمة: "هكذا أحبّ الله العالم، حتى إنه بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلكَ كلّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية". قلت لكم ذات مرّة، ردّ فعل شاب مسلم، وأعود وأقولها الآن: شاب في كلية الفلسفة بدمشق. كان يأتيني وأتبادل الآراء أنا وإيّاه، ويطلب كتباً لفلاسفة مسيحيين، وخصوصاً سيرهم الذاتية، من أمثال بيردياييف الروسي وغابرييل مارسيل الفرنسي. كنت أعطيه الكتب. إلى أن قال لي ذات يوم: "أبونا، قرأت للفلاسفة المسيحيين، ولكني أريد أن أقرأ الإنجيل". أعطيته نسخة من الإنجيل… غاب قرابة شهرين وعاد. أذكر تماماً كلّما رويت هذه الحادثة. أذكرها كما لو كانت تحدث الآن أمام عينيّ. كنت آنذاك في البطريركية. دخل… سلّم عليّ، وجلس… وصمَت… احترمت صمتَه، ثم بعد حين، قلت له وناديته باسمه: "ما بالك صامت؟" قال: "أبونا، بعد ما قريت الإنجيل، اكتشفت أنّو البشرية كلّها… كلّها… بدّا مليون سنة، تطّهر وتتنقّى، لحتى تصل للتراب هللي بدوسو السيد المسيح بأقدامه!" هل لدينا - نحن المسيحيين - شيء من هذا التصوّر الراقي عن يسوع، أم تُرانا نعترف بأننا مسيحيّون دون أن نعرف يسوع أو نحاول أن نعرفَه؟ اقرأوه… اقرأوه، لكي تشعروا بضرورة الارتقاء معه… ولو بلغنا أسفل قدمه، سنكون كباراً جداً. والذين سمعوا يسوع وأرادوا أن يتبعوه، هم الذين تركوا أنواراً عبر التاريخ كلّه، لا تزال نيّرة إلى اليوم. من أمثال التلاميذ الذين كانوا خلال الإنجيل - ومَن يقرأ الإنجيل يكتشف مدى تفاهتهم - انقلَبوا… انقلَبوا… مروراً بالقديس بولس، الذي أتى إلى دمشق مضطهِداً، وانطلق منها أعظمَ مبشّر عرفته المسيحية… واستعرضوا التاريخ، تجدوا أنّ كلّ مَن حاول أن يرتقي ليقترب من يسوع، كان كبيراً… حتى لو كان قابعاً في البيت يخدم الزوج والأولاد، أو الزوجة والأولاد… حتى لو كان قابعاً في مكتبه، في وظيفته، في مدرسته، يقوم بأمانة بما يقوم به… ليس حجم الإنسان بحجمه الاجتماعي. حجم الإنسان بحضور الله فيه. وهنا تكون الحرية الحقّة… الحرية الحقّة تُعتِق الإنسان من كلّ ما يحوّله إلى رقم في القطيع. منذ أربعة أيام تماماً، جاءني طالب جامعي. قال لي: "أبونا، من شهرين اجتمعت معك ودعيتني لقراءة أعمال الرسل. قرأت أعمال الرسل… بدّي قلك شو تأثّرت بأعمال الرسل! تفاجأت بأنّو التلاميذ بأعمال الرسل صاروا كبار… صاروا ما يخافوا شي… بينما بالإنجيل، كانوا يتخانقوا بين بعضن. مين أحسن من التاني! في أعمال الرسل، كبروا… قلبوا الدنيا… إذن - هذا كلامه - إذن، الذي غيّرهم يستطيع أن يغيّرني أنا أيضاً"… قلت له: "أدخلت فرحاً رائعاً لقلبي. استمر!"… اقرأوا - إخوتي - الإنجيل، واقرأوا أعمال الرسل، واقرأوا التاريخ… تاريخ المسيحية، لكي تعرفوا من هو يسوع. عندما يقول لنا: "من أراد أن يتبعني، فليحملْ صليبه ويتبعْني!"، يسوع ليس بالكائن والإله الخانع، ولا يدعو للخنوع. يسوع يدعو للكبر… يسوع يدعو للحب… للحب الحقّ النبيل النظيف، الذي يقدّم حياته من أجل الآخر. يسوع يدعو للقيامة… ليتنا نحاول أن نكون بحقّ، أبناء القيامة… آمين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
في اتّباع المعلّم مؤشّر لعمل النّعمة |
مكافأة اتّباع الرب |
اتّباع المسيح |
اتّباع المسيح |
اتّباع المسيح ربح |