|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السيد المسيح تعدى تقاليد الشيوخ تعدّي تقليد الشيوخ "حينئذ جاء إلى يسوع كتبة وفرّيسيون الذين من أورشليم، قائلين: لماذا يتعدّى تلاميذك تقليد الشيوخ، فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزًا؟" [متى :15 1-2]. بينما كانت الجماهير تشتهي أن تلمس هُدب ثوبه لتُشفى (مت 14: 36)، إذا بالكتبة والفريسيين لا يطيقون كلماته الملوكيّة ولا يحتملون حبّه الإلهي للبشريّة، فأخذوا منه موقف الناقدين والمجرِّبين. لقد أُؤتُمن الكتبة على كلمة الله لكي يكتبوها بدقّة، والفرّيسيّون لكي يفسِّروها للشعب، حتى متى جاء كلمة الله ذاته متجسّدًا يفرحون ويتهلّلون ويدخلون مع الشعب إليه ليملك في قلوبهم، ويستجيبون له بكل حياتهم. كان يليق بالكتبة والفرّيسيّين أن يتسلّموا بالأكثر قيادة الشعب منحنين أمام كلمة الله الحيّ الملك المسيّا، لكن إذ تحوّلت قلوبهم عن خدمة الكلمة إلى خدمة ذواتهم، صاروا رافضين الكلمة الإلهي ومقاومين له، وكأنه قد جاء ليسحب الكراسي من تحتهم أو يغتصب مراكزهم. جاء المسيّا ليملك على القلب، فقاومه هيرودس بينما كان السيّد طفلًا، لئلا يغتصب عرشه. وعندما بدأ خدمته لم يقدر الشيطان إلا أن يُعلن الحرب علانيّة خشية أن تنهار مملكة ظلمته. وفي أثناء الخدمة هرع أصحاب الكراسي والكرامات يقاومونه لئلا ينهاروا في أُعين الشعب. وبقي السيّد موضع هجوم حتى ارتفع على الصليب. وبينما تكاتفت القُوى لهدم مملكته، إذ بهذا الموقف يصير جزءً لا يتجزأ من إعلان ملكوته الخفي في قلوب الكثيرين، وإذ ظنّ المقاومون أنهم بالصليب يضعوا حدًا لنهاية عمله، إذ بهم يكتشفون أن الصليب عينه هو السبيل الوحيد لإعلان مملكته، واجتذاب الأمم إلى خلاصه المجّاني. فالمقاومة للحق لا تحطّمه، بل تفتح أمامه الطريق ليُعلن بأكثر قوّة وعلى أوسع نطاق. إن رب المجد يبقى مُقاوَمًا في شخصه وصليبه وإنجيله عبر الأجيال للأسف حتى ممن يحملون اسمه أحيانًا ،والذين يظهرون كأبناء مملكته. لكن بقدر ما تزداد مقاومته يتجلّى بوضوح وسط مملكته، ويشرق بهاؤه على الجالسين في الظلمة. ما أعجب ما قاله القديس أغسطينوس الذي قاوم الرب كثيرًا قبل قبوله الإيمان بفلسفته ودنس حياته، والذي كرّس كل طاقاته لحساب الملك المسيح عندما تعرّف عليه، فإنه يرى في المقاومين للكِتاب والهراطقة أنهم يدفعوننا بالأكثر إلى معرفة الأسرار، إن كنّا نعيش بتقوى، إذ يقول: [لتلاحظوا أيها الإخوة المقدّسين فائدة الهراطقة، هذه التي حسب تدبير الله الذي يستخدم حتى هؤلاء الأشرار استخدامًا نافعًا. فبينما ترتد تدابيرهم إليهم لا يرتدّ إليهم الخير الذي يُخرجه الله منهم[615].] تقليد الشيوخ اُتُّهِم السيّد بأن تلاميذه يتعدُّون تقليد الشيوخ بعدم غسل أيديهم حينما يأكلون خبزًا، وكانت إجابة السيّد: "وأنتم أيضًا لماذا تتعدُّون الله بسبب تقليدكم؟ فإن الله أوصى، قائلًا: اَكرم أباك وأمَّك، ومن يشتم أبًا أو أمّا فليمت موتًا. وأما أنتم فتقولون: من قال لأبيه أو أمه قربان هو الذي تنتفع به مني، فلا يكرم أباه أو أمه. فقد أبطلتم وصيّة الله بسبب تقليدكم" [3-6]. في دراستنا للتقليد رأينا تمييزًا واضحًا بين نوعين من التقليد: أولًا: تقليد هو وصايا للناس، يتعارض مع الوصيّة الإلهيّة لهدف أو آخر، كالمثال الذي قدّمه السيّد المسيح. فلأجل المنفعة الشخصيّة وضع قادة اليهود وصيّة تحمل مظهر العطاء الظاهري وتخفي كسْرًا للناموس الإلهي. كأن يستطيع الابن أن يَحرم والديه من حقوقهما، فلا يعولهما بحجّة أن ما يدفعه لهما يقدّمه قربانًا لله، فيكسِر وصيّة إكرام الوالدين ويكون كمن شتمهما بأعماله، وهذا أقسى من السبّ باللسان، إذ يحرمهما من حق الحياة الكريمة، ويدخل بهما إلى ضنك العيش تحت ستار العطاء للهيكل. وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إذ يسمع الآباء أن ما ينبغي تقديمه لهم صار من القربان المخصّص لله يحجمون عن أخذه من أبنائهم، حتى وإن كانوا في عوْز شديد لضرورات الحياة.] كما يقول: [بأن الفرّيسيّين كانوا محبّين للمال (لو 6: 14) فتظاهروا بجمعه للعطاء للفقراء، حارمين الوالدين من عطايا أولادهم.] هذا من جانب ومن جانب آخر قدّموا في تقليدهم بعض الحرفيّات والشكليّات في العبادة والسلوك، لا هدف لها سوى حب الظهور بثوب التديّن دون الروح الداخلي الحيّ. ثانيًا: تقليد حيّ حفظ لنا أسفار العهد القديم وقدّم لنا تفسيرًا لنصوصها، كما أعلن لنا الحياة مع الله خلال العبادة والسلوك، وحفظ لنا بعض المعرفة شفاهًا أو كتابة. الأمر الذي لا يرفضه العهد الجديد، لأنه غير مخالف للوصيّة الإلهيّة بل خادم لها، وقد استخدمه العهد الجديد نفسه، نذكر على سبيل المثال: أ. عن التقليد اليهودي عرف الرسول بولس اسمي الساحرين المقاومين لموسى النبي (2تي3: 8). ب. عنه نقل يهوذا الرسول مخاصمة ميخائيل رئيس الملائكة إبليس، محاجًا عن جسد موسى بروح متواضع بغير افتراء (يه 9). ج. ذكر العهد الجديد ما ورد في التقليد اليهودي أن استلام الشريعة كان بيد ملائكة. د. في أكثر من موضع أكّد الرسول بولس ضرورة الاهتمام بالتقليد، أو التسليم (1 كو 11: 34؛ 2 تي 1: 5؛ 2 تس 3: 6). نعود إلى كلمات السيّد موبّخًا الكتبة والفرّيسيّين ناقدي السيّد المسيح خلال حرفيّات وشكليّات أفسدت مفهوم الوصيّة الإلهيّة: "يا مراؤون، حسنًا تنبّأ عنكم إشعياء، قائلًا: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه ويُكرمني بشفتيْه، وأما قلبه فمبتعد عنّي بعيدًا. وباطلًا يعبدونني وهم يعلمون تعاليم هي وصايا الناس" [متى 15 :7-9]. يدعوهم مرائين لأنهم يَظهرون كمُدافعين عن الحق وهم كاسِروه، يحملون صورة الغيرة على مجد الله وهم يهتمّون بما لذواتهم. يتقدّمون كمعلّمين وهم عميان في حاجة إلى من يعلّمهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن كان يُحسب أمرًا خطيرًا ألا يكون للأعمى قائد (يرشده)، فكم بالأكثر إن أراد الأعمى أن يقود غيره[616]!] احتلّ الكتبة والفرّيسيّون الصفوف الأولى بين المتعبّدين، أمّا قلوبهم فلم يكن لها موضع قط بل هي مبتعدة عن الله بعيدًا، يعبدون الله ليس عن حب، وإنما لتحقيق أهداف بشريّة ذاتيّة، فصارت تعاليمهم "وصايا الناس". يُعلّق القديس غريغوريوس أسقف نيصص على كلمات السيّد هذه معلنًا اهتمام الله بالقلب نفسه، أكثر ممّا بكلمات العبادة أو العمل الظاهر. [ماذا يعني هذا؟ إن الاتّجاه السليم للنفس نحو الحق لهو أثمن في عينيّ الله من العبادات، فإن الله يسمع تنهُّدات القلب التي لا يُنطق بها[617]،] أي يريد الله نقاوة القلب الداخليّة أثناء العبادة لا المظهر الخارجي. ويقول الآب يوحنا من كرونستادت: [يلزم أن تكون صلاتنا عميقة وصادقة وحكيمة ومثمرة، تُغيّر قلبنا وتوجِّه إرادتنا للصلاح وتسحبنا من الشرّ[618].] |
02 - 12 - 2013, 10:05 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: السيد المسيح تعدى تقاليد الشيوخ
موضوع فى قمة الروعة
ربنا يبارك حياتك |
||||
02 - 12 - 2013, 06:35 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: السيد المسيح تعدى تقاليد الشيوخ
شكراً أختى مارى على مرورك الجميل
|
||||
02 - 12 - 2013, 08:33 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: السيد المسيح تعدى تقاليد الشيوخ
شكرا أخى مجدى على الموضوع الرائع |
||||
03 - 12 - 2013, 08:04 AM | رقم المشاركة : ( 5 ) | |||
..::| العضوية الذهبية |::..
|
رد: السيد المسيح تعدى تقاليد الشيوخ
موضوع جميل جداً شكرا جزيلاً أخي العزيز مجدى على المشاركة الجميل تحياتي وأحترامي . وربنا يباركك حياتك وخدمتك و يفرح قلبك والمجد لربنا يسوع المسيح دائماً..وأبداً.آمين |
|||
03 - 12 - 2013, 06:58 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: السيد المسيح تعدى تقاليد الشيوخ
شكراً على مروركم الجميل
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|