1- أصل هذه المزامير
من المعلوم أنَّ النصَّ العبريّ عرَف مئة وخمسين مزمورًا نُسبَت إلى داود في القديم، وشرحها العلماء في العصور الحديثة، فوجدوا أنَّها تُليَت في أوقات مختلفة من تاريخ شعب الله. جعلها التقليد على اسم داود، كما جعل الكتب الحكميّة على اسم سليمان، كما ربط كلَّ ما ورد في كتب الشريعة باسم موسى.
عرف التقليد المسيحيّ المزمور 151 في النصّ اليونانيّ السبعينيّ(1). وفي الهكسبلة(2) السريانيّة(3). ولكنَّ أحدًا لم يعرف بوجود خمسة مزامير تُزاد على المئة وخمسين مزمورًا التي نقرأها في الكتاب المقدَّس، إلى أن اكتشفها يوسف شمعون السمعانيّ في مخطوط سريانيّ من المكتبة الفاتيكانيّة(4). وانتظرنا قرنًا ونيّف لينشر العالم الإنكليزيّ رايت هذه المزامير عن مخطوط وجده في كمبريدج (يعود إلى نهاية القرن السابع عشر) وينقلها إلى الإنكليزيّة(5). وتبعه منغانا سنة 1927 فاستفاد من مخطوطين جديدين في مكتبة رندل هاريس(6) ونقل هذه المزامير إلى الإنكليزيّة(7). أمّا مارتن نوت الألمانيّ فنشر بطريقة علميّة هذه المزامير وألحقها بترجمة ألمانيّة وحاول أن يعيد كتابةَ ثلاثةٍ منها في نصِّها الأصليّ أي العبرانيّ(8).
وتســـاءل النقـــّاد: من أين جـــاءت هـذه المزامـير الخمســـة الــتي لا نقـــرأها إلاّ في الســـريانيّـة، فوجدوا أنّهــا تعود إلى محيط أسيانيّ(9). وصدق حدثُهم(10) فيما بعد يوم اكتشف العلماء في مغاور قمران القريبة من البحر الميت بعض المزامير المدوَّنة في العبريّة(11).
2- نصّ هذه المزامير السريانيّة
سنة 1972 نشر العالِم بارس النصّ السريانيّ لهذه المزامير بطريقة علميّة في إطار نصوص الكتاب المقدَّس كما وردت في البسيطة(12) واستند إلى المخطوطات التالية:
مخطوط بغداد (كان قبلاً في الموصل) في مكتبة بطريرك الكلدان (رقم 1113). كتبته يدٌ متقنة في القرن الثاني عشر تقريبًا. فصار المخطوط الأساسيّ لنشرة ليدن الأخيرة. يتضمَّن هذا المخطوط المزامير الخمسة المنحولة 151-155، في ترتيب لا نجده في أيِّ مخطوط آخر(13). نلاحظ في الهامش قراءات مختلفة عن النصّ الأساسيّ سنجدها في سائر المخطوطات، وهذا يدلّ على قدم مخطوط بغداد وعلى عناية الذين قاموا بنسخه.
مخطوط برلين. نجده في مكتبة الدولة الألمانيّة (شرقي 3122). نقرأ المزامير في نهاية الكتب النبويّة. يبدو أنّ الناسخ أخذ النصّ عن مخطوط إيليّا الأنباريّ(14) ونسخه في القرن الرابع عشر.
أمّا ما تبقّى من مخطوطات، فكلُّها أُخذت عن كتاب الدرس(15) للمطران إيليّا الأنباريّ: منغانا 31 (القرن الرابع عشر) وتنقصه الحركات، ومخطوط مكتبة كمبريدج (رقم 1995) يعود إلى القرن السابع عشر، ومخطوط آخر من برلين (3120) مؤرَّخ بسنة 1699، ومخطوط لندن المؤرَّخ بسنة 1733، ومخطوط الفاتيكان رقم 183 (1703) ومخطوط ساخو في برلين رقمه 132 (سنة 1880).
نُشير هنا إلى أنّ أقدم مخطوط للمزمور 151 يعود إلى سنة 598/599. نقرأه في ترجمة سريانيّة لشرح المزامير للقدّيس أثناز الإسكندرانيّ(16). عرف هذا المزمور التقليدُ السريانيّ(17) والملكيّ(18) والمارونيّ(19) ونقلته بعض الكتب الليتورجيّة إلى العربيّة(20).
3- كيف تبدو هذه المزامير في نسختها السريانيّة
قبل المزامير نقرأ عبارة: »وأيضًا مزامير خمسة لداود لم تُكتب في صفّ المزامير«. في أقدم مخطوط للمزمور 151 نجد مقدِّمة صغيرة هذه ترجمتها: »هذا المزمور المئة وواحد وخمسون كتبه داود وهو خارج العدد (الرسميّ)«. أمّا في مخطوط بغداد فتصادفنا مقدِّمة طويلة: »المزمور 151 لا وجود له في العبريّة. لا نجد السبب الذي لأجله كُتب هذا المزمور بحسب كلام أوسيب«. أمّا أثناز العالِم فيقول: »هي كلمات الافتخار بالربّ. فإن طلب منك، وأنت صغير أن تقوم بخدمة لإخوتك، فلا تتكبَّر عليهم. أمّا والله اختارك، فإن كنتَ لا تعطي المجدلة (فالويل لك)«. والطوباويّ مار ثاودور المفسِّر لم يكتب السبب. وهذه صورته في النسخات السريانيّة.
هذا في البداية، أمّا في النهاية، فإليك ما يقول مخطوط بغداد: »تمّ بعون ربِّنا مزامير الطوباويّ داود النبيّ والملك مع خمسة مزامير لم تحصَ في (النسخة) اليونانيّة ولا في (النسخة) العبريّة. أمّا وقد وُجدت في السريانيّة فنحن كتبناها لمَن طلبها(21)«.
ثمّ إنَّنا نجد قبل كلِّ مزمور مقدِّمة صغيرة على مثال ما نقرأ في كثير من المزامير القانونيّة(22). هذه المقدَّمات جاءت متأخِّرة. وحين زيدت على نصّ المزمور، ما عاد أحد يفهم التلميح إلى المحيط الذي خرجت منه. ولكن سيأتي وقت يكتشف فيه العلماء الجوّ الأسيانيّ الذي دُوِّنت فيه هذه المزامير المنحولة ووُضعت لها المقدِّمات المناسبة.
4- المزمور 151
والآن نعود إلى نصّ المزامير المنحولة الخمسة. المزمور الأوّل (151) عنونه الناشر: »فعل شكر لداود«. وأسبقه بمقدِّمة صغيرة يقول فيها: »(مزمور) لداود إذ قاتل جليات وحده«.
1 كنتُ صغيرًا بين إخوتي
وفتى من بيت أبي.
إذ كنت أرعى قطيع أبي
وجدتُ أسدًا ودبٌّا
فقتلتهما ومزّقتهما تمزيقًا(23).
2 يداي صنعتا آلة
وأصابعي ركَّبت كنارة.
3 من يدلُّني على ربّي؟
هو الربّ لي. هو الله لي.
4 أرسل ملاكه وانتزعني (وأخذني) من بين نعاج أبي ومسحني بزيت المسحة.
5 إخوتي حسان المنظر وطوال القامة، ولكنّ الربّ لم يرضَ بهم.
6 خرجت للقاء الفلسطيّ فلعنني بأوثانه،
7 فاستللت سيفه وقطعت رأسه، واقتلعت (انتزعت) العار من بني إسرائيل.
المزمور 151 هو مزمور مسيحانيّ، بمعنى أنّه يوجّه أنظارنا إلى الملك المسيح الآتي، وهو يروي كيف دعا الله داود ومسحه بالزيت المقدَّس. هذا المزمور معروف من زمان بعيد وقد أوردته التوراة السبعينيّة والهكسبلة السريانيّة. ما نلاحظه في السبعينيّة والكودكس الأمبروزيانيّ والهكسبلة السريانيّة ومخطوط الدير السريانيّ في أورشليم (رقم 1472) هو غياب الآية: »صادفت أسدًا ودبٌّا فقتلتهما ومزّقتهما تمزيقًا«. هذه العبارة التي أُقحمت في هذا المزمور نقلاً عن المزمور 153، ربطت هذا المزمور بحياة داود وأرفقته بالمزامير الأربعة الباقية المولودة في محيط أسيانيّ. أمّا المزمور 151 فهو شاهد على الجماعة اليهوديّة العائشة في الإسكندريّة بمصر.
5- المزمور 152
هذا المزمور يقابل المزمور الرابع في كلِّ المخطوطات. أمّا في مخطوط بغداد فنقرأ: المزمور 152. ليس من أسباب قيل لأجلها هذا المزمور لا في نظر أوسيب ولا أثناز ولا مار ثاودور المفسِّر. ولكن دوِّنت هذه المزامير الأربعة على الوجه التالي.
بعد هذه التوطئة، تأتي مقدِّمة المزمور: »قاله داود يوم قاتل الأسد والدبّ اللذين أرادا أن يأخذا نعاجًا من قطيعه.
1 إلهي إلهي(24)، تعال إلى معونتي، ساعدْني وخلِّصني، ونجِّ نفسي من القاتلين.
2 هل أنزلُ إلى الجحيم في فم الأسد؟
أم يَظفُر بي الأسد فلا أكون(25)؟
3 لم يكفهما أنّهما كمنا لغنم أبي، ومزَّقا نعجة من القطيع(26) (الحظيرة). هما يطلبان نفسي ليُهلكانها!
4 أشفقْ أيّها الربّ على مَن اخترت، ونجِّ مَن طهَّرتَ (نقيّك) من الهاوية(27).
لبِثَ على تسابيحك كلَّ أوقات حياته ويسبِّح اسمك العظيم(28).
5 فأنت خلَّصته (عبدك) من الموت(29) المفسد(30)، وأعدتني من الأسر(31) من فم الوحوش(32).
6 أسرع يا سيّدي(33). أرسل من أمامك (لدنك، عندك) منقذًا، وانتشلْني من الهوّة التي تفغر فاها وتريد أن تحبسني في أعماقها.
هذا المزمور هو شكوى فرديّة فيه يقابل المرتِّل أعداءه بوحوش مفترسة. ولكن يجب أن نفسِّره تفسيرًا رمزيٌّا، فلا نكتفي بالقول إنّه يرسم أمامنا مشهدًا من حياة الرعاة: لمّا كان داود فتى يرعى قطيع والده هاجمه أسد ودبّ. فالمرتِّل يطلب من الله أن ينجّي نفسه من القاتلين، كما يحدِّثنا عن أسر الراعي داود وسط الوحوش المفترسة. نفهم الأسر هنا بالمعنى الرمزيّ. كان المرتِّل أسيرًا بين أعدائه وكان مكلَّفًا بجماعة دينيّة هي قطيع أبيه الذي هاجمه الأعداء وأرادوا أن ينتزعوا بعضًا منهم. وما اكتفوا بالهجوم على القطيع وحده، بل طلبوا حياة داود. هذا ما نقرأه في المدائح (2: 21): »حفظتَني من فخاخ الهاوية، لأنّ أشدّاء طلبوا حياتي«.
6- المزمور 153
هذا المزمور يقابل المزمور الخامس في سائر المخطوطات. وهذه مقدِّمته: »قاله داود حين شكر الله الذي خلَّصه من الأسد والدبّ، وقتل الاثنين بيديه«.
1 هلّلوا للربّ يا كلَّ الشعوب، سبّحوه وباركوا اسمه.
2 لأنّه نجّى نفس صفيِّه من أيدي الموت، وأنقذ تقيَّه من الهاوية.
3 خلّصَني من أشراك الجحيم وأخرجَ نفسي من الهوّة التي لا تُسبر أعماقها.
4 فلولا قليل، لو لم يأتِ (يخرج) خلاصي من عنده، لصرتُ قطعتين لوحشين.
5 ولكنّه أرسل ملاكه، فسدَّ عنّي الأفواه الفاغرة، وأنقذ حياتي من الهاوية.
6 لتسبِّحْه نفسي، ولتعظِّمْه على كلِّ نعمه التي صنعها ويصنعها لي.
هذا المزمور هو كسابقه شكوى فرديّة يُطلقها المؤمن، وهو يتجاوب مع المقدِّمة. نُقل عن العبريّة فجاءت كلماته قريبة ممّا نقرأ في مدائح قمران. فأشراك الجحيم (أو مثوى الموتى أكانوا أشرارًا أو أخيارًا)، تذكّرنا بالعبارة العبريّة »موقشي شحت« التي نقرأها في العمود الثاني السطر 21. وما نقرأ في الآية الخامسة من هذا المزمور، يجد صداه في مدائح قمران 5: 9-11: »سددتَ أفواه الأشبال التي أسنانها كسيف... نواياهم أن يمزّقوا. كمنوا، ولكنّهم لم يفتحوا عليّ أفواههم، لأنّك أنت يا إلهي سترتني من وجه بني آدم«. ونشير أخيرًا إلى كلمة »صفيّه« التي نجد فيها تلميحًا إلى المزمور 16: 10: »لا تترك في الجحيم نفسي، ولا تدع صفيَّك يرى الهاوية«. هذا المزمور الذي يحمل معنى مسيحانيٌّا، طَبع بطابعه المزمور 153.
7- المزمور 154
ما زلنا نقرأ النصّ السريانيّ كما ورد في نصّ بطريركيّة الكلدان في بغداد، ونتبع تسلسل مزاميره. أمّا المزمور 154 فهو يقابل المزمور الثاني في سائر المخطوطات، وهذه مقدِّمته: »صلاة حزقيّا حين أحاط به الأشوريّون(34)، فسأل الله أن ينجّيه منهم. كما أخذ الشعبُ من كورش أمرًا ليرجعوا إلى بلادهم، وسألوا الله أن يتمِّم مبتغاهم«.
1 سبّحوا الله بصوتٍ عالٍ، أسمعوا تمجيده في الجماعة الكبيرة(35).
2 بين المستقيمين الكثيرين سبّحوه وامدحوه(36)، ومع الأمناء أخبروا بتسبيحه.
3 شاركوا الأخيار والودعاء في تسبيح العليّ.
4 إجتمعوا معًا وعرّفوا بقدرته، ولا تضجروا من إظهار مجده للبسطاء(37).
5 ولكي يعرف محبّو الربّ، أُعطيَت الحكمة.
6 ولكي تُروى أعماله، عُرفتِ الحكمة لدى البشر.
7 ليعرّفوا البسطاء بقوّته، وليُفهموا مجده للناقصي اللب،
8 البعيدين عن مدخله، المفصولين(38) عن بابه.
9 لأنّ ربّ يعقوب عليٌّ هو، وعظمته فوق كلِّ صنائعه.
10 والإنسان الذي يسبّح العليّ، يرضى عنه العليّ كما لو قرّب السميذ،
11 كما لو قرّب تيوسًا وعجولاً، كما لو صبَّ دهنًا على المذبح بوقائد عديدة، ومثل رائحة الأطياب من يد الصدّيقين.
12 من أبواب الصدّيقين يُسمع صوتَه(39)، ومن قول الأبرار نصيحتَه.
13 عندما يأكلون يشبعون بالحقّ، وعندما يشربون على مائدتهم معًا.
14 أحاديثُهم(40) في نشر شريعة العليّ، وكلامُهم للتعريف بقوّته.
15 ما أبعد كلامه عن الأشرار ومعرفتَه عن كلِّ الأثمة.
16 ها عين الربّ على أهل الخير لترحمهم.
17 وعلى مسبّحيه يُكثر المراحم، ومن الزمن الشرّير يُنقذ نفوسهم(41).
18 تبارك الربّ الذي خلّص البائسين من يد الأغراب، وأنقذ الودعاء من يد الأشرار.
19 الذي يقيم قرنًا(42) من يعقوب وقاضي الأمم من إسرائيل.
20 الذي يُديم مسكنه في صهيون ويُهيّئه في أورشليم إلى أبد الآبدين.
عنوان المزمور يربطنا بحدثين من تاريخ شعب الله. الحدث الأوّل: حصار أورشليم على يد سنحاريب الملك سنة 701 ق.م. الربّ سينجّي مدينته فيعود الأشوريّون إلى بلادهم. الحدث الثاني: نداء كورش برجوع جميع المسبيّين من الشرق، كلٌّ إلى بلاده. كان ذلك سنة 539، فعاد بعضُ اليهود إلى أورشليم، ورمَّموا مذبح المحرقات بانتظار أن يبنوا الهيكل ويرمّموا أسوار أورشليم(43).
أمّا جسم المزمور وصوَرُه ومفرداته، فتنقلنا إلى عالم الأسيانيّين، وهذا واضح انطلاقًا من الكلمات التي تدلّ على جماعة قمران. منذ البداية نقرأ: الجماعة الكبيرة أو جماعة الكثيرين، وهي نقل عن عبارة عبريّة (هعده هربيم) تشير إلى الأسيانيّين. وفي الآية الثانية تعود كلمة الكثيرين التي تشير إلى أعضاء هذه الشيعة العائشة في برّيّة يهوذا. وتتوافد التسميات: المستقيمون، الأمناء(44) والودعاء(45) والبسطاء(46) والبائسون(47). أبناء قمران يحبّون النصيحة والتعليم (آ12)، وهم يشتركون معًا في وليمة ليتورجيّة يفصلون فيها الخبز عن الخمر(48). يقدِّمون ذبائح ومحرقات ووقائد، شأنهم شأن سائر اليهود، ولكنَّهم يعتبرون أنّ نشيد الحمد يساوي كلَّ الذبائح إن لم يتفوّق عليها. فقوانين الجماعة (9: 4-5) تقول: »نستطيع أن نكفِّر عن التمرُّد الخاطئ وعن ذنب الكفر ونحصل على النعمة خارجًا عن لحم المحرقات وشحم الذبائح«.
وينتهي المزمور في انطلاقة رجاء مسيحانيّة. فالقرن يطلع من يعقوب، وقاضي الشعوب ينهض من بني إسرائيل. نتذكَّر هنا المزمور 132: 17 حيث نقرأ: »أنبتُ لداود قرنًا وأعدُّ لمسيحي سراجًا«. أقيم لداود نسلاً وأحافظ على دوره كملك. أخذته ومسحته بالزيت المقدَّس.
8- المزمور 155
إنّ المزمور 155 الذي يقابل المزمور الثالث في سائر المخطوطات، هو فعل شكر شخصيّ ترافقه شكوى: المؤمن مُتَّهم وهو بريء. لهذا يرفع صلاته إلى الربّ بعد أن حصل على عون الربّ وحصل على نعمة الشفاء. القسم الأوّل (1-7) يقدِّم لنا صراخ رجل في الضيق. والقسم الثاني (8-14) يرينا ذلك الرجل واقفًا أمام الربّ، طالبًا أن تخفّ حدّة العدالة وأن ينقلب ألمه خبرة في معرفة شريعة الله. في القسم الثالث (15-21) يُعلن المرتِّل أنّه إن نجا فسيُعلن طرق الربّ ويحدِّث بأعماله أمام الكثيرين. أجل بعد أن صرخ فاسترعى انتباه الربّ وطلب أن يطهَّر من آثامه ولا يدخل في تجربة، حوّل شكواه إلى نداء من أجل المغفرة والرحمة.
وبعد، هذه هي مقدِّمة المزمور: صلاة حزقيّا حين أحاط به الأشوريّون فسأل الله أن ينجّيه منهم(49). وهذا هو نصّ المزمور:
1 أيّها الربّ إليك أصرخ، أنصتْ إليّ
2 بسطتُ(50) يديَّ نحو ديارك المقدَّسة.
3 أمِل أذنك وهب لي ما أسأل،
4 ولا ترفضْ لي طلبتي،
5 أطلبْ(51) نفسي ولا تخرِّبها،
6 ولا تعرِّها أمام الأشرار.
7 يا ديّان الحقّ، رُدَّ عنّي الذين يتجاوزون الشرّ.
8 أيّها الربّ لا تحكم عليّ بحسب خطاياي، لأنّه لا يبرُّ أمامك كلُّ حيّ.
9 أفهمْني أيّها الربّ شريعتك، وعلِّمْني أحكامك(52)،
10 فيسمع الكثيرون بصنائعك ويمدح الشعوب وقارك.
11 أذكرْني ولا تنسَني، ولا تُدخلْني بين الذين يقسون عليّ.
12أجز عنّي خطايا صباي، ولا تذكر لي تمرُّدي.
13 نقّني أيُّها الربّ من البرص السيّئ فلا يَعُد إليّ من بعد.
14 إجعل أصولَه يابسة فلا تنبت أوراقُه فيّ.
15 منيع وعظيم أنت يا ربّ، لهذا تستجيب سؤالي أمامك.
16 إلى مَن أرفع شكواي، فيهبني (الخلاص)، وماذا تزيدُني قوّةُ البشر؟
17 من عندك أيّها الربُّ اتّكالي. دعوتُ الربّ فأجابني وشفى كسر قلبي.
18 رقدتُ ونمتُ وحلمتُ واستيقظتُ،
19 والربّ عضدني. أشكر(53) الربّ لأنّه نجّاني.
20 الآن أشاهدُ خزيَهم. رجوتُك فلا أخزى. هب المجد لك إلى الأبد وإلى أبد الآبدين.
21 خلِّص إسرائيل صفيَّك وبيت يعقوب الذي اخترته(54).
وينتهي النصّ بالخاتمة: »كمُل بمعونة ربِّنا كتابُ المزامير للطوباويّ داود النبيّ والملك. مع خمسة مزامير ليست في اللائحة اليونانيّة ولا في اللائحة العبريّة. ولكنَّها وُجدَت، كما يقولون، في اللغة السريانيّة فكتبناها لمَن يطلبها«.
خاتمة
تلك هي المزامير الخمسة التي وجدها أوّل مَن وجدها العلاّمة يوسف السمعانيّ سنة 1759 في مخطوط سريانيّ، في المكتبة الفاتيكانيّة. وذاك هو ارتباطها بعالم الأسيانيّين العائشين في مغاور قمران. أمّا موقعها فنجده بين المزامير القانونيّة كما نقرأها في الكتاب المقدَّس، وبين عدد من المزامير عرفها العالم اليهوديّ المتأخِّر فوردت في كتب الصلاة لدى قمران كما في مزامير سليمان التي دوِّنت بعد سقوط أورشليم سنة 63 ق.م. على يد بومبيوس الرومانيّ، فارتبطت بعالم الفرّيسيّين.