|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف عزل الدكتور مرسي نفسه؟ تظهر أحداث مصر أنه لا يمكن اختزال الديموقراطية بالانتخابات، مهما كانت نزيهة، وأن حكم الأغلبية فيها سرعان ما تحول إلى دكتاتورية تُملي فيها المجموعة الحاكمة أجندتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دون اعتبار للرأي الآخر ركّزت وسائل الإعلام الأجنبية على إشكالية الإطاحة بالرئيس المصري المنتخب الدكتور محمد مرسي، ولكنه في الحقيقة أسهم في الوصول إلى تلك النتيجة، وعزل نفسه بنفسه. وتُظهر أحداث مصر أنه لا يمكن اختزال الديموقراطية بالانتخابات، مهما كانت حُرّة ونزيهة، وأن حُكم الأغلبية فيها سرعان ما تحول إلى دكتاتورية تُملي فيها المجموعة الحاكمة أجندتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دون اعتبار للرأي الآخر والفئات الأخرى في المجتمع، وهو تحول رأيناه من قبل في العراق وإيران وغيرهما من دول المنطقة. عندما انتخب مرسي رئيساً لمصر في يونيو 2012، رحب الكثيرون في المنطقة وخارجها بانتصاره، وعقدوا آمالهم بأن فجراً جديداً من الديموقراطية قد أطل على مصر. وأذكر أنني كنت في السويد يوم تنصيبه رئيساً (في 30 يونيو 2012)، وكتبت وقتها لـ"الوطن" عن حماسة السويديين واستبشارهم بذلك الحدث، باعتبار مرسي أول رئيس يأتي للسلطة عبر انتخابات تعددية حقيقية في تاريخ مصر، وتزامن ذلك باختيارات مشابهة في تونس وغيرها. (الوطن: فوز مرسي والمرزوقي وعبدالجليل.. ثأر الشطار، 3 يوليو 2012م). وأشرتُ في ذلك الحين إلى أن الترحيب بمرسي شابه التردد والتخوف، وحذرت في المقال من أن "من المهم أن تتذكر الحكومات الجديدة أنها مجرد حكومات مؤقتة، تم اختيارها لوضع دستور جديد وصياغة عقد اجتماعي جديد، وليس من الحكمة أن تحاول احتكار السلطة وإقصاء الأقليات". وذكرتُ تخوف البعض أن مصر، مع أن بها أقدم جهاز للدولة عرفه التاريخ، لم تترسخ فيها تقاليد الديموقراطية. وزادهم قلقاً سُمعة حركة "الإخوان المسلمون"، وهي القوة الحقيقية خلف مرسي وحزب الحرية والعدالة، وما تُتّهم به من حرص على السُلطة والاستئثار بها. وكانت التحديات التي تواجه مصر تجعل من الصعب التكهن بقدرتها على التحول إلى دولة ديموقراطية مستدامة بين عشية وضحاها. فالدكتور مرسي، أولاً، لم يحصل على تفويض قوي أو واضح من الشعب المصري، خلافاً لما كان يقوله مؤيدوه. فلم يفز بالأغلبية في الدورة الأولى من الانتخابات، وفي الدورة الثانية لم يحصل إلا على أغلبية ضئيلة (51.7%). ثم كانت هناك تركة مجموعة "الإخوان المسلمون"، وتخوف بعض المصريين من أنها قد تمارس نفوذاً غير قانوني من خلف الستار، دون أن تكون منتخبة من قبل الشعب أو مسؤولة أمام أجهزة الدولة. ولكن العهد الجديد سرعان ما نسي أنه لم يأت بتفويض واضح يسمح له بفرض أجندة معينة على الشعب، بل تم انتخابه للإشراف على ترتيبات مرحلية يجري خلالها وضع دستور جديد والاتفاق على عقد اجتماعي جديد بين المصريين والدولة المصرية. ولذلك فقد كان من غير المقبول أن تحتكر الحكومة الانتقالية السلطة وتُقصي الأقليات، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو إقليمية أو عرقية أو دينية. وكان في لُبّ الإشكالية الاختلاف حول المعنى الحقيقي للديموقراطية بين حُكم الأغلبية مع مراعاة حقوق وآراء الأقليات خارج الحكم، وبين الدكتاتورية والتسلط الذي يمكن أن تمارسه تلك الأغلبية. وظهر مرسي كما لو كان غير قادر، وربما غير راغب، في حكومة تعددية شاملة. فبعد الفوز في الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، لم يسعَ مرسي، وحزب العدالة والحرية، وحركة الإخوان، إلى الحكم عن طريق التحالفات المألوفة في الدول الديموقراطية، وحاولوا فرض سياسات أحادية، ولم يستجيبوا لمطالب أعضاء التحالف الذين مكنوهم من الفوز في الانتخابات، من خارج حركة الإخوان. واختلط التسرّع مع محدودية التجربة السياسية في الإجراءات التي صاحبت عملية تغيير الدستور. فغادر الأعضاء المستقلون الجمعية التأسيسية التي أوكل إليها وضع مسودة الدستور الجديد، في احتجاج واضح وعلني على تلك الإجراءات، ومع ذلك أصر ممثلو الإخوان ومؤيدوهم على المضي قدماً في وضع مسودة للدستور، أُحادية التوجهات، مما أثار انتقادات كثيرة داخل مصر وخارجها. وفي 22 نوفمبر 2012، ازدادت الحالة سوءاً حين أصدر مرسي الإعلان الدستوري الذي نص على تحصين قراراته من المراجعة القضائية، وصاحبته احتجاجات حادة ومظاهرات صاخبة، مما فرض على مرسي تعديل الإعلان وإلغاء أكثر نصوصه إثارة للجدل. وأكدت تلك المناوشات القانونية المخاوف التي أبداها البعض منذ البداية بأن الحكم الجديد يسعى للاستئثار بالسلطة، وإقصاء المختلفين معه بالرأي. ومما أضعف الثقة بالرئيس عجز الإدارة الجديدة عن فرض الأمن واستعادة النشاط الاقتصادي. ففي الجانب الأمني، وعلى الرغم من أن قوات الأمن ظلت متماسكة نسبياً، استمرت معدلات الجريمة في الارتفاع، ووقعت جرائم مروعة، ولم يتمكن الرئيس من تحقيق وعده باستتباب الأمن والاستقرار. وازداد الاحتقان والعنف الطائفي سوءاً، واشتكت الأقليات من استهدافها من قبل متشددين وفشل السلطات في ملاحقتهم، وعدم قدرة مرسي شخصياً على استخدام منصب الرئاسة لتهدئة التوتر الطائفي. وفي الجانب الاقتصادي، لم تتمكن الحكومة الجديدة من تحريك النشاط الاقتصادي بالشكل المطلوب، فمصر أكبر دولة عربية سكاناً (85 مليوناً)، وثالث أكبر اقتصاد عربي (بعد السعودية والإمارات) يبلغ حجمه نحو (260) مليار دولار، ولكن الفوضى وسوء إدارة الأزمة اقتصادياً أديا إلى تخفيض معدل النمو الاقتصادي بنحو (70%)، وإلى تخفيض التصنيف الائتماني لمصر عدة مرات، مما جعل من الصعب عليها، ومن المكلف مالياً، الاقتراض في الأسواق المالية. وفشلت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في التوصل إلى اتفاق بشأن القروض التي وعد بها الصندوق. وارتفعت أسعار الخبز وغيره من السلع الأساسية، وأصبحت أخبار طوابير الخبز في مقدمة نشرات الأخبار. وكانت القشات الأخيرة التي قصمت ظهر البعير اقتصادياً انقطاع الكهرباء المتكرر ونقص البنزين. فبحلول شهر يونيو 2013، ازدادت فترات انقطاع الكهرباء مع اشتداد حرارة فصل الصيف، وأصبحت محطات البنزين في مناطق كثيرة من القاهرة وخارجها عاجزة عن توفير احتياجات المصريين من الوقود. وأصبحت طوابير الخبز وطوابير محطات البنزين شواهد على فشل مرسي وحكومته في التصدي لمشاكل الاقتصاد. وتحدث المتعاطفون مع مرسي عن وجود مؤامرات ساهمت في ارتفاع أسعار الخبز والمواد الأساسية، وفي نقص المعروض من البنزين، وانقطاع الكهرباء. ولكن تلك الاتهامات لم تُقنع كثيراً من المصريين بإعطاء مرسي فرصة أخرى. فبنهاية شهر يونيو، خرج ما قُدر بنحو (30) مليون متظاهر في أنحاء مصر، يطالبون بتنحي مُرسي وإجراء انتخابات جديدة لاختيار قادة جدد لمصر. وأعقب ذلك، كما نعرف، تنحية مرسي وتنصيب رئيس مؤقت ورئيس حكومة مؤقتة. وربما رأى المؤرخون يوماً في مصير مرسي وفترة حكمه القصيرة مثالاً على اقتناص الفشل من براثن النجاح والفرص التاريخية التي قلما تتكرر. بوابة الفجر الاليكترونية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|