|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ميخا "لا ترفع أمة على أمة سيفا ، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد" " مى 4 : 3 " مقدمة عاش أفلاطون الفيلسوف اليونانى ما بين عامى 428 ، 348 ق. م. ، ومع أنه كان فى الأصل رجلاً غنياً متمتعاً بخيرات كثيرة ، لكن قلبه كان ممتلئاً من الألم والأحزان على مآسى الناس حوله ، لقد وجد أن الجهل والشر والتعاسة من نصيب جميع الأمم والقبائل ، وجلس الرجل يفكر فى عالم أفضل من العالم الذى يراه ، وبات يحلم باليوم الذى ينتهى فيه نزاع الناس ، وتموت أطماعهم وتنتهى حروبهم ومخاوفهم ، ومن أجل ذلك كتب كتابه « الجمهورية » يتخيل فيه العالم السعيد والجمهورية تقسم الناس إلى ثلاث طبقات ، الطبقة العالية طبقة الحكام والرؤساء ، والطبقة المتوسطة طبقة رجال الجيش ، والطبقة السفلى طبقة التجار والزراع والصناع ، ويقول أفلاطون إن الموسيقى والألعاب الرياضية والفضيلة ينبغى أن تنتشر فى جمهوريته هذه ، وقد حاول أن يطبق هذا النظام فى مدينة سراكوسا بصقلية إذ كان صديقاً لملكها ، غير أنه فشل وطرد وكاد يعرض حياته للهلاك ، .. وبعد مدة طويلة أدرك أفلاطون نقطة الخطأ فى جمهوريته ، إذ أنه فى البداءة لم يتنبه كثيراً إلى اللّه الذى يحفظ هذه الجمهورية ، ويحرسها ، ولأجل ذلك عندما كتب كتابه « القوانين » صحح هذا الخطأ ، ودعا إلى الإيمان باللّه والدين !! .. . ولو أن أفلاطون قرأ ما كتبه ميخا وإشعياء من قبله بقرنين ونصف من الزمان لاستطاع أن يفهم كيف يتحقق هذا العصر الذهبى للعالم ، ... إنه لا يمكن أن يتم إلا باللّه ، وفى اللّه ، ... ولسنا نعلم أيهما كان أسبق فى النبوة عن السلام ميخا أو إشعياء ، وإن كان البعض يتصور أن ميخا كان أسبق فى النبوة ، مع أنه كان أصغر من إشعياء ، وأياً كان الأمر ، فإن الفارق بين النبيين أن ميخا كان من طبقة الشعب ، بينما كان إشعياء من أعلى الطبقات فى عصره ، كما أشرنا عند الحديث عن شخصيته ، ... وقد عاش ميخا يدافع من الطبقات الكادحة والفقيرة ، وحقوق الإنسان ، وانتظارات اللّه من البشر ، وها نحن نتابع قصته فيما يلى : ميخا من هو كان ميخا المورشتى فى مطلع الحياة وربيع العمر ، فى الوقت الذى بلغ فيه إشعياء كمال رجولته وقوتها ، وقد كان ميخا من طبدقة العامة وأفراد الشعب بينما كان إشعياء من الطبقة الأرستقراطية ، وعلى الأغلب من العائلة المالكة ، كما سبقت الإشارة عند دراسة شخصيته ، وقد نشأ ميخا فى مورشت ، القرية الصغيرة الواقعة على بعد خمسة وعشرين ميلا إلى الجنوب الغربى من أورشليم ، والبقعة التى ولد فيها وعاش بقعة جميلة خصبة غنية بالمراعى والأشجار وحقول الحنطة ، وما من شك أن مخيا قد تأثر بها ، فصفت نفسه ، وأرهفت أحاسيسه ، وقويت عاطفته ، واستجابت حياته لما فى الريف ، من صدق واستقامة وصراحة ونقاء وغيرة ، وحيث أننا لا نعرف شيئاً عن أبيه أو أمه ، فمن المعتقد أنه نبت بين أحضان عائلة ريفية فقيرة ، ولكن اسمه « ميخا» أو « من مثل الرب » مما يشجع على أن عائلته كانت تقية تعلى مجد اللّه ، وتتمنى أن يسير ولدها فى طريق الرب والتشبه به !! .. ومع أن رسالة ميخا كانت ليهوذا وإسرائيل معاً ، إلا أنها على وجه أخص كانت موجهة إلى بنى يهوذا ، وقد حدث فى يهوذا كما حدث فى أورشليم ، أن تباعدت المسافة بين طبقة الفقراء وطبقة الأغنياء ، وانتشر الجشع والاغتصاب والظلم والسلب، مما دفع ميخا ، وهو ابن الشعب ، ومن صميم أفراده ، إلى أن يهب للدفاع عن الحقوق البشرية الضائعة. لقد أبصر ميخا القسوة والوحشية والفساد وضياع الشعور الإنسانى مستولية على الرؤساء والقضاة والكهنة والأنبياء الكذبة ، وأبصرهم جميعاً وقد سحقوا المساكين والبؤساء تحت أقدامهم فامتلأ من روح اللّه والقوة والبأس ، وكان النبى العظيم الذى استخدمه اللّه لنصرة المظلومين التعساء !! .. هب ميخا للدفاع عنهم ، وتحدث عن الخراب والدمار الذى سيلحق بشعبه وأورشليم نتيجة الخطية والإثم والشر والفساد ، وبعد أن أبصر صهيون تفلح كالحقل وجبل بيت الرب يضحى شوامخ وعر ، مد بصره إلى الأفق البعيد ، فرأى فى أحضان المستقبل عصراً ذهبياً مجيداً ، يثبت فيه بيت الرب ، وتخرج من صهيون الشريعة ، عندما يسود المسيح سيادته الكاملة ، وتتخضع كل الشعوب تحت موطئ قدميه ، وتزول من البشرية أشباح الحرب والمخاوف والمجاعات والمتاعب والمعاثر ، ويختم ميخا سفره وهو يرينا سبيل الإنسان العملى إلى هذا السلام !! ... ومع أن أسلوبه لا يرقى ، ولا شك ، إلى مستوى إشعياء ، لكنه اتسم بالجزالة والصفاء والقوة ، والمنطق والكناية والمجاز ، وشدو التعبير ، ، ومن المرجح أنه بدأ رسالته حوالى عام 725 ق.م. حتى عام 686 ق.م. ميخا والدفاع عن الحقوق البشرية كان ميخا واحداً من أعظم الأبطال القدامى ، الذين وقفوا إلى جانب الفقير والمظلوم والضعيف والمستعبد ، .. وقد جاء ذكر دفاعه الباسل الذى هز - ولا شك - الأمة بأكملها ، أيام الملك حزقيا ، كمثال عظيم ، لا لدفاعه فحسب ، بل أكثر من ذلك لعظمة الملك الذى قبل هذا الدفاع : « إن ميخا المورشتى تنبأ فى أيام حزقيا ملك يهوذا وكلم كل شعب يهوذا قائلا هكذا قال رب الجنود : إن صهيون تفلح كحقل وتصير أورشليم خرباً وجبل البيت شوامخ وعر . هل قتلا قتله حزقيا ملك يهوذا وكل يهوذا . ألم يخف الرب وطلب وجه الرب فندم الرب عن الشر الذى تكلم به عليهم . فنحن عاملون شراً عظيما ضد أنفسنا » " إر 26 : 18 و 19 ، ميخا 3 : 12 " ... والذى يتابع ميخا وهو يتحدث عن الحقوق البشرية الضائعة ، يرى تصويراً دقيقاً لكيفية ضياعها ، ويحس قبل كل شئ أن « المال » هو السبب الأكبر لضياعها ، ... إن محبته حقاً هى « أصل لكل الشرور ، الذى إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة » ... " 1 تى 6 : 10 " وهل نشأت كل لوثات التاريخ وشروره وآثامه إلا بسبب المال وما يتبعه من رذائل ؟؟ فى ظلمة الليل وعندما يهجع الناس جميعاً فى مضاجعهم ، يسهر عبيد المال ليفكروا ماذا يفعلون فى نور الصباح للحصول على المال ، وقد قال عنهم ميخا فى مطلع الأصحاح الثانى : « ويل للمفتكرين بالبطل والصناعين الشر على مضاجعهم . فى نور الصباح يفعلونه لأنه فى قدرة يدهم ، فإنهم يشتهون الحقول ويغتصبونها والبيوت يأخذونها ، ويظلمون الرجل وبيته والإنسان وميراثه » ... وهكذا يتطور حب المال بأصحابه من فكرة ، إلى شهوة ، إلى ظلم ، إلى اغتصاب ، وما من شك فى أن أى إنسان ، يتطور إلى هذه الحال ، لا يمكن أن يكون إنساناً بل وحشاً رهيباً جشعاً ، .. على أن الأمر الذى يبدو أكثر شناعة وبشاعة هو سقوط الأنبياء والقضاة والكهنة تحت سلطانه ، ... أما الأنبياء فقد ضللوا الشعب ، وخدعوه بنبواتهم الكاذبة ، إذ حدثوه بالناعمات ، وتكلموا له عن السلام ، وأبوا أن يشيروا إلى خطاياه وآثامه ، لاستجلاب رضاه ، والانتفاع بعطاياه وهباته ، ... وألا ينطبق هذا على عدد كبير من الخدام الذين يتملقون الأغنياء والسادة والجماهير من أجل المصلحة والمادة والمغنم ؟ !! كما أن القضاة تفشت بينهم الرشوة ، فكرهوا الحق ، وعوجوا المستقيم ، ورموا بالعدل إلى الأرض ... هذا فى الوقت الذى كان فيه الكهنة يعملون بالأجرة ، ويخدمون بالثمن !!.. ولكن السؤال : كيف يمكن لميخا وهو رجل فقير أن يقف فى وجه السادة والرؤساء والكهنة والأنبياء ؟ وكيف يستطيع أن يندد بآثام المجتمع التى يبصرها دون خوف أو تردد أو تراجع ؟! .. لقد كشف ميخا عن السر فى قوله : « لكننى أنا ملآن قوة روح الرب وحقاً وبأساً لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته » ... " ميخا 3 : 8 " إن ميخا وحده أعجز من أن يرفع صوته فى مواجهة الفساد والطغيان ولكن ميخا وقد امتلأ من روح الرب ، أضحى ممتلئاً من القوة والحق والبأس ، وإذا كان بطرس قد ضعف أمام الجارية ، عندما كان خلواً من هذا الامتلاء ، فإنه بعد الامتلاء أضحى القادر على أن يواجه سادة الجارية ، مهما كان مركزهم وسلطانهم !! ... وهل نستطيع بذلك أن نجد الرجاء العظيم فى أنه «لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحى قال رب الجنود »" زك 4 : 6 " ؟! … وهل نستطيع أن نتذكر أنه على قدر ما نسمح للروح أن يملأنا ، بقدر ما نتحول إلى ميخا آخر أو بطرس أو بولس ، أو أبطال الكنيسة الذين صنعوا المعجزات، لأنهم امتلأوا إلى آخر الحدود من روح اللّه القادر على كل شئ ؟! .. ومع أن ميخا كان رجلاً وطنياً ، لكن وطنيته لم تغط الشر أو تداهن الفساد ، ومن ثم نراه يندد بأورشليم أقسى تنديد ، فهو لا يرضى لها أن تبنى وتجمل بالدماء والظلم والرذيلة والاعوجاج ، ... كما أنه لم يعف السادة والرؤساء والكهنة والأنبياء من نتائج سلوكهم الشرير ، وإثمهم الفاضح لتوكلهم المزيف على الرب : « قائين أليس الرب فى وطنا لا يأتى علينا شر » ... كلا بل سيأتى الشر و « تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً ، ووجبل البيت شوامخ وعر » " ميخا 3 : 11 و 12 " وفى كل مجتمع يقسو فيه الرؤساء، ويتاجر فيه الكهنة ، ويحب رجال الدين المال ، وتكثر الرشوة ، عينيه كانت أو مادية ، ويضيع القضاء العادل ، لابد أن تحل على هذا المجتمع ، بصورة قاسية ، كارثة مريعة تأتيه من اللّه المنتقم العادل حارس حقوق الإنسان فى كل الأجيال . ميخا ورؤيا السلام العظيم بعد أن تحدث ميخا عن الخراب والدمار الذى سيلحق بشعبه وأورشليم نتيجة الخطية والإثم والشر والفساد ، ... وبعد أن أبصر صهيون تفلح كالحقل وجبل بيت الرب يضحى شوامخ وعر ، مد بصره إلى الأفق البعيد ، فرأى فى أحضان المستقبل ، عصراً ذهبياً مجيداً يثبت فيه بيت الرب ، وتتخرج من صهيون الشريعة ، وتسعى الأمم إلى اللّه ، ويسود الدين والسلام والأمن والرخاء والمحبة ، ... وقد اشترك إشعياء مع ميخا فى التنبؤ عن هذا العصر كما جاء فى إشعياء " 2 : 2 - 4 ، مى 4 : 1 - 5 " ، ولا يمكن أن نجزم أيهما كان أسبق فى نبوته ورؤياه ، فإذا أخذنا بالعمر ، فإن إشعياء كان أسبق ، ... غير أن ميخا ألحق بالنبوة : « لأن جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه ، ونحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد » ... وقد شجع هذا البعض على الاعتقاد أن نبوة ميخا كانت أسبق ، على اعتبار أنها لم تنس واقع الشعوب المحيطة بشعب اللّه ، .. فى بيته بعد أن تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً ،... أما إشعياء فقد تجاوز هذه الحقيقة مأخوذاً بالنبوة نفسها ، وأثرها ، الذى لا يمكن معه الوقوف عند الصورة الجميلة دون النظر إلى الظلال القاتمة !! .. على أية حال إن كليهما دفعا الأجيال إلى التطلع نحو ذلك العالم المجيد المرموق ، ... وقد اختلف المفسرون ، واتجهوا ، وجهات مختلفة أشهرها وجهتان ، يطلق عليها : ما قبل الألف سنة ، و « مابعد الألف سنة » ، أما قبل الألف ، فتشير إلى مجئ المسيح الثانى حرفياً لمدة ألف عام ، أما بعد الألف فتشير إلى المجئ روحياً لمدة ألف سنة ، أو مدة طويلة لا يشترط أن تكون حرفياً ألف سنة ، ... أو فى لغة أخرى أن الخلاف يدور حول جبل الرب ، وهل المقصود به الجبل الحرفى ، أو أورشليم المدينة التاريخية ، التى يعتقد الآخرون بالمعنى الحرفى أنها ستتعود إلى مجدها العظيم التليد ، بل إلى مجد لم تعرفه فى تاريخها السابق على الإطلاق ، ... الأمر الذى لا يقبله أو يأخذ به المؤمنون بالمجئ الروحى ، والذين يفسرون الأمر كله تفسيراً روحياً ، فأورشليم عندهم ، هى أورشليم الروحية التى قال عنها الرسول بولس فى رسالته إلى غلاطية : « وأما أورشليم العليا التى هى أمنا جميعاً فهى حرة » ... وكان يفرق فى ذلك بينها وبين : « أورشليم الحاضرة فإنها مستعبدة مع بنيها » . . "غل 4 : 25 " وامتدت به التفرقة وهو يتحدث عن الصليب ، فكشف عما يعتقده فى معنى « إسرائيل » وهو لا يقصد إسرائيل بحسب الجسد ، أو الجنس اليهودى ، بل يقصد المؤمنين أبناء اللّه فى القول : « فكل الذين يسلكون بحسب هذا القانون عليهم سلام ورحمة وعلى إسرائيل اللّه » ... " غل 6 : 16 " وهو يقابل ما ذكره الرسول يوحنا فى سفــر الرؤيا « ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا ، والبحر لا يوجد فى ما بعد . وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند اللّه مهيأة كعروس مزينة لرجلها » ... " رؤ 21 : 1 و 2 " ولا يتصور بداهة عند الرسولين ، أن الحديث عن أورشليم هو بالمعنى الحرفى ، بل بالمعنى الروحى أو « الكنيسة » وهو ما نعتقد أنه التفسير الصحيح لنبوة ميخا وإشعياء ، ... إن جبل الرب المرتفع هو ذلك الحجر الذى قطع بغير يدين والذى قال عنه دانيال للملك نبوخذ نصر : « كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما ، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر فى الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان . أما الحجر الذى ضرب التمثال فصار جبلا كبيراً وملأ الأرض كلها » .. " دا 2 : 34 و 35 " وكل هذه إشارة إلى ملك المسيح وكنيسته التى ستملأ الأرض ، ... والذى لا خلاف عليه - حتى مع الآخذين بالمعنى الحرفى - أنه لا يمكن أن يأتى العصر الذهبى أو يتم السلام فى الأرض دون أن يقبل الجميع من اليهود أو الأمم الرب يسوع المسيح، مخلصاً وفادياً ورباً ، كشرط أساسى لإتمام الخلاص وامتداد ملكوت اللّه على الأرض، إذ أن علاقة المسيح بأى إنسان قبل أن ترتبط بمكان أو زمان أو ظرف ، هى علاقة روحية شخصية ، كما أن خلاصه شامل كامل لم يعد وقفاً على اليهود ، بل يتسع ليشمل شعوباً وأمماً كثيرة ، إذ أنه خلاص الإنسانية بأكملها ، الإنسانية التى جاء المسيح ومات من أجلها ليفتديها ويحررها من اللعنة والخطية والإثم ، وهو خلاص أبدى لا يتزعزع أو ينهزم ... إن ممالك الأرض تقوم وتسقط ... فأين مصر وصور وصيداء ، وبابل واشور واليونان وروما !!؟ أين الممالك التى انحنى العالم لسلطانها ومجدها العظيم؟؟... لقد بادت وتلاشت ولم يبق منها إلا قصة تذكر فى التاريخ ، وتروى مع الأيام أما خلاص الله فأبدى ثابت إذ : « أن جبل الرب يكون ثابتاً فى رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجرى إليه شعوب » " ميخا 4 : 1 " أو فى لغة أخرى إن خلاص المسيح سيسمو ويعلو على كل ما شمخت به جبال العالم ، ومرتفعات الزمن ، ... وهو خلاص قوامه حياة البر : « فيعلمنا من طرقه ونسلك فى سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب » ... " ميخا 4 : 2 " ومن الملاحظ أن هذا الخلاص سيكون عظيما وقوياً ومؤثراً فى حياة الناس إذ سيملأهم بالغيرة المقدسة فيقولون بعضهم لبعض : « هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب » ... وهل هذا إلا إعلاناً قوياً عن محبتهم للّه ، ومحبتهم بعضهم لبعض ؟؟ .. قال القديس زافييه لمحدثيه : « أنتم تقولون إنهم سيقتلوننى بالسم وإنه لشرف كبير لخاطئ مثلى لا أجرؤ على الحلم به ، ولكنى مستعد أن أموت عشرة آلاف مرة من أجل خلاص نفسى واحدة»... وهذا الخلاص سيكون مصحوباً بالنور : « فيعلمنا من طرقه » وسيادة المسيح وخلاصه لابد أن يصحبهما النور المشرق ، .. أليس هو نور العالم ومن يتبعه لا يمشى فى الظلمة ؟ ، ألم يأت ليمنحنا النور الذى به نخلص من الجهل والخرافات والفساد والخطية ؟؟ .. وخلاص المسيح مرتبط بالسلام : « فيقضى بين شعوب كثيرين. ينصف لأمم قوية بعيدة فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل لا ترفع أمة على أمه سيفاً ولا يتعلمون الحرب فى مابعد » .. وهذا الخلاص مرتبط آخر الأمر بالرخاء : « بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يرعب لأن فم رب الجنود تكلم » ... " مى 4 : 3 و 4 " . ومع أن هذا الخلاص فى أحضان المستقبل ، ويرتبط بالمسيح ، إذ أن آخر الأيام التى ذكرها يعقوب وموسى ودانيال وإشعياء وميخا وغيرهم من الأنبياء تشير إلى عصر المسيا ، وقد فرق ميخا على ما يعتقد بعض المفسرين بين هذا العصر ، وعصر السبى البابلى الذى قال فيه قبل هذه النبوة مباشرة : « لذلك بسببكم تفلح صهيون كحقل وتصير أورشليم خرباً وجبل البيت شوامخ وعر » ... ولعل هذا هو السبب الذى جعله يضيف العبارة التى لم ترد فى إشعياء : « لأن جميع الشعوب يسلكون كل واحد باسم إلهه ونحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد » فيرى البعض أنها تتحدث عن سلوك إسرائيل فى السبى ، وهم يرفضون العبادة الوثنية التى أحاطت بهم ، وكان هذا سر رجائهم وقوتهم وعودتهم من السبى ، ... ويرى آخرون أنها تشير إلى الكنيسة ، وهى تأخذ طريقها إلى الانتصار الكاسح ، فى عالم الوثنية والفساد والشر ، وهو التصور الأصح فى نظرنا . وقد تحدث ميخا عن هذا الخلاص على أية حال بلهجة الواثق المتأكد : « لأن فم رب الجنود تكلم » " ميخا 4 : 4 " .. وهل يتكلم الرب إلا بالصدق ، وهل يغفل عن أن يسهر على كلمته ليجربها ؟!! .. لئن كان هناك من رجاء أو أمل فى كل التاريخ فى أن نصل إلى الأمن والسلام والاستقرار ، والرخاء والمحبة والأخاء ، فإن هذا الرجاء أو الأمل يرجع إلى ثقتنا الوطيدة فى كلمة اللّه !! .. وما من شك فى أن الكنيسة المسيحية يقع عليها وحدها الرجاء فى الدفاع عن الحقوق البشرية ، ... مع أن الإنسان يسير بطيئاً جداً فى الدفاع عن هذه الحقوق ، .. وها نحن نرى هيئة الأمم المتحدة وقد أقرت ميثاق « حقوق الإنسان » ، وهو ثمرة جهاد طويل منكوب بالحروب والمتاعب والمجازر البشرية ، وهو يتكون من اثنتين وعشرين مادة ، وهو جزءان : الجزء الأول منه يتكون من أربع مواد ، ويسير إلى ضرورة احترام الدولة المشتركة فيه لكل نصوصه وقوانينه ، ومساهمتها فى تنفيذ مواده بكل ما تملك من قوة ونفوذ - والجزء الثانى ويتكون من ثمانى عشرة مادة ، ويفصل حقوق الإنسان فى الحياة والسلامة والحرية والأمن والملكية والدين والكلام .. غير أن الأمم المتحدة لا تملك قوة تنفيذية تلزم المخالف بهذه الحقوق ، وإنما هى أحلام أفلاطون تظهر مرة أخرى على سطح التاريخ كما تمنى فى الجمهورية أو « اليوتوبيا ، أى عالم الكمال ، الذى كان يحلم به توماس مور أو « المدينة الفاضلة » التى كان يتخيلها فرنسس بيكون !! .. على أن كلمة اللّه ، تتجه بنا بكل يقين إلى أورشليم السماوية ، إلى مدينة اللّه النازلة من السماء ، بمعنى أنها ليست مجرد حلم أو خيال بشرى ، أو جهد يقوم به الإنسان فى الأرض ، بل هى من صنع اللّه القادر على كل شئ ، وبترتيب منه ، وعلى الصورة التى قصد أن تكون ، أو هى كنيسة المسيح الممجدة السماوية التى جعلت ملتون يقول : " أخرج من غرفتك الملكية يارئيس ملوك الأرض ، وألبس ثوب جلالك ومجدك الإمبراطورى المنظور" . ميخا والديانة المطلوبة من الإنسان تحدث ميخا عن الخراب الذى جلبته الخطية ، والمستقبل اللامع الذى يراود أحلام الإنسان فى كل الأجيال والعصور ، وكان لابد أن يتحدث عن السبيل للوصول إلى هذا المستقبل ، وأكد ميخا أنه لا يوجد سوى الدين الذى ينقل الإنسان إلى العصر الذهبى اللامع ، عصر السلام ، ... ومن الغريب أن الرئيس « كارتر » وهو يخطو إلى تولى منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أكد هذه الحقيقة فى حفل تنصيبه ، إذ جعل شعاره ما قاله ميخا فى الأصحاح السادس وهو يعبر تعبيراً عظيماً رائعاً عن مضمون الحياة الدينية : « قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح . وماذا يطلبه منك الرب ، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك » " ميخا 6 : 8 " وقد لا يعلم الكثيرون أن هذه الآية قد وضعت فى الغرفة الملحقة بالقسم الدينى فى مكتبة الكونجرس فى واشنطون ، ومبنى هذه المكتبة من أفخم المبانى فى العالم ، وهو يشمل أقساماً عديدة مستقلة لكل العلوم والمعارف ، ولكل فرع غرفة مطالعة خاصة به زينت بما يلائمها ، وعندما أرادوا أن يضعوا فى غرفة المطالعة بالقسم الدينى آية مناسبة ، إستشاروا بعضاً من كبار رجال الدين وأساتذته ، وأخيراً تم الاتفاق على الآية المذكورة فى نبوات ميخا !! .. وقد كشف ميخا بهذه الآية عن خلاصة الدين الصحيح ، على أروع ما يمكن أن يكون ... فالحياة الدينية أولا وقبل كل شئ علاقة شخصية بين الإنسان وربه أينما يكون وكيفما يكون : « قد أخبرك أيها الإنسان » ... وفى الحقيقة أن هناك علاقة بين اللّه والأمة ، وقد أسس اللّه علاقته مع شعبه على أجمل أسلوب ، وهو حتى فى محاكمته للشعب يذكره بهذه العلاقة العظيمة : « ياشعبى ماذا صنعت بك وبماذا أضجرتك ؟ أشهد على . إنى أصعدتك من أرض مصر وفككتك من بيت العبودية وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم ياشعبى أذكر بماذا تآمر بالاق ملك موآب وبماذا أجابه بلعام بن بعور - من شطيم إلى الجلجال لكى تعرف إجادة الرب » " ميخا 6 : 3 - 5 " .. ومن الحقيقة أيضاً أن هناك علاقة بين اللّه والأسرة : « أما أنا وبيتى فنعبد الرب » " يشوع 24 : 15 " ... لكن هذا كله ، يؤسس على العلاقة الشخصية الفردية بين الإنسان وربه ... وهذه العلاقة لا يعرفها الإنسان خيالا أو ظناً أو تصوراً أو هماً بل هى ثمرة إعلان اللّه للبشر : « قد أخبرك » ... إذ إن اللّه ليس ساكناً أو ساكتاً فى السموات ، بل إنه يسعى وراء كل إنسان ليخبره ، وقد أكد السيد المسيح هذه الحقيقة بقوله : «خرافى تسمع صوتى » " يو 10 : 27 " إذ أنه يتكلم إلينا بأصوات متعددة ، وهو يريد أن ننصت ونسمع ، وكلمته فى الكتاب ، والضمير ، والحوادث ، والظروف المحيطة بنا ، تتحدث إلينا ، وطوبى لمن يصغى لهذه الأصوات ، ... وهو يؤكد أكثر من ذلك أن هذه الأصوات ملزمة ، وليس لى أن أختار قبولها أو رفضها كما يشاء لى الهوى أو الرفض : « وما يطلبه منك الرب » .. والديانة المطلوبة فى الواقع ليست شخصية فحسب ، بل وروحية أيضاً ، إذ أنها ليست مجرد فرائض أو طقوس ، ويبدو أن كثيرين تصوروا هذا ، وربما سألوا اللّه عن طريق ميخا : « بم أتقدم إلى الرب وأنحنى للإله العلى ؟ هل أتقدم بمحرقات بعجول أبناء سنة ؟ هل يسر الرب بألوف الكباش بربوات أنهار زيت ؟ هل أعطى بكرى عن معصيتى ثمرة جسدى عن خطية نفسى » " ميخا 6 : 6 و 7 " على أن اللّه أجاب أن الديانة الحقيقية أعمق من ذلك بما لا يقاس ، إذ أنها ديانة روحية لبابها السجود للّه بالروح والحق !! .. وفد على مدينة أدنبره ، جماعات لا هم لها دينيا إلا إثارة الإنفعالات والعواطف والتغير من مذهب إلى مذهب ، .. وقد كتب أحد وعاظهم إعلاناً فى الصحف عن المجئ الثانى للمسيح تحت عنوان : « ملايين الناس لن يروا الموت » ... إذ كانوا يعتقدون أن المجئ سيأتى وشيكاً ، ... وما أن قرأ أحد خدام اللّه هذا الإعلان . حتى كتب إعلاناً عن عظته المزمع أن يلقيها يوم الأحد تحت عنوان : « ملايين الناس مائتون فعلا » ... ومن الواجب إنقاذهم ، قبل إشباع غرائزهم وفضولهم ، وشكراً للسيد الذى أغنانا بذبيحته عن ألوف الكباش وربوات أنهار الزيت !! والديانة المطلوبة : « أن تصنع الحق » ... إذ أن الدين ليس مجرد نظريات غيبية أو تخيلية ، بل هو حقيقة عملية » ... والحق دائماً مثلث ، يبدأ بالحق تجاه اللّه الذى هو الحق ، وما نحن إزاء اللّه إلا وكلاء فى كل شئ ، ... فى العهد القديم لم تكن الأرض ملكاً لأصحابها ، وكانت تقسم ، ولا يجوز لإنسان أن يبيعها أو يتخلى عنها مطلقاً ، لأن الأرض ملك اللّه ، والإنسان مجرد وكيل وبهذا المعنى نحن جميعاً وكلاء أمام اللّه !! .. والحق تجاه الآخرين ألا نكيل بكيلين ونزن بميزانين ، ... أخذ مدير الشركة يقرع أحد الموظفين أمامه ، لأن الموظف أخبره بأن ابنه فشل فى الامتحان ، ونسب إلى الأب الإهمال وسوء التربية ، وما هى إلا لحظات حتى وصلت برقية تقول إن ابن المدير قد رسب فى الإمتحان ، ... فغمغم قائلا : إن الوقت ما يزال أمامه إذ هو صغير ، !! ... لم يستطع أن يطبق الحق على نفسه كما طبقه على الآخرين !! والحق تجاه النفس ، هو مناقشتها ومحاسبتها على الدوام ، والتوفيق معها دون تساهل أو تهاون أو كسل !! .. على أن الديانة أكثر من ذلك هى ديانة الرحمة : « وتحب الرحمة » ... فإذا كان الإنسان على الدوام يتجه صوب الحق ، فإن الأجمل والأعظم أن يحب الرحمة ، وأن يمتلئ قلبه بها ، وأن يشفق على الآخرين ، وأن يتسامح مع خطاياهم وآثامهم ، قتل رجل فى حماقته فى الحرب طفلة فى التاسعة من عمرها ، ومات هو ، وذهب أبواها إلى زوجة الرجل وقالا : لقد سامحناه إذ كنا ننظر إليه كمريض أكثر منه قاتلا !! .. تحدث أحدهم إلى كلارا بارتون مؤسسة الصليب الأحمر الأمريكى ، عن إساءة قاسية حدثت فى حياتها ، فأجابت : لقد تعودت أن أنسى إساءات الناس !! ... والديانة الرحيمة هى التى تجتهد فى أن تقيل عثرة الآخرين .. قال مدير المدرسة لشاب أخطأ : يا ابنى أنا أعلم أنك تعثرت ، وسأكتب عثرتك هذه بقلم رصاص ، فإذا لم تتكرر سأمحوها !!... وليس أعظم وأجمل من أن نمد أيدينا إلى الضعيف والمنكوب ، والمتألم والعاجز لأنه : « طوبى للرحماء لأنهم يرحمون » .. " مت 5 : 7 " . ثم هى آخر الأمر ديانة التواضع : « وتسلك متواضعاً مع الهلاك ، والتواضع الصحيح هو النضوج بعينه ، إذ هو التواضع أمام عظمة إلهنا ، ومن نحن التراب والدود والرمة ، أمام إله عظيم مجيد سرمدى !! ... بل نتواضع إزاء إحسانه : « صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التى صنعت إلى عبدك » ... " تك 32 : 10 " وأكثر من هذا كله أمام غفرانه العجيب ، ولا نملك هنا إلا أن نقف مع ميخا ، وهو يختم سفره بأقوال من أروع الأقوال التى سطرت أمام عين الإنسان فى كل التاريخ: « من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه . لا يحفظ إلى الأبد غضبه ، فإنه يسر بالرأفة . يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتطرح فى أعماق البحــــر جميع خطاياهم . تصنع الأمانة ليعقــــوب والرأفة لإبراهيـــــم اللتين حلفت لآبائنا منذ أيام القدم » .. ! " ميخا 7 : 18 - 20 " .. |
28 - 08 - 2013, 07:42 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: ميخا النبي
ميرسي كتير ربنا يبارك خدمتك الجميلة
|
|||
28 - 08 - 2013, 09:03 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: ميخا النبي
شكرا على المرور
|
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|