|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قايين والخطايا المميتة التي ارتكبها رغم تحذير الله . . أما وقد أدركنا طبيعة قايين الشريرة فلنتحول قليلاً لنتأمل الخطايا المميتة التي ارتكبها هذا الرجل، وتزداد هذه الخطايا بشاعة ورهبة وشناعة إذا لاحظنا أن الله لم يتركه ليقدم عليها أو يندفع فيها دون تنبيه أو تحذير!! وهذه الخطايا هي: خطية عدم الإيمان . . وهي أول خطية يبرزها ويحددها الكتاب لنا، وتتمثل في القربان الذي قدمه قايين إلى الرب من ثمار الأرض، على العكس من أخيه الذي قدم ذبيحة لله من أبكار غنمه ومن سمانها!! ولا أحسب أن هناك كلمات أفخم وأدق وأروع من كلمات دكتور أ.ب. سمبسون عندما وصف الاثنين بالقول: "إن الرجلين اللذين وقفا على أبواب عدن ليعبدا الله يمثلان الجنس البشري في انقسامه إلى مؤمنين وغير مؤمنين!!. أما الرجل الأرضي فيبدو في ديانته كما لو أنه أكثر طرافة وكياسة وجمالاً، إذ يقدم من أثمار تعبه ومن أولها وأحسنها!! أو في لغة أخرى، أنه يقدم زهور الربيع العطرة النقية، وثمار الصيف الناضجة الغنية، وربما بدا مذبحه أكثر بهاءً وجمالاً إذا قورن بالمذبح الخشن غير المصقول الذي قدم هابيل عليه الذبيحة العاصية والتي تبدو في صفرة الموت لحمل دام محتضر ملتهب!! غير أن تقدمة قايين في جملتها ليس إلا نكراناً تاماً شاملاً لكل ما قال الله عن لعنته للأرض وأثمارها، وعن حقيقة الخطية والحاجة إلى مخلص مكفر، الأمر الذي أوضحه الله لآدم وحواء عندما صنع لهما أقمصة من جلده، والذي لا شك أنه أكده أكثر من مرة في تعاليمه ووصاياه لكليهما!! ولم تكن ذبيحة هابيل صوى اعتراف وديع متضع بكل هذه، وقبول صريح واضح لطريقة الله في الغفران والقبول". والواقع أن كاتب الرسالة إلى العبرانيين يتحدث بكيفية جازمة عن هذه الحقيقة بالقول: "بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين"، وهل يمكن أن يكون هناك إيمان ما لم يكن هناك إعلان سابق يثق به هذا الإيمان ويرجوه ويعتمد عليه؟!! أجل فهابيل لم يقدم ذبيحته لمجرد التصور أو الاستحسان البشري بل لابد أن الله أعلن من البدء للبشر بوضوح وجلاء أنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة"!! والعمل الأول للإيمان هو أن نثق بما يقول الله عن الخطية!! ولا عبرة بعد ذلك بما يمكن أن يقوله الفكر أو الشعور عنها، فإذا حلا لبعض الفلاسفة والملحدين تجاهلها. فلن يفيد هذا التجاهل شيئاً، وستبقى الخطية رغم ذلك أرهب حقيقة عرفها التاريخ البشري، وإذا زعم غيرهم أن الخطية ضرورة من ضرورات الاجتماع، فزعمهم كاذب وليس الحق فيه، وستبقى الخطية كما قال عنها الآباء الأولون: إنها إرادة الإنسان الفاسدة تعاكس إرادة الله المقدسة، أو كما قال عنها اليهود: إنها العجز عن بلوغ الهدف، أو كما قالوا عنها أيضاً: إنها خضوع الإنسان لرغبات الجسد التي تقاوم إرادة الله، أو كما وصفها الكتاب في تعبير دقيق جامع مانع بالقول: "والخطية هي التعدي" (1يو 3: 4) وأياً كان نوع هذا التعدي ووجهته، وسواء كان موجهاً ضد النفس، أو ضد الآخرين، أو ضد الله مباشرة، فهو على أي حال التعدي الذي يستجلب غضب الله ودينونته ونقمته. وما يصح في القول عن الفكر يصح في القول عن الشعور أيضاً، إذ لا ينبغي أن نزن الخطية أو نقيسها بميزان أو مقياس الشعور، إذ يكفي أن نؤمن بأننا خطاة لأن الله قال هكذا!! وهذا ما فعله هابيل إذ أخذ مكانه كخاطيء فوجد في الحال سبيله إلى الخلاص من خطيته!! على العكس من أخيه الذي كان الشعور هو المضلل الأكبر له، إذ لم يشعر في البداءة بخطيته، أو بحاجته إلى الخلاص!! وعندما شعر بالخطية في النهاية، كان شعوره أفدح وأثقل من اللازم، وأدعى إلى اليأس والقنوط، الأمر الذي دعاه يصرخ صرخته المرة: "ذنبي أعظم من أن يحتمل". على أنه لا يكفي أن يثق الإنسان بما يقوله الله عن الخطية، بل ينبغي أن يثق بما يقوله أيضاً عن الخلاص، وقد قال الله في كلمته في هذا الشأن، فأبى قايين أن يصدقها، وقبلها أخوه بإيمان وخضوع وتسليم، والجنس البشري كله لا يخرج في جميع العصور والأجيال عن واحد من اثنين إما منكر لهذه الكلمة أو مصدق لها، كيف لا والصليب هو الحقيقة الكبرى التي كانت ترمز إليها جميع الذبائح في العهد القديم و"كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله.. لأن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأما للمدعويين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس" (1كو 1: 18، 22-24). كان الاسكتلندي العجوز يركب عربته ذات يوم، وإذا به يسقط تحت ثقل خطاياه، وتبادره نفسه بهذا السؤال الملح: "ماذا تقدم لله لكي يرضى عليك؟!" وفكر في أن يقدم دموعه وخدماته وعهوده وإصلاحاته ولكن هذه جميعها لم تعطه الراحة والأمن والسلام!! وإذا به يسمع صوتاً هامساً من الأعماق يقول له: قدم المسيح!! وإذ قدمه امتلأت حياته كلها بالفرح والبهجة والسلام والسعادة!! ومن الملاحظ أن الله لم يهمل في أن ينبه قايين، بعد أن رفض تقدمته، إلى أنه يحسن أو لا يحسن بالقدر الذي يرفع الذبيحة أو لا يرفعها وهكذا تكشف لنا هذه القصة القديمة إلى أي حد يهتم الله بإعلان سياسته الثابتة الأبدية في الخلاص!! خطية قتل هابيل . . وهي الخطية الثانية الرهيبة التي ارتكبها قايين، وقد ارتكبها مع سبق الإصرار دون أن ينتفع بتحذير الله وإنذاره، وقد اتسمت هذه الخطية على الأقل بثلاث سمات، إذ كانت أولاً الخطية القريبة من الباب، ولعلنا نستطيع أن نفهم اقترابها من قايين إذا أدركنا معنى القول: "إن أحسنت أفلا رفع وإن لم تسحن فعند الباب خطية رابضة". والشراح في ذلك يذهبون ثلاثة أو أربعة مذاهب، فمنهم من يفسرها بهذا المعنى: إن أحسنت أفلا رفع لوجهك، وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة، وهؤلاء يعتقدون أن الرفع هنا مقصود به الوجه الذي سقط وامتلأ خزياً، وعلى رأس هؤلاء يقف كايل وديلتش وجيزينيس، بينما وجد غيرهم ممن توسع في فهمه لمضمونها فقال إن المقصود هو إن أحسنت أفلا رفع لمركزك على اعتبار أنه البكر، وعلى رأس هؤلاء يقف بشن.. ووجد آخرون ممن فسروها على هذا المعنى: إن أحسنت أفلا رفع لذبيحة، وهؤلاء يذهبون إلى أن مركز قايين بجملته يتحدد على أساس الذبيحة التي يقدمها أو يرفضها، فإذا قدمها فإنه يحسن صنعاً ويسلك السبيل السوي الذي عينه الله وإن لم يحسن إذ ظل على كبريائه وعناده ورفضه فهناك سوء وخطر ينتظرانه عند الباب ولعل لوثر وكلفن في مقدمة الآخذين بهذا الرأي وإن كان لوثر يذهب إلى أن المقصود بالرفع هو رفع حمل الخطية نتيجة الذبيحة بينما يتجه كلفن إلى أن المقصود بالرفع هو القبول الإلهي للذبيحة والمعنيان على أي حال مقتربان ومتفاعلان!! على أن هناك مذهباً آخر طريفاً يقول إن قايين حمل تقدمته المرفوضة التي لم ينظر إليها الرب وألقى بها عند الباب وكان يراها في دخوله وخروجه فتشعل نفسه غضباً وغيظاً ورأى الله أن تجربته هناك فطلب إليه أن يرفعها بالقول: إن أحسنت أفلا رفع للتجربة- حتى لا تتحول إلى وحش كاسر يوشك أن ينقض عليك!! وسواء صح هذا الرأي أو ذاك أو غيره، فمن الواضح أن التجربة كانت قريبة جداً من قايين، وأنها تربض على بابه، فإذا لم يفزع منها ويهرب، فإنها لا تلبث أن تنقض عليه وتفتك إذا حبلت لأن: "كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتاً" (يع 1: 14 و15). إن الخطية تبدأ أولاً بخيوط أو هي أدق من خيوط العنكبوت تلف بالخاطيء، ثم لا تلبث أن تتحول هذه الخيوط إلى قيود وأغلال دونها القيود والأغلال الفولاذية!! سار فاوست في طريقه مع الشيطان وقد اتفقا على أنه إذا نجح الشيطان في إشباع رغبات فاوست يضحى له عبداً، أما إذا لم يشبعها فإن له الحق أن يتحلل من سيطرته وسيادته، وقبل الشيطان ذلك، وأخذ ينتقل بفاوست من شر إلى شر، ومن متعة إلى متعة، وفي كل مرة يسأله: هل شبع؟! وإذ بالجواب يأتيه على الدوام كلا، واستنفذ الشيطان كل المتع والشهوات والشرور وأعلن ذلك لفاوست!! فقال له هذا: إذاً فأنا حر!! وأجابه الشيطان: أنت حر، وحاول فاوست أن يرجع، ولكنه أدرك أن الخطية قيدته وهو لا يدري بقيود من حديد!!. والسمة الثانية في الخطية التي ارتكبها قايين وحشيتها وقسوتها إذ أنها: رابضة عند الباب" والمعنى في الأصل يشير إلى أن الخطية وحش كاسر يجسم على مقربة من قايين، ويوشك أن يمزقه تمزيقاً، وفي الواقع أن الخطية التي ارتكبها قايين كانت بالغة الفظاعة والوحشية!! كيف لا والصريع أخوه ابن أمه وأبيه، أخوه الحلو البريء الوادع الآمن؟!! أخوه الذي كانت تحلو معه العشرة، وكان يتقاسم وإياه الحياة في ألوانها المتعددة المختلفة!! تخيل أحد الكتاب هابيل وكأنما يصيح في اللحظة الأخيرة لأخيه الغادر المتوحش: أي أخي ابن أمي وأبي ماذا ستفعل؟!! إنك إذ تقتلني ستقتل أبهج ذكريات الحياة عندما كنا نسير هنا وهناك على مقربة من عدن، نلعب ونتحادث ونكافح ونضحك!! بل إنك إذ تقتلني ستقتل أثمن ما فينا على الأرض إذ ستقتل الثقة والصدق والمحبة والشرف والإيثار والأخوة!! ويحك يا أخي لا تفعل هكذا!! ولكن قايين فعل خطيته الشنعاء على أقسى وأرهب وأحط ما يمكن أن يكون الفعل الشنيع. والسمة الثالثة والأخيرة في هذه الخطية: إنه كان من الممكن لقايين أن ينتصر عليها لو أراد، إذ لوح له الله بهذا في القول: "وأنت تسود عليها" أجل فلئن كانت الخطية مقتربة دانية من قايين، ولئن كانت أكثر من ذلك، تتوق وتشتاق إلى الوثوب عليه، إلا أن قايين كان يمكنه أن يتغلب عليها، لو أنه اتجه إلى الله وتمشى وراء إرادته الصالحة!! والله على استعداد أن يساعد كل إنسان مجرب، بل على استعداد أن يهيء له من الأواضع والظروف والمساعدات ما يمكنه من التغلب على تجاربه مهما تبد هذه التجارب مخيفة رهيبة قاسية!! وإذا كانت الطبيعة كلها، كما يقولون، تقف بكل قواتها إلى جوار الإنسان الذي يريد أن يعيش مستقيماً!! فإن الله على استعداد أن يقف بكل سلطانه وقوته إلى جانب الإنسان المجرب الذي يطلبه!! خطية عدم التوبة . . وهي الخطية الثالثة التي يذكرها الكتاب لقايين، ويبدو أن كل خطية ارتكبها كانت تمهد وتعد للخطية التي تأتي بعدها!! فخطية عدم الإيمان بالذبيحة ورفضها، مهدت وأعدت لخطية قتل هابيل، وخطية القتل هذه انتهت به إلى الخطية الثالثة: ونعني بها خطية الإصرار وعدم التوبة!! قال له الله بعد أن ارتكب جريمته: "أين هابيل أخوك" ولم يكن يقصد الله من قوله هذا أن يريه قايين أين يوجد هابيل أخوه؟! فالله يعلم أين يثوي هابيل ويضطجع! ولكن الله قصد أن يثير قايين ويدعوه إلى الاعتراف والتوبة؟! ومن الملاحظ أن الله لم يقل له أين هابيل وحسب بل قال له أين هابيل أخوك، ولعله قصد بذلك أن ينبهه إلى عظم الجرم الذي ارتكبه ضد أخيه!! إن القتل في حد ذاته، بشع رهيب، ولكنه أبشع وأرهب إذا ارتكبه ضد الأخ المحب العزيز.. ولعل هذا القول يعزز إلى حد كبير ذلك التقليد القديم الذي يقول إن قايين بعد أن قتل أخيه حار في أين يخفي جثته!! وإذا به يرى غرابين يتقابلان، ويقتل أحدهما الآخر، وإذا بالغراب القاتل يحفر بمنقاره وقدميه حفرة يدفن فيها الآخر، وإذ رأى قايين هذا المنظر قال: الآن علمت ماذا أفعل بهابيل ثم حفر حفرة ووضعه فيها، ووراه تحت التراب!! وعلى أي حال لقد حاول قايين أن يتخلص من الخطية بالإصرار عليها ودفنها!! ولكن هل يستطيع حقاً أن يدفن الخطية ويغطيها بعيداً عن عيني الله؟!! كلا وألف كلا!! وما عمله إلا الحماقة الكبرى التي كان عليه أن يتحاشاها بالاعتراف الصريح!! كان من الممكن أن يأتي إلى الله ويقول: أنا أعلم أين أخي!! لقد قتلته بحماقتي وشري، وليس لي من عذر أتقدم به إليك سوى أن ألوذ برحمتك التي وسعت كل شيء وتتسع للمجرم والخاطيء والأحمق والشرير: "ارحمني يا الله حسب رحمتك حسب كثرة رأفتك أمح معاصي اغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيتي طهرني لأني عارف بمعاصي وخطيتي أمامي دائماً إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت لكي تتبر في أقوالك وتزكوا في قضائك" ولو قال قايين هذا أو شيئاً من مثل هذا لغفر له الله خطيته الشنيعة.. كان أحد ملوك فرنسا يسير في رفقة ملك أجنبي في سجون طولون، وقال الملك الفرنسي للملك الضيف أنه مستعد أن يفرج في الحال عن أي سجين يقع اختياره عليه، وأخذ الملك الضيف يسأل المسجونين واحداً بعد الآخر عن السبب الذي من أجله جاءوا إلى السجن، وإذا بهم جميعاً يدعون أنهم دخلوا السجن ظلماً وعدواناً، إلا واحد لاحت عليه الذلة والانكسار، وإذ سأله الملك عن سبب دخوله السجن أجاب: لقد ارتكبت إثماً كبيراً، ولا أعلم لماذا خففوا الحكم على هكذا مع أني كنت أستحق حكماً أقسى وأشد! وعندئذ وقع اختيار الملك عليه، وقال: أنت هو الشخص الوحيد الذي أجد فيه شيئاً يحتاج إلى الغفران على العكس من جميع هؤلاء الأبرياء المظلومين!.. أجل لأنه "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم. إن قلنا أننا لم نخطيء نجعله كاذباً وكلمته ليست فينا". |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|