|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سجان فيلبى والحاجة إلى الخلاص ما هو الخلاص الذى كان يقصده سجان فيلبى ، وهو يقول لبولس وسيلا « ياسيدى ماذا ينبغى أن أفعل لكى أخلص » ؟!! .. ( أع 16 : 30 ) أغلب الظن أنك لو سألته : ماذا تعنى بكلمة الخلاص ، لما وجدته قادراً على الافصاح عن مدلولها العميق الحقيقى ، ... وفى الواقع إن الخلاص هو الحاجة الأولى للانسان ، التى لا يستطيع أن يتبينها على وجه الدقة !! .. وكان بولس يعلم ذلك تماماً ، وإلا لما استطاع أن يجد تفسيراً لذهابه إلى مكدونية أثر الرؤيا التى رآها فى الليل لذلك المكدونى القائم الذى طلب إليه قائلا: «اعبر إلى مكدونية وأعنا» ، وعندما دخل بولس فيلبى ، المدينة المكدونية العظيمة ، لم يجد هناك الرجل الذى رآه فى حلمه ، بل وجد امرأة هى ليديا بياعة الأرجوان : أول من آمن بالمسيح فى أوربا،... وعندما وجد الرجل ، لم يجده فى تلك الصورة التى رآها فى الحلم ، رجلا يستنجد به ويرجوه أن يأتى إليه لمعونته ، بل وجده الرجل الذى كان يمزق ثيابه ويضربه ضربات قاسية ، ويضع رجليه فى المقطرة فى السجن الداخلى، وكثيراً ما أسأل : ترى هل كانت صورة المكدونى فى الحلم هى ذات صورة السجان أم صورة أخرى كصورة الموالى الذين خرج مكسبهم من الجارية التى أخرج منها بولس روح العرافة ، وجروا بولس وسيلا على الولاة ؟ أم الولاة الذين مزقوا ثياب بولس وسيلا ، وأمروا بضربهما بالعصى، ... لعل بولس رأى ملامح المكدونى فى واحد من هؤلاء ، الذين وقفوا ضده ، والذين يبدو حسب الظاهر أنهم يكرهون وجوده بينهم ، ويقاومونه ، ويضطهدونه ، ... لكن بولس أدرك أن المكدونى الذى يضطهده ، هو فى وجدانه العميق أحوج الناس إليه ، وإن كان لايدرى، ... إن هذه مأساة الإنسان الأعمى عن حاجته إلى الخلاص ، .. وكانت الرسالة الموضوعة علــــى بولس أصلا هى : « لتفتح عيونهم كى يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى اللّه» ... ( أع 26 : 18 ) . ما أتعس الإنسان الذى لا يدرى بحاجته الحقيقية، ويتعلق بالأضاليل والأوهام والباطل ، يرى النور ظلاماً ، والظلام نوراً ، ويحسب الحق باطلاً ، والباطل حقاً ، يسرع إلى الشر كأنما هو الخير الأعظم ، وينفر من الخير كأنما هو الشر المطبق ، يضحك مما كان ينبغى أن يبكى عليه ، ويبكى مما كان ينبغى أن يبهجه ويسره،.. وهو يعيش أسيراً فى كل شئ، ويكفى أن نراه هنا على سبيل المثال : أسير الخرافة التى تحاول استطلاع الغيب عن طريق « الروح » فالجارية التى تملكها روح شريرة كانت تجوب شوارع فيلبى ، وهى تستهوى الناس بما تحدثهم به مما يأتى من عالم الغيب والكلمة « روح » وفى اليونانية «بايسون» تعنى تنين البر أو حية الصخرة، أو الأصلة على ما يطلق عليها السودانيون، وهى من أصل فعل معناه «يتعفن» إذ هى على ما تذهب أساطير اليونان الحية الكبرى التى قتلها أبولو على جبل البارينثوث ، وتركها هناك للعفن ، والروح هو خادم أبولو أو كاهن دلف الذى يعطيه أبولو معرفة المستقبل ، . وكان الناس يذهبون إلى معبد دلف يستطلعون الغيب، محاولين معرفة المستقبل ، وقد قيل إن كهنة دلف قالت لسقراط إنه أحكم اليونانيين جميعاً،... على أية حال إن هذه الروح التى بلغت قمة الفلسفة اليونانية ، كانت أسيرة الخرافة والجهل والظلام والقتام التى تعيش فيها بعيدة عن حق اللّه والإعلان السماوى الذى جاء به المسيح سيدنا مخلص العالم ، عندما جاء فادياً يفصل بين النور والظلام كما عمل خالقاً فى اليوم الأول عندما أرسل النور يوم كانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح اللّه يرف على وجه المياه . وقال اللّه ليكن نور فكان نور ورأى اللّه النور أنه حسن . وفصل اللّه بين النور والظلمة . ودعا اللّه النور نهاراً والظلمة دعاها ليلا . وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً».. ( تك 1 : 2 - 5 ) وأليس عجيباً أن أصغر مسيحى يعرف عن اللّه والحق والأبدية والخلاص مالم يعرفه سقراط وأفلاطون وأرسطو وجميع أساتذة الفلسفة اليونانية القديمة!. ولسنا هنا بصدد الأسر للخرافة وحدها ، بل أكثر من ذلك للشيطان نفسه ، فقبل أن يفد بولس وسيلا إلى فيلبى كان الشيطان يرتع فى المدينة ويسود إذ استولى على جارية بائسة مستعبدة ، بل استولى على المدينة كلها التى آمنت بقدرة الشيطان على كشف الغيب والمستقبل . وعندما دخل بولس المدينة وأراد أن يؤسس عملا للمسيح هناك ، سارع الشيطان إلى التعاون معه : «هذه اتبعت بولس وإيانا وصرخت قائلة هؤلاء الناس هم عبيد اللّه العلى الذين ينادون لكم بطريق الخلاص . وكانت تفعل هذا أياماً كثيرة . فضجر بولس والتفت إلى الروح وقال أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها . فخرج فى تلك الساعة » . ( أع 16 : 17 و 18 ) إن الكلمة ضجرة تعنى فى الأصل ، تضايق إلى درجة الغضب ، ... ولماذا يتضايق بولس ، ويغضب إلى هذا الحد المثير ، من روح تنادى أيضاً بالخلاص ، ؟ ! قد لا نستطيع أن ننفهم ذلك إلا إذا أدركنا كيف كانت تعمل . لقد صورتها لنا فلورانس مورس كنجسلى ، وسادتها وراءها فى شوارع فيلبى وهم ينادون الناس قائلين : تعالوا تعالوا واعرفوا المستقبل من النبية الملهمة مارا ، مارا التى هى أعظم من كهنة دلف ، ومرسلة السماء مارا ، ... هل فقدت شيئاً !! ؟ . إن مارا يمكن أن تخبرك عن المكان الخفى المخبأ فيه هذا الشئ !! ؟ هل أنت فى شك عما سيأتى به الغد!! ؟ .. إن مارا تستطيع أن تقدم لك النصيحة !! ؟ هل أنت مريض !! ؟ إن مارا يمكن أن تشفيك .. إنها تستطيع أن تكشف عن مناجم الذهب الموجودة فى فيلبى ، وهى تستطيع أن تحدثك عن أفضل يوم تتزوج فيه ، .. وأفضل يوم يمكن أن تعينه للسفر !! وما أشبه .. وكان من الطبيعى أن بولس لو قبل كلام الجارية فإن الناس بعد ذلك لا تستطيع أن تفرق بين الاثنين ، وعندئذ تختلط الحقائق بالأوهام ، والصدق بالكذب ، والحق بالباطل ، وهذا ما يفعله الشيطان على الدوام ، ... وهذا ما رفضه المسيح عندما شهد له الشيطان ، ورفضه بولس ، ورفضه كل تلميذ صادق مخلص للسيد ، إذ ليس هناك أمان على الإطلاق لقبول شهادته مهما بدت صورتها مغرية ، ومهما لبس من قناع الحب والتعاون ، لقد أراد من أول التاريخ البشرى أن يهدم الحق ، فلم يرفض الدين لعلمه بتعلق الإنسان بالأبدية التى أودعها اللّه فى قلبه ... إذا فليكن هناك لادين واحد بل مئات الأديان ، فقط بالصورة التى يمزج فيها الحق بالباطل والسم بالدسم والخير بالشر، فإذا كان هابيل يتقرب إلى اللّه عن طريق الذبيحة ، ويقيم مذبحاً ، فإن قايين لا يجوز له أن يرفض الفكرة ، فليصنع مذبحاً ويقدم عليه لا الذبيحة ، بل أفضل محصول الحقل وأكرم قربان مما يزرع ، أمام اللّه ، .. وويل لمن يخدع بهذا التغيير الذى يبدو فى الأول يسيراً إلى أن يصبح فى النهاية رهيباً مهولا !! .. ماذا يحدث لو أن فاوست - على ما صوره جوته شاعر الألمان - يعقد معاهدة مع الشيطان ، فإذا أشبعه الشيطان من كل شئ فهو عبد له ، وإذا لم يشبعه فهو حر ، ووافق الشيطان، ونقل فاوست من متعة إلى متعة، وهو يسأله السؤال التقليدى هل شبع وارتوى، والرجل يجيب بالنفى ، حتى استنفذ الشيطان كل شئ ، وحسب المعاهدة قال فاوست أخيراً : أنا حر ... فقال له الشيطان : أنت حر !! .. ولم يدر أن الخطية قد قيدته بقيود حديدية وهو لا يدرى، .. كانت فلسفة تشرشل فى الحرب ، وقد رأى زحف الألمان الرهيب ، أنه على استعداد أن يتحالف مع الشيطان لقهرهم ، ومن المؤسف أنه فعل ذلك ، .. ولكن العالم اليوم يعانى من أخطار روسيا ومن الفزع الذى تسببه للعالم الغربى أضعاف أضعاف خوفه من الألمان الذين انضموا إلى الغرب تجاه الشيطان الروسى !! .. لم يكن الخلاص من الخرافة وحدها ، بل من سر الخرافة من الشيطان نفسه !! .. وكان الخلاص أيضاً يعنى الخلاص من المال الحرام ، ... لقد دخل بولس المدينة ليرى تجارة بشعة محرمة ، فالجارية لا قيمة لها عند سادتها ، أكثر من أنها مصدر كسب حرام ، أما قيمتها الآدمية كفتاة يعذبها الشيطان ، فهذا شئ لا يخطر لهم ببال ، وأما أن المال يأتى ولو بطريق آثم فاسد شرير ، فأمر لا يهمهم البتة ، ... إنهم يريدون الكسب على أية صورة ، وبأى أسلوب يجئ، وهم لا يمكن أن يثوروا لشئ إلا إذا « خرج رجاء مكسبهم » وهذه قصة المال الحرام فى كل التاريخ ، والذى خلف من ورائه أبشع صور الفساد والرجاسات والآثام والحروب والدنايا ، ... وهو ما يزال إلى اليوم فى كل ركن من أركان الأرض المعول الذى يحاول به الشيطان هدم الصروح العالية الشامخة التى يبنيها اللّه والحق فى الأرض !! .. ليس المهم عند طالب المال الوسيلة التى يأتى بها ، فالغاية تبرر الوسيلة ، مهما كانت بشعة ومرة وفاسدة ، « ولم يكن بولس كانسان ينادى بالخلاص ليقبل هذا الوضع ، ولأجل ذلك ضجر وقاومه ، مصححاً الوضع الذى كان ينبغى أن يصحح !! .. على أن الخلاص فى حقيقته كان يعنى ذلك الانقلاب الذى صوره موالى الجارية وهم لا يدرون إذ اتهموا بولس وسيلا بأنهما « يناديان بعوائد لا يجوز لنا أن نقبلها ولا نعمل بها إذ نحن رومانيون » ( أع 16 : 21 ) والخلاص فى حقيقته ليس مجرد تغير فكر الإنسان أو مشاعره، بل بالحرى تغير إرادته أيضاً ، أو تحوله عن العوائد التى أرساها العالم فى أعماقه وحياته،... «إذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة . الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً » ( 2 كو 5 : 17 ) .... كان الانتحار عند الرومانيين مثلاً - فضيلة ، وقد انتحر بروتس وكاسيوس خارج فيلبى بعد أن هزما فى معاركهما ضد أكتافيوس وأنطونيوس ، كما أن كاتو الفيلسوف وهو يقتل نفسه ، وجد تأييداً وتمجيداً من سينكا وأبيقور وبلنى ، ... فإذا جاء السجان ليهم بالانتحار بعد أن تصور هروب المساجين ، فإن هذا لم يكن جبناً منه فى مواجهة السلطات التى قد تسأله عن سر الهروب ، بل كان الشجاعة التى يتطلبها الرومان فى مثل هذه المواقف،... كما أن القسوة التى عامل بها السجان الرسولين ، وهو يضبط أرجلهما فى المقطرة ، كانت تكشف عن طبيعته الجافية القاسية ، والتى لم ير فيها ضرراً أو عيباً ، فقد كانت هذه العوائد تعد فضائل عند الرومان ، وكان ينبغى أن تقلب رأساً على عقب فى المفهوم المسيحى للخلاص !!.. وكان سجان فيلبى فى حاجة إليه ، .. أو بتعبير أدق وأصح ، كان المكدونى المنتصب أمام بولس فى الليل هو الرجل الذى عانى منها الأمرين ويحتاج إلى الخلاص الذى جاء به المسيح سيدنا مخلص العالم !! .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
سجان فيلبى والتمتع بالخلاص |
سجان فيلبى والطريق إلى الخلاص |
سجان فيلبى والبحث عن الخلاص |
سجان فيلبي |
اسئلة واجوبة عن الخطية والحاجة الى الخلاص |