رغيف القداسة
هذه القصة تناسب، خصوصاً، الأعمار من 10 إلى 13 سنة
رغيف القداسة
عاش في قديم الزمان رجل اسمه بطرس كان موظّفاً كبيراً في الدولة، وكان مكلّفاً بجمع الضرائب في كل أفريقيا. كان غنياً جداً وبخيلاً جداً، قلبه قاس كالحجر، لا يشفق ولا يرحم.
وكان الشحّاذون في البلدة التي عاش فيها بطرس يجتمعون كل مساء يتبادلون أخبار ما جرى لهم خلال النهار. وقد اعتادوا بين الحين والحين أن يتذمّروا بشأن بطرس كيف أنه لم يسبق لأحد منهم أن حصّل منه قرشاً واحداً. كل الناس كانوا يُعطون ولو قليلاً إلا بطرس. لم يعرف أحد لون قرشه ولا طعم خبزه.
وحدث ، ذات مرة، أن دَبَّ الحماس في نفس أحد الشحّاذين فقام وقال لرفاقه:"ما رأيكم إن كنت أنا الوحيد بينكم القادر على أخذ حسنة من بطرس؟!" فضحكوا عليه. فأصرّ، فقالوا:" إن كنتَ واثقاً من نفسك إلى هذا الحدّ، فَلِمَ لا تجرّب، وسنعطيك خمسة قروش لو حصّلت منه شيئاً، أيَّ شيء!". فوافق الشحّاذ للحال وقفز من مكانه وراح يبحث عن بطرس متأكداً من أنه سينجح في هذه المهمّة المستحيلة.
فاقترب منه الشحّاذ للحال ومدّ يده وأخذ يتمسكن ويسأله أن يعطيه حسنة:"أعطني، أعطاك الله! حسنة لوجه الله!..."
بحث الشحّاذ عن بطرس في كل مكان، هنا وهناك وهنالك. وأخيراً، فيما كان خارجاً من أحد الأزقّة وقد أعياه التعب، إذا به يرى بطرس أمامه. كان عائداً إلى بيته ومعه كمية من الخبز. فاقترب منه الشحّاذ للحال ومدّ يده وأخذ يتمسكن ويسأله أن يعطيه حسنة:"أعطني، أعطاك الله! حسنة لوجه الله!...". فلم يَردَّ عليه بطرس جواباً أول الأمر، وكأنه لم يسمعْه. فرفع الشحّاذ صوته وأخذ ينادي:"أعطني، أعطاك الله!...". فغضب بطرس وشرع يشتمه وينهره أن ينصرف عنه. فألحّ الشحّاذ وكأن الشتائم لا تعنيه، إلى أن فقد بطرس صوابه وتطلّع يميناً ويساراً، يريد أن يرميه بأي شيء. ومن دون أن ينتبه وقعت يده على رغيف قاس فأخذه وضرب الشحّاذ به، فأصابه في رأسه.
فقد بطرس صوابه...وقعت يده على رغيف قاس فأخذه وضرب الشحّاذ به
لكن الشحّاذ لم يُبَالِ، بل انقضّ على الرغيف فلمّه عن الأرض ولاذ بالفرار غير مصدّق. لقد حصّل شيئاً من هذا البخيل وربح الرهان! في تلك الليلة، أصابت بطرس حمى شديدة فرأى في غفلة عين، حلماً. رأى نفسه قد مات وانتقل إلى مكان الدينونة. هناك عاين ميزاناً كبيراً والشياطين واقفين عن اليسار والملائكة عن اليمين. كان الشياطين يضعون في كفّة الميزان اليسرى كل الخطايا والمظالم التي ارتكبها بطرس في حياته.
وقد بدا الشياطين مسرورين يقهقهون ويضجّون
وقد بدا الشياطين مسرورين يقهقهون
ويضجّون لأنهم سيظفرون ببطرس بعد قليل طالما أنه صنع هذه الكثرة من الخطايا في حياته. أما الملائكة، من الجهة المقابلة، فكانوا صامتين حزانى. لم يكن لديهم ما يضعونه في كفّة الميزان من إحسانات بطرس لأنه لم يصنع حسنة واحدة في حياته عن طيب خاطر. وأخيراً، بعدما طال انتظار الملائكة وكاد الحكم بحق بطرس أن يصدر، قال أحد الملائكة:"ولكن، هناك الرغيف الذي رمى به بطرس الشحّاذ. صحيح أنه لم يعطه الرغيف بإرادته، ولكنْ، لنضعه في كفّة الميزان، ربما ينفع". فألقى الملاك بالرغيف في كفّة الميزان، فارتفعت كفّة خطايا بطرس وتوازت الكفّتان. تخيّلوا! رغيف واحد كانت له قوة تعادل كل خطايا بطرس!...
فارتفعت كفّة خطايا بطرس وتوازت الكفّتان. تخيّلوا! رغيف واحد كانت له قوة تعادل كل خطايا بطرس!
وأفاق بطرس من الحلم خائفاً مرتعداً، فقال في نفسه:"لم تكن هذه هلوسة، فلقد رأيت فعلاً كل الخطايا التي ارتكبتها منذ صباي. إذا كان رغيف واحد أعطيتُه رغماً عني قد سَتَر عني كل عيوبي، فكم سيكون نصيبي عظيماً في ملكوت السموات لو صنعت حسنات كثيرة بإرادتي؟!"
من ذلك اليوم، انقلبت حياة بطرس رأساً على عقب، فصار يوزّع خيراته على المحتاجين من دون حساب. وهكذا تحوّل من أبخل رجل في البلدة إلى أرحم رجل. ويقال إنه ظلّ ينفق ويبدّد أمواله على فقراء الرب حتى صار هو نفسُه فقيراً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، فأخذ يستعطي كما كان الشحّاذون يستعطون منه قديماً. وهكذا ارتاح قلبه. ويقال إن شفقته على الفقير فاقت كل حدّ حتى إنه ذهب وباع نفسه بثلاثين قطعة ذهبية ووزّعها على الفقراء.
هذا هو بطرس الرحيم الذي تعيّد له الكنيسة في اليوم الثاني والعشرين من شهر أيلول من كل عام. ألا جعله الله قدوة لنا ونفعنا بسيرته وصلواته، آمين.