|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أمصيا الكاهن والعقاب الرهيب تنبأ عاموس على أمصيا ، وقد اتسمت نبوته بالوضوح القاطع ، وهنا يفترق الصدق الإلهى عن همهمات وإدعاءات الرؤى الوثنية ، أو - كما قال أحدهم - إن العرافين فى العادة لا يقطعون برأى ، بل يضعون نبواتهم فى كلمات غامضة تحتل أكثر من معنى ليكون الأمر عند التفسير أقرب إلى ما قد يجئ به التنفيذ ، وهم على استعداد أن يدعوا أن هذا هو ما كانوا يقصدونه من البدء ، إذ تصادف أن اقتربت الحقيقة إلى ما يزعمون، لكن نبوة النبى الصادق تتحدى الأنبياء الكذبة حتى ولو كانوا أربعمائة نبى يتحدثون بلسان واحد وعلى رأسهم صدقيا بن كنعنة الذى عمل لنفسه قرنى حديد وقال لآخاب : " هكذا قال الرب بهذه تنطح الأراميين حتى يفنوا ، وتنبأ جميع الأنبياء هكذا قائلين اصعد إلى راموت جلعاد وافلح فيدفعها الرب ليد الملك " " 1 مل 22 : 11 و 12 " أما ميخا بن يمله نبى اللّه الصادق فإنه لا يتردد فى أن يصف الأربعمائة من الأنبياء بأنهم كاذبون مضللون ، وأن الشيطان قد وضع فى أفواههم جميع أقوالا كاذبة ، وأن مصيره سينتهى فى المعركة ، وإذ يصفعه صدقيا بن كنعنه على فكه قائلا : " من أين عبر روح الرب منى ليكلمك ؟ فقال ميخا : إنك سترى فى ذلك اليوم الذى تدخل فيه من مخدع إلى مخدع لتختبئ " 1 مل 22 : 24 و 25 " وإذ يسجنه آخاب طالباً أن يضعوه فى السجن ، وأن يطعموه خبز الضيق وماء الضيق حتى يعود بسلام : " فقال ميخا : إن رجعت بسلام فلم يتكلم الرب بى .وقال اسمعوا أيها الشعب أجمعون" " 1 مل 22 : 28 " كان ميخا واضح الرؤيا ، شديد الثقة ، دون اهتزاز أو تذبذب أو تتردد ، والأمر بعينه كما يذكره ذلك الأرامى فى شهادته أمام الملك عن أليشع " ولكن أليشع النبى الذى فى إسرائيل يخبر ملك إسرائيل بالأمور التى تكلم بها فى مخدع مضجعك " " 2 مل 6 : 12 " .. بل لعل الأمر يبلغ قمته ، عندما حلم نبوخذ ناصر حلمه ، وأغلب الظن أنه نسيه ، ومع ذلك فهو يطلب من حكماء بابل أن يبينوا له الحلم وتعبيره " وأجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبين أمر الملك . لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوس أو سامر أو كلدانى . والأمر الذى يطلبه الملك عسر وليس آخر يبينه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر " " دا 2 : 10 و 11 " وإذ يسمع دانيال ، ويتجه بالصلاة إلى اللّه ، وهو زملاؤه الثلاثة فتية ، يكشف له السر فيدخل إلى نبوخذ نصر مسرعاً ليقول : " السر الذى طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبينوه للملك . لكن يوجد إلــــه فى السموات كاشف الأسرار وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون فى الأيام الأخيرة " " دا 2 : 27 و 28 " .. ويذهل نبوخذ نصر من هذه المعرفة العجيبة إلى درجة أن يخر ساجداً على وجهه إلى الأرض أمام دانيال ، ... وعلى هذا المنوال كانت رؤيا عاموس واضحة أمام عينيه وهو يتنبأ عن أمصيا كاهن بيت إيل ، ولم يتردد فى ذكرها للرجل بكل أمانة وشجاعة ، رغم ما تمتلئ به من عنف وشدة وقسوة ، .. لم يحاول عاموس أن يصقل كلامه أو يخفف من واقعه على أذنى الرجل ، بل كانت كلماته كالمطارق القاسية التى تهوى على رأسه دون أدنى شفقة أو رحمة ، وقد كانت النبوة فى الحقيقة مفزعة ومخيفة !! .. إذ كانت . 1- الفضيحة القاسية : وأى فضيحة أقسى وأشد من القول : " امرأتك تزنى فى المدينة " " عا 7 : 17 " والكلمة يمكن أن تفسر من اتجاهين ، إما أن الرجل يلصق به العار لخيانة زوجته له ، .. فلقد خان هو اللّه وزنى عنه ، أو أصبح رئيس الزناة بعبادته الوثنية وتكريس حياته لخدمة عجل الذهب ، .. والبعد عن اللّه فى لغة الكتاب هو زنى : " لأنه هو ذا البعداء عنك يبيدون تهلك كل من يزنى عنك " " مز 73 : 27 " والذهاب وراء كل إله غريب ، مهما يكن لونه أو شأنه هو الفسق أمام اللّه ، بدون أدنى حرج أو حياء أو خجل ، ومن المؤلم أن اللّه أقام نبينا ، وجعل قصته تجسيداً لهذه الحقيقة عندما : " قال الرب لهوشع إذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب . فذهب وأخذ جومر بنت ديلايم فحبلت وولدت له ابناً " " هو 1 : 2 و 3 " ... وقد تحولت أمة إسرائيل كلها إلى أمة زانية بهذا المعنى ، عندما انصرفت عن اللّه ، وتحولت إلى الهوى والشهوة وراء الآلهة الغريبة ، فكان لابد أن يكون الجزاء من جنس العمل ، .. ومن المحتمل أن زوجة أمصيا انصرفت عنه وفسدت دون تورع ، كانصرافه عن الحق الإلهى ، وسيره وراء التيه والفساد والبطلان، .. أو أن الأمر يمكن أن يؤخذ من اتجاه آخر ، إذ تغتصب زوجته فى المدينة من ورائه أو على مرأى عينيه ، عندما يدخل الغزاة ويتم السبى ، .. وما أقسى ما يحدث ، فى مثل هذه الظروف والأحوال ، من أوقات الحروب ، كعقاب مخيف مفزع من اللّه ! ألم يقل إشعياء : " وتحطم أطفالهم أمام عيونهم ، وتنهب بيوتهم ، وتفضح نساؤهم " " إش 13 : 16 " وقال زكريا الشئ نفسه : " فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء " ... ( زك 14 : 2 ) وسواء أكانت الصورة بالمعنى الأول أو الثانى ، فإنها أشبه الكل بعقدة " أوديب " العقدة التى حلت بالشاب اليونانى الذى قيل إنه قتل أباه، وتزوج أمه ، وهو لا يعلم ، وعندما أدرك ذلك فقأ عينيه ، وخرج هارباً فى الأرض كقايين ، تروعه عذابات الضمير ، دون أن يستريح أو يهدأ أو يلوى على شئ!! .. إن الخروج على اللّه هو الفضيحة بعينها ، ولا بد أن تكشف هذه الفضيحة فى هذه الصورة أو تلك ، وما عمل فى الخفاء سيرى الناس عقابه علانية وتحت ضوء الشمس فى كل مكان !! .. 2- ضياع الأرض .. " وأرضك تقسم بالحبل " " عا 7 : 17 " ونحن نعلم أن الأرض كانت مقدسة ، وهى ملك لصاحبها بالوكالة ، لأنها أساساً للّه ، وكانت إذا بيعت أو اشتريت ، فإن ذلك إلى يوم اليوبيل الخمسينى لتعود مرة أخرى إلى صاحبها ، لكن الأشوريين لا يعرفون شيئاً عن هذا اليوبيل ، وكما اغتصبت الزوجة ، تغتصب الأرض أيضاً اغتصاباً ، .. لقد عاش أمصيا للأرض دون أن يرفع عينيه إلى السماء ، وبحث عن الذهب ، وعبده ، ومال وراءه ، .. وها هى الأرض أيضاً تؤخذ بما فيها وما عليها، والحرام لا يذهب وحده كما يقولون ، بل يأخذ الحلال والمقدس معه ، .. وإذا كان الناس يقولون إن الجريمة لا تفيد ، فإنه الأصح أن يقال دائماً ، إن الخطية لا يمكن أن يكسب الإنسان من ورائها أدنى خير أو مكسب ، .. لقد جند أمصيا نفسه ليجمع الثروة والمال من وراء خدمة عجل الذهب تعبد له ، وأقيم كاهناً لخدمته ، وها قد ذهب المال والعجل وكل شئ ، وحل محلها الفقر والضياع والعدم والهلك !! .. 3- الموت البشع : " وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف " " عا 7 : 17 " وأى منظر أشد هولا أو رعباً ، من منظر الأولاد والبنات ، وهم يقتلون على مرأى عينيه ، .. أليس هؤلاء الأولاد أو البنات هم الذين من أجلهم سعى لاقتناء الثروة ، وجمع الكنوز ، وتكديس المال ، وكان أقصى ما يحلم به أن يوفر لهم الحياة الهانئة والعيش الرغد ؟ ، وها هو المال يذهب ، وفى إثره يقتل أحب الناس إليه فى الأرض !! .. 4- النهاية التعسة : " وأنت تحرث فى أرض نجسة " " عا 7 : 17 " ولم يبق للرجل بعد هذا كله سوى جسده ، ونفسه ، .. وهما أيضاً معاً سوف يعذبان ، إذ سيؤخذ إلى السبى ، ويبقى هناك على أتعس الذكريات وأشرها فكراً ، وسيموت محاطاً بالدنس من كل جانب ، لأن الدنس ملأ نفسه من الداخل ، وهل لنا أن نتصور أمصيا وقد قبض عليه وسار سير المسبيين فى الأرض ، وجر كما يجر الحيوان بالسلاسل والأغلال ، وسار فى الفيافى والقفار ، حتى انتهى إلى الأرض القريبة ، وعاش ميتاً ، إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة ، وهوى وثوى فى الأرض النجسة الغريبة كأتعس ما تكون نهاية القصة والمأساة لأى إنسان أحسن ظنه بالأيام والليالى ، ولم يدر أن الزمن قلب ، ومفاجآت الحياة للأشرار دونها كل مفاجأة .. 5- سبى الأمة كلها : " وإسرائيل يسبى سبياً عن أرضه " " عا 7 : 17 " ومن العجيب أن يقال هذا الكلام فى أيام يربعام الثانى ملك إسرائيل ، إذ كانت البلاد ، فى ألمع أيامها الذهبية ، من الوجهة السياسية والاجتماعية ، وكان الناس ينامون على أسرة من العاج ، كما نرى فى نبوات عاموس ، وكانوا يسترخون على نغم الموسيقى الراقصة أو الحالمة " انظر عا 6 : 1- 7 " ولكن عاموس - شأنه شأن الأنبياء الصادقين - لم يخدع بالمظهر البراق أو الصورة الخلابة ، إذ رأى الدنس والخطية والخراب والموت خلف الكل ، .. وعندما جاءت هذه النهاية كانت مرعبة مرهبة فظيعة ، إذ لم يسقط الأسباط العشرة تحت جحافل الأشوريين فقط ، بل قضى على كيانهم السياسى والاجتماعى والقومى والدينى إلى الأبد . وإلى اليوم ، لا يكاد يعرف أحد مصير هذه الأسباط . لقد كان عقابهم كخطيتهم قاسياً مفزعاً مروعاً رهيباً !! أجل : لأن أجرة الخطية هى موت ، وأما هبة اللّه فهى حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا " " رو 6 : 23 " .. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أمصيا خسر الكل، حتى نفسه |
أمصيا |
أمصيا الكاهن والادعاء الكاذب |
أمصيا الكاهن بمرسوم ملكى |
أمصيا |