|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
النمو والكمال
يظن البعض أنهم قد وصلوا إلى الله حينما يتركون الخطية، ويسيرون في الطريق الروحي. ولكن ترك الخطية، إنما يمثل فقط الجهاد السلبي في الحياة الروحية، فماذا إذن عن الإيجابيات؟.. إنها طريق طويل.. لذلك فالحياة الروحية لا تقف مطلقًا عند حد. إنها سائرة باستمرار. تنمو في كل حين وتتقدم. وهكذا تكون حياة النمو هي إحدى خصائص ومعالم الطريق الروحي.. بماذا شبهها السيد المسيح؟ إنه يشبه ملكوت السموات بإنسان " يلقي البذار على الأرض، وينام ويقوم ليلًا ونهارًا، والبذار يطلع وينمو... أولًا نباتًا، ثم سنبلًا، ثم قمحًا ملآن في السنبل" (مر4: 26 28). وهكذا شبه الإنسان الروحي بالشجرة التي تنمو باستمرار ولا تتوقف لحظة واحدة عن النمو... والشجرة تنمو بطريقة هادئة، ربما لا تلحظها وأنت تمر عليها كل يوم. ولكنها تنمو باستمرار، ويظهر نموها بعد حين... وقد قيل " الصديق كالنخلة يزهو. كالأرز في لبنان ينمو" (مز92: 12). إنه ينمو في كل عناصر الحياة الروحية، ينمو في معرفة الله وفي محبته. وينمو في حياة النقاوة وفي الصلاة والتأمل. ونلاحظ هنا ملاحظة هامة وهي: الذي لا ينمو، هو عرضة للفتور، بل عرضة لأن يرجع إلى الوراء. St-Takla.org Image: Modern Coptic icon of St. Peter (El Kedis Botros) صورة: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس بطرس الشهيد الرسول و التلميذ إنه كالسيارة التي طالما هي سائرة تكون محتفظة بحرارتها. فإن وقفت، وقفت حرارتها أيضًا. كذلك السير في الحياة الدائم في الحياة الروحية، يعطي حرارة للقلب، تشمل كل العلاقة مع الله والناس. ولكن إلى أين يمتد الإنسان الروحي في نموه؟ إنه يمتد نحو القداسة، كما قال القديس بطرس الرسول: " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أف1: 4). المسألة إذن ليست مجرد توبة، وإنما هي حياة قداسة تليق بالمؤمنين. بل إن كلمة قديس كانت تطلق على المؤمنين في العصر الرسولى، كما يقول بولس الرسول في آخر رسالته إلى فيلبي التي كتبها من رومه: " سلموا على كل قديس في المسيح يسوع... يسلم عليكم جميع القديسين ولاسيما الذين من بيت قيصر" (في4: 21، 22). فهل أنت تعيش في هذه القداسة، واصبحت عضوًا مع مجمع القديسين؟ أم مازلت تقوم وتسقط، وتتردد بين الحياة مع الله والحياة مع العالم؟. إن القداسة ليست معينة لأفراد قلائل في القمة، إنما هي هدف الجميع " مكملين القداسة في خوف الله" (2كو7: 1). لأنه " هذه هي إرادة الله: قداستكم" (1تس4: 3). وفي عظة الرب على الجبل، اشترط النقاوة لكي تري الله في الأبدية، فقال: " طوبى لأنقياء القلب، لأنهم يعانيون الله" (متي5: 8). فهل وصلت إلى نقاوة والقداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب؟ ولعلنا نقول هنا أيضًا إن القداسة وحدها لا تكفي، بل لابد من النمو أيضًا في القداسة حتى يصل الإنسان الروحي إلى الكمال. والمقصود طبعًا هو الكمال النسبي، لأن الكمال المطلق هو لله وحده. إنما الكمال النسبي هو الكمال الذي يستطيع الإنسان أن يصل إليه في حدود إمكانية ونسبة إلى ما وهبة الله له من نعمة، وما تحيط به من ظروف. وعن هذا الكمال قال الرب: " كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى5: 48). إذن يلزمك في حياتك الروحية، أن تنمو في النقاوة والقداسة حتى تصل إلى الكمال إلى كمال قدرتك، إلى كمال السيرة حتى تعود إلى الصرة الإلهية التي سبق الله فخلقك عليها (تك1: 27). ولكن من هذا الذي يستطيع أن يصل إلى الكمال؟. إن كنت لا تستطيع، فمهما فعلت ومهما جاهدت في حياة الروح، قف أمام الله كخاطئ ومقصر، لأنك مطالب بالكمال بينما أنت بعيد عنه هذا البعد. ولهذا عندما كان القديسون يقولون عن أنفسهم إنهم خطاة، لم يكن ذلك منهم نوعًا من المبالغة أو من التواضع إنما قالوا ذلك لشعورهم بالتقصير أمام الكمال المطلوب... ولما كان الكمال غير محدود، لذلك كان النمو الروحي، غير محدود أيضًا. لقد شبهت فيه الإنسان الذي يسعى إلى الكمال، بإنسان يطارد الأفق... يقف فيرى أمامه بعيدًا، حيث تنطبق أمامه السماء على الأرض. فيذهب إلى هناك، فيرى أمامه عند النهر، فيذهب إلى النهر ويعبره، ليره الأفق أمتد إلى الجبل... وهكذا إلى غير نهاية... مادام الأمر هكذا، فتأمل إذن قول الرب في الإنجيل: " متي فعلتم كل ما أمرتم به، فقولوا إننا عبيد بطالون" (لو17: 10). وقد أمرنا في الكتاب بوصايا عديدة جدًا لم نفعلها حتى الآن... وحتى إن كنا قد نفذنا جميع الوصايا، فواجب أن نقول إننا عبيد بطالون " إننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو17: 10)، ولم نتجاوزه إلى الكمال... صدقوني أن درجة "عبيد بطالين) هي درجة كبيرة لم نصل إليها بعد. لاشك أن الطريق طويل أمامنا، ولم نسر فيه شيئًا. ونحن محتاجون بكل أتضاع القلب أن نبدأ. وهناك آية أخري في الكتاب وقفت أمامها منذهلًا، وهي قول القديس بولس الرسول في رسالته إلى أفسس " وأنتم متأصلون ومتأسون في المحبة، حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو". " وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة، لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (أف3: 18، 19). يعلم الله أنني لا أزال وقفًا أمام هذه الآية منذهلًا، لم أصل بعد إلى شيء من أعماقها العجيبة. وسأحاول أن ارجع إلى تأملات الآباء فيها، لعلى أعرف. فإن وصلت إلى شيء سأخبركم لأن ههنا الروح يعمل، وليس العقل ولا الفكر... هذا الامتلاء، من ذا الذي يمكنه أن يصل إليه؟... مطلوب منا جميعًا، كما يأمرنا الرسول قائلًا في نفس الرسالة " امتلئوا بالروح" (أف5: 18). لقد قال في موضع آخر " اسلكوا بالروح" (غل5: 16). ودعانا أن نكون لنا ثمار الروح (غل5: 22). ولكن هنا درجة أكبر يجب أن نصل إليها في نمونا وهي الامتلاء بالروح... إذن فالطريق طويل أمامنا، ويحتاج إلى جدية كبيرة للسير فيه. يحتاج الإنسان الروحي أن يجتاز مرحلة التوبة، إلى مراحل النقاوة والقداسة، إلى الدخول في العلو والعمق، وإلى معرفة المسيح الفائقة المعرفة. وينتقل من السلوك بالروح، إلى كل ثمار الروح، إلى الامتلاء بالروح... إلى الكمال... لهذا نري القديس بولس الرسول يقول: "ليس أني قد نلت أو صرت كاملًا ولكنى اسعي لعلي أدرك" (في3: 12). بولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة، إلى الفردوس (2كو12: 4) الذي تعب أكثر من جميع الرسل الأثنى عشر، وسافر وبشر وكتب أربع عشرة رسالة، وألقى في السجون وتعذب من أجل الرب، وصنع آيات كثيرة، وكانت له كثرة من الاستعلانات، وتكلم بألسنة أكثر من الكل، يقول أخيرًا " لست أحسب أنني قد أدركت. ولكنني أفعل شيئًا واحدًا " ونسأله ما هو فيجيب: " أنسي ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام..." (في3: 13). ينسي كل هذه المواهب الفائقة، وينسي كل هذا التعب في الخدمة، وينسى اختطافه إلى السماء الثالثة، ويسعى نحو الغرض، يسعى لعله يدرك... يدرك ماذا يدرك " جعاله دعوة الله العليا في المسيح يسوع" (في3: 14). يدرك هذا الامتلاء العجيب... لذلك فإنه ينصحنا قائلًا " اركضوا لكي تنالوا" (1كو9: 24). ويقول معنا " وأنا أركض هكذا" (1كو9: 26). ويقول أيضًا " فليفتكر هذا جميع الكاملين منا" (فى3: 15). إذن هي دعوة ليست للأشخاص العاديين فقط، بل للكاملين أيضًا... دعوة للجميع أن يسعوا نحو الغرض، لكي يدركوا... هناك درجة أخرى موضوعة أمامنا. كأولاد لله، وكلنا ندعي أننا أولاد الله يقول القديس يوحنا الرسول: " كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية... ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو3: 9). ويقول في ذلك أيضًا " كل من ولد من الله لا يخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه" (1يو5: 18). فهل وصلت إلى هذا المستوي الذي لا يستطيع فيه أن تخطئ، والشرير لا يمسك؟ هنا مستوي خاص، ليس هو مقاومة الخطية والجهاد معها والانتصار عليها، إنما مستوي إنسان قديس لا يستطيع أن يخطئ... من وصل إلى هذا الكمال؟ ومع ذلك لا أريد فقط أن أقدم لك مستويات العهد الجديد بكل ما تحمل من سمو، إنما انتقل بك إلى وصية في العهد القديم وهي: " تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل قوتك" (تث6: 5). من ذا الذي قد وصل إلى محبة الله من كل القلب. وعبارة "كل" تعني أنه لا يوجد في القلب شيء سوي الله... لا توجد أية محبة أخري في القلب تنافس محبة الله. ولا شك أن هذا يعني الموت الكامل عن العالم، ويعني التجرد، وامتلاء القلب بمحبة الله... فهل بدأت هذا الطريق؟. هل بدأت بمخافة الله التي هي الخطوة الأولي الموصلة إلى المحبة؟ وذلك كما يقول الكتاب " بدء الحكمة مخافة الرب" (أم9: 10). ومخافة الرب تعني طاعته والخضوع لوصاياه. بهذا تصل إلى الله وتدخل إلى ملكوته. يقول الكتاب في هذا: "ملكوت الله داخلكم". فهل تشعر بهذا الملكوت داخلك؟ وهل بدأت حاليًا بمذاقة الملكوت؟ هل أخذت عربونه في حياتك الحاضرة، حتى تتمتع بملئه في العالم الآخر؟. ابدأ إذن بمذاقة الملكوت. وحينما تصلي وتقول " ليأت ملكوتك " اطلب أن يأتي ملكوته على كل قلبك وكل فكرك، وعلى حواسك وجسدك ومشاعرك. وحينئذ تغني تقول " الرب قد ملك" (مز96). ولكن لعلك تسأل بعد كل هذا؟ ماذا أفعل والطريق طويل أمامي؟ الأمر لا يأتي باليأس ولا بالحزن، ولا بعبارة "إذن لا فائدة مني"... كل هذه حيل من الشيطان، يريد بها أن يوقعك في صغر النفس، حتى تبطل الجهاد يائسًا، أو تشعر الحياة مع الله. إنما أهم نصيحة توجه إليك هي: إن أطول طريق أوله خطوة. ابدأ إذن بهذا الخطوة. ابدأ بهذه الخطوة، مهما كانت قصيرة، ومهما كانت ضعيفة، ومهما كانت فاترة. وحينئذ عندما يري الله رغبتك في الحياة معه، سيرسل لك معونات إلهية من عنده، وتفتقدك نعمته، ويعمل فيك روحه القدوس بكل قوة. والله الذي عمل في القديسين وأوصلهم هو قادر أن يعمل فيك... لكن نعمة الله ليست تشجيعًا لك على الكسل، وعلى التهاون والإهمال إنما هي تعمل معك. وبهذا تدخل في شركة مع الله، في العمل لأجل ملكوته... ملكوته فيك وفي غيرك. الله قادر أن يرفعك دفعة واحدة، كما فعل مع بعض قديسى التوبة... كما عمل مع اوغسطين، الذي نقله من عمق الخطية، إلى عمق التأمل في الإلهيات، وإلى عمق محبة الله... وكما عمل مع مريم القبطية التي أخذها من الدنس إلى الرهبنة وإلى السياحة فصارت من القديسات العظيمات. وإن أراد لك الله التدرج في حياة الروح، فلتكن مشيئته. هكذا فعل مع القديس موسي الأسود إذ قاده تدريجيًا إلى التوبة. وبالتدريج منحه الفضائل الروحية. ونزع منه قساوة القلب، ومنحه محبة لجميع الناس، ووداعة عجيبة. وتواضع قلب وصار إنسانًا آخر. المهم إذن أن تقدم قلبك لله، لكي يملأه الله بمحبته. قل له: أنا يا رب غير قادر أن أصل إلى محبتك، إذ توجد محبات أخرى عالمية ومادية وجسدية تجتذبني وأنا ضعيف أمامها. لذلك أريد أن تمنحني محبتك كعطية مجانية من عندك كمجرد هبة، كما يقول الرسول: " لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا" (رو5: 5). وفي نفس الوقت الذي تطلب فيه أن يعمل الله معك، اعمل أنت أيضًا معه، أعمل بكل ما تستطيع، ولا تكسل مطلقًا في روحياتك، وكن جادًا. افتح قلبك لكي يملأه الله. واحرص ألا تفتحه لمحبة خاطئة. وابعد بكل جهدك عن كل ما يبعدك عن الله... والقليل الذي تقدمه إلى الله، سيقبله كما قبل فلسي الأرملة، ويكون عزيزًا عنده. إن الله يعرف تمامًا مقدار إمكانياتك ولا يطالبك بأكثر، تصل بها إلى أعماق أكثر. وهكذا يقودك خطوة خطوة إلى حيث يريد لك بنعمته. لا تنظر إذن إلى نهاية الطري وتيأس. إنما أنظر إلى هذا الخطة الواحدة، كيف تخطوها حسنًا... وكلما كنت أمينًا على القليل، سيقيمك الله على الكثير، حسب وعده الصادق. أما كيف تكون أمينًا في القيل، فهذا ما أود أن أحدثك عنه بالتفصيل في مناسبة أخري إن شاء الله. |
01 - 05 - 2013, 03:56 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: النمو والكمال
شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
في هذا السر العجيب (التناول) النمو في النعمة والكمال الروحي |
الحرص على النمو في النعمة والكمال |
اللسان والكمال++++ |
النمو والكمال |
النمو والكمال |