|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا يجب الذهاب للكاهن في سر الاعتراف ؟ 1- وصف الكاهن بالطبيب والمغفرة بالدواء هو مجرد تشبيه للتوضيح، وهو تشبيه غاية في الأهمية لأن خبرة الكنيسة عبر أكثر من ألفي عام تؤكد حقيقة هذا الوصف، وفي نص الرسامة المقدسة، بحسب الطقس القبطي، عندما يمنح الأسقف الكاهن المرتسم سلطان ممارسة سر التوبة، يقول له: كن طبيبا حكيما واعطي الدواء بحسب الداء، فلا تعطي دواء العين للفم ...إلخ. وفي هذا تأكيد على أن الكاهن يقوم بدور "طبيب الروح" ليساعد الخاطئ، المريض روحيا، على الشفاء. 2- يصف الكتاب المقدس تكرارا ومرارا الخطئية بالعبودية ويقول الكتاب: "إن كلّ مَن يعمل الخطيئة، هو عبد للخطيئة"، والعبودية هي حالة النفس البعيدة عن الله والتي اختارت بحريتها الابتعاد "كالابن الضال" ظنا منمها بأنها بعيدا عن الله ستجد الحرية. إلا أن النفس في البعد عن الله تجد فقط العبودية والعوذ والجوع. وشيئا فشيئا تصل للجفاف والموت. وسر التوبة، هو سر الرجوع إلى الله، سر اكتشاف أن الانسان لا يحي بالخبز وحده بل بكل كلمة تخرج من فم الله. والله من فيض محبته للبشر ينتظرهم ويحثهم على العودة، كالأب الرحيم في مثل الابن الضال، ولكن لأن البشر يميلون بحسب طبيعتها الموصومة بالخطيئة إلى الابتعاد والخطيئة فهم يحتاجون لوسائل خارجية لمساعدتهم على العودة الى ينبوع الماء الحي، والأسرار المقدسة عامة وسر التوبة بطريقة خاصة هي وسائل للنعمة والخلاص. 3- التكبر هنا لا يكم سوى في السؤال، فالشيطان وهو ابو المتكبرين، يحاول بكل اساليبه أن يقنع النفس البشرية بأنها لا تحتاج إلى مساعدة وإنها يجب أن تتوجه لله مباشرة. وهنا تكمن كل الخدعة. فلماذا لا تعالج نفسك بنفسك؟ ولماذا في مرضك الجسدي تذهب للطبيب للإستشارة وطلب الدواء المناسب؟ 4- إن الخطيئة، كل خطيئة، مهما كانت صغيرة أو خفية هي إهانة لله وإهانة لجسده السر اي الكنيسة، لأن الكنيسة هي "جماعة المؤمنين" الذين يتقدسوا بقداسة بعضهم البعض، وهنا تظهر أهمية القديسين، وتمرض بخطيئة أعضائها كما يمرض الجسد إن مرض أحد أعضائه. وهذا البعد الجماعي للخطئية مهم جدا في فهم دور الكاهن كممثل للجماعة، تلك الجماعة التي تأثرت بخطيئة أحد أعضائها. 5- هل يوجد في الكتاب ما يؤكد هذا؟ وللرد على ذلك لدينا نصّين: الأوّل فى سفر أعمال الرسل "كان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرّين ومخبرين بأفعالهم" (أع19: 18)، والنص الثانى فى رسالة يعقوب الرسول "اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات" (يع5: 16) وشرحناه بأن "بعضكم" هو المريض و"لبعض" هم قسوس الكنيسة. ولذلك يقول يوحنا الرسول فى رسالته الأولى "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كل إثم" (1يو1: 9) فكلمة "إن اعترفنا بخطايانا" ليس المقصود بالاعتراف هنا مجرد أن يعترف الإنسان بينه وبين نفسه لأنه لم ترِد إطلاقاً فى الكتاب المقدس آية واحدة تقول بأن يعترف الإنسان فى سره، بينما وردت عدة آيات تدل على أن الاعتراف يتم آخرين.. وهكذا كان الإنسان فى العهد القديم أيضاً يعترف بخطاياه. بل الجماعة أيضاً أحياناً كانت تعترف بخطيّتها إن كانت خطيّة جماعية. لقد وردت نصيحة فى سفر الأمثال: "من يكتم خطاياه لا ينجح، ومن يُقِر بها ويتركها يُرحم" (أم28: 13) فلم يذكر هنا أنه يعترف فى سرّه، بل قال: يُقِر بها لكى لا يكتُمها، لأن الإقرار هو بالإفصاح بالكلام، أى يُمارس الاعتراف بأن يذكرها ويعترف بها "من يُقر بها ويتركها يُرحم". إذاً لا يكفى أنه يترك الخطية، ولكن ينبغى أيضاً أن يعترف بها. فى سفر يشوع ابن سيراخ "لا تستحى أن تعترف بخطاياك" (سيراخ4: 31) يعتبر البعض من البروتستانت أن سفر يشوع بن سيراخ من الأسفار القانونية الثانية، لكن لا يستطيع أحد منهم إنكار أن هذا السفر يحمل نوعاً من التعليم النافع.. فعند قوله "لا تستحى أن تعترف بخطاياك" يدُّل على الجو الذى كان يعيش فيه يشوع بن سيراخ عندما كَتب هذه العبارة. 6- أخطار الاعتراف في السر: على الخاطئ يحاسب نفسه؛ ولابد له أن يشعر بجسامة خطأياه.. يقول بولس الرسول عن الاستعداد للتناول من جسد الرب ودمه "ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس" (1كو11: 28). بل الكل ينادى بأهمية محاسبة النفس، ومراجعة النفس أو ما نطلق عليه فحص الضمير. فالابن الضال فى مَثل التوبة "رجع إلى نفسه" (لو15: 17).. هذا الأمر لا يرفضه أحد، بل الجميع يطلبونه.. ولكن بعد مراجعة النفس وفحص الضمير، لا يكفى أن يعترف الإنسان بينه وبين الله.. أو أمام أى أخ من الإخوة. ولكن معلمنا بولس الرسول فى رسالته الأولى لكورنثوس يقول "فوضع الله أناساً فى الكنيسة، أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء، ثالثاً معلمين، ثم قوات وبعد ذلك مواهب شفاء" (1كو12: 28) وضع الله أناساً فى الكنيسة. ويقول أيضاً "وهو أعطى البعض أن يكونوا رسلاً، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين" (أف4: 11). يقول أيضا "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله" (1كو4: 1). يقول بولس الرسول عن حمل الوكلاء لكلمة المصالحة "وأعطانا خدمة المصالحة.. واضعاً فينا كلمة المصالحة" (2كو5: 18، 19).. أعطانا أن نصالح الناس مع الله.. "نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2كو5: 20). ما معنى "واضعاً فينا كلمة المصالحة"؟ أى عندما نقول لأحد "الله يحالك" لا يعطى "الكاهن" الحِل من سلطانه، لكن يعطيه من استحقاقات دم المسيح وبسلطان موهبة الروح القدس.. فقد وُضعت فيه هذه الكلمة، وُضعت فى الوكيل وليس فى أى شخص. 7- معنى كلمة وكيل: يقول السيد المسيح "فمن هو الوكيل الأمين الحكيم الذى يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم فى حينه؟" (لو12: 42) إذاً هذا الوكيل أُقيم على الباقين، فهو ليس مثل الباقين، ليس بمعنى أنه أفضل منهم، بل يقصد أنها مسئولية ومن يحمل المسئولية سيدفع ثمنها. فليس الأمر هو تمييزاً، بل هو قبول تحمل المسئولية بدافع الحب أى أن يكون مستعداً لخدمة الآخرين مثلما قال الرب لبطرس "يا سمعان بن يونا أتحبنى؟ قال له نعم يا رب أنت تعلم أنى أحبك. قال له ارع غنمى" (يو21: 16).. لذلك يقول "فوضع الله أناساً فى الكنيسة، أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء.." (1كو12: 28). فلابد أن يكون عمل الرعاية بدافع الحب، لكن يحمل معه تحذيراً "فمن هو الوكيل الأمين الحكيم؟" ليس أميناً فقط، بل حكيماً أيضاً "طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده يجده يفعل هكذا. حقاً أقول لكم إنه يقيمه على جميع أمواله. ولكن إن قال ذلك العبد الردئ فى قلبه إن سيدى يبطئ فى قدومه، فيبدأ يضرب العبيد والإماء ويأكل ويشرب ويسكر. يأتى سيد ذلك العبد فى اليوم الذى لا يتوقعه، وفى الساعة التى لا يعرفها فيشقه من وسطه ويجعل نصيبه مع عديمى الإيمان" (لو12: 43-46)... 8- سلطان الحل والربط: لا يُمارَس الاعتراف على أى شخص، بل هناك وكيل، وقد قال السيد المسيح لبطرس "أعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً فى السماوات، وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً فى السماوات" (مت16: 19). ولم يقل الرب هذا الكلام لبطرس فقط، بل قاله أيضاً لكل الرسل "الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء" (مت18: 18)... قال لهم: "من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو20: 23) إذاً الحِل والربط هو غفران الخطايا.. وقد نفخ السيد المسيح فى وجوه تلاميذه وقال لهم اقبلوا روحاً قدساً، وهذا حدث فى يوم قيامته من بين الأموات من قبل صعوده بأربعين يوماً عندما ظهر لتلاميذه أثناء اجتماعهم وقال لهم "سلام لكم كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا" (يو20: 21).. فقد أخذت الإرسالية بُعداً جديداً فى هذه المرة حيث إن السيد المسيح كان قد تمم الفداء؛ وعلى الرغم من أنه دعاهم سابقاً رسلاً، إذ اختارهم، وأرسلهم،.. لكن فى هذه المرة أخذت الإرسالية بُعداً جديداً وهو مغفرة الخطايا.. وهذا تم بنفخة الروح القدس.. ولأن الأسقف هو وكيل الله لأنه يستطيع بسلطان الروح القدس أن يمنح الحِل "من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" (يو20: 23) فإذا لم يسمع الاعتراف، فكيف يعرف إن كان هذا الشخص تائباً أو غير تائب، وكيف بذلك يغفر للبعض خطاياهم أو يمسك للبعض خطاياهم؟!..إن اكتفى الكتاب فقط بعبارة "من غفرتم خطاياه تغفر له" سنقول إذاً من الممكن بمجرد أن يطلب الشخص الحِل للغفران من الكاهن، سيعطيه الحِل وينتهى الأمر عند هذا الحد.. لكن قد أكمل الرب الآية وقال "ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت" إذاً الغفران ليس لكل أحد، بل الأمر يتوقف على اختباره هل هو تائب؟ أم غير تائب؟ وأخيرا أقول لك إن التنظيم الكنسي، برغم أنه يقوم على بشر خطائين وفي مسيرة توبة لا تنتهي، هو تنظيم أراده الرب الذي أختار التلاميذ والرسل وأقامهم ليسهروا وليرعوا قطيعه. والكنيسة التي تقوم منذ تأسيسها بخدمة الأسرار هي "أم ومعلمة" وهدفها الوحيد هو مساعدتك على النمو الروحي والتقدم في القداسة، لأن نجاحك هو نجاحها وإخفاقك هو إخفاقها. فلا تدع الحيّل الشيطانية، والتي تبدوا في الخارج عقلانية وكتابية بأن تبعدك عن الينبوع الحي، ولا تنسى أن الكتاب يؤكد أن ابليس يأتينا متوشحا بلباس ملائكة النور ليخطف حتى المختارين. كما ادعوك اخيرا إلى فهم أن الأساس في سر التوبة ليس الاعتراف بل "التوبة" الحقيقة، فالاعتراف بلا توبة لا ينفع، والتوبة بلا اعتراف هي توبة ناقصة وخجولة ومزيفة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|