|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المحرقة مستمرة ما يجرى فى مصر هذه الأيام يتجاوز مستوى الخيال، فكل شىء صار خاضعا للمعيار الذاتى، فيما غابت أية قيمة موضوعية، وأصبح لكل فصيل أو مجموعة أو تيار قانونه الخاص الذى يريد أن يطبقه على الجميع. لقد سقطت مصر كلها فى قبضة الأولتراس، وليس المقصود هنا فقط مشجعى الأهلى أو الزمالك أو بورسعيد، بل امتد المنهج وانتشر ليشيع فى كل جنبات المجتمع، الذى انفرط إلى شعوب وقبائل، كل يدور فى فلك خاص به.. فصار لدينا أولتراس للداخلية وأولتراس للأحزاب وأولتراس للمعارضة وآخر للحكومة.. أولتراس لكل جهة على أرض مصر. وفى ظل هذا الوضع صار القانون مستباحا، وصار تحدى القانون والضرب به عرض الحائط شيئا عاديا، حتى تجتاحك الدهشة وأنت تتابع أخبارا من نوعية فلان يعلن مسئوليته عن حرق هذا المقر أو ذاك، دون أن يخالجه أى شك فى أن أحدا لن يعاقبه أو يسائله. هى المحرقة ممتدة بطول خارطة مصر وعرضها، بعد أن خرجت من حالة الدولة إلى حالة اللاقانون، ومن ثم فأحكام القضاء باتت تتساوى مع وجهات النظر والتغريدات والتصريحات الإعلامية، وفى وسط هذا الغبار الكثيف لم يعد أحد يهتم بمآلات هذا التفلت من القانون.. والأخطر أن أحدا لم يعد يشغل باله بقراءة الأحداث، أو ينشغل ببحث المقدمات حتى يتوقع النتائج ويستعد لمواجهة ردود الأفعال بعدها. إن ترك مقر نادى الشرطة ومقر اتحاد الكرة بلا تأمين كاف فى اللحظات التالية للنطق بالحكم فى قضية مجزرة بورسعيد يبدو أمرا محيرا، ذلك أنه معلوم مسبقا أن المقرين على بعد خطوة من تجمعات أولتراس النادى الأهلى، ومفهوم بالضرورة أن ثمة ردود أفعال ستندلع فور إعلان الأحكام، ورغم ذلك ترك كل شىء للصدف ولم يتحرك أحد إلا بعد اندلاع الحرائق وارتفاع ألسنتها لتأتى على المبنى والمعنى، وكأنه ليس ثمة دولة لها أذرع أمنية ومعلوماتية تتعامل بالحسابات العلمية مع الأحداث الطارئة. غير أن سؤال «أين الدولة» لا ينطبق فقط على أحداث حرائق الأمس، بل هو مطروح بإلحاح ويعصف برءوس الجميع منذ شهور مضت، حيث تبدو الدولة فى حالة انسحاب وتآكل لا تتوقف، مخلية الساحة لسلطة الأفراد والجماعات والمجموعات، منشغلة أكثر بإظهار نفسه فى طور المظلوم المعتدى عليه الذى يتحمل الإهانات والانتهاكات فى صمت وديع. ومن علامات البؤس القومى أن تبدو الدولة وكأنها صارت مثل أرخبيل متناثر الجزر، وتضيع الفوارق بين سلطة الدولة وسلطة الأفراد، وأبرز تجسيد لهذه الحالة أن تغلق «جزيرة الشرطة» حدودها على نفسها وتمتنع عن العمل، فتأتى جماعات سياسية أو دينية لتعلن نفسها بديلا جاهزا لممارسة دور الأمن وسلطته، فى تجسيد صارخ لتغييب الدولة أو غيابها الاختيارى عن جوهر وجودها وهو تنظيم علاقات الأفراد بالمجتمع وتحقيق القانون بالعدل. ومادامت الدولة راضية بهذه الوضعية من العجز وقلة الحيلة وعدم القدرة على اقتحام المشاكل بشكل واع، فإن المحرقة مستمرة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كان لا بُد من التأديب بالحيات المحرقة |
المؤمن وسط الآلام المحرقة |
تلك شريعة المحرقة |
المسيح هو ذبيحة المحرقة |
الخيانة مستمرة... ولكن المسيرة مستمرة أيضاً |