قبل أيام قليلة من موعد التصويت على الدستور الجديد، فى جولته الثانية، وصلتنى رسالة بالبريد الإلكتروني، من الفقيه الدستوري التركي الدكتور ثروت أرمغان، طلب فيها مني نسخة من مشروع الدستور الجديد الذى أُعد من طرف اللجنة التأسيسية، بغرض الاطلاع عليها لكونه متخصصًا من ناحية ولكتابته مذكرة من 20 صفحة، قدمت للجنة صياغة الدستور التركي المنتظر وهذا من الناحية الأخرى. لبيت دعوته، وقمت بإرسال نسخة من الدستور له عبر بريده الإلكتروني، دون أن أتطرق لأسماء أساتذة القانون الذين شاركوا فى الصياغة والإعداد، ولا للجدل الحاد القائم حاليًا، والحقيقة أنى شعرت بشوق ولهف، لمعرفة رأى هذا الأستاذ الأجنبي المتخصص، فى الدستور المصري، خاصة فى ظل طلبه المفاجئ لي من ناحية، وفى ظل هذا الجدل الحاد والمعارضة التى تشنها بعض الدوائر المصرية، ضد مشروع دستور مدني وضع فى ظل حكم مدني منتخب مباشرة من الشعب لأول مرة فى تاريخ مصر الطويل، وهذا من الناحية الأخرى. بعد أيام قليلة، من إرسال النسخة الدستورية، وقبل تصويت المرحلة الثانية، جاءتني رسالة جديدة من أستاذ الدستور التركي تقول التالي: "قرأت بذوق كبير مواد ونص الدستور، ومستمر فى القراءة مجددًا، ومن ناحية الصياغة الدستورية ولغة القوانين، تعد ممتازة جدًا". كان هذا هو نص مترجم للرسالة القصيرة التى وصلتني من فقيه الدستور التركي، أردت نقلها للقارئ بكل أمانة الترجمة، لكى يأخذ فكرة عن وجهة نظر أجنبية محايدة تتعلق بالدستور، لا علاقة لها بما يدور فى مصر حاليًا، من جدل حاد وعنيف فى بعض الأحيان بين الأطراف، حول مواد وصياغة الدستور. وبهذه المناسبة، أود أن أذكر بأن هذا الفقيه الدستوري – عميد كلية الحقوق السابق وأستاذ القانون الدستوري بالجامعات التركية – سبق وقال لي فى لقاء قبل عدة أشهر من ظهور مواد الدستور الجديد، إن مصر عبر لجنة المائة الدستورية، وضعت شكلًا جديدًا فى لجان صياغة الدساتير، سيسجل لها فى تاريخ الدساتير والقوانين العالمية. وعلل ذلك بأن الدساتير فى تاريخها كتبت من طرف لجان متخصصة محدودة العدد، بين 6-15 شخصية قانونية وعامة. أما أن يصل عدد أعضاء اللجنة إلى 100، فهذا ليس بالأمر السهل والهيّن من حيث توفر فرصة حدوث توافق بين كل هذا العدد من الأعضاء. ولما سألنى عن طريقة التصويت على المواد، قلت له إنها ستكون بنسبة 67% فى الجولة الأولى وتصل إلى 57% فى الجولة الثانية. فقال لى هذا شيء ممتاز، ويعبر عن عمق وفهم المصريين للدساتير ووضعها ويكشف كذا عن عمق وقدرات رجال مصر. ثم قال لى إنى قلق من تمكن لجنة صياغة الدستور التركي- تقوم بالإعداد حالياً ومنذ 8 أشهر تقريبًا - للوصول لتوافق بين أعضائها الـ 12، بسبب التباين الفكري والإيديولوجي الكبير. وأضاف لى قوله فى اللقاء المذكور، لوّ تمكن المصريون من إصدار دستور فى 6 أشهر، وسط هذا العدد الكبير جدًا من أعضاء اللجنة، سيكون هذا انجازًا تاريخيًا يسجل لمصر ولأساتذة القانون المصريين. أيضًا قبل حوالى 3 سنوات، زارني فى منزلي المطرب الكلاسيكي التركي خاقان أولوغ، وكان ابني حاضرًا هذا اللقاء، فلما عرف رجوع ابنى من مصر ورفضه الاستمرار فى دراسته الجامعية فيها، أخذته الدهشة، وقال لولدي لو كنت مكانك ما تخليت عن إكمال تعليمي العالى بمصر، وراح يعدد له أهمية ومكانة مصر فى التاريخ وفى المنطقة، وبما أنه دارس للفلسفة ويعمل فى مجال الموسيقى والطرب، قال لنا إن بلد مثل مصر قدم لتاريخ الغناء مطربة مثل أم كلثوم، يشير بقوة لعمق حضارة وتاريخ هذا البلد. وحين كان ولدي ينتقد بحدة بعض التردي فى الخدمات العامة بمصر وتخلفها عن هذا العصر، وأن هذا كان سبب عودته منها دون إكمال تعليمه الجامعي وأنه رأى دوام تعليه فى بيئة أفضل، قال له،عليك أن تعرف جيّدًا أن هذه فترة أو مرحلة صغيرة فى تاريخ الشعوب والدول، وكل شيء قابل للتغيير والتعديل، طالما كان هناك شعب بعمق وتاريخ مصر. كان هذا، ما أردت عرضه على القارئ المصري، فى ظل هذه الظروف المضطربة شيء ما، لكى يدرك كيف ينظر الأجانب لمصر ولشعبها. اللهم احفظ مصرنا من كيّد الأعداء، فى الداخل والخارج، وأنعم عليها بالأمن والأمان والاستقرار.