"اصنع لنفسك سكاكين من صوان وعُد فاختن بنى إسرائيل ثانية"
(يش 5: 2 )
لا شك أن مواجهة الذات وإدانتها في محضر الرب، هو أمر قاس على الطبيعة البشرية، ولا تتقبله النفس بسهولة، لأن الذات كيان أناني، لا تحب الضغط عليها. تريد أن تسلك حسب إرادتها، وتتجنب أي اتهام أو دينونة توّجه إليها، وفى الحال تحاول أن تتنصل من الدينونة والإدانة؛ إما بتبرير ذاتها أو إلقاء التهمة على أي إنسان أو شيء سواها.
ولكن بدون إدانة الذات والحكم عليها، سنفقد بركة السير والشركة مع الله ولن يكون لنا معه نصيب، وإن كان سيظل لنا فيه نصيب، فنحن نحتاج إلى تدريب يومي ولا أكون مبالغاً إن قلت إنه تدريب لحظي مع كل قول أو فعل أو نظرة أو ربما فكرة، يجب أن نستخدم في الحال سكاكين الصوان، ونختن أنفسنا ولا نُشفق عليها، وعلينا في ذلك أن نضع أمامنا أمرين أساسيين:
أولاً : المسيح كمستوى للقياس. إن غرض الله أن يُظهر المسيح لنا كالمستوى الذي نقيس أنفسنا عليه. فكثيراً ما نجد الإنسان يضع نصب عينه مستويات أقل منه، أو يقيس نفسه على نفسه، بمعنى أن يقيس وضعه الآن على وضعه الروحي السابق، فيرى أنه "بار في عيني نفسه" مثل أيوب (أى31: 1) وهذا أسلوب للهرب من إدانة الذات، ولكن إذا حكمنا على أنفسنا بذات الأسلوب الإلهي الذي يريده الله وبالقياس على كلمته الحية، أو كلمته المتجسد، سنصل إلى ما وصل إليه بطرس حينما رأى نفسه في محضر الرب فقال "اخرج يارب من سفينتي لأني رجل خاطئ" (لوقا5: 8) أو حينما رأى إشعياء مجده فقال "ويل لي لأني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وساكن وسط شعب نجس الشفتين" (إش6).
ثانياً: أن نأتي في صف الله ضد أنفسنا: فكثيراً ما تحاول النفس أن تجد طريقاً للهروب من الدينونة بإلقاء التهمة على الآخرين وهى لا تتورع أن تلقيها بالتبعية على الرب نفسه. ففي أول خطية عُملت على الأرض ألقت حواء التهمة على الحية، ووضع آدم المرأة في قفص الاتهام، مُلقياً أيضاً بالملامة على الرب "المرأة التي جعلتها معي، هي أعطتني من الشجرة" (تك 3: 12 ) . ولكن ما أجمل ما قيل عن الابن الضال حينما وقف في صف الله ضد نفسه "أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أُدعى لك ابناً"، وما قاله دانيال "أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك ... لك يا سيد البر أما لنا فخزي الوجوه" (تك 3: 12 ، 7).