*الكنيسة وهي حاملة نعمة عظيمة بهذا المقدار تحضّ أولادها وأصدقاءها أن يقبلوا إلى الأسرار قائلة: "كلوا يا أصحابي، واشربوا واسكروا يا إخوتي" (1 بط 1: 2). إن ما نأكله وما نشربه قد أوضحه الروح القدس في موضوع آخر بواسطة النبي القائل: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب، طوبى للرجل الذي يضع رجاءه فيه" (مز 34: 9). وفي هذا السرّ يوجد المسيح، لأنه جسد المسيح، لذلك فهو ليس طعامًا جسديًا بل روحي. لذلك يقول الرسول عن مثال هذا الطعام: "آباؤنا أكلوا طعامًا روحيًا، وشربوا شرابًا روحيًا" (1 كو 10: 3)، لأن جسد الله جسد روحي، جسد المسيح هو جسد الروح الإلهي، لأن الروح هو المسيح كما نقرأ: "الروح الذي أمامنا هو مسيح الرب" (مرا 4: 20). وفي رسالة بطرس نقرأ: "المسيح مات عنَّا"، وأخيرًا فهذا الطعام يشدد قلوبنا، وهذا الشراب "يفرح قلب الإنسان" (مز 104: 15)، كما يسجل النبي.
*ولكي نعرف طبيعة الخير بالأكثر، فالحياة هي الخير، لأنها ثابتة على الدوام، تَهب الجميع وجودهم وكيانهم. ومصدر حياة الكل هو المسيح، الذي عنه يقول النبي: "في ظله نعيش" (مرا 4: 20). الآن "حياتنا مستترة في المسيح، ومتى أُظهِر المسيح حياتنا، فحينئذٍ نحن أيضًا نظهر معه في المجد" (كو 3: 3-4). لهذا يليق بنا ألاَّ نخشى الموت، فإنه راحة للجسد، وحرية للنفس... يجب ألاَّ نخاف من يقتل الجسد، ولكن النفس لا يقدر أحد أن يهلكها (مت 10: 28). لأننا لا نخشى من يخلع ملبسنا، ولا نخاف مِمَّنْ يستطيع أن يسلب ممتلكاتنا، لكنه لا يقدر أن يسلبنا أنفسنا. إننا إذن نفوس، إن كنا نرغب أن نكون عبرانيين مرافقين ليعقوب (تك 47: 26-27)، مُتشبِّهين به. نحن نفوس، أما أعضاؤنا فهي لباسنا. يلزم أن يُحمى اللباس بحق فلا يُمزَّق ولا يُبلى (عب 1: 11)، لكن يليق بمن يستخدمه أن يحمي أولًا نفسه ويحرسها .
*أية غرابة في ذلك ألا يُدعَى الآب والابن كلاهما روح... ويا ليتهم يقرأون أن الآب يُدعَى روحًا كما قال الرب في الإنجيل "الله روح" (يو 4: 24)، والمسيح يُدعَى روحًا كما يقال إرميا "الروح أمام وجوهنا هو المسيح الرب" (مرا 4: 20). وهكذا الآب روح والمسيح روح، لأن كل من هو ليس جسدًا مخلوقًا هو روح. وتسمية الآب روح والمسيح روح لا يَعْنِي أن الروح القدس ذاب فيهما، بل هو مُتمَايِز عن الآب والابن .
القديس أمبروسيوس