|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاتِّكَالُ عَلَى الرَّبِّ «مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ، وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ» (إر١٧: ٧). إن عين الله أبينا ترمقنا دائمًا أبدًا، والأذرع الأبدية من تحتنا، ومن حولنا نهارًا وليلاً. والرب أحصى جميع شعور رؤوسنا، ومن فرط صلاحه يتداخل في كل أمورنا. وقد أخذ على عاتقه أن يسد كل أعوازنا، ويقضي لنا جميع حاجاتنا. بل أكثر من ذلك يدعونا لأن نُلقي كل همنا عليه، ونحن عارفون يقينًا أنه يعتني بنا. ومهما كانت أحمالنا ثقيلة، فإنه يتنازل ويدعونا لأن نطرح هذه الأثقال، وهو قادر أن يحملها عنا. وغرض الرب من كل ذلك أن تهدأ قلوبنا مهما صادفنا. أما الشيء المهم فهو أن يسأل كل منا نفسه عما إذا كان الإيمان الصادق بهذه المواعيد الحلوة يملك على النفس والقلب، وهل نؤمن حقيقة بأن الخالق القدير الحامل لكل الأشياء بكلمة قدرته، قد أخذ على عاتقه، من مجرد نعمته، أن يعتني بنا كل رحلات الطريق؟ هل يؤمن كل منا من القلب بأن ”الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ“، هو أبوه المتكفِّل بسد كل أعوازه، من أول الطريق إلى آخرها؟ إننا بكل أسف نخشى أن تكون فاعلية هذه الحقائق السامية والبسيطة، ضعيفة جدًا في حياتنا. نحن نتكلّم كثيرًا عنها، ونعظ بها، ونناقش الغير فيها، ونسلِّم بصحتها، ولكننا نصادق عليها اسميًا فقط. وذلك لأن حياتنا اليومية وحركاتنا وسكناتنا في الواقع تدل دلالة واضحة على أننا لم ندرك عمليًا هذا الحق المبارك. ولو كنا نُوقن حقًا أن إلهنا قد تكفَّل بسد كل أعوازنا، ولو كنا نجد جميع ينابيعنا فيه، ونجعل من إلهنا ملجأً أمينًا مُريحًا لقلوبنا، لمَا اتجهت أبصارنا إلى الينابيع البشرية الفقيرة، التي سرعان ما تجف وتخيّب آمالنا. نحن في الواقع غير واثقين في إلهنا تمامًا، كما تدل على ذلك حياتنا العملية، ونحن في الواقع غير راسخين في التمسك بهذا الحق الثمين. إن مجرد التمسك النظري شيء وأن نحيا فعلاً حياة الإيمان شيء آخر. إننا كثيرًا ما نخدع نفوسنا، ونتصور أننا عائشون في حياة الإيمان، بينما في واقع الأمر نحن مستندون على عضد بشري لا بد أن ينهار. ألم تظهر فينا مرارًا كثيرة الرغبة في ترك المياه الحية لنحفر لأنفسنا آبارًا مُشققة لا تضبط ماء؟! ومع ذلك نتكلَّم عن حياة الإيمان. وفي الوقت الذي فيه نقول إننا ناظرون إلى الله الحي، ومنتظرون منه سد أعوازنا مهما كانت، في نفس هذا الوقت نكون في الواقع جالسين بجوار واحد أو أكثر من المجاري البشرية الضعيفة، باحثين عن شيء هناك. فهل نستغرب إذا عدنا فارغين نجر أذيال الخيبة والفشل؟ إنه لا يمكن أن يأتي لنا غير ذلك. فالله لا يريدنا أن نتكل على أي سند أو شخص سواه. وكلمته فَصَّلَت أمامنا عواقب الاتكال على البشر: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مَلْعُونٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الإِنْسَانِ، وَيَجْعَلُ الْبَشَرَ ذِرَاعَهُ، وَعَنِ الرَّبِّ يَحِيدُ قَلْبُهُ. وَيَكُونُ مِثْلَ الْعَرْعَرِ فِي الْبَادِيَةِ، وَلاَ يَرَى إِذَا جَاءَ الْخَيْرُ، بَلْ يَسْكُنُ الْحَرَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ، أَرْضًا سَبِخَةً وَغَيْرَ مَسْكُونَةٍ» (إر١٧: ٥، ٦). كما فصّلَت أمامنا بركات الاتكال على الله: «مُبَارَكٌ الرَّجُلُ الَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ، وَكَانَ الرَّبُّ مُتَّكَلَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ، وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا، وَلاَ تَرَى إِذَا جَاءَ الْحَرُّ، وَيَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ، وَفِي سَنَةِ الْقَحْطِ لاَ تَخَافُ، وَلاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ» (إر١٧: ٧، ٨). هناك لعنة، وهنا بركة. والله في معاملاته الأمينة معنا يسمح أن تجف كل المجاري البشرية، وأن تنهار كل المساند البشرية، لكي يُعلّمنا جهالة وسخافة تركنا إياه، وتحويل نظرنا عنه. إن الثقة التامة البسيطة في إلهنا تورد نفوسنا بركات عظمى وثمينة: «يَكُونُ كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عَلَى مِيَاهٍ، وَعَلَى نَهْرٍ تَمُدُّ أُصُولَهَا ... يَكُونُ وَرَقُهَا أَخْضَرَ ... لاَ تَكُفُّ عَنِ الإِثْمَارِ». هذا هو مثال كل رَجُل يجعل الرب مُتَّكَلَه، وفي الرب رجاؤه. إنه يرتوي وينتعش من الينابيع الأبدية المتدفقة من قلب الله، وحتى إذا جفت كل المجاري البشرية، فذلك لا يؤثر بتاتًا، لأنه لا يعول عليها في شيء، ولهذا لا يعوزه شيء من الخير، لأنه يحيا بالإيمان راسخًا في اتكاله على مصدر كل خير. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|