|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أسماء إلهية إنه لأمر شيق وتعليمي وبنَّاء أن تلاحظ أسماء الله المتنوعة التي يظهر بها في الكتاب المقدس. هذه الأسماء تُعبِّر عن صفات معيَّنة لله، وعلاقات سُرَّ الله أن يُعلن بها عن ذاته للإنسان. والقارئ المؤمن سيجد في دراسة هذا الموضوع فائدة جَمَّة، وإنعاشًا روحيًا حقيقيًا وبركات وفيرة. ويمكننا فعل ما هو أكثر من مجرد تقديم اقتراح أو اثنين في هذه الصفحات القليلة، بأن نترك للقارئ مجالاً لبحث المكتوب بنفسه، حتى يحصل على أقصى استيعاب للمعنى الحقيقي وللتطبيق الصحيح للألقاب المتنوعة. في الأصحاح الأول من سفر التكوين نجد الاسم الأول العظيم «الله (إيلوهيم)»: «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ (إيلوهيم) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ». وهذا يقدِّم لنا الله في إلوهية غامضة يستحيل الوصول إليها «اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ» (يو1: 18)؛ فنحن نسمع صوته ونرى أعماله في الخلق، لكننا لم نَرَهُ، ولا يستطيع أحد أن يراه قط، فهو يسكن في النور الذي لا يقدر أحد أن يدنو منه. و«إيلوهيم» لفظ جمع، ومفرده في العبرية «إيلوه»، وصيغة الاسم توحي بفكرة القوة والقدرة والسلطان. وفي نور العهد الجديد نعرف أن «إيلوهيم» هم أقانيم اللاهوت الثلاثة: الآب والابن والروح القدس. أما في تكوين 2 فنجد اسمًا آخر بالإضافة إلى الله وهو «الرب (يهوه)». لماذا هذا؟ لأن الإنسان وُجد الآن في المشهد، والاسم «الرب (يهوه)» يدل على العلاقة الإلهية بالإنسان. يا له من حق ثمين! يستحيل أن تقرأ هذين الإصحاحين دون أن يُذهلك اختلاف الأسماء “الله” و “الرب الإله” أو بالحري “إيلوهيم” و “يهوه إيلوهيم”؛ والاختلاف جميل وله مدلوله. ويقدِّم لنا تكوين 7: 16 مثالاً لذلك «وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ (إيلوهيم). وَأَغْلَقَ الرَّبُّ (يهوه) عَلَيْهِ». فالله في مطلق سلطانه كان مزمعًا أن يُهلك البشرية وكل كائن حي، لكن “الرب (يهوه)” في نعمته المطلقة أغلق على نوح. لاحظ التميز؛ فلو كان الكاتب إنسانًا عاديًا ربما بدَّل الأسماء دون ملاحظة ما تحويه، لكن ليس كذلك الروح القدس الذي يبرز نقطة العلاقة الجميلة بين يهوه ونوح. لقد كان إيلوهيم على وشك أن يقضى على الأرض، لكنه كيهوه كانت عيناه على خادمه المحبوب؛ فنراه يأويه بإنعام جزيل في إناء الرحمة. يا لكمال المكتوب! كم هو بنّاء ومنعش أن تتتبع الأمجاد الأدبية للوحي الإلهي! دعونا نرجع إلى مقطع من 1صموئيل 17 حيث نقرأ عن لقاء داود بجليات، الذي قال للجبار بكل جرأة عما كان مزمعًا أن يفعله به وبجيوش الفلسطينيين «فَتَعْلَمُ كُلُّ الأَرْضِ أَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ (إيلوهيم) لإِسْرَائِيلَ. وَتَعْلَمُ هذِهِ الْجَمَاعَةُ كُلُّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفٍ وَلاَ بِرُمْحٍ يُخَلِّصُ الرَّبُّ (يهوه)، لأَنَّ الْحَرْبَ لِلرَّبِّ وَهُوَ يَدْفَعُكُمْ لِيَدِنَا» (1صم17: 46، 47). على كل الأرض أن تعرف وتعتبر حضور الله وسط شعبه، لكنهم لا يستطيعون أن يدركوا شيئًا عن العلاقة الغالية التي يحويها لقب «يهوه» التي كانت لجماعة إسرائيل فقط به؛ فما كان عليهم إدراك حضوره في وسطهم فحسب، بل أيضًا طريقة تعامله المباركة معهم، فهو إيلوهيم بالنسبة للعالم، أما لشعبه المحبوب فهو يهوه. يا ليت هذه اللمسات الرائعة تستحضر إعجاب قلوبنا، فنجتهد لرؤية وفهم الأعماق الحيَّة والأمجاد الأدبية للأمور التي دوَّنها الروح القدس، مُنعمًا علينا، لراحتنا وبنياننا! ولا بد أن نعترف أنها تعطينا فرح لا يُنطق به، ونحن نتأملها ونبرزها للقارئ في هذه الأيام الكُفرية التي يوضع فيها الكتاب المقدس موضعًا للمساءلة بجرأة سافرة من جهة وحيه الإلهي. لكن لدينا طريقة أفضل للرد على الاعتداءات الكفرية الحقيرة؛ فنحن في كامل القناعة من أن الوقاية من كل تلك الاعتداءات هي أن تسكن فينا كلمة المسيح بغنى، بكل قوتها الحيَّة والفعالة. ولقلب مملؤ ومتحصن بها، تبدو أعتى وأكثر مجادلات الكتَّاب الكفَرة عقلانية، تبدو مجرد قرع مطر على زجاج. سنتطرق إلى توضيح آخر لموضوعنا في العهد القديم من تاريخ يهوشافاط الشيق «فَلَمَّا رَأَى رُؤَسَاءُ الْمَرْكَبَاتِ يَهُوشَافَاطَ قَالُوا: إِنَّهُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ. فَحَاوَطُوهُ لِلْقِتَالِ، فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ، وَسَاعَدَهُ الرَّبُّ (يهوه) وَحَوَّلَهُمُ اللهُ (إيلوهيم) عَنْهُ» (2أخ18: 31). يا له من أمر مؤثر! لقد وضع يهوشافاط نفسه في وضع خاطئ تمامًا، إذ ربط نفسه بأكثر ملوك إسرائيل شرًّا وفجورًا، بل لقد وصل به الأمر إلى حد القول لأخآب الشرير: «مَثَلِي مَثَلُكَ وَشَعْبِي كَشَعْبِكَ وَمَعَكَ فِي الْقِتَالِ»، فلا عجب إذًا أن أخطأه رؤساء أرام وظنوه أخآب. لكن عندما نزل إلى الحضيض، إلى ذات ظل الموت «فَصَرَخَ»، فصعدت تلك الصرخة إلى أذن يهوه المُنعمة دائمة الانتباه، الذي قال «ادْعُنِي فِي يَوْمِ الضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مز50: 15). يا لها من نعمة غنية! لكن لاحظ الدقة البديعة في تطبيق الألقاب الإلهية، فهذه هي مشغوليتنا «فَصَرَخَ يَهُوشَافَاطُ، وَسَاعَدَهُ الرَّبُّ (يهوه)» ثم ماذا بعد ذلك؟ لو أن مجرد كاتبًا بشريًا كان ليصوغ هذه العبارة لصاغها هكذا: “ساعده الرب وحولهم عنه”. لكن كلا؛ لأن يهوه ليس له علاقة بالأراميين الغلف، بل كانت عيناه على خادمه الغالي، رغم خطئه، وكان قلبه نحوه، كما كانت أذرعه الأبدية تحيط به. فليس من رابطة بين الرب والأراميين أما «الله (إيلوهيم)»، الذي لم يعرفوه، فحوَّلهم عنه. من يستطيع الإخفاق في رؤية جمال وكمال كل هذا؟ أَليس واضحًا أن بصمة اليد الإلهية مرئية في الثلاث مقاطع التي تأملناها؟ نعم، بل وفى كل عبارة من الغلاف إلى الغلاف من الوحي المقدس. وبما أن الله هو موضوع شهادتنا؛ فإن هدفنا الأعظم من كتابة هذه الصفحات هو تعميق الإحساس في قلوب قرائنا بغلاوة وجمال وكمال الوحي المقدس، الذي أعطاه الله لإرشاد شعبه ومعونته وبركته في هذا العالم المظلم. فإذا ما تحقق هذا الغرض فقد نلنا مكافأتنا كاملة. لكن لا يمكننا أن ننهي حديثنا دون أن نشير إلى صفحات العهد الجديد الثمينة. لذلك أسأل القارئ العزيز أن يرجع إلى رومية 15 حيث يُقدَّم لنا الله في ثلاثة ألقاب، كل منها في تمام التوافق وكماله مع الموضوع الذي يتطرق إليه، حيث يحرضنا الرسول بالوحي في الأعداد الافتتاحية لإصحاحنا الذي يستكمل أصحاح 14 على ضرورة الصبر واحتمال وقبول بعضنا البعض. وإلى من يوجهنا الرسول لننال قوة لنتجاوب مع تلك التحريضات المقدسة، والتي نحن بأشد الحاجة إليها؟ إلى «إِلَهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ» (رو15: 5). فهو يقدِّم لنا الله في الطابع الذي نحتاجه فيه، حيث أن مخزوننا الضئيل من الصبر لا بد أن ينفد سريعًا في سعينا ونحن نواجه الشخصيات المختلفة التي تعترض طريقنا. وحتى في اتصالنا بإخوتنا، فهناك احتياج مستمر للصبر واحتمال الآخرين، وبكل تأكيد يحتاج الآخرون للصبر لاحتمالنا نحن أيضًا. فمن أين لنا بوسائل تسديد كل هذه المطاليب؟ من الكنز الذي لا ينضب الذي في «إِلَهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ» (ع5). إن قنواتنا الصغيرة ستجفّ سريعًا إذا لم تُحفظ في اتصال مستمر بذلك النبع الدائم الفيضان. إن كان وزن الريشة يفوق على صبرنا، فكيف سنواجه آلاف الأمور التي ستواجهنا حتى في كنيسة الله! من هنا يأتي الاحتياج إلى صلاة الرسول الجميلة «وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِكَيْ تُمَجِّدُوا اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ. لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ» (رو15: 5-7). هنا يكمن السر العظيم، القوة الإلهية لقبول بعضنا بعضًا، والتواؤم معًا بمحبة مقدَّسة وصبر سماوي. فليس سوى الشركة المستمرة مع إله الصبر والتعزية هي التي تُمكِّننا من الارتقاء فوق العوائق اللانهائية التي تفرض نفسها على ثقتنا وشركتنا، لنسير في محبة شديدة تجاه كل من يحبون ربنا يسوع المسيح بإخلاص. سنكتفي بإلقاء نظرة سريعة على باقي الألقاب الإلهية المذكورة في هذا الأصحاح. عندما يتكلم الرسول عن المجد الآتي يتجه قلبه في الحال إلى الله في الطابع الذي يلائم هذه المناسبة «وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (ع13). لو أن رجاء المجد مُعتبَّرًا في نفوسنا - ونحتاج إليه حقًا - فعلينا أن نحول أنظارنا إلى «إِلهُ الرَّجَاءِ». كم هو مميَّز ومُذهل تطبيق الألقاب الإلهية أينما بحثنا! فمهما كان طابع احتياجنا يقدِّم الله ذاته لنفوسنا بالطريقة التي تلائم تسديده له؛ لذلك عند ختام الأصحاح، عندما يحوِّل الرسول نظره إلى اليهودية والمصاعب والأخطار التي تنتظره هناك يفيض قلبه إلى إله السلام «إِلَهُ السَّلاَمِ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ. آمِينَ» (ع33). يا له من مصدرٍ غالٍ لنا في كل تدريباتنا المتنوعة ومخاوفنا وأحزاننا واهتماماتنا! ومهما احتجنا فعلينا فقط أن نلتفت بإيمان بسيط إلى الله لنجد فيه سؤلنا. الله - تبارك اسمه إلى الأبد - هو الإجابة التامة وهو كلي الكفاية لكل احتياج، من بداية حياتنا إلى غاية سعينا المسيحي. يا حبذا الإيمان البسيط لنتعامل به معه، له كل المجد! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|