|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
انتصار الملك يقول البشير: «ثم أُصعد يسوع إلى البرية ليُجرَّب من إبليس، فبعدما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة جاع أخيرًا، فتقدَّم إليه المجرِّب وقال له: إن كنت ابن الله فقُل أن تصير هذه الحجارة خبزًا» (مت4 : 4). ما مِن إنسان عاش على الأرض، وجرَّبه الشيطان، إلا وخرَّ صريعًا أمام تجارب إبليس وسقط. فمنذ البدء، لم يستطع آدم وحواء الصمود أمام كلمات الشيطان الخادعة الكاذبة، مع أنه كانت لهما كل الإمكانيات والمشجعات لكي يُثبِّتا ولائهما للرب الإله: فالمكان جنة مِن صنع الله، وهما على صورة الله، والنفخة نسمة من الرب الإله، والثمار كل ما هو شهي وجيد للنظر، والسلطان ما أعلاه على كل الخليقة، والمعين نظيره مصنوع بيد الله. لكن بالرغم من كل هذا، أمام ثمرة من ثمار شجرة معرفة الخير والشر، سقط الإنسان الأول وهوى من أعلى القمة إلى حضيض القاع. لكن ماذا عن الإنسان الثاني، الذي كان الحال معه مختلفًا تمامًا: فليس في جنة ولكن في البرية، وليس حوله أشجار وثمار ولكنه بعد أن صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة، يقول الكتاب «جاع أخيرًا». إن غريزة الجوع من أصعب الغرائز وأشدها في الإنسان، فما أكثر ما طوَّح الجوع بعيدًا بالقديسين وأسقطهم: فبسبب ثمرة واحدة ضاع الجنس البشري وهلك (تك3). وأبو المؤمنين، إبراهيم، بسبب الجوع لم يرجع إلى بيت إيل بل انحدر إلى مصر، وهناك فقد أغلى وأعز مَن على قلبه؛ زوجته سارة (تك12: 10). وإسحاق أيضًا، في شيخوخته، من أجل الأكل أراد أن يعطي البركة لعيسو على عكس فكر وقول الرب لزوجته (تك27: 1-4). وشعب الرب، بعد أن أخرجهم الرب من مصر، تذمّروا على موسى وهارون، وتمنّوا الموت عندما تذكروا قدور اللحم فيها (خر16: 2،3). وأول مشاجرة في كنيسة الله في العهد الجديد بين اليونانيين والعبرانيين كانت بسبب الأكل والموائد (أع6: 1،2). لكن ماذا عن الإنسان الثاني، حين امتُحن وهو صائم أربعين يومًا؛ كيف تصرّف حين عرض عليه الشيطان أن يصنع معجزة، وما أسهلها بالنسبة له، ليحوِّل الحجر إلى خبز ويأكل! ما أروع ما أجاب به «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله»! إن كل إنسان يأكل حينما يشعر بالجوع، لكن الإنسان الكامل العجيب لا يأكل إلا إذا كانت هذه مشيئة السماء. ما أعظم صفاته! ما أجمل طاعته! آه، ليت نفوسنا تتعلم من شخصه الكريم كيف تطيع السماء حتى في أحلك الأوقات وأشدها. بل ليتنا نتعلم أن نقول لأنفسنا ”لا“ حين لا تقول السماء لنا ”نعم“. يذكر البشير أيضًا «وكان يسوع يطوف الجليل يعلِّم في مجامعهم، ويكرز ببشارة الملكوت ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب» (مت4: 23). إن أصحاب المراكز العالية، على قدر عظمة مركزهم بهذا القدر يصعب التقابل معهم، حتى أنك ربما تنتظر الأسابيع أو الشهور ليتحدد لك موعد للالتقاء بأحدهم. لكن ماذا عن صاحب المركز الرفيع، الأكبر والأعظم، الأول والآخر، البداية والنهاية؟ «كان يطوف كل الجليل يعلّم في مجامعهم»، ما أروع سلوكه! فمع أن قداسته جعلته منفصلاً عن شرّ الأشرار، لكن نعمته ومحبته جعلتاه قريبًا من كل المساكين والخطاة! هل رأينا ملك يطوف على قدميه المدينة تلو الأخرى: يتفقد الرعية ويعلّم الشعب، يشفي كل مرض ويبرئ كل سقام، يسدّد الاحتياج، ويملأ الأعواز؟! كم نحتاج أن نتعلم من سلوكه: فحين يرسلنا بالنعمة، ويقبل أن يستخدمنا، لا يكون هذا مدعاة للتعالي أو التباهي، ولا للشعور بأنه أصبح لنا مكانة خاصة، فنعمل بيننا وبين الآخرين مسافة، بل على العكس ليكن هذا النموذج أمام عيوننا، فيكون الاتضاع أوفر، ولتكن التضحية من أجل الآخرين أكبر، وليكن شعارنا أنه مهما عملنا من البر فنحن عبيد بطالون. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|