|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ابن الإنسان مما تجدر الإشارة اليه أن الرب يسوع المسيح هو الذى أطلق على نفسه «ابن الإنسان». لكن لا نجد في الكتاب كله أن الله خاطب المسيح، ولو مرة واحدة، كابن الإنسان؛ بل كالابن الوحيد الحبيب الذى سُرَّ به. كما لا نجد أحدًا من المؤمنين خاطبه كابن الإنسان. وتعبير ”ابن الإنسان“ يكلّمنا عن المسيح كإنسان اشترك معنا في اللحم والدم؛ فكان له روح إنسانية، ونفس إنسانية، وجسد إنساني. وكما يقول الرسول «مِن ثَمّ كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شيء» (عب2: 17)، وقد جُرِّب في كل شيء مثلنا بلا خطية (عب4: 15)، وقد جاء - له المجد - في شبه جسد الخطية (رو8: 3). أي أن المسيح جاء بمحض اختياره إلى دائرة الإنسانية، وقد كان القدوس الذى بلا خطية، فهو اتخذ مركزنا لكنه لم يتخذ حالتنا. ومما تجدر ملاحظته أيضًا أن هذا اللقب «ابن الإنسان» خُوطب به كل من دانيآل مرة واحدة (دا 7: 18) تحت اسم ابن آدم الذى يعني ابن الإنسان وخُوطب به حزقيال حوالي 93 مرة، لكن لم يشيروا به إلى أنفسهم، وهذا في غاية المناسبة لأن كلاً من دانيآل وحزقيال كانا من أنبياء السبي الذين تنبأوا بعيدًا عن الأرض، وكانت الأرض في أيامهم تحت سيادة الأمم، أي أن الشعب قد أضاع مكانه المختار كمن هم تحت سيادة مَلِكهم وربّهم. ولأن السيادة سُلِّمت للأمم، فقد وُضع كل من دانيآل وحزقيال في ذات علاقة المسيح نفسه مع الشعب، الذى من ضمن ألقابه ابن الإنسان. وقد ورد اسم ابن الإنسان كثيرًا في العهد الجديد ولا سيما في الأناجيل، أما في بقية العهد الجديد فقد ورد: 1- في سفر الأعمال مرة حيث استخدم استفانوس هذا اللقب (أع7: 56). 2- في رسالة العبرانيين، في الاقتباس من المزمور الثامن «ما هو الإنسان حتى تذكره؟ أو ابن الإنسان حتى تفتقده؟» (عب2: 6؛ مز8: 4). 3- في سفر الرؤيا، في وصفه كالقاضي والديان (رؤ1: 13؛ 14: 14) وذلك مقتبَسًا من نبوة دانيآل (دا 7: 13). أما في الأناجيل الأربعة فقد ورد في الشواهد الآتية: إنجيل متى: 8: 20؛ 9: 6؛ 10: 23؛ 11: 19؛ 12: 8،32،40؛ 13: 37؛ 13،41؛ 16: 13،27،28؛ 17: 9،12،22؛ 18: 11؛ 19: 28؛ 20: 18،28؛ 24: 27،30،37،39،44؛ 25: 31؛ 26: 20،24،45،64. إنجيل مرقس: 2: 10،28؛ 8: 31،38؛ 9: 9،12،31؛ 10: 33،45؛ 13: 26؛ 14: 21،41،62. إنجيل لوقـا: 5: 24؛ 6: 5،22؛ 7: 34؛ 9: 22،26،44،،58؛ 11: 30؛ 12: 8، 10،40؛ 17: 22،24،26،30؛ 18: 8،31؛ 19: 10؛ 21: 27، 36؛ 22: 22،48،69؛ 24: 7. إنجيل يوحنا: 1: 51؛ 3: 13،14؛ 5: 27؛ 6: 27،53،62؛ 8: 28؛ 12: 23،34؛ 13: 31. ومن المرات الكثيرة التي ورد فيها اسم ”ابن الإنسان“ نستنتج الحقائق الآتية: أولاً: مجده الشخصي: «وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذى نزل من السماء ابن الإنسان الذى هو في السماء» (يو3: 13). ثانيًا: اتضاعه: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه» (مت8: 20؛ لو9: 58). ويا له من اتضاع أن خالق الطيور، في زمن اتضاعه، كان أقل من الطيور التي خلقها، لأن الطيور كائنات لها أوكار أما خالق الطيور فلم يكن له مكان يُسند فيه رأسه. ثالثًا: سلطانه أن يغفر الخطايا: «ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج: قُم احمل فراشك واذهب إلى بيتك» (مت9: 6؛ مر2: 10). واضح أن الرب كيهوه طبقًا لمزمور 103 يغفر الخطايا «الذى يغفر جميع ذنوبك» (مز103: 3)، لكن ها هو ابن الإنسان يغفر الخطايا، لأن ابن الإنسان هو نفسه يهوه. رابعًا: أنه رب السبت: «إذًا ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا» (مر2: 28؛ مت12: 8). أي من حقه أن يقرِّر ما يُعمل وما لا يُعمل في يوم السبت. أي أن سيادته وسلطانه فوق كل وصية إلهية. خامسًا: المخلِّص: «لأن ابن الإنسان قد جاء ليطلب ويخلِّص ما قد هلك» (لو19: 10). وقد دُعي اسمه يسوع لأنه يخلِّص شعبه من خطاياهم. سادسًا: الخادم: «لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِِ ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مر10: 45). ويا له من خادم، وسيظل خادمًا إلى الأبد (لو12: 37). سابعًا: الزارع الزرع الجيد: «الزارع الزرع الجيد هو ابن الإنسان» (مت13: 27). ثامنًا: رأي الناس فيه: «جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون هوذا إنسان أكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة. والحكمة تبررت من بنيها» (مت11: 29). تاسعًا: غرض الإيمان: «اعملوا لا للطعام البائد، بل للطعام الباقي للحياة الأبدية، الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد ختمه (يو6: 27؛ 6: 53). عاشرًا: آلامه وموته: «وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرًا ويُرفَض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتَل» (مر8: 31). ولكي يموت كان لا بد أن يشترك معنا في اللحم والدم، لأنه كالابن الأزلي المعادل والمساوي للآب والروح القدس لا يموت وله وحده عدم الموت. لكن لكي يموت كان لا بد للكلمة الأزلي أن يصير جسدًا، فإن كان الإنسان قد سلب الله مجده فإن ابن الإنسان ردّ الذي لم يخطفه (مز69: 4). حادي عشر: قيامته: «وبينما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع قائلاً: لا تعلموا أحدًا بما رأيتم حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات» (مت17: 9). فكابن الإنسان الآب أقامه، لكن كالابن الأزلي أقام نفسه. ثاني عشر: جلوسه في الأعالي: «منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة» (لو22: 69). فكابن الإنسان أجلسه الآب عن يمينه، وكالابن الأزلي أجلس نفسه «بعدما صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا جلس (أي أجلس نفسه)» (عب1: 3). ثالث عشر: مجيئه مستعلَنًا بالمجد والقوة ليُقيم ملكوته على الأرض: «وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيًا في سحاب بقوة كثيرة ومجد» (مر13: 26). رابع عشر: سلطانه كالديان: «وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا لأنه ابن الإنسان» (يو5: 27). ابن الإنسان وابن داود وابن إبراهيم لقد استخدم الرب نفسه لقب ابن الإنسان عندما رفضه الشعب ورفضوا ملكوته، ومن هنا أصبح لقب ابن الإنسان أوسع مدى من لقبه كابن داود ولقبه كابن إبراهيم. ابن داود: أي الملك الذى سيجلس على عرش داود أبيه، والذى يحكم ويملك بالبر؛ وهذا إتمامًا لقول الملاك جبرائيل للعذراء مريم «ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، فيملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكه نهاية» (لو1: 22،23). وهذا إتمامًا للعهد الداودي المذكور في 2صموئيل 7: 12-16؛ 1أخبار 17: 1-15؛ مزمور89. ويؤكد الآب هذا في قوله «أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي» (مز 2: 6). ومما تجدر الإشارة اليه أن لقب المسيح كابن داود جاء في بداية العهد الجديد (مت1: 1) وفي نهايته (رؤ22: 16). ابن إبراهيم: يعني أن كل قبائل الأرض تتبارك فيه، أي أن علاقته كابن إبراهيم بكل المؤمنين، يهودًا وأممًا، كما أنه كابن إبراهيم سيرث الأرض التي وُعد بها إبراهيم (تك15: 18). ابن الإنسان: ستكون علاقته ليس بأرض إسرائيل فقط، كما جاء فعلاً في المزمور الثاني، بل بكل الأرض والعالم وكل الخليقة، وهذا سيكون إتمامًا لما جاء في المزمور الثامن. المزمور الثامن والاقتباسات الثلاثة عن المسيح في العهد الجديد أولاً: رسالة كورنثوس الأولى: «لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه. آخر عدو يبطل هو الموت، لأنه أخضع كل شيء تحت قدميه» (1كو15: 24-28) تكلمنا هذه الأعداد عن المسيح في نصرته النهائية على النحو التالي: 1- «لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه» (ع25). 2- الآب أخضع للمسيح، كالإنسان، كل شيء تحت قدميه، ولكن حينما يقول إن كل شيء قد أُخضع، فواضح أنه غير الذي أخضع له الكل (أي أن كل شيء سيخضعه الآب تحت قدمي المسيح ما عدا الآب) وهذا في تمام المناسبة، لان الآب معادل للابن الأزلي الأبدي تمامًا، فليس من المعقول أن يخضع الآب للابن كابن الإنسان. 3- حينئذ الابن نفسه (كابن الإنسان) سيخضع للذي أخضع له الكل (أي سيخضع للآب). فبعد أن يوضع كل الأعداء تحت قدمي المسيح، حيث أن آخر عدو يبطله هو الموت، وذلك بطرحه في بحيرة النار (رؤ20: 14)، فلا يكون هناك مقاوم أو معارض؛ يأتي المسيح كالإنسان، وباختياره، سيسلِّم المُلك. وبذلك ينتهي دور المسيح التوسطي، الذي نهايته الملك الألفي والقضاء على كل الأعداء، ليكون الله الكل في الكل. لكن لا بد أن نؤكِّد على هذه الحقيقة: أن خضوع المسيح كابن الإنسان للآب لا يقلِّل من قيمة شخصه الأزلي الأبدي المعادل للآب والروح القدس. ثانيًا: رسالة أفسس: «أخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسد» (أف1: 22). وهنا نرى كيف قصد الآب أن يكرم الكنيسة، فأعطاها المسيح، الذي هو فوق كل شيء، ليكون رأسًا لها. معنى هذا أنه عندما يخضع كل شيء للمسيح، ستكون الكنيسة متحدة معه في ذلك باعتباره رأسها. ويا له من امتياز! ثالثًا: رسالة العبرانيين: «فإنه لملائكة لم يُخضع العالم العتيد... لأنه إذ أخضع الكل لم يترك شيئًا غير خاضع له» (عب2: 5-9). وهنا نرى مجد المسيح كابن الإنسان، في الماضي والحاضر والمستقبل؛ ففي الماضي ذاق الموت، لكي يمجِّد الآب، كقوله: «الآن تمجد ابن الإنسان، وتمجد الله فيه»، وكما قال لأبيه: «أنا مجّدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته» (يو17: 4). وفي الحاضر نراه مكلَّلاً بالمجد والكرامة، كما يذكر الرسول بطرس «الذي هو في يمين الله، إذ قد مضى إلى السماء، وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له» (1بط3: 23). وفي المستقبل سيكون الكون كله خاضعًا له، وذلك في العالم العتيد الذي هو المُلك الألفي. وهنا تتم العبارة التي جاءت في بداية المزمور الثامن وفي نهايته «أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض!». |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|