في آية واحدة من أشهر آيات الكتاب المقدس قدم الرب يسوع ملخصا ً وافيا ً لرسالة الانجيل " لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." ( يوحنا 3 : 16 ) . والانجيل سُمي إنجيلا ً أي البشارة بالاخبار السارة ، لانه يقول لكل انسان ان الله يحبك ، والواقع ان هذا النبأ كان ولا يزال سبب بهجة غامرة وضمانا ً للسعادة لكل من يصدّق ويؤمن به ايمانا ً حقيقيا ً قلبيا ً ، فالرسول يوحنا مأخوذا ً بهذا الحب لم يسعه الا ان يهتف من الاعماق : "اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ " ( 1 يوحنا 3 : 1 ) .
مما يبهج حقا ً بل يُطمْئن أيضا ً ان الله قدم محبته بلا شروط مسبقة لانه هكذا احب الله العالم ، ولذلك فلا يلزمك أصلا ً ان تُقيّم نفسك حتى تتأكد انك واحد ممن يشملهم بمحبته ، لقد احب الكل فاغدق على الجميع فضلا ً من خيره " فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ . " ( متى 5 : 45 ) . لكن لعل الرب يسوع كان يقصد في المقام الاول بقوله : "هكذا احب " ان يقودنا نحو اعماق محبة الله الفائقة المعرفة وافاقها الرحبة . نعم هكذا احبك حتى بذل ابنه الوحيد ، وهل هناك تعبير عن سمو وعظمة المحبة الالهية اصدق من آلام المسيح " الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا " على الصليب ( غلاطية 1 :3 4 ) . ان الابدان لتقشعر لمجرد التفكير في آلام الصلب ، ومع هذا فان آلام المسيح المصلوب فاقت آلام أي مصلوب سواه .
ماذا كان يملك أي مصلوب مهما اشتدت به الآلام الا ان يستسلم صاغرا ً ، اما المسيح فبقدرته الفائقة وسلطانه المطلق كان يستطيع ان يتخلص من الصليب ولكنه تحامل على نفسه واستمر يتحمل الآلام رغم الاستهزاء والاستفزاز والتجديف والتحديات التي صبوها عليه ، وكل مصلوب كان يحمل وزر نفسه فقط اما المسيح فكان يحمل حملا ُ فائقا ً ، خطايا البشرية كلها " لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ." ( عبرانيين 2 : 9 ) . كم كانت آلامه النفسية وهو يواجه الآب حاملا ً كل " خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ" ( 1 بطرس 2 : 24 ) . حجب الآب وجهه عنه فاظلمت الدنيا من حوله ، حينذٍ صرخ صرخته المدوية " إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" ( متى 27 : 46 ) .
كم تعذب المسيح بمحبته الفائقة عندما قوبلت محبته بالجحود وكوفئت بالصلب وكم كان قاسيا ً على ابن الله بمكانته الفائقة ان يتحمل العقاب المشين على صليب العار . واذا كان الهدف مما بذلته المحبة ان لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الابدية الا ان ذلك البذل الكبير يعطينا ايضا ً ضمانا ً واطمئنانا ً على كل امورنا في هذه الحياة لأن " اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ ؟ "( رومية 8 : 32 ) .