قداسة البابا تواضروس الثاني
إن الإنسان يعيش في عالم ملئ بالجروح والمشاعر السلبية والإساءات التي تصيبه من الآخرين، وتكون النتيجة هي إصابته بمشاعر المرارة والغضب والقلق والخوف والظلم والاكتئاب والانتقام وكل هذه الجروح والمواقف تسبب له حالة إحباط نفسي يختلف من وقت لآخر. وهذا يؤثر على جسده ونفسه وروحه وبالتالي على سلوكياته وتصرفاته سواء في البيت أو الكنيسة أو المجتمع وتنشأ عنده حالات الكراهية واليأس والانطواء وغياب الفرح مع أعراض أخرى مدمرة قاسية.. ولا يجدي مع ذلك النسيان أو الإنكار أو الابتعاد.. ويقف الإنسان حائرًا ماذا يفعل؟! وليس هناك علاج أو مخرج من هذه الحالة إلا بالغفران والمسامحة. إن قوة التسامح هي المنقذ الوحيد للخروج من هذه المشاعر السلبية التي شعرت فيها النفس بالإيذاء النفسي العميق.
ومعروف أن الشريعة في العهد القديم لا تقتصر على وضع حد للانتقام “عَيْنًا بِعَيْنٍ” (خروج 21: 23) ولكنها أيضًا تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما تحرم الانتقام والحقد نحو القريب (لاويين 19: 17-18). وقد تأمل ابن سيراخ الحكيم في هذه التشريعات واكتشف الرابطة التي تربط بين غفران الإنسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الإنسان من الله: “…اِغْفِرْ لِقَرِيبِكَ ظُلْمَهُ لَكَ فَإِذَا تَضَرَّعْتَ تُمْحَى خَطَايَاكَ..” (سيراخ 28: 2).
والقاعدة واضحة جدًا أمام الإنسان؛ أن الله لا يمكن أن يغفر لمن لا يغفر لأخيه. ومن أهمية ذلك أن السيد المسيح وضع هذه القاعدة في الصلاة الربانية التي نرددها كل يوم حتى لا ننساها.. إن مسامحة أخيك شرط طلب الغفران الإلهي (لوقا 11: 4؛ متى 18: 23). ولذا نجد السيد المسيح يفرض على بطرس الرسول ألا يمل من الغفران (متى 18)، ونقرأ أن إستفانوس الشماس الأول مات وهو يغفر لراجميه (أعمال 7: 10) لأن الذي “يحب” عليه أن يعي أن هناك فعلين يعملهما: أن يسامح وأن ينسى أية إساءة.