|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قداسة البابا تواضروس الثاني مقال لقداسة البابا تواضروس الثاني في مجلة الكرازة أعظم قوة من الكلمات المبهرة في الحياة الإنسانية كلمة: “القوة” وهي كلمة واسعة المعاني وعديدة الأبعاد والمجالات.. فهناك قوة العلم والمعرفة والمعلومات.. وهناك قوة المال والثروة والكنوز.. وهناك قوة البدن والصحة والعضلات.. وهناك قوة الفكر والأدب والفلسفات.. وهناك قوة النسك والزهد والتقشف.. وهناك قوة السيطرة والاستحواذ والتحكم.. وغير ذلك كثير ونوعيات.. ربما يصعب حصرها.. وذات يوم تساءلت ما هي أعظم قوة في حياة الفرد؟! أو حياة المجتمع؟! أو حياة الشعوب؟! وشغلني السؤال وأنا أقرأ في كتب التاريخ وقصص الزمان، ووجدت أن كل أنواع “القوة” تظهر على مسرح الزمان وتستمر وقتًا ثم تنتهي. وهكذا كانت الممالك والإمبراطوريات الكبيرة والجيوش العتيدة.. وهكذا كان الملوك والأباطرة والطغاة، ومن كان دكتاتورًا في زمنه وانقضى ومن كان متميزًا ومشهورًا في جيله وانتهى.. ومن صار علامة في حياة البشر إيجابًا أو سلبًا.. حتى أن سليمان الحكيم يقول في سفر الجامعة: “بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ، الْكُلُّ بَاطِلٌ.. مَا الْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ؟” (1: 2، 3). ويظل التساؤل: ما هي أعظم قوة في حياة الإنسان؟ وما هي هذه القوة التي تحمي الإنسان من السقوط في الخطأ؟! إنها قوة “الغفران” التي ينالها الإنسان من الله، وهي قوة “التسامح” أو المسامحة التي يقدمها الإنسان لأخيه الإنسان. وقبيل صعود السيد المسيح إلى السماء بعد قيامته ظل أربعين يومًا يظهر لتلاميذه قائلاً: “هكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الأُمَمِ…” (لو 24: 46، 47). أمام الخطايا يظهر إله الغفران: “إِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، بَطِيءُ الْغَضَبِ وَكَثِيرُ الإِحْسَانِ وَالْوَفَاءِ حَافِظُ الإِحْسَانِ إِلَى أُلُوفٍ غَافِرُ الإِثْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْخَطِيَّةِ وَلكِنَّهُ لَنْ يُبْرِئَ إِبْرَاءً” حتى أن موسى النبي يصلي ويقول: “إِنَّهُ شَعْبٌ صُلْبُ الرَّقَبَةُ وَاغْفِرْ إِثْمَنَا وَخَطِيَّتَنَا وَاتَّخِذْنَا مُلْكًا” (خروج 34: 6-9). إن الإنسان يعيش في عالم ملئ بالجروح والمشاعر السلبية والإساءات التي تصيبه من الآخرين، وتكون النتيجة هي إصابته بمشاعر المرارة والغضب والقلق والخوف والظلم والاكتئاب والانتقام وكل هذه الجروح والمواقف تسبب له حالة إحباط نفسي يختلف من وقت لآخر. وهذا يؤثر على جسده ونفسه وروحه وبالتالي على سلوكياته وتصرفاته سواء في البيت أو الكنيسة أو المجتمع وتنشأ عنده حالات الكراهية واليأس والانطواء وغياب الفرح مع أعراض أخرى مدمرة قاسية.. ولا يجدي مع ذلك النسيان أو الإنكار أو الابتعاد.. ويقف الإنسان حائرًا ماذا يفعل؟! وليس هناك علاج أو مخرج من هذه الحالة إلا بالغفران والمسامحة. إن قوة التسامح هي المنقذ الوحيد للخروج من هذه المشاعر السلبية التي شعرت فيها النفس بالإيذاء النفسي العميق. ومعروف أن الشريعة في العهد القديم لا تقتصر على وضع حد للانتقام “عَيْنًا بِعَيْنٍ” (خروج 21: 23) ولكنها أيضًا تنهي عن بغض الأخ لأخيه، كما تحرم الانتقام والحقد نحو القريب (لاويين 19: 17-18). وقد تأمل ابن سيراخ الحكيم في هذه التشريعات واكتشف الرابطة التي تربط بين غفران الإنسان لأخيه وبين الغفران الذي يلتمسه الإنسان من الله: “…اِغْفِرْ لِقَرِيبِكَ ظُلْمَهُ لَكَ فَإِذَا تَضَرَّعْتَ تُمْحَى خَطَايَاكَ..” (سيراخ 28: 2). والقاعدة واضحة جدًا أمام الإنسان؛ أن الله لا يمكن أن يغفر لمن لا يغفر لأخيه. ومن أهمية ذلك أن السيد المسيح وضع هذه القاعدة في الصلاة الربانية التي نرددها كل يوم حتى لا ننساها.. إن مسامحة أخيك شرط طلب الغفران الإلهي (لوقا 11: 4؛ متى 18: 23). ولذا نجد السيد المسيح يفرض على بطرس الرسول ألا يمل من الغفران (متى 18)، ونقرأ أن إستفانوس الشماس الأول مات وهو يغفر لراجميه (أعمال 7: 10) لأن الذي “يحب” عليه أن يعي أن هناك فعلين يعملهما: أن يسامح وأن ينسى أية إساءة. إن الإنسان المسيحي يجب أن يغفر دائمًا ويغفر بدافع المحبة أسوة بالمسيح (كولوسي 3: 13) ولا يقاوم الشر إلا بالخير (رومية 12: 21). إن السيد المسيح لم يدعو الخطاة إلى التوبة والإيمان فقط، بل أعلن أنه لم يأتِ إلا ليشفي ويغفر. إن مقابلة الخير بالخير هو عمل إنساني، ومقابلة الخير بالشر هو عمل شيطاني، أما مقابلة الشر بالخير فهو عمل إلهي. فالغفران عمل صعب على البشر لأنه ليس من طبيعتهم، ولكنه يحتاج قوة إلهية خاصة نابعة من المحبة التي سكبها الله في قلب الإنسان المسيحي (رومية 5: 5)، وبها يغفر ويسامح ويغسل قلبه ونفسه من الإساءة ومن المرارة، ولذا نصلي يوميًا: “قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي أحْشَائِي” (مزمور 50). يا صديقي: أن تسامح الإنسان الآخر الذي أساء إليك هو قرارك بإرادتك ورغبتك واختيارك.. ولكن اعلم أن مكسبك كبير للغاية وهو الحصول على قدر أكبر من الرحمة الإلهية والشفاء الداخلي الذي تحتاجه في حياتك الحاضرة والآتية أيضًا. كما نصلي في مديحة الصوم الكبير: طوبى للرحما على المساكين ؞ فإن الرحمة تحل عليهم.. والمسيح يرحمهم في يوم الدين ؞ ويحل بروح قدسه فيهم. والمساكين هنا ليس فقط فقراء المال والعوز ولكن أصحاب الشخصية الفقيرة في السلوك والتصرف والأدب والأخلاق والمعاملة. لتكن صلاتك: أعطني يارب طاقة تسامح وغفران لكل من أساء إليَّ.. املأ قلبي بمحبتك فأستطيع أن أحب حتى الذين أساءوا إليَّ في مشوار حياتي. لا تدعني أحمل ضغينة ضد أي أحد.. علمني أن أسامح وأن أغفر وأن أحب رغم الضعف والفكر والميول القلبية الشريرة التي تحاربني وتبعدني عن طاعة وصيتك الغالية “اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ” (لوقا 6: 37). أوعدك يارب أن أبدأ صفحة جديدة كلها تسامح وغفران وتوبة وحياة نقية أطلب فيها نعمتك وروحك القدوس مرشدًا ومعينًا لحياتي. آمين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|