|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مريم تحت الصليب وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ” (يوحنا25:19-27). لم يقل لنا الأنجيل في العهد الجديد الكثير عن خبرة مريم العذراء عند جبل الجلجثة، وفي الحقيقة انجيل يوحنا يأتي الينا فقط بتسجيل انجيلي عن وجودها هناك. لم تقل أم يسوع كلمة واحدة والفعل الوحيد التي قامت به هو وقوفها عند صليب إبنها. نعم ان مجرد وقوفها عند صليب يسوع يمكن ان يقول لنا كثيرا عن ان مريم هي تلميذة مؤمنة وآمينة حتى النهاية. منذ ذلك الحين الذي بدأ يسوع فيه يتكلم خاصة عن موته القادم في أورشليم وقال لتلاميذه عن معاناته ومرافقته حتى الصليب:” حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوُا ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي مَلَكُوتِهِ»(متى24:16-28) وأيضا في مرقس 34:8-1:9) وأيضا في لوقا23:9-27).ولكن معظم التلاميذ سيخلون يسوع في يوم الجمعة العظيمة بتركه عندما أُخذ لكي يُصلب. عند العشاء الأخير تنبأ يسوع من كل هذا سيحدث وقال كيف ان الرسل سيتركونه:” هُوَذَا تَأْتِي سَاعَةٌ، وَقَدْ أَتَتِ الآنَ، تَتَفَرَّقُونَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى خَاصَّتِهِ، وَتَتْرُكُونَنِي وَحْدِي. وَأَنَا لَسْتُ وَحْدِي لأَنَّ الآبَ مَعِي”(يوحنا32:16). 11 من ال 12 رسول هجروا يسوع يوم الجمعة العظيمة، ولكن فقط التلميذ الذي كان يحبه يسوع كما عرّف نفسه وهو يوحنا ظل مع يسوع حتى النهاية، وأيضا اربع نسوة وقفن عند صليب يسوع عند لحظاته الأخيرة واظهروا ايمان عظيم اكثر من بطرس مثلا والذي قال يوما ما انه سيتبعه مهما ذهب حتى انه اعلن ليسوع قائلا له:” يَا سَيِّدُ، لِمَاذَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتْبَعَكَ الآنَ؟ إِنِّي أَضَعُ نَفْسِي عَنْكَ!»(يوحنا37:13). حتى الآن يبرهن على الإيمان بالفعل وليس بالقول وبطرس لم يوجد واقفا عند صليب يسوع، وبدلا من ذلك نرى بطرس واقفا في منظر محاكمة يسوع وتعذيبه كما جاء في انجيل يوحنا مشتبه في انكار معرفته بيسوع وواقفا على باب دار رئيس الكهنة”وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا”(يوحنا16:18)، وكان بطرس واقفا يتدفأ مع العبيد والخدام:”وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي”(يوحنا18:18)، وناكرا معرفته بيسوع ثلاثة مرات”فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ: «لَسْتُ أَنَا!»(يوحنا17:18) و “وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفًا يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ؟» فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا!». قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟» فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ” (يوحنا25:18-27). مريم العذراء كانت مع مجموعة النسوة اللواتي برهن على ايمانهن وشجاعتهن بدلا عن بطرس والعشرة الرسل الأخرون والذين تركوا يسوع في ساعته والتي يحتاج فيها الى اكثر من تعضيد. مريم واحدة من قلائل وقفن عند صليب يسوع في يوم الجمعة العظيمة، واكثر من هذا فانجيل يوحنا أيضا يظهر ويشير بأن مريم قد أظهرت ايمانها اثناء الألام بمشاركة ابنها في معاناته بطريقة فريدة. لقد تأمل البابا يوحنا بولس الثاني في كيف متعارض الصليب كما يبدو من وجهة النظر البشرية عما سمعته مريم اول مرة من الملاك عند البشارة، ففي ذلك الوقت قيل لها ان إبنها سيكون “عظيما” وان الله سيعطيه “عرش داود أبيه”، وانه” سيملك على بيت يعقوب للأبد” و” ان مملكته لن تزول”:”هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»(لوقا32:1-33). والآن تقف عند اقدام الصليب وماذا تشهد مريم بعيون بشرية ما يظهر على انه “انكار تام لتلك الكلمات”. عند الجلجلثة، كل شيئ قاله الملاك جبرائيل لمريم عن ابنها ومملكته التي لا تنقرض يبدو ويثبت انه خطأ. كما قال البابا يوحنا بولس الثاني انه فقط الإيمان القوي يستطيع ان يتحمل ويحملها خلال تلك الساعة المظلمة ويقدر ان تذكرها بأن تظل تلميذة مؤمنة تقف عند صليب ابنها الوحيد. كم هو عظيم وفوق الطبيعة طاعة الإيمان الذي اظهرته مريم امام وجه الله وكيف انها انكرت ذاتها وسلمته لله بدون تحفظ ومقدمة كل إرادتها له هذا الذي تفوق طرقه كل عقل او تصور:”يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ!” (رومية33:11). خلال حياة القديسة مريم ومنذ دعاها الله لكي تسلّم نفسها لخطة الله الخلاصية للبشر وتخضع كيانها كله وحياتها من أجل أسرار لم تنكشف بعد لها وقادتها تلك الرحلة خلال الفقر والمعاناة ولحظات من عدم التأكد وعدم الفهم. ولكن الآن لقد أُخذت الي جبل الجلجلثة حيث في يوم الجمعة العظيمة تشهد ليس قبول المجد من إبنها كملك بل رفض كامل وتعذيب ثم موت على خشبة. هنا تواجه مريم اختبارها العظيم للإيمان، فمن وجهة النظر البشرية لا يشبه المسيح أي ملك على الإطلاق فهو مضروب ومعرّى ومجروح ومسمّر على صليب. يسوع يشبه انسان فشل بطريقة مأساوية يسخرون منه ويقتل من أعداؤه. صلبه على أيدي الرومان واعداؤه وامام ووسط شعبه يبدو علامة لنهاية ملكوت الله والذي جاء ليعلن عنه ولكي يؤسسه هنا على الأرض. ولكن مريم يتم تحديها بشكل قوي لكي ترى ما أراد ان يظهره انجيل يوحنا – ان صليب يسوع هو في الحقيقة عرشه، فعندما “يُرفع” على الصليب يظهر كملك وان رئيس هذا العالم- الشرير- قد طرح خارجا:” اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا. وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ»(يوحنا31:12-32). في تلك اللحظة الحرجة بينما لا يوجد أي سند بشري يعضد مريم والشيئ الوحيد الذي يمكن ان تعتمد عليه هو إيمانها بأن المعلّق على الصليب هو في الحقيقة إبن الله والذي سيملك للأبد، إيمان بأنها في الحقيقة “أم ربي” كما قالت لها اليصابات يوما ما، إيمان بأن ذلك هو “السيف” في حقيقته كجزء من خطة الله كما تنبأ سمعان الشيخ في القديم وان ابنها مرة أخرى يقوم بعمل “أبيه السماوي”. عندما وجدت مريم نفسها واقفة تحت الصليب فهي بلا شك تعاني من حزن عظيم، ولكن كتلميذة مؤمنة حتى النهاية فلن تتزعزع وهي أيضا تقف تحت الصليب مؤمنة وواثقة في خطة الله من اجل إبنها ومتذكرة كل ما كُشف لها من قبِبل الملاك والرعاة ونبؤات العهد القديم ويسوع نفسه. لقد علّم القديس البابا يوحنا بولس الثاني بأن إيمان مريم في تلك اللحظة يشمل الإيمان بكلمات إبنها للرسل والتلاميذ من انه:” أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ” (متى21:16)، وهكذا استخلص البابا يوحنا بولس الثاني من ان رجاء مريم عند وقوفها تحت الصليب يشمل نور اقوى من الظلمة هذا الذي قد غمر قلوب كثيرة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|